انضموا معنا

انضموا معنا
نفيــــــــــــد و نستفيـــــــــــد
E-currencies exchanger
E-currencies exchanger

dimanche 28 avril 2013

الاقتـصاد العـربي أمـام تحـدي اقتصاد وإدارة المعرفة

-->
الاقتـصاد العـربي أمـام تحـدي اقتصاد وإدارة المعرفة

لقد عرف النشاط الاقتصادي منذ نهاية القرن 18، وفي فترات متقاربة نسبيا، تحولات ونقلات أحدثت نتائج هامة جدا، إن على مستوى الدراسات والأبحاث النظرية أو على مستوى الواقع المعاش. فعلى المستوى النظري أدت هذه التحولات والنقلات بصفة طبيعية إلى بروز وانتشار مفاهيم اقتصادية على نطاق واسع كان من المفترض أن تشرح الوضعية الجديدة. وعلى هذا الأساس أصبحنا نسمع بالاقتصاد الرمزي، الفجوة الرقمية، مجتمع المعلومات،  السوق الرقمية، المدرسة الإلكترونية، البنوك الإلكترونية، التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال، انقسامات المعرفة،... وهذا ما يضطرنا على الأقل إلى وقفة تأمل ثم وقفة استشراف لما ستؤول إليه الأوضاع غدا.
إن شمولية الاقتصاد العالمي " أو عولمة الاقتصاد" وما اتفق على تسميته الاقتصادي المبني على المعرفة مفهومين حديثين، كثيرا ما أثير حولهما النقاش -وما يزال الأمر كذلك حتى اليوم- بين الساسة ورجال الفكر والاقتصاد والاجتماع وغيرهم من الأكاديميين. وفي الغالب، تحلل وتدرس كل من الظاهرتين على انفراد، وهذا ما يترك انطباعا بعدم وجود علاقات بينهما، بالرغم من أن العولمة مرتبطة ارتباطا وثيقا ببروز اقتصاد مبني على المعرفة والدراية. كما أن تلازم هاتين الظاهرتين في عالم يتجه أكثر فأكثر نحو الاندماج يقضي بان الأمر لن يكون إلا كذلك.
إن نسق العولمة حديث جدا لأجل تقديم تعريف مقبول ونهائي أو يحظى بإجماع، لكن بالمقابل يمكن اعتبار أن المعني الأكثر تداولا لظاهرة العولمة هو أنها تمثل اندماجا للأسواق الوطنية من السلع والخدمات في سوق عالمي وحيد وشامل. ويعدّ التوسع المعتبر الحاصل في المبادلات الدولية من السلع والخدمات وتدفقات الاستثمارات المباشرة والعمالة وتدفقات رؤوس الأموال خلال الثلاث عشريات الأخيرة إثباتا لهذا التطور أو الاندماج.
بالنسبة لنا، هذا التعريف ضيق لان التدفقات الدولية للسلع والخدمات وعمليات الشركات متعددة الجنسيات كانت دائما ومنذ القديم مستقطبة، وهي بهذا لا تترجم لنا حقيقة ما يدور حولنا ونراه بأعيننا ونعتقده في أذهاننا ويشكل جوهر ظاهرة العولمة.
إن تعريفنا لظاهرة العولمة يتركز على فكرة أننا في مواجهة نسق تطوّري أو ارتقائي " processus évolutionnaire"- من شكل النظرية البيولوجية لتطور الأنواع( البشرية والنباتية)- على الأمد الطويل جدا. كما أن العولمة أساسا هي اتجاه نحو بروز السوق العالمي لعوامل الإنتاج مندمج أكثر فأكثر. ولحد الآن، فان هذا الاتجاه- الذي لا يزال في بداياته- يخص من بين ما يخص العمل، أين يفترض التنفيذ استعمال معارف وكفاءات عالية المستوى. فالموهوبون في حل المشاكل المعقدة يحصلون على رواتب تتزايد أكثر فأكثر كلما زاد الطلب على خدماتهم في حل المشاكل، وكلما كانت المشاكل المطروحة هامة والحلول المقدمة تؤدي إلى انبعاث موارد تقع في جهات مختلفة من العالم.
لقد أصبح أولئك الذين يشتغلون في المعرفة ويستعملون المهارات والخبرات الأكثر تطورا في حل المشاكل المعقدة يوجّهون كفاءاتهم على المستوى الدولي ويقدمونها في كل مكان في العالم يطلبون إليه. وهذا ما يدفعنا إلى القول ابتداء بوجود علاقة وثيقة بين العولمة الاقتصادية واقتصاد المعرفة، وأن العولمة الاقتصادية تنجم مباشرة من بروز اقتصاد مؤسّس على المعرفة.
في الحالة التي تهمنا هنا، يمكن القول بان ظاهرة العولمة تنتج مباشرة من بروز اقتصاد مبني على المعرفة والمعلومة،  ويمكن اعتبار اقتصاد المعرفة كاقتصاد أين ترتبط فيه الأنشطة الاقتصادية أكثر فأكثر بصفة إجمالية، باستخدام المعرفة- مدمجة أو غير مدمجة في رأس المال الإنتاجي-كعامل إنتاج محدد.
ولو تمعنا النظر لوجدنا أن العولمة بمفهومها المنتشر اليوم ما هي إلا الإستراتيجية المطبقة من طرف الشركات الكبرى لتتمكن من المرور بسرعة وبفعالية من اقتصاد كتلة موحّدة "économie de masse standarisée" إلى اقتصاد معرفة "économie de savoir" أين يتجلّى التميّز والتحسين المستمر. ومن اجل تامين الانتقال بدون عوائق تخلت الشركات العالمية الكبرى عن الهيكل الهرمي الذي يتميز به اقتصاد الإنتاج الكبير، لتعتمد هيكلا شبكيا أكثر ملاءمة مع اقتصاد يكون فيه إنتاج الثروة تابعا للمعرفة والمهارة، لأن الهيكل الهرمي ينقصه المرونة ولا يفضل نشر المعلومة، وهذا ما يمثل عائقا للشركة التي ترمز لاقتصاد المعرفة. هذه الشركة بحاجة إلى هيكل خفيف وأكثر نشاطا وحيوية يسمح باستعمال مكثف للمعلومة وإرسالها بين أعضائها بطريقة تجسد الإبداع الكامن بسهولة، على شكل منتجات أكثر تحضيرا.
ويختلف اقتصاد المعرفة اختلافا كثيرا عن اقتصاد الإنتاج الكبير الموحّد، وكنتيجة يجب أن يكون الاقتصاد منظما بطريقة مختلفة على أساس مبادئ ملائمة مع قيوده ومتطلباته. بالمقابل فان العولمة ما هي إلا شكل من التنظيم القاعدي متبنى من طرف المؤسسات التي تكيّفت مع اقتصاد المعرفة على أمل الاستفادة من أحسن موقف أو وضعية. وكملخص يمكن القول أن العولمة هي الهيكل التنظيمي للمؤسسات التي تكيفت مع اقتصاد المعلومة.

إن المؤسسات التي تضع اكبر قدر من الوسائل في متناول أعضائها بهدف الحصول واكتساب المعرفة واستعمالها بفعالية تحصل على أحسن النتائج في مجال الإنتاجية الاقتصادية الإجمالية.
على المستوى الدولي، تساهم الشركة الشبكة "la firme réseau" في إحداث اقتصاد سائر نحو العولمة، وعليه فان العولمة هي شكل التنظيم الذي يستجيب بصفة أحسن لمقتضيات اقتصاد المعرفة من ناحية التنشيط، التجريب والتدويل. ويسمح هذا النسق بكسب المعرفة وبنشرها وباستعمال أحسن لها، ومع ظهور اقتصاد المعرفة أصبحت النجاعة الاقتصادية لكل بلد تقاس بدلالة القدرة الفردية والجماعية لأفرادها في استعمال كفاءاتهم ومواهبهم في سبيل اقتراح حلول لمشاكل كبرى معقدة.
في اعتقادنا تأتي المشاكل والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي نحمّل مسؤولياتها إلى نسق العولمة من بروز اقتصاد المعلومة والمعرفة. فالمشكلة ليست في العولمة ولكن في التحديات التي يطرحها اقتصاد المعرفة لأجل كل الذين ليس لديهم شيء آخر يعرضونه سوى قوة عملهم البسيط، هذا الأخير الأقل طلبا وكنتيجة الأقل راتبا.
إن الاقتصاد المبني على المعرفة اقتصاد فيه إنتاج الثروة تابع بصفة أكثر للمعارف بالمفهوم الواسع للكلمة. وعليه يصبح البحث الأساسي والتطبيقي، التطور التقني، التكنولوجيا والمهارة المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي.
وإذا كان اقتصاد المعرفة مظهرا واضحا من مظاهر تطور اقتصاديات الدول المتقدمة إلا أن تحليل آلياته وفهم سيره يشكل بالمقابل مهمة صعبة جدا، ولا تزال في بداياتها، هذه الصعوبة تقع في الجزء الأكبر منها في اعتبار المعرفة والمهارات والمعلومة تشكل عامل إنتاج غير ملموس يصعب قياسه.
على مستوى التحليل الاقتصادي يرجع أصل الاقتصاد المبني على المعرفة إلى الأعمال الأولى لنماذج النمو الاقتصادي. ففي النماذج النيو-كينزية أو النيو –كلاسيكية يحدث النمو الاقتصادي عن عوامل تتحدد خارج النطاق الاقتصادي. بمعنى آخر فان المتغيرات التي تشرح النمو هي متغيرات خارجية، ومن بين هذه المتغيرات هناك معدل نمو السكان النشطين والتطور التقني.
هذا التصور للنمو الخارجي croissance exogène كثيرا ما عورض من قبل منظري النمو الداخلي croissance endogène، هؤلاء المنظرين الذي يقرّون بان فرضية العائد الثابت أو المردود الثابت لا يمكن ملاحظتها في واقع نسق الإنتاج. أكثر من هذا، يعتبر هؤلاء المنظرين بان التطور التقني لا يسقط من السماء فهو ثمار الاستثمارات التي قام بها الأعوان الاقتصادية الذين يبحثون عن مصالحهم. في هذا المجال فان التطور التقني ومن ثمة النمو الاقتصادي لا يعد ظاهرة طبيعية يرتبط مجراها بسلوك الأعوان الاقتصادية.
تأخذ نماذج النمو الداخلي في الحسبان عوامل تم تجاهلها من قبل أو اعتبرت عوامل خارجية، أي خارجة عن النظام الاقتصادي (التطور التقني). في هذه النماذج تشكل فرضية العوائد المتنامية وحضور الوفورات الخارجية في نسق التراكم قطيعة منهجية مع النماذج السابقة.
وتسمح إعادة النظر في الفرضية النيو-كلاسيكية للعوائد الثابتة بأخذ بالاعتبار للوفورات الخارجية للعوائد المتنامية، ويمكن تعريف الوفورات الخارجية كآثار غير مباشرة مستحثّة من طرف نشاطات أفراد أو مؤسسة على الإنتاج أو الاستهلاك، أو رفاه الأفراد الآخرين ومؤسسات أخرى بدون أن يعاقب السوق هذا النشاط بسعر.
بالنسبة لهؤلاء المنظرين ينتج النمو الداخلي على أربع عوامل تتفاعل فيما بينها: رأس المال المادي، التكنولوجيا، رأس المال البشري، رأس المال العام:
- رأس المال المادي le capital physique: 
 ويخص التجهيزات التي استثمرتها المؤسسة لأجل إنتاج السلع والخدمات، فالمؤسسة تستثمر في التجهيزات الجديدة والوسائل لزيادة الإنتاج؛
- التكنولوجيا la technologie:
يبدو التراكم في النقطة السابقة تراكما غير معرفي، بالمقابل تراكم المعارف التكنولوجية هو اتجاه إرادي ينتج عن نشاط خاص:البحث والتطوير، حيث تسمح نفقات البحث والتطوير باختراع تجهيزات جديدة وعوامل إنتاج جديدة أكثر إنتاجية من القديمة. ويؤدي نشاط البحث والتطوير إلى وفوٍات خارجية إيجابية. بالمقابل جزء من نتيجة البحث والتطوير تعود إلى الذي ينجز هذه البحوث، وهذا ما يحفز على إجرائها. جزء آخر يمثل وفورات خارجية تكون بمثابة اصل عمومي غير متملك يأخذ منه الجميع. يخص هذا الجزء العائد الاجتماعي للبحث والتطوير، الذي يسمح بتمرير أفكار جديدة تكون البدايات الأولى للإبداعات مستقبلا.انه تراكم المعارف الجديدة الناتجة عن المعارف القديمة وعن البحث الذي يطور التكنولوجيا ومن ثمة النمو.
- راس المال البشري le capital humain:
يعرف راس المال البشري بمجموع القدرات المدمجة للأفراد والتي لها فعالية إنتاجية، ونفرق عادة بين التراكم الإرادي ( schooling) والتراكم غير الإرادي  (learning by doing)، في هذه الحالة الوسيلة الجديدة لرأس المال لكل فرد تحدث كوفورات خارجية ايجابية: كفاءة جماعية، ويكون للفرد المؤهل حظوظا اكبر لان يكون فعالا بانتمائه لمجموعة يكون فيها معدل التأهيل مرتفعا.
- راس المال العام le capital public:
يخص الاستثمارات المنجزة عن طريق السلطات العمومية ويشمل استثمارات في راس المال المادي، رأس المال البشري، وفي التكنولوجيا. ولهذه الاستثمارات اثر على الدخل، اثر على القدرة، اثر على إنتاجية القطاع الخاص واثر على الوفورات الخارجية.
وأخذا بالاعتبار لبعض الخصائص المحددة للمعرفة، فان الاختلافات بدلالة التخصيص الأولي للمعرفة واكتسابها بين الأمم تترجم بانحرافات إنتاجية نهائية لا يمكن تداركها. ومن هنا فان مبدأ المزية للذي يصل الأول " first-coming advantage" يطبق أيضا على البلدان التي تتبع بعزم وثبات سياسة اكتساب المعرفة لدى شعوبها، هذه السياسة التي يمكن وضعها بسهولة في بلدان اقل كثافة سكانية، اقتصاديا أكثر تقدما مع توجه قوي نحو أنشطة الخدمات التي لها قيمة مضافة كبيرة.
في المداخلة المقترحة سوف نثري هذه الإشكالية من خلال مجموعة من النقاط لعل من أهمها:
1.       المعرفة وإدارة المعرفة؛
2.       إستراتيجية إدارة المعرفة؛
3.      مقتضيات المعرفة؛
4.      مقتضيات إدارة المعرفة؛
5.      سوء إدارة المعرفة.
المعرفة وإدارة المعرفة:
 في الواقع إن الاهتمام بالمعرفة لم يكن وليد العشريات الأخيرة من القرن العشرين وإنما ارتبط بوجود الإنسان على هذه المعمورة, فقد وظّف الإنسان عقله وحواسه لمعرفة ذاته وخالقه وما حوله من كائنات وأشياء.
ولو عدنا إلى حقب ماضيه لوجدنا أن حمو رابي أول حاكم في التاريخ يهتدي إلى أهمية التعليم حين أنشأ أول مدرسة في بلاد ما بين النهرين بحدود ألفي سنة قبل الميلاد، ثم جدّد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس(551ِ_479ق.م) الدعوة إلى نشر المعرفة حين قال "إن المعرفة هي الطريق الوحيد للتقدم والنجاح الدنيوي على الأرض"، أما الفيلسوف اليوناني أفلاطون (427-347ق.م) فقد أعطى جرعة جديدة ودفعة قوية لأهمية المعرفة من خلال دعوته لإقامة المدينة الفاضلة التي يحكمها الفلاسفة وعشّاق المعرفة، وأفلاطون هو القائل "بدون المعرفة لن يكون الإنسان قادرا على معرفة ذاته, وأن حامل المعرفة وحده القادر على فهم عالمه المحيط به والمتمثل بالوجود. كما نقل عن أرسطو قوله بان كل الناس يرغبون في المعرفة بطبيعتهم.
وقد توالت الأجيال نقل المعارف جيلا بعد جيل, إلى أن جاء الإسلام وجعل من طلب العلم فريضة, وهو الدين الذي بدأ باقرأ, القراءة التي تعد أساس المعرفة ونقطة الانطلاق لكسب المعارف, الإسلام الذي كرّم العلم والعلماء ورفع من مراتبهم, ولم يساوي بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون في شؤون الدين والدنيا, الإسلام الذي كان يخاطب العقل ويثير الاستفهامات أفلا تعقلون, أفلا تبصرون، أفلا تتذكرون،...
ومع تعقد مظاهر الحياة وظهور مشكلات جديدة, واتجاهنا نحو التنظيم الصناعي أكثر فأكثر وتنوع أشكال المؤسسات، تواصلت مجهودات الإنسان لإيجاد حلول للمشاكل المستعصية, فظهرت الجامعات ومراكز البحث والتكوين ومكاتب الدراسات والاستشارات، وبرزت أهمية المعرفة مقرون بالمهارة بشكل جلي في تذليل الصعوبات التي تعترض الأفراد والجماعات ورفع القيود التي تواجه المجتمعات في سبيل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
ورغم التباين والاختلاف بين الدول في شان المزايا التنافسية، ورغم التطور المشهود في هذا الإطار إلا أنه في اقتصاد المؤكد الوحيد هو عدم التأكد، يصبح المصدر الوحيد للميزة التنافسية الدائمة هو المعرفة.
في الحقيقة أن الجديد ليس في أهمية المعرفة والتأريخ لها، وإنما في كيفية إدارتها من اجل تعظيم المنفعة منها. فمنذ مئات السنين يقوم أصحاب المؤسسات العائلية بتحويل معارفهم التجارية إلى أبنائهم، كما يقوم الحرفيون بتكوين الممتهنين لديهم على الحرفة، كما يتبادل العمال الأفكار والمعارف في الورشة. ولكن كان علينا انتظار العشرية الأخيرة من القرن الماضي حتى نرى مسيري المؤسسات يهتمون بهده القضية.
وعادة ما يلحق بالمعرفة المهارة التي تعني "مجموع المعارف التقنية الضرورية من اجل الاستعمال الحسن لإجراء (أو ترتيب معين) أو لآلة. والمهارة أمر ضروري، لان المعرفة لذاتها، والتي لا يمكن ترجمتها إلى أفعال ونشاطات، لا معنى لها، والمهارة لا تؤدّى بدون معرفة مسبقة، إذ على كل فرد قائدا أو منفذا أو عونا أو إطارا في أية منظمة أن يعرف دوره أي المهام الموكلة له، وتبعا لذلك أن يعرف كيف يمارس، كيف يطبق، كيف ينفذ، كيف يواجه، كيف يتصل، كيف يتخذ القرار، وعلى هذا الأساس يتحمل المسؤوليات في نطاق المهام الموكلة له وتصبح حينئذ المنظمة أشبه بخلية نحل يؤدي كل عضو دوره في تناغم مع المجموعة، وهذا في رأينا نتاج وتجسيد للمعرفة والمهارة le savoir et le savoir-faire" ".
وإذا رجعنا إلى مدلول إدارة المعرفة فإننا نجد أن التعاريف المرتبطة بها قد تعددت وتنوعت باختلاف الكتاب وزوايا النظر، وباختلاف الزمان والمكان أيضا. ويمكن أن نورد بعضا من التعاريف أو المفاهيم على النحو التالي:
يقصد بإدارة المعرفة على صعيد المنظمات والمجتمعات تلك الجهود التي تبذل من اجل إتمام واستكمال الخطوات والوظائف التالية، وان تعددت الأقسام والوحدات التي تنهض بها:
تحصيل المعرفة واكتسابها knowledge acquisition:
ويحقق ذلك على مستوى الأفراد والجماعات العاملة في الهيئات والمنظمات الحكومية أو للطلبة الدارسين والمتدربين على سبيل التفرغ أو أثناء العمل، ويقع عبء هدا التحصيل على الجهات الوصية أو السلطات المعنية المؤهلة لهذا الغرض، أو على عاتق الأفراد أنفسهم عن طريق الخبرة والممارسة العملية أو التكوين أو حضور الملتقيات والمناسبات العلمية؛

توزيع المعرفة وإيصالهاknowledge distribution and communication :
وهذا عن طريق وسائل الاتصال المقروءة كالكتب والدوريات والوثائق أو المسموعة عن طريق البث الإذاعي أو المرئية عن طريق التلفزيون إضافة إلى الأقراص المرنة والمضغوطة والأشرطة، وكذلك عن طريق استخدام الشبكات خاصة الانترنيت؛
تفسير المعرفة knowledge interpretation :
ويتم الاستيعاب والفهم لمضامين ومعاني المصطلحات الجديدة أو المعلومات والفرضيات التي تم تلقيها وتحليلها لاكتشاف العلاقة بين الظاهرة المبحوثة أو التي يراد فهمها والمتغيرات أو العوامل المتأثرة أو المؤثرة فيها، بما في ذلك العلاقات السببية الارتباطية. ويراد من التفسير زيادة أو تعمق فهمنا لما يقوله أو يفعله الآخرون من حولنا، أو تفسير أسباب النجاح أو الفشل الذي يواجه البرامج التي طبقت في بعض الأقطار للاستفادة منها، كما يسهم في سعينا لتحليل المشاكل والظواهر التي تعاني منها المنظمات والمجتمعات واكتشاف أسبابها للحيلولة دون تكرارها؛
توظيف واستثمار المعرفة knowledge investment :
إن المعرفة الإدارية التي تبذل الجهود المكثفة في توليدها وصياغتها أو تنفق المبالغ الطائلة المتوصل إليها ومن ثم نشرها واختبارها ليست هدفا بذاتها وإنما هي وسيلة يراد منها تحقيق العديد من الغايات والأهداف القريبة والبعيدة. ولعل من بين الأهداف القريبة للمعرفة هو إسهامها في حل المشكلات الحالية التي تواجهها المنظمات أو الأجهزة الإدارية المختلفة، والتي تتسبب في نقص كفاءاتها أو هدر وقتها وأموالها أو تعرقل تقديم الخدمات لجمهورها وزبائنها.
كما أن هناك من يعتبر إدارة المعرفة مسعى لتسيير المعارف يشمل اتجاهين متمايزين:
 يخص الأول هيكلة وتنظيم وجمع وتحويل المعلومات، أي تلقي، فرز ثم تصنيف:

الوثائق: مذكرات تقنية أو طرق، على سبيل المثال وكذلك المنشورات، القوانين، التقارير،...
الخبرات المهنية، الكفاءة والزبائن...
المشاريع، العروض، الأفكار والاقتراحات،...
ويخص الاتجاه الثاني إثارة، على أساس القاعدة السابقة الموضوعة تحت تصرف الجميع، التبادلات، ردود الأفعال، التعاليق، الأفكار التي تقود إلى الإثراء، تكوين قيمة أو إلى تفكير مستقبلي أو استشرافي. وبهذا تتشكل ذاكرة حية تسمح في النهاية بالاحتفاظ وتطوير المعارف ومهارة المؤسسة وفتح آفاق مستقبلية جديدة).
من جانب آخر يمكن اعتبار إدارة المعرفة بأنها تهتم بتوليد تدفق مثالي من المعارف، مغذّى من طرف جميع الفاعلين في المؤسسة بالمفهوم الموسّع للمؤسسة (فروع، زبائن، شركاء،...)، وان الإدارة الناجعة لهذا التدفق هي رهان للطرق والتكنولوجيات التي تشكل مسعى إدارة المعرفة (
وتغذي إدارة المعرفة بدورها نظام الاستعلام أو الإفادة الذي يغطي الميادين التالية، التي منها ماهو داخلي ومنها ما هو خارجي):
العناصر الداخلية:
- خبرات المهن؛
- خبرات الكفاءات؛
- تحديد القدرات الكامنة التي تمثل مفاتيح بالنسبة للمؤسسة؛
- إدماج قيود الزبائن والموردين؛
- إدماج التوجهات الإستراتيجية المسطرة من طرف المؤسسة؛
- الوثائق التقنية، القواعد والتعاليم الضرورية للنشاط.
إن تقاطع هذه النقاط المختلفة سيسمح بتحديد مجموع الأفعال الممكنة في وقت محدد ومكان محدد عند مستوى قرارات معطى.
العناصر الخارجية:
- معرفة القطاع (يقظة قانونية، تكنولوجية، بشرية،...)
- معرفة السوق (يقظة إستراتيجية،...)
- السيناريوهات العامة الموجودة، كما هي مقررة من فاعلي المؤسسة.
إن تقاطع هذه النقاط المختلفة سيسمح كذلك برسم سيناريوهات للمؤسسة ممكنة دائما عند مستوى قرارات معطى.
ويجب أن نفرق منذ البداية بين المعرفة الإدارية وإدارة المعرفة، إذ يطلق مصطلح المعرفة الإدارية على ذلك الكم والنوع من المعرفة المتخصصة والمتراكمة عبر القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين، والتي أفرزتها المدارس الفكرية الإدارية المتعاقبة (التقليدية والإنسانية والسلوكية وأخيرا الحداثية)
وإذا رجعنا إلى محتوى المعرفة الإدارية نجد أنها "صيغت بشكل مبادئ وفرضيات ونماذج ونظريات، إضافة إلى النتائج التي تمخضت عنها البحوث والدراسات الميدانية والتطبيقية المنشورة في الدوريات المحكمة، وحصيلة التجارب والمهارات العملية التي تأكدت فاعليتها في التطبيق العملي أو تبلورت بصيغة ممارسات أو مبادرات تم اختبارها وإقرارها نظريا وعمليا أو أنها لا تزال في طور الاختبار والتجريب. أما نطاق المعرفة فيشمل وظائف العملية الإدارية المتمثلة في التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والتطوير إضافة للرقابة.وفيما يخص موضوعات المعرفة الإدارية فتشمل المنظمات، السياسات، القيادات، القرارات، التشربعات، الموازنات إلى غير ذلك

إستراتيجية إدارة المعرفة:
 يرى باحثون انه يمكن التفرقة بين إستراتيجيتين لإدارة المعرفة مختلفتين بشكل كبير.. فهناك بعض المؤسسات تستخدم الإعلام الآلي: أي أن المعارف مرمزة ومخزنة بشكل صارم في قواعد بيانات يمكن لكل عامل الوصول إليها، وهذا ما اصطلح على تسميته بـ: إستراتيجية التقنين أوالتقعيد stratégie de codification .
وفي مكاتب استشارية أخرى تحفظ المعارف عامة ارتباطا وثيقا مع الفرد الذي طوّرها، ويتم تداولها أساسا عن طريق اللقاءات، وفي هذه الحالة لا يسمح الإعلام الآلي إلا بتسهيل هذا الاتصال ولا يمثل وسيلة تخزين، وهذا ما اصطلح على تسميته بـ : إستراتيجية الإفراد stratégie de personnalisation . وهذا جدول يقارن بين الإستراتيجيتين في مكاتب الاستشارة:

جدول رقم 01: إدارة المعرفة في مكاتب الاستشارة
إفراد personnalisation
تقنين وتقعيد codification

يسمح بنصائح خلاقة وصارمة على مشاكل استراتيجية من مستوى عالي بفضل توجيه الخبرة الفردية
يسمح بتشغيل أنظمة إعلام سريعة وصادقة وبنوعية عالية بفضل إعادة استعمال المعارف المقننة والمرمزة
إستراتيجية تنافسية
اقتصاد خبرة
فوترة للأتعاب المهمة من اجل حلول فردية جدا لمشاكل خاصة
فرق صغيرة بنسبة عالية من المتعاونين
الأولوية للحفاظ لهوامش الأرباح
اقتصاد إعادة استعمال
استثمار وحيد في راس المال المعرفي وإعادة استثمار مضاعف له
فرق هامة تضم نسبة ضعيفة من المتعاونين
الأولوية لنمو رقم الأعمال
نموذج اقتصادي
فرد لوثيقة
تطوير الشبكة البشرية بما يوافق تقسيم المعارف الضمنية
فرد لفرد
تطوير لنظام التوثيق الإلكتروني يسمح بتقعيد، تخزين، نشر وإعادة استعمال المعارف
إستراتيجية إدارة المعرفة
استثمار معتدل في الإعلام الآلي، الهدف هو تسهيل التكلم وتبادل المعارف الضمنية
هامة
استثمار في الإعلام الآلي، الهدف تحويل المعارف المرمّزة بين الأفراد
تكنولوجيات الإعلام
توظيف الحائزين على ما بعد التدرج MBA الذين يحبون حل المشاكل ويقبلون الغموض
تكوين فردي مؤمّن من طرف مرشد
مكافأة الذين يتقاسمون مباشرة معارفهم مع الآخرين
توظيف جامعيين من التدرج الأول  إعادة استعمال المعارف وتقديم حلول
تكوين فرق كاملة بفضل التمهين عن بعد باستخدام الكمبيوتر
مكافأة الذين يستعملون ويساهمون في قواعد المعطيات
الموارد البشرية
McKinsey, Bain
Andersen, Ernst et Young
أمثلة

ويخلص هؤلاء الباحثون بان اختيار إستراتيجية لإدارة المعرفة ليس فيه أية اعتباطية بل يرتبط بطريقة المؤسسة في خدمة زبائنها وعلى الوضع الاقتصادي للقطاع وعلى طاقم العمال الذي توظفه
مقتضيات المعرفة:
 إن إدماج المعرفة في الاقتصاد اليوم يقودنا حتما إلى ضرورة اكتساب وإتقان استخدام التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال NTIC ، وان أي سياسة طموحة اتجاه إعادة اعتبار المعرفة على مستوى الفرد أو المؤسسة أو المجتمع لن يكتب لها النجاح إذا لم ترافقها سياسة نقل وتحويل وتوسيع وتحكم وتنويع في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وهذا ما يبدو واضحا من خلال تطوير الخطوط الهاتفية وتشجيع إنشاء شركات الربط الشبكي وتألية المؤسسات وغيرها. كما يجب أن نقر بأن محور ومدار المعرفة هو الإنسان ولم يكن التراكم المعرفي ليحدث لولا جهود الأفراد عبر الزمن، والمعرفة هذه يتفاوت فيها بني البشر بمختلف مشاربهم وجنسياتهم من التعلّم إلى الإبداع. وفي ظل محيط لا يتسم فقط بعدم التأكد بل بالعدوانية يصبح إدماج الذكاء أمرا في غاية الأهمية في سبيل البحث عن الفعالية والكفاءة.
المعرفة واستخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال:
لقد سمحت تكنولوجيا الإعلام والاتصال بجعل المعرفة ميسورة وفورية ومتاحة في كل نقطة من العالم، متجاوزين بذلك حدود الزمان والمكان ومخترقين لكل المساقات التقليدية لاكتساب واستعمال المعرفة والمهارة. وبفضل هذا التحول ظهر التعاون الجماعي والدولي الذي قاد المؤسسة إلى التفكير وتطوير اعتبارات وقيم تسمح لها بالتطلع إلى المستقبل بناء على قاعدة جديدة وتجديد نساقات القرار في كل مستويات المؤسسة.
في المقابل تقدم الإعلام الآلي واستخدام الشبكة أعطى إمكانية ترميز وتخزين ونشر بعض الأشكال من المعرفة بأكبر سهولة وبأقل تكلفة.
و منذ عدة سنوات أصبحت المؤسسات تكتسب تكنولوجيا المعلومات، فمثلا في  الو. م. أ في الفترة مابين 1978 إلى1985 ارتفعت حصة تكنولوجيا المعلومات من مجموع الأصول الثابتة للمؤسسات من 1.8 % إلى 7.8 % ، في حين بلغت المشتريات من تكنولوجيا المعلومات سنة 1988 نسبة 42 % من نفقات التجهيز.
تدور نقاشات في أنحاء العالم المختلفة حول التقانات الجديدة ودورها في المجتمع وارتباط مدرسة المستقبل بهذه التقانات. ففي الاتحاد الأوربي أقر رؤساء دوله في اجتماعهم في لشبونة في آذار 2000 بأن " الاتحاد الأوربي يواجه تغيراً مفاجئاً ناجماً عن العولمة والاقتصاد الجديد المقاد بالمعرفة ً، ووضعوا أمامهم هدفاً اسـتراتيجياً رئيسياً هو " أن يصبح اقتصاد الاتحاد الأوربي الأكثر منافسة وديناميكية وقيادةً بالمعرفة في العالم، قادراً على النمو بشكل مستمر مع فرص عمل أكثر وأفضل وتماسك اجتماعي أقوى ".
لقد استند المعنيون في الاتحاد الأوربي في قرارهم المشار إليه أعلاه إلى أن الطريق قد أصبح معبداً لأجل الاقتصاد الجديد وللمجتمعات التي توجه بشكل متزايد بواسطة المعلومات والمعرفة، وإلى قناعتهم أنه وعلى الرغم من أن أنظمة التعليم والتدريب في أوربا تأتي ضمن المواقع الأفضل في العالم، إلا أن بلدانهم تعاني من ضعف أساسي وتقع خلف الولايات المتحدة الأمريكية وذلك فيما يخص استخدام التقانات الجديدة للمعلومات والاتصالات، ويظهر ذلك بشكل أساسي في المجالات التالية:
- نقص في المعدات (الحواسب) والبرمجيات: الحواسب في المدارس تتفاوت من حاسب واحد فقط لكل 25 إلى 400 تلميذ.
- نقص في أعداد المعلمين في أوربا المؤهلين في مجال التقانات الجديدة ، وهم قلة حتى في أكثر البلدان الأوربية تطوراً. مع الإشارة إلى أنه على مدى الخمس سنوات القادمة فإن 50 % من الوظائف سترتبط بهذه التقانات ، وأن النقص في الأخصائيين بهذا الشأن بلغ في عام 1998 في أوربا 5, 0 مليون وظيفة، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه الحال فإن العدد يصبح 6,1 مليون في عام 2002.
- إنتاج أوربا قليل جداً من برمجيات الوسائط المتعددة التعليمية ومن المنتجات الأخرى المعدة للأغراض التعليمية وللتدريب. مع الإشارة إلى أنها قدرت في السوق الدولية بأكثر من 2 بليون دولار في عام 2000 وأن حوالي 80 % من موارد الخط المباشر تأتي حالياً من الولايات المتحدة الأمريكية. ويعود كون صناعة الوسائط المتعددة للأغراض التعليمية غير مستغلة في أوربا على النحو المرجو إلى وجود عدد كبير جداً من الشركات الصغيرة، في حين أن الروابط بين أنظمة التعليم والتدريب من جهة والصناعة من جهة ثانية غير قوية إلى الحد التي يمكنها من أن تلبي بشكل فعلي متطلبات التعليم والتدريب.
- الكلفة العالية للاتصالات اللاسلكية في أوربا، مما يشكل عقبة في طريق الاستخدام المكثف للإنترنت وتعميم الثقافة الرقمية. مع الإشارة إلى أن تخفيض هذه الكلفة في أوربا وخاصة لمراكز التعليم والتدريب –كما تم فعله في الولايات المتحدة الأمريكية – سيحدد سرعة الانتقال إلى المجتمع المبني على المعرفة.
التدرج في المعرفة:

تبدأ المعرفة الجديدة دائما عن طريق الفرد، باحث له فكرة رائعة تتوج ببراءة جديدة، حدس إطار وسيط لاتجاهات السوق يصبح عامل مساعد لتصميم هام لمنتج جديد، عامل ورشة يستلهم من سنوات خبرته لاقتراح نسق جديد مبدع، وفي كل مرة معرفة فردية تتحول إلى معرفة مفيدة لمجموع المؤسسة.
إن الأخصائي الحقيقي هو العامل المفكّر، الذي له رأس مال معرفي يتطلب تحيينا يوميا، والمعرفة المتخصصة للمؤسسة تقع بين أربع أصعدة مختلفة نعرضها حسب أهميتها المتزايدة):
المعرفة التعليمية le savoir cognitif :
 أي الذي تعلمناه، وهي شرط ضروري ولكنه غير كافي للنجاح المهني؛
الكفاءات المتقدمة les compétences avancées :
أي الذي نعرف تطبيقه، وهي تسمح بالانتقال من المعارف المأخوذة من الكتب إلى الإنجاز العملي؛
فهم الأنظمة la compréhension des systèmes :
أي ما الذي نعرفه عن العلاقات بين الأشياء، وهو معرفة معمقة لنسيج العلاقات تسمح للعامل المفكر من الانتقال من مرحلة التنفيذ البسيط إلى مواجهة المشاكل المعقدة، أي إنشاء قيمة غير عادية؛
الإبداع المستقل la créativité autonome :
أي ما الذي نطمح إليه، وهو يضع في تفاعل كل من الإرادة والتحفيز والتكيّف من أجل النجاح.
إدماج الذكاء:
يمكن اعتبار الذكاء الاقتصادي كمهنة حقيقية لان لديها هدفا مشتركا أي توريد المعلومة النافعة والمستعملة لمتخذي القرار. وقد ظهرت نواة لكفاءات مشتركة وتطبيقات مهنية التي بدأت تنتظم حول نفسها، وقد زاد الوعي بهذا النشاط وأصبح مهنة ظهرت مؤخرا بين المهنيين
وهذا ما يفسر لنا ظهور جمعيات مهنية عاملة في مجال الذكاء الاقتصادي الموجه لخدمة المؤسسة وتقوية مركز الاقتصاد الوطني. كما بدأت تظهر وحدات للذكاء الاقتصادي بشكل متزايد في المؤسسات العصرية
إننا نعيش اليوم في عصر المعلومة سيطرت فيه المعلومة كمتغيرة إستراتيجية لتستوجب على المسيرين ضرورة إدارتها مثلما تدار عوامل الإنتاج لخدمة أهداف المؤسسة واتخاذ قرارات ذات جودة عالية. وتأتي إدارة المعلومة في قلب نسق الذكاء الاقتصادي-الذكاء الاقتصادي بمعنى مجموعة الأفعال المنسجمة للبحث، المعالجة، توزيع وحماية المعلومة المفيدة للأعوان الاقتصادية، والتي تم الحصول عليها بطريقة شرعية في شروط حسنة تضمن النوعية، الآجال والتكلفة- وقلب اهتمامات المسيرين إذ أن المؤسسات الناجحة هي المؤسسات التي استطاعت:

-تقدير اتجاه تطور الأسواق؛

-تحديد الاحتياجات المستقبلية ، هذه الاحتياجات المرتبطة بالاستغلال ، الاستثمار، التمويل أو بالخزينة أو حتى من اليد العاملة والتكنولوجيا؛
-تحديد مكامن وجوانب الإبداع في المحيط؛
-استباق التغيرات والتحولات في سلوك الأعوان الاقتصادية (الدولة العاملة ، المؤسسات المناسبة، باقي العالم،..).
مقتضيات إدارة المعرفة:
هناك مواضيع أساسية مرفقة بالضرورة مع كل حديث عن إدارة المعرفة، لعل من أهمها المواضيع المرتبطة بالمعلومة، الذكاء، التكوين والتغيير. كما أن هذه المواضيع هي متطلبات أساسية لأي تأسيس للفكر المعرفي، كما أن الإحاطة بها وإعطائها حقها من شأنه أن يعزّز حظوظ نجاح إدارة المعرفة في الهيآت والمنظمات:
إدارة المعلومة:
 للمعلومة دور محوري فهي حامل ودعامة للمعرفة، فالمعلومة بالنسبة للمؤسسة هي اكتشاف لمنتج جديد، إمكانية الوصول لسوق قبل المنافس، وسيلة لتطوير وسائل الإنتاج بسرعة، طريقة لتحريك العمال للوصول إلى أهداف مشتركة. كما تسمح المعلومة لمسؤولي المؤسسة بان يصبحوا مؤهلين لالتقاط، جذب وترجمة إشارات الوقت، وهذا بان تكون في يقظة بمعنى بحضور كبير بالنظر إلى الظواهر الجديدة. كما أن التحكم في التقلبات التكنولوجية التي نعرفها اليوم يمر عن طريق المعلومة، هذا المورد الذي يوجه كل نشاط المؤسسة ويربط مستقبلها,).
في هذا الإطار وجب اعتبار المعلومة كمورد مثله مثل الموارد الأخرى (البشرية والمادية)  يتعين  إدارته وحسن استغلاله لخدمة  أهداف المؤسسة في ظل اقتصاد يقوم على تثمين المعرفة.
في سنة 1990 كانت نسبة العمال الأمريكيين التي تشتغل في الفلاحة 85 % ولم يبقى اليوم منها إلا 3 % ، وفي سنة 1950 كانت نسبة العمال الأمريكيين التي تشتغل مباشرة في الإنتاج أو تحويل الإنتاج 73 % ولم يبقى منها اليوم إلا أقل من الثلث، وفي سنة 2000 أكثر من 44 % من اليد العاملة الأمريكية يتعاملون بصفة أساسية مع معطيات لها علاقة بالمعلومة.
تعتبر المعلومة بمثابة  إضافة تحسن  من معارفنا فيما يخص  موضوع معين، كما أنها تمثل مجموع المعطيات المعالجة بطريقة ذات معنى بالنسبة للشخص الذي يستقبلها ولها  قيمة حقيقية تقدر عنـد  استخدامها  في اتخاذ القرارات  وتوجيه نشاطات المؤسسة، وتكون المعلومة ناتجة عن إشارات  ومعطيات (بيانات) ، هذه الأخيرة لا تتحول  إلى معلومة  إلا من خلال  نموذج  للترجمة  يتكون من خبرة الشخص  ومجموع معارفه العلمية المخزنة في ذاكرته.
كما تعتبر المعلومات بمثابة بيانات  تم إعدادها  لتصبح  في شكل  أكثر  نفعا  لمستقبلها  بحيث يكون  لها قيمة  مدركة  في الاستخدام الحالي أو المتوقع  أو في القرارات  التي يتم اتخاذها، أو هي  بيانات  قد تمت معالجتها ، بحيث تكون ذات  معنى  وقيمة وأكثر نفعا  بالنسبة  لمتخذ القرار وهي مورد  من موارد المؤسسة يمكن إدارته  مثلما  تدار الموارد البشرية والمالية أو المادية .
إن ظهور المعلومة  يقودنا  إلى تحديد مايـلي:
- الموضوع المعني ، بمعنى الحدث محل البحث أي " عن أي شئ يتعلق الأمر أو بماذا يتعلق الحدث"؛
- الوسيلة المستخدمة لتحديد ووصف الموضوع؛
- قيمة الوسيلة  المستخدمة.
كما أن الحصول على المعلومات  ليس له أي معنى إلا إذا كانت  قيمة المعلومة  تفوق  تكلفة اكتسابها، وتتحدد قيمة المعلومة بـ:
-القدرة على مساعدة متخذ القرار على  خفض مستوى حالة عدم التأكد؛
-أهمية التغيرات التي يحدثها القرار الناتج عن المعلومة؛
-تكلفة الخطأ التي تم تفاديها بسبب المعلومة .
ولقد زاد الاهتمام في المدة الأخيرة بإدارة المعلومة لأسباب أهمها:
1.زيادة تعدد الأنشطة الإدارية:
الحجم الهائل  للمؤسسات في السوق؛
الزيادة في عدد المؤسسات وخاصة المؤسسات الصغيرة جدا؛
كثرة التقلبات الاقتصادية كالتضخم والركود على سبيل المثال؛
زيادة التقنية المستخدمة في المؤسسات؛
الضغوط الاجتماعية؛
ضغوط المنافسة؛
انكماش وقت المدراء في العمل.
التطور الذي حدث على وسائل  اتخاذ القرارات؛
تعيش المؤسسة تغيرات جعلتها  تواجه  مجموعة من الاحتياجات والبدائل  من الاختيارات عليها المفاضلة بينها ولعل من بينها:
الاندماج أو التوسع؛
 الاحتفاظ باليد العاملة أو تسريحها؛
إعادة التنظيم أو إعادة الهيكلة؛
التفتح على المنافسة أو المقاومة؛
أزمة تمس صورة المؤسسة الداخلية وصورتها الخارجية؛
تحديث الجهاز الإنتاجي  أو الإبقاء على التكنولوجيا المستعملة؛
اللجوء إلى المساهمين القدماء أو مساهمون جدد أو مقرضون؛
ثقافة المؤسسة والتحولات الثقافية التي يفرزها المحيط.
وعلى هذا الأساس وجب إعطاء أولوية استراتيجية لإدارة المعلومة في ظل اقتصاد يقوم على تثمين المعرفة ويشهد ظواهر مختلفة وتقلبات مفاجئة وعنيفة، ونعتقد أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تبدأ من تفعيل التسيير عن طريق الكفاءات La Gestion Par Les Competences.
لتكوين المستمر أو مدى الحياة:
مع موجة التجديدات في الأفكار والتكنولوجيات وأنماط وتقنيات التسيير اتجهت المؤسسة إلى ضرورة اعتماد التكوين المستمر، لضمان التكيف الدائم في الوقت المناسب وبالتكلفة الملائمة. كما أن حركة المنافسة الحادة تحتم على المؤسسة أن ترقى إلى مستوى المنافسين في القطاع، ولا يتأتى لها ذلك إلا بإدماج التكوين ضمن هيكلها وسياستها.
إن المؤسسة تعيش اليوم في ظل اقتصاد بملامح جديدة فهو اقتصاد مفتوح، اقتصاد مبادرة، اقتصاد معرفة، كما أنها أي المؤسسة، تحيا في مناخ مركب ومتعدد الأبعاد يكون فيه الإبداع والابتكار عاملين أساسيين في تحديد مكانة المؤسسة، وبهذا يجد التكوين مبررا له لما يمكن أن يحدثه من آثار إيجابية على مستوى الفرد والمؤسسة وحتى المجتمع، وهو كفيل بتفجير الطاقات الكامنة وتنمية الأفكار والقدرات وتجسيد أبعاد تسيير الموارد البشرية والاتجاه نحو التقارب بدل الانقسام المعرفي.

في الحقيقة إن قيمة الفكرة تستمد من درجة الآثار الإيجابية التي تلحقها بعد تجسيدها، وللتكوين آثار إيجابية عديدة ومتنوعة تساهم مباشرة في تحقيق الأهداف الموضوعة من قبل الإدارة العامة، وتتعداها إلى ضمان استمرار المؤسسة واستقرارها ورفع مؤشر من مؤشرات التنمية البشرية على مستوى المجتمع.

فمن جهة يجب النظر للتكوين كوسيلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تساهم في تحسن كمية ونوعية العمل المقدم، وفي التحفيز عن طريق إمكانات الترقية المعروضة، كما تعد هذه الوسيلة تأمينا ضد البطالة بسبب نقص التأهيل، ضد التحجر بسبب تقادم المعرفة، وضد عدم التكيف الناتج عن تطور الحرف والمهن. ومن جهة أخرى يعد التكوين نشاطا ذا مردودية عبر الزمن لأجل بقاء ودوام المؤسسة، ينمي الكفاءات ويجعل من العنصر البشري مفتاح نجاح.
وتلجأ المؤسسات في الغالب إلى التكوين مع بدء الالتحاق بالعمل، ليهدف إلى توطين الفرد في مجتمع العمل وتأقلمه. ولقد ابتدع الفكر الإداري الفرنسي هذا المصطلح –مصطلح التكوين- وهو يرمي في الأصل إلى التكوين الأساسي والأوّلي للمهارة و/أو المعرفة. ويشار إليه في الفكر الإداري الإنجليزي والفرنسي بالتدريب التعريفي introduction  أو التدريب الانضمامي للمؤسسة induction course أو التدريب التوجيهي في المؤسسة orientation course. أما في مفهومنا الجديد فالتكوين يأخذ بعد التوفيق في هذه العملية التعريفية الاحتضانية للفرد، إمكاناته وقدراته ومعارفه، مع إمكانات المؤسسة ومتطلباتها، ومع متطلبات المجتمع والمحيط، وهي عملية أساسية لأنه سوف تنبني عليها سياسات الإدارة والعمالة، سير المؤسسة، دور كل طرف في العملية، توجيه المعارف، الوعي، الإنتاجية، العمليات التدريبية وقياسات الأداء عبر دورة حياة الفرد ودورة حياة المشروع
ويذكر د.محمد عبدالعليم مرسي في مقال له حول ظاهرة استنزاف العقول نشر في معهد الدراسات والبحوث التربوية بجامعة القاهرة أن ظاهرة استنزاف العقول هو ضياع الفرصة من أمام دول العالم الثالث، فرصة التقدم التي كان يمكن أن ندخل بها العصر الحديث، لأن أدوات السباق تتمثل في أصحاب الكفاءات البشرية الممتازة ونقول نحن انه لا يمكن أن تكون هناك كفاءات بشرية ممتازة إلا إذا كانت هذه الكفاءات مكونة تكوينا قاعديا وتخضع للتكوين المستمر.
كما أوصى مركز البحوث الصناعية الواقع مقرة بليبيا عند عرضه لتجربته في مجالات التحكم الصناعي- في أول ما أوصى به في خلاصته من هذه التجربة- بالاهتمام بالعنصر البشري وذلك عن طريق التدريب المستمر.
ادارة التغيير:
تعيش الاقتصاديات في أزمة مع نهاية القرن العشرين بسبب تحولات سريعة، ولا يفلت أي ميدان من التغيير، محدثة بذلك تعطلات متعددة لا تسمح بقراءة واضحة وفهم لكل التحولات الجارية). ويعد فعل التطوير أو إدخال طريقة جديدة أو إعادة هيكلة التنظيم تغييرا لترتيب الأشياء، وقد افرز هذا الوضع مفاهيم جديدة لعل من بينها "إدارة التغيير".
يدلنا  تعبير التغيير على:
- من جهة، التطور الذي سيحدث بسبب تفاوت بين أمرين من الواقع: الواقع الشخصي الداخلي، بنظام هيكله واتجاهاته ومعتقداته وأحكامه المسبقة، والواقع الخارجي؛
- من جهة أخرى، التغير على مستوى الشخص نفسه، الذي يؤدي به إلى تعديل واقعه الشخصي الداخلي ومحاولة التقرب من المعطى الموضوعي للعالم الخارجي، والذي يمثل الحركة التكميلية لما سبق من أجل تحقيق التوازن، وبذلك ينجح الفرد في إحداث توازن بين واقعه الداخلي والعالم الموضوعي وهذا ما سيسمح له بالشعور بالارتياح.
 إننا نشهد في العصر الحديث موجة عارمة من التجديدات في الأفكار والمعارف وثورة في المعلومات والتكنولوجيات وتدفقات هائلة للأموال والعمالة، ولم يعد الواحد منا يلمّ بما يحدث حوليه، لدرجة أننا أصبحنا نسمع اليوم عن "صدمة المستقبل" تملي علينا داخل مؤسساتنا العمومية والخاصة تنمية المهارات ورفع الكفاءات وترقية الأداء القيادي لمواجهة هذا التحدي وإدارة هذه التغيرات مع بداية الألفية الثالثة.
في ظل هذا الوضع تحاول المؤسسة التكيف المستمر مع الواقع والمستجدات، ليس هذا فحسب وإنما التنبؤ بما سيؤول إليه المحيط الداخلي والخارجي، وتحقيق يقظة دائمة لمحاولة توجيه الأفعال مستقبلا والتغيرات الحاصلة نحو خدمة مصالح المؤسسة وتامين اندماجها الفعال والكفء في محيطها القريب والبعيد.
إن وجود المؤسسة ضمن محيط مفتوح، يجعلها بين حدي التأثير والتأثر في البيئة الخارجية، ولما كانت هذه الأخيرة متحركة ودائمة التغير فإنه على المنظمة الاستجابة والتكيف مع هذا التغيير، والذي تبرز أهميته من خلال:
- الأفراد:
 لقد تغيرت النظرة التقليدية للفرد، كعنصر يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد راس المال، إلى نظرة جديدة جعلته يحتل الصدارة بزيادة انتشار أساليب تعتمد الجودة والخدمة المميزة وتمكين العاملين والأداء المقارن benchmarking ، وغيرها من العمليات التي تتطلب الفرد كمشارك في إدارة أعمال المنظمة، وليس كعنصر في مرتبة العناصر المادية الأخرى؛
- العالمية:
 انصب اهتمام المؤسسات سابقا على الحصول على أسواق جديدة بالاشتراك مع مؤسسات عالمية، إلى الاهتمام بتطوير المنتجات والخدمات، مع التركيز على النمو والانتشار؛
- المنظمة:
 لقد سادت النظم الهرمية والمركزية المؤسسة على السلطة الآمرة ورسمية العلاقات لفترة طويلة، ولكنها اليوم أصبحت لا تتفق وتغيرات المحيط، وهو ما أدى إلى ظهور التنظيمات الأفقيةflat، المعتمدة على العمل الجماعي في مجموعات صغيرة وعلى لامركزية القرارات؛
- القيادة:
 تكمن أهمية التغيير كذلك في تغير الكثير من المهام على مستوى القيادة، والتي تحولت من التخطيط الاستراتيجي، إلى قيادة تعتمد التطوير الاستراتيجي من القاعدة إلى القمة، وإعطاء الاتصال أهميته بجعل المديرين التنفيذيين في حالة اتصال دائم بالعملاء والعمليات، للوصول إلى قائد صاحب رؤية مستقبلية؛
- التصنيع:
 لقد انتقل التصنيع من النظرة الآلية والكمية للإنتاج، وإهمال الفرد وتخفيض التكاليف وإهمال عنصر الجودة،  إلى نظرة أخرى تهتم بالعائد في الأجل القصير، وإعطاء الأولوية للفرد قبل راس المال، واعتبار الجودة والتميز مفتاح النجاح؛
- الأسواق:
 بعدما كانت النظم القديمة تركز على الأسواق الكبيرة والإعلان المكثف وتواجد المسوقين في مكاتبهم، تطلب الوضع الحديث تغيير كل المنطلقات السابقة، من خلال التركيز على أسواق معينة، ونزول المسوقين إلى الميدان، واعتماد استراتيجية الانتشار مع الثبات في السوق؛

- المعلومات الإدارية:

 تتطلب نظم المعلومات الحديثة تغييرا في أساليبها القديمة، بالانتقال من مركزية نظم المعلومات إلى اللامركزية في المعلومات، خاصة مع انتشار شبكة بنوك المعلومات والانترنيت، ومالها من تأثير على الاستجابة السريعة لتغيرات المحيط.


.سوء إدارة المعرفة:
 في دراسة أعدها باحثان Sutton et Feffer عرفا بمشاركتهما في أكثر من 100 برنامج حول إدارة المعرفة توصلا من خلالها إلى اكتشاف العديد من الأخطاء التي تنجم عن سوء إدارة المنظمات للمعرفة، أو عجزها عن توصيلها في الوقت المناسب أو تغذيتها وتحديثها بعد خزنها، وسنوجزها علها تثير انتباه المعنيين بإدارة المعرفة وتوظيفها فيتجاوزوها ويقللوا من بعض آثارها حين تقع عدم تحديد التعاريف الإجرائية والعملية للمصطلحات التي ترد في البحوث والدراسات، أو يتم تداولها بين العاملين دون أن يتفقوا على المضمون أو التعريف الذي تدل عليه؛
1.        حرص الإدارة التقليدية على خزن المعرفة وحجزها وعدم إيصالها للمعنيين أو السماح بتداولها للمستويات الوسطى والدنيا التي تحتاج إليها؛
2.        عدم توظيف المعرفة لإشاعة الفهم المشترك حول القضايا والظواهر ذات العلاقة بموضوعها، فتباين مستوى المعرفة بين العاملين يؤدي إلى اختلاف المواقف وظهور النزاعات حول تفسيرهم أو تعليلهم لها؛
3.        التوهم بان الحواسيب هي المكان الذي تحفظ فيه المعرفة وليس عقول البشر، في حين أن أي نقاش أو حوار أو تفسير للمعرفة يستلزم حضور العارفين الذين يستوعبونها بعقولهم؛
4.        عدم الاهتمام بالمعرفة الكامنة أو الضمنية التي يمكن أن تستمد من المعرفة الصريحة والمعلنة وفقا لقاعدة ليس كل ما يعرف يقال، وكثيرا ما تكون هذه المعرفة التي يتم اشتقاقها أو استشفافها أكثر أهمية من المعرفة المعلنة أو المكتوبة؛
5.        التعامل مع المعرفة وكأنها مطلوبة لذاتها أو أن الحصول عليها يتم لأغراض إعلامية أو دعائية أو أن المنظمة تفتقر لمن يحسن توظيفها والاستفادة منها، وعندها يصبح جمعها وخزنها ترفا وكلفة لا عائد منها؛
6.        قد يؤدي شراء المعرفة الجاهزة والمتاحة من قبل بنوكها المتخصصة أو من الجهات الاستشارية إلى وقف عمليات التفكير والتعليل أو البحث من قبل العاملين فيها طالما أن كلفة هذه العمليات  تفوق كلفة شرائها أو الاشتراك فيها؛
7.        أن يقتصر جل الاهتمام بإجراء البحوث عن المرحلة السابقة بحجة تقييمها واستخلاص الدروس منها، أو على الحاضر من أجل معالجة مشاكله أو التخفيف من ضغوطه، وبذلك يستنفذ الوقت والجهد والمال في هذه الدراسات التي تركز على استشراف المستقبل واستحضار تحدياته؛
8.        القصور والعجز في إجراء التجارب الموجهة لتوليد المعرفة أو اختبارها أو تطويرها والاكتفاء باستلامها دون معالجة أو التأكد من ملاءمتها للواقع القائم أو لطبيعة المشاكل التي يراد حلها؛
9.        أن يحل التعامل والاتصال للحصول على المعرفة عن طريق التقنيات والبرامجيات الحديثة على حساب اللقاءات والندوات والحوارات المباشرة، حيث الاتصال الإنساني لتنمية قدرات التحدث والاستماع والإصغاء و الإقناع؛
10.   أن تحاول المنظمات وضع معايير ومؤشرات كمية لقياس عوائد المعرفة أو إجراء دراسات حول جدوى الحصول عليها أو إثرائها وتوظيفها لتعذر استحضار جميع العوائد والفوائد البعيدة المدى والتي يصعب قياسها.




الخاتمـة:

 لقد أحدثت الثورة الصناعية نموذجا اقتصاديا مؤسسا على تحويل الموارد المادية الطبيعية لإشباع حاجات الأفراد والمؤسسات, ولكن اليوم نحن في مواجهة عجز هذا النموذج في ظل اعتبار المعرفة نفسها موردا يتطلب بدوره معالجة. وأحيانا يصبح المورد بامتياز لقطاعات كاملة من النشاط الاقتصادي، فهي أي المعرفة موضوع ومحرك التنمية، ولكن الأمر هنا يختلف لان المعرفة ليست مادية ولا يمكن معالجتها مثل باقي الأصول والخدمات التقليدية
في مرحلة أين ضيعت المواد الأولية أسبقيتها بشكل تصاعدي في الاقتصاد الصناعي لصالح الكفاءات الفكرية، وتبعا لذلك أصبح المسيرون مجبرين على تحليل المعارف التي تخص أنشطتهم والاستعمال المتعلق بها بشكل جدي.
إن الحفاظ على تنافسية المؤسسة مرتبط بالتزامها بالتكنولوجيات الجديدة لمعالجة المعلومة وبقدرتها على تنظيم التغيير حول إمكانياتها المعلوماتية. وهناك بعض المؤسسات التي لم تخطئ حينما أقرت في هيكلها التنظيمي وظيفة مسئول أنظمة المعلومات.
لقد أصبحت المعلومة مع نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة مصدر قوة للمؤسسات وأساس وضع وتنفيذ السياسات والاستراتيجيات التي تؤهل المؤسسة وتحافظ على قدراتها التنافسية في ظل محيط يتسم بالتحولات المستمرة والتقلبات المفاجئة.لذلك من يستبق ويكتسب المعلومة بإمكانه توجيه مؤسسته وتكييف أوضاعها والتنبؤ بتوجهات السوق وتوجهات المنافس بما تقرره المعلومة المكتسبة.
وفي ظل العولمة المتنامية للاقتصاد وزيادة حدة المنافسة وانفتاح الأسواق وتقلص القيود والحواجز والاتجاه نحو توحيد المنظومات الجبائية، القانونية، الجمركية،.. بين الدول، اعتبرت المعلومة كمتغيرة إستراتيجية تساهم في البحث المستمر عن الميزة التنافسية للمؤسسة كما تساعدها على فرض نفسها وتموقعها في السوق وكذا تحسين نوعية القرارات المتخذة من أجل ضمان بقاء المؤسسة ثم نموها.
مند فترة والتحليل الاقتصادي يبحث عن أحسن مدخل لتحقيق التنمية الشاملة، لكن المدخل الحديث للتنمية " سرعان ما أخلى السبيل للبعد الإنساني، الذي ما زال يشغل الفكر التنموي، ولكن بأساليب مختلفة. ففي أوائل الستينات لفت الاقتصادي شولتز الانتباه إلى أن التعليم لا يجوز أن يعامل كمجرد خدمة استهلاكية، إذ هو في حقيقته استثمار بشري، ومن ثم يلعب دورا رئيسيا في عملية التنمية إلى جانب الاستثمار المادي. وفي منتصف الستينات توصل الاقتصادي المعروف كوزنتس إلى أن تسعين في المائة من التنمية التي حدثت في الماضي في الدول الرأسمالية لم تكن راجعة إلى إضافات لراس المال، بل إلى تحسينات في طاقات البشر ومهاراتهم والمعرفة والإدارة... فطاقة البشر لا راس المال هي العنصر المضاعف رقم واحد في التنمية.
لقد أثبتت الدراسات كذلك أن أساس المشاكل وجوهرها في بلدان العالم يعود إلى الإنسان، وإن إهمال أو تجاهل قضية الإنسان هو من الأمور التي أفقدت تجارب دول العالم الثالث الشرط الأساسي لنجاحها، وان المجتمعات التي حققت التقدم حققته باعتمادها على عنصرها البشري العامل. ومادام الأمر كذلك فان للعنصر البشري دورا حيويا وأهمية بالغة ليس كعامل من عوامل الإنتاج فقط، وإنما كعامل من عوامل النجاح للمؤسسة مع بدايات القرن الواحد والعشرين.
إضافة لما سبق فإن للعنصر البشري دورا حاسما في قيام المؤسسة وبقائها ونموها وفي الإسهام في تكوين الثروة، كما أنه محدد أساسي لموقع المؤسسة ومكانتها في محيطها الذي يتميز بالحركية وعدم الاستقرار، وهو الذي سيمكن المؤسسة من مواجهة التحديات المختلفة ،الاقتصادية، الاجتماعية، التكنولوجية، المعرفية،...
ومن أجل التحكم في التسيير والتكيف مع التحولات الحالية والاستجابة للتغيرات المستقبلية، فإن الاعتماد في التسيير على الكفاءات البشرية وزيادة التحفيز وترشيد السياسات المطبقة على الموارد البشرية من المتطلبات التي لا غنى للمؤسسة عنها إذا ما أرادت أن تقاوم وتنمو.
وقد أوصى تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، ضمن ما أوصى به، بتوسيع المعرفة ونشر التعليم وهذا بدل على الارتباط الوثيق بين المعرفة والتنمية، وان المعرفة في نهاية المطاف سوف تعزز التنمية البشرية وترقّي من أداء الفرد والجماعة.
ويرى Peter Drucker أنه على المؤسسات، خاصة الكبيرة، أن تنتظم حول المعرفة والمعلومة، فقد تحول مركز ثقل العمل بسرعة من عمال يدويين إلى إداريين إلى مفكرين، ولم يعد العامل يتحمل نموذج الأمر والرقابة الذي استلهمته المؤسسات من العسكريين منذ قرن.
في الأخير نؤكد ما ذهب إليه Ikujiro Nonaka بأنه في اقتصاد المؤكد الوحيد هو عدم التأكد، يصبح المصدر الوحيد للميزة التنافسية الدائمة هو المعرفة.





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

شركنا برايك ووجهة نظرك