من سيادة الدولة إلى سيادة البيانات ، قراءة في تحولات السلطة في القرن 21 سيادة الدولة بين الأمس و اليوم ، من سطوة الجغرافيا إلى قبضة الرقمية .
في خضم التغيرات المتسارعة التي يعرفها العالم ، تبرز
تساؤلات جوهرية حول مفهوم سيادة الدولة ، فهل مازالت الدولة تمسك بزمام سيادتها
كما كانت في الماضي ؟ أم أن البنوك الرقمية ، العملات المشفرة ، وشبكات الدفع
العالمي أصبحت أدوات لتشكيل نظام عالمي جديد ؟ في هذا المقال نغوص في تحليل نقدي
يعود إلى سنة 2011 ثم نقفز إلى معطيات اليوم لرصد التحولات و فهم التحديات ..
اقرأ المقال و اكتشف كيف تتغير قواعد اللعبة .
في زمن مضى
كانت كلمة سيادة الدولة تختصر كل معاني الهيبة و الاستقلال ، كانت الدولة هي صاحبة
الكلمة العليا على أراضيها ، تملك قرارها
السياسي ، الاقتصادي و العسكري ، وتفرض إرادتها دون وصاية من احد . غير أن المفهوم
الذي صمد طويلا بدأ يتآكل تدريجيا منذ النصف الثاني من القرن العشرين إلى أن دخل
اليوم غرفة الإنعاش ، يتصارع فيها مع أدوات رقمية جديدة ، وقوى غير تقليدية تعيد
رسم خرائط العالم على نحو غير مسبوق .
نحن لا نتحدث فقط عن تغيرات عابرة أو تحولات سياسية
ظرفية ، بل عن هندسة جديدة للنظام العالمي تدار بدقة و تفرض بنعومة تحت غطاء
الحداثة و التقدم و العولمة .
السيادة في بعدها
التاريخي :
منذ فجر الدولة الحديثة بعد معاهدة و ستفاليا سنة 1648 ،
كان جوهر السيادة يقوم على احتكار القوة ، و إدارة الحدود ، و التحكم في القرار
الداخلي دون تدخل خارجي ، كانت الدولة مسؤولة عن الدفاع و عن ضبط الاقتصاد و عن
تسيير كل صغيرة و كبيرة داخل أراضيها .
لكن بعد الحربين العالميتين ، ومع نشوء الأمم المتحدة ،
ثم المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي و البنك العالمي ، بدا التدخل
الخارجي يأخذ طابعا مؤسسيا مقننا ، أصبح على الدول النامية أن تلتزم بسياسات
التكيف الهيكلي و تعيد رسم أولوياتها الاقتصادية بما يتماشي مع ما يملى عليها من
الخارج .
من هنا بدا الانزلاق تحولت السيادة إلى شعار بينما
القرارات تتخذ من وراء الستار .
أدوات الهيمنة
الجديدة من الدبابة إلى الخوارزمية :
إذا كانت القوى الاستعمارية في الماضي تعتمد على الدبابة
و السلاح لفرض سلطتها ، فإن النظام العالمي الجديد بات أكثر ذكاء و أقل كلفة الآن
السيطرة لا تحتاج لجيوش بل إلى :
·
الدولار
الأمريكي : الذي لا يزال يحتل مكانة العملة المرجعية و
تسعر به كل السلع الحيوية من نفط و غاز و ذهب ، مما يجعل كل اقتصاد مرتبط به ، و
بالتالي قابل للابتزاز المالي .
·
بطاقات
الدفع العالمية فيزا و ماستر كارت : التي تمكن من تتبع كل حركة مالية و تجميدها
عند الحاجة و تحويل كل اقتصاد العالم إلى نظام مراقبة واحد.
·
البنوك
الرقمية مثل بيبال و بايونيير و ريفولت : التي
أصبحت تستعمل لتقييد أو دعم توجهات بعينها بعيدا عن رقابة البنوك المركزية .
·
العملات
الرقمية : و
على رأسها البتكوين التي أريد لها أن تكون بديلا لا مركزيا لكنها في الواقع أصبحت
ساحة اختبار كبرى لإعادة هيكلة السيادة النقدية .
·
المنصات
العملاقة Appel.Amazon.Meta.Google: التي تتحكم
في بيانات النشر ، و عاداتهم و تفضيلاتهم و تسهم في تشكيل وعيهم السياسي و
الاستهلاكي .
كل هذه الأدوات تعمل ضمن هندسة متكاملة اسمها
– إعادة صياغة النظام
العالمي وفق سيادة غير مرئية.
من
الدولة إلى المنصة :
في القرن 21 لم يعد المواطن تباعا لدولته فقط
بل أصبح جزءا من منصة من نظام تشفير من خوارزمية .
كل تصرفاته اليومية شراء بيع تواصل قراءة
تصفح تسجل و تحلل و تستخدم ضده أو لصالح شركات عابرة للقارات ، بالتالي أصبحت السيادة مفهوما افتراضيا
تديره شركات لا تخضع لأي دستور ولا ينتخب أصحابها ولا يحاسبون بل يملكون القدرة
على إسقاط حكومات ورفع أخرى ، عبر التحكم في تدفق المعلومات و الرأي العام .
النظام العالمي الجديد الوجه الناعم للاستعمار
:
صعود العملات الرقمية و توسع الاقتصاد غير
النقدي و تزايد الاعتماد على أنظمة الدفع العالمية ليست تطورات بريئة بل هي جزء من
مشروع أوسع يرمي إلى :
·
تفكيك السيادة النقدية للدول.
·
خلق اقتصاد عالمي موحد خاضع لمنصات أمريكية وأوروبية
.
·
تصفية البنوك المحلية والبني الوطنية لصالح
كيانات افتراضية عالمية .
·
تكوين دولة رقمية لا ترى ولكنها تتحكم في كل
شيء .
من هذا المنطلق يجب أن ندرك أن الثورة الصناعية الرابعة
لم تكن فقط تكنولوجيا بل وسيلة لانتقال السلطة من الحكومات إلى الشركات ومن الشعوب
إلى الخوارزميات .
هل من مخرج ؟
رغم هذه الصورة القاتمة فان الأمل لم يمت لقد بدأت بعض القوى الدولية مثل دول البريكس بإطلاق
مشاريع بديلة عملات مشتركة أنظمة تبادل تجاري خارج الدولار و هناك إرهاصات لصحوة
وعي عالمي ، لكن المعركة لا تزال طويلة و معقدة .
ما نحتاجه اليوم ليس فقط خطابات سياسية بل بناء سيادة
رقمية و تطوير شبكات تكنولوجية وطنية و تشجيع المعرفة النقدية لدى الشعوب و طرح
سؤال السيادة من جديد : هل
نحن أسياد قرارنا ؟ أم أدوات في يد من يتحكمون في بياناتنا ؟
الخاتمة :السيادة تبدأ
من العقل
السيادة لم تعد بندا قانونيا ، بل أصبحت معرفة فكرية و
تكنولوجية نحن بحاجة إلى جيل جديد يدرك أن الاستقلال الحقيقي لا يأتي من العلم
المرفوع ، بل من العقل الحر و الفكر اليقظ ، و القدرة على مجابهة أدوات الهيمنة
الحديثة .
فالسيادة اليوم في زمن الذكاء الاصطناعي و العملات
المشفرة لا تنتزع بالقوة فقط ، بل بالفهم ، و المعرفة ، و التخطيط بعيد المدى .
الباحث و الناقد : EDHAZITOUNI.R
يوم : 05/05/2025 .
الفكر لا يقاس
بالحجم بل بالبصيرة.
نرجوا منكم الدعم و
رفع الهمم و التشجيع ، لا تترك المقال يتوقف عندك .
سيتم مراجعة المواضيع دائما و تحديثها فلا تتردد بالعودة ربما تجد ما يفيدك .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
شركنا برايك ووجهة نظرك