سرقة الوطن بين يد السارق و سيف الرعية
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " هذا الحديث صحيح رواه البخاري و مسلم ، وهو
من اقوي الأدلة على عدالة الإسلام، وعدم التمييز بين الناس في تطبيق الحدود و
القطع هنا هو الحد الشرعي المعروف وليس مجازا .
حديث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إنما هلك الذين من قبلكم ، كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق
فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
" ، هذا الحديث يثبت عدالة الشريعة ، لا القسوة كما يظن البعض .
قصة الرجل الذي سرق السرج: القصة ذكرتها ولو
تعددت رواياتها ، تدور حول فكرة الاستعجال في الرزق ، وأن الإنسان إذا استبق رزقه
بطريق حرام ، فإنه يحرم الخير الذي كان يمكن أن يناله بالحلال ، لكن هذه القصة
ليست دليلا على إلغاء الحد ، بل فيها رسالة تربوية عن التوكل و الصبر لا أكثر .
أيضا تعليق الحد في زمن المجاعة – زمن عمر
بن الخطاب- عطل حد السرقة في عام الرمادة ،لأنه لم تتوفر شروط إقامة الحد ، و
القاعدة في الشريعة " الحدود تدرأ بالشبهات " أي إذا وجدت شبهة الجوع ،
الاضطرار الفقر الشديد " ، يمنع تطبيق الحد ، وهذا يدل على أن القطع حد مشروط
لا يطبق آليا ،بل له ضوابط دقيقة :
شروط قطع اليد في
الإسلام :
- بلوغ النصاب (
ما يعادل ربع دينار أو يقارب ذلك من المال ) .
- أن لا تكون هناك
شبهة ( اضطرار أو حاجة شديدة) .
- أن تكون السرقة
من مال محفوظ ( مثل مال في بيت أو خزانة وليس من الشارع) .
- أن يكون السارق
بالغا عاقلا غير مكره .
- أن يثبت الأمر
إما بالإقرار أو شهادة عدلين .
وإذا أختل شرط
واحد فقط لا يطبق الحد .
هل القطع يمكن أن يفهم مجازيا بمعنى المنع أو
الردع ؟ في الحدود الشرعية " القطع " يفهم على حقيقته إلا إذا تعذر
التطبيق لوجود شبهة أو مانع كما في زمن عمر ، لكن في الخطاب التربوي و الرمزي يمكن
أن نستلهم أن قطع يد السارق يبدأ أولا :
- منعه من الجوع
- تمكينه من العمل
.
- تعليمه الصدق و
الثقة .
- وهنا يدخل باب
الوقاية خير من العلاج .
الدولة مسؤولة عن
كرامة الإنسان قبل أن تطالب بسلوكه ، لأن أي حكم شرعي في الإسلام وخاصة الحدود لا
تطبق بمعزل عن العدل الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي .
1- الدولة مسؤولة عن إقامة العدل وتوفير الحاجات
الأساسية : قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه " لو أن ناقة عثرت في
العراق ، لسألني الله عنها ، لم لم تمهد لها الطريق يا عمر " فهذه مسؤولية سياسية أمام الله .
2- قصة الملك التي ذكرتها : هي مشهورة وتروى بصيغ متعددة في كتب
التراث مضمونها " أن ملكا عين واليا على بلدة ، ثم انتشرت فيها السرقات ،
فجاءه الناس يطلبون بتطبيق الحدود فقال الملك : " بل ابدأ بك ، فإنك لم تقم
بواجبك ، ولو لم تجوعهم لما
سرقوا ، إن قطعت يد السارق سأقطع يدك " ، وهي حكمة عظيمة تعبر عن أن :
- الدولة مسؤولة
عن فقر الناس و ذلهم .
- و أن الراعي
مسؤول عن الرعية كما قال الرسول صلى الله
عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" .
3- القاعدة الفقهية :
- درأ الحدود
بالشبهات .
- العدل أسبق من
العقاب ( كيف تقطع يد إنسان في دولة لا توفر له الطعام أو الكرامة أو العمل ، هذه
ليست عدالة بل جور و الإسلام
دين عدل قبل أن يكون دين حدود .
4- في عام الرمادة
( المجاعة ) علق عمر رضي الله عنه حد السرقة قال " لا حد في مجاعة " ،
أي إذا اضطر الإنسان فلا يقام عليه الحد ، فكيف تتصور شريعة عادلة ، ثم نهمل هذا
البعد ؟ .
قال علي رضي الله
عنه " ما جاع فقير إلا بما متع به غني " .
- انفصال المنصب
عن معناه وتحويل المسؤولية إلى غنيمة لا أمانة .
- عظم المسؤولية
في الإسلام : في الإسلام الولاية العامة أي الحكم أو المنصب ليس شرفا بل هي
تكليف أمانة ثقيلة و الدليل قول الرسول
صلى الله عليه وسلم "
إنكم ستحرصون على الإمارة ، و إنها ستكون ندامة يوم القيامة فتعم المرضعة ، و بئس
الفاطمة " .رواه البخاري .
أي أن الحكم يرضي
الإنسان في البداية ( السلطة ، المال ، المديح) لكنه يفطمه عن الآخرة إن لم يكن
أهلا له .
فهل كل من يتولى
منصبا اليوم مؤهل ؟ غالبا الجواب هو لا و السبب مايلي :
- المناصب أصبحت
تباع و تشترى ، سواء بالمال ، أو بالولاء ، أو بالقبيلة أو بالانتماء الحزبي وهذا
أدى إلى تسلل الجهلة و الانتهازيين لمناصب الحكم .
- اختفت صفات
القائد الحقيقي : - العلم – الحكمة – الحياء من الله – الفطنة السياسية – الانحياز
للضعفاء .
لقد تم شخصنة
الدولة : أي بدل أن يخدم المنصب الشعب ، صار المنصب أداة لتغذية النفوذ الشخصي و
العائلي ، و المعادلة
الصحيحة التي نحتاجها " منصب + صدق نية + زاد علمي + تجربة حياتية + خشية من
الله = حكم عادل ) .
لذلك لما جاء رجل يطلب الإمارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " أنك ضعيف و إنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي و ندامة " رواه مسلم .
باختصار : نعم
معظم من يتولون المناصب ليسوا مؤهلين شرعا ولا أخلاقا و لا معرفيا ، ولهذا نحن
نعيش في زمن الفوضى و الظلم و اللاعدل ، ولن تعود الأمور إلى نصابها إلا إذا عاد
الناس إلى أصل الفكرة " المنصب تكليف لا تشريف ، ومقامه عند الله أعظم من أن
يشترى بالمال أو الورقة الانتخابية " .
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " إنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها
بحقها و أدى الذي عليه فيها " رواه مسلم .
وقال أيضا :"
ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه
الجنة " رواه البخاري .
- وعليه المسؤولية
في الإسلام ليست تشريفا بل تكليف و أمانة .
- و أن سرق الفقير
اليوم فالمسؤول هو من تركه يجوع .
- و إن ضاعت
الحقوق فالحاكم الذي يشتري المنصب بالمال يحاسب على كل دمعة جائع .
فقه الأولويات في المحاسبة : أيهما أولى بالقطع ؟
- ذلك الجائع الذي
سرق رغيفا ؟ أم من يتقاضى الملايين و يقصر في توزيع الأرزاق ؟ أم من يحتكر
المشاريع و يقصى من يخالفه ؟ أو من يشتري المنصب بالمال ثم يسرق عبر القوانين ؟
لا تقطع يد السارق
قبل أن نقطع الفساد من جذوره .
ليس الهدف من
الكلام التشكيك في الحدود أو الأحكام ، بل فهمها بروح الإسلام لا بروح الغلظة أو
الحشو .
و إذا كان الله
قال " فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شر يره " فكيف
بالحاكم الذي في رقبته ذرات الملايين من الناس و كيف بمن يرى الظلم ويسكت ؟
من تولى أمر الناس
فليحذر فإن الله سيسأله عن الكبير و الصغيرة ، عن الجائع و العاري ، عن السارق و
المهان ، عن الذي صرخ يوما في الخفاء ولم يجبه أحد " .
الرعية هم ميزان العدل لا عبيد السلطان :
في زمن قل فيه من
يجرأ على قول "لا" في وجه السلطان ، كان عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
يعلو منبر المسجد و يخطب بالناس ، لم يكن متحصنا خلف الحراسات ، ولا حاجبا يصفي
الأسئلة قبل أن تصله ، بل كان يرى
في الناس مرآته الحقيقية ، و إن أعوج يوما فهم مسؤولون عن تقويمه ، في أحد
الأيام جاءه سهم من النقد من رجل من عامة الناس ، لا يحمل منصبا ولا رتبة ، عندما رأى
أن عمر يلبس ثوبا أطول مما وزع على الناس من غنائم قال له صراحة : " لا سمعا
ولا طاعة يا عمر ، لقد أخذت أكثر من حقك ، فسأله عمر بهدوء وثقة ولم ذلك ؟ فقال
الرجل قسم لنا ثوب لكل شخص ، وثوبك لا يكفي طوله بثوب واحد ، فإما أنك أخذت أكثر و
إما أنك ظلمتنا "
فقال عمر "
إنك صادق في غيرتك ، وأما عن الثوب فقد أعطاني أبني عبد الله ثوبه لأكمل به ثوبي ،
فأنا رجل طويل القامة ، وثوب واحد لا يكفيني ، فرد الرجل قائلا بكل احترام : الآن
سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين " .
الدرس من عمر :
لم يغضب – لم يسجن
الرجل – لم يقل هذا تطاول على الحاكم، بل شكره على نصيحته و أوضح موقفه لأن
السلطان في الإسلام ليس فوق السؤال بل أول من يسأل.
وقاله عمر في موقف
آخر و أشهر " لو رأيتم في اعوجاجا فقوموني، فرد عليه أحدهم ك " و الله
لو رأينا فيم اعوجاجا لقومناك بسيوفنا " فقال عمر " الحمد لله الذي جعل
في أمة محمد من يقوم عمر بسيفه " .
السلطان في الإسلام خادم الأمة لا سيدها :
- الحاكم لا يقدس –
الرعية ليست عبيدا – النقد المحترم و المساءلة الصادقة جزء من الدين، وواجب أن
نحفظ ديننا بعدل السلطان و نعدل السلطان إذا جار.
- لا سمع ولا طاعة
لحاكم يخون الأمانة ولا كراهة لأمة تصمت أمام الظلم ، ولا يمكن للسكوت في دين
يأمرنا بقول الحق ولو كان مرا " خيركم من يقول الحق ، ولو على نفسه " .
السرقة في الشريعة و الواقع السياسي:
في الشريعة
الإسلامية السرقة ( وخاصة المال العام ) جريمة عظيمة وحدها واضح و صريح ، لكن الحد
لا يقام إلا بالشروط التي ذكرناها سابقا ، لكن السؤال الحقيقي هل تطبق هذه الشروط
فعليا على أصحاب المناصب و النفوذ ؟ لا و السبب ببساطة أن القانون الذي ينفذ هو
قانون القوة لا قانون الله .
الإعلام السلطة الرابعة أم خادم للسلطات ؟
في الدول التي
تعاني من ضعف المؤسسات ، الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي :
- إما خاضع تماما
للنظام ( يملي عليه ما يقال وما لا يقال ).
- أو يعيش تحت
تهديد مباشر بفقدان الاعتماد أو حتى الملاحقة.
لذلك ترى :
- فضح اللص الصغير
الذي يسرق هاتفا = سبق إعلامي .
- لكن فضح الفاسد
الكبير الذي سرق الملايين = خيانة تشهير ، خطر على أمن الدولة .
و بالتالي يصبح
الإعلام في كثير من الأحيان شريكا بالصمت و التستر ما يجعله يخون رسالته الأولى :
" قول الحق مهما كان الثمن " .
الدستور و الواقع
المؤلم :
الدساتير الحديثة
تقول الإسلام دين الدولة لكن :
- هل هذا البند
يفعل في القضاء ؟ في الاقتصاد ؟ في الإعلام ؟
- هل يطبق على
الوزراء كما يطبق على العامة ؟
الجواب: غالبا لا:
لأن الدين تحول في كثير من هذه الدول إلى رمز ديكوري فقط، لا يستحضر إلا في
المناسبات و الافتتاحات الرسمية، لا في الميزانيات و السياسات و ملفات الفساد.
سكوت العلماء وتحييدهم:
من أهم أسباب ضياع
هيبة الشريعة أن:
- علماء البلاط يبررون
سلوك الحاكم.
- العلماء الأحرار
مقصين أو مسجونون أو متابعون، فضاعت البوصلة و سكت عن الحق و تحولت كلمة الإصلاح
إلى شعار أجوف .
إن المشكلة
أخلاقية فكرية و سياسية و مؤسساتية ليست في النصوص بل في النفوس ." إنما أهلك
من قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد " صحيح
البخاري .
المشكلة الحقيقية ليست في الشباب بل في من أفسدهم عندما
:
- تفتح الحدود
للمخدرات
- تصنع المهلوسات
داخل البلاد ، حماية شبكات التهريب من رجال نافذين أو يغض الطرف عنهم ثم يلقى
اللوم على الشاب المسكين الذي يتيه في بطالة وعجز و فقر وجهل ....فهنا يجب أن نصرخ
: أوقفوا هذه المسرحية البائسة ، قال على بن أبي طالب رضي الله عنه " لا يصلح
الناس إلا إمام عادل " .
عندما تتواطأ السلطة مع الفساد :
- التاجر الفاسد
يحمى – رجل الأعمال الفاسد يكافأ – المسؤول المتورط ينقل بدل أن يحاسب – الإعلام
يصمت – و القانون يطبق فقط على الحلقة الأضعف " أي عدالة تبقى في وطن بهذه
الصورة ؟ إن الإعلام الذي يفضح الفقير و يطبل للغني هو شريك في الجريمة لا مهنة
نزيهة .
الفساد الممنهج
أخطر من الجريمة الفردية :
جريمة الشاب الذي
يرتكب سرقة وهو واقع تحت المخدر ليست أبشع من :
- من ادخل له
السموم
- ومن سكت عنها .
- ومن تواطأ على
توزيعها .
- ومن نصب نفسه
واليا على الوطن تركه يضيع .
إن السلطة التي
تتغاضى عن سماسرة المخدرات و المهلوسات و تتهم الضحية بالفشل و الانحراف هي سلطة
تحتاج إعادة تأهيل قبل أن تطلبه من شعبها .
لا نريد حاكما
معصوما بل راعيا مسؤولا ، يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الناس ، ونحن كرعية لسنا أبواقا
ولا عبيدا بل شركاء في حمل الأمانة ، وقد علمنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كيف
نقوم الحاكم ولو بحد السيف ، وقالها صراحة " لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا
خير فيكم أن لم نسمعها "
وهنا يجب القول
لسنا ضد الدولة بل ضد الفساد الذي يخربها من الداخل .
لسنا ضد النظام بل
ضد الصمت الذي يحمي المجرم و يدين الضحية .
ولسنا دعاة فتنة
بل رسل إصلاح يحملون في قلوبهم خوفا على الوطن أكثر من المنتفعين به .
إذا أذا أردنا
الحل علينا الاعتراف بالأسباب :
- نحن لا نملك
شبابا فاسدا بل نملك بيئة ملوثة عمدا .
- ولا نملك مجتمعا
عديم المسؤولية ، بل نملك منظومة سياسية و اقتصادية تسقط القدوة .
- ولا نملك أزمة
أخلاق بل نعيش زمن قدوة .
الخاتمة :
أنا لا أصرخ في
وجه الشعب فقط ، بل أصيح في وجه من يدعي تمثيله ، وأقوى سلاح اليوم ليس المال ، بل
الكلمة التي تكتب بإخلاص وكل من سكت عن الحق وهو يقدر على قوله فهو مسؤول أمام
الله و أمام التاريخ ، وما نحتاجه اليوم لا الفوضى ، بل التقويم بالحكمة و التغيير
بالكلمة ، ولن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح أولها : الصدق ، العدل ، الجرأة في
الحق ، كتبت هذه الورقة بموقف المؤمن والراعي و المبتلى في آن واحد و أنا أضع
الكرة الآن في ملعب كل قارئ ، أيها القارئ إن كنت موظفا أو مسؤولا أو مواطنا بسيطا
لا تبرئ نفسك – قاوم بصوتك أو قلمك أو موقفك الشريف فإن الله سائلك لا عن من كنت ،
بل عما سكت عنه.
يوم 14/07/2025
الباحث و الناقد :
Z.R
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
شركنا برايك ووجهة نظرك