الإتجاهات الجديدة للتدخل الحكومي
في الإقتصاديات الرأسمالية
مقدمــــــة :
عندما كان الأمر يتعلق بدراسة دور الدولة , كان ذلك يثار بمناسبة دراسة الحريات العامة و الدستورية , وما كان يثور نقاش حول الموضوعات الاقتصادية كان يرتبط بتحليل وظائف اقتصاديات السيادة و متطلباتها , بهدف تحديد دور وحدود تصرفات الدولة .
وفي خلال القرنين السابع و الثامن عشر ساد الاعتقاد بأن المصلحة الخاصة الفردية هي تعبير عن مصلحة المجتمع , و المجتمع هو الدولة ن و الفرد عندما يسعى إلى تحقيق مصلحته الخاصة و هي الربح في إطار المنافسة الحرة فهو يحقق في ذات الوقت مصلحة المجتمع .
وفي منتصف القرن الثامن عشر ظهرت مدرسة الطبيعيون في فرنسا , و كانت المدرسة ترى القوانين التي تحكم كافة مظاهر الحياة الاقتصادية تقوم على مبدأين هما : المنفعة الشخصية و المنافسة . فالأولى تؤدي إلى تحقيق المنفعة الجماعية و الثانية تؤدي إلى زيادة معدلات الإنتاج .
وبعد ذلك نادى الطبيعيون بضرورة ترك النشاط الاقتصادي حرا و على الدولة أن تمتنع عن التدخل في الحياة الاقتصادية وكانت عبارتهم المشهورة : " دعه يعمل دعه يمر " .
ثم ظهرت بعد ذلك المدرسة الكلاسيكية في إنجلترا التي نادت بابتعاد الدولة عن الحياة الاقتصادية و بأن تدخلها يعوق جهاز المنافسة و الأثمان المحقق للتوازن الاقتصادي التلقائي , ودور الدولة يكون مقصورا على حماية الأمن في الداخل و الخارج , و تحقيق العدالة .
غير أن الأزمات التي عرفتها الرأسمالية بدءا من عام 1901 إلى غاية أزمة 1929 التي كانت الأكثر حدة , دفعت كينز إلى إصدار كتابة " النظرية العامة " و الذي دعا من خلاله الدولة إلى ضرورة التدخل لسد العجز الذي أحدثه الأفراد و المشروعات الخاصة نتيجة حذرهم الشديد في نفقاتهم على الاستهلاك و الاستثمار.
وقد دفع هذا معظم الدول الرأسمالية إلى التدخل في الحياة الاقتصادية من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي , ففي بريطانيا قامت الحكومة بمنح معونات للتخفيف من آثار البطالة و الفقر , كما تدخلت في الأسواق بمراقبة الأسعار , وفي ألمانيا نفذت الحكومة برامج ضخمة في الأشغال العمومية و البنية الأساسية , وفي فرنسا كما في بريطانيا قامت الحكومة بتأميم الكثير من الشركات و المؤسسات المصرفية و قطاعات المناجم و الغاز و الكهرباء .
ومع الأزمة الاقتصادية لعام 1971 نتيجة المضاربة ضد الدولار تعالت الأصوات بضرورة تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية , و ازداد هذا الطرح قوة مع تولي حزب المحافظين و الرئيس ريجال مقاليد السلطة في بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية . حيث شرعت بريطانيا في عهد تاتشر في برنامج خوصصة واسع مس جميع القطاعات بما في ذلك الإستراتيجية , مما أدى إلى ارتفاع معدلات النمو الاقتصادية إلى مستويات قياسية .
ومع اشتداد تيار العولمة ازداد ضغط المؤسسات الدولية على الحكومات بضرورة الانسحاب من الحياة الاقتصادية و فسح المجال أمام القطاع الخاص ليلعب دوره في تحقيق التوازن الاقتصادي , غير أن ذلك لا يعني انتفاء دور الدولة بصورة نهائية إذا يبقى لها هامش للتحرك من أجل ضبط الأمور في حال انحرافها عن مسارها الطبيعي .
فإذن يغدو تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي مسألة مفروغا منها في النظام الرأسمالي بالذات , إنما تطرح القضية على الشكل التالي :
كيف يتحقق هذا التدخل ؟ ما هي ضروراته أو موجباته ؟ وهل هو استكمال آليات السوق أم للحلول محلها ؟