انضموا معنا

انضموا معنا
نفيــــــــــــد و نستفيـــــــــــد
E-currencies exchanger
E-currencies exchanger

mardi 14 août 2012

ابن خلدون يسبق آدم سميث و كارل ماكس وووو

-->
مبدأ "الضريبة يقتل الضريبة" بين ابن خلدون و لافر

المحور الأول: مدخل إلى موضوع البحث


منهج الدراسة (المداخلة):
سنتناول إن شاء الله  دراستنا من خلال محاور ثلاث، هي:
  1. المحور الأول: نجيب فيه عن تساؤل مفاده، هل يوجد فكر اقتصادي عند ابن خلدون، و هل حقاً توجد نظريات اقتصادية يمكن نسبتها لابن خلدون؟
  2. المحور الثاني: عرض مجمل لأهم النظريات الاقتصادية والواردة في المقدمة التي وضعها ابن خلدون.
  3. المحور الثالث: سنقوم من خلاله بإثبات أن مبدأ الضريبة تقتل الضريبة و الذي يشتهر بين فقهاء الاقتصاد بأثر لافر قد أشار إليه ابن خلدون منذ أكثر من خمسة قرون و بطريقة علمية تضاهي تلك التي أشار إليها لافر .
أهمية الأفكار الاقتصادية عند ابن خلدون:
لعلنا إذا أمعنا النظر في تاريخ الأفكار الاقتصادية، قد نجد ابن خلدون من الأوائل ممن قرر موضوعية الاقتصاد واستقلاله كموضوع من موضوعات العمران الواسع. وإذا كانت الروح الأخلاقية والفكر الإسلامي يطفو على كل اهتمامات هذا العمران، فالقضية قضية مناخ فكري عام. وقضية نظرة شمولية فلسفية
و نحن كما اشرنا من خلال المنهجية التي سنتبعها في هذه الدراسة، فإننا نعتقد أن البحث في الأفكار الاقتصادية عند ابن خلدون ليس مجرد حصر تاريخي لتلك الأفكار و الآراء لأن ذلك موضوع علم التاريخ، و إنما الهدف هو إثبات أن هذه النظريات ما تزال تصلح للتطبيق في عصرنا هذا ... و من هنا تنبع أهمية هذا البحث.
ما هي أهم اكتشافات ابن خلدون في ميدان الاقتصاد بشكل عام  حتى يتاح لنا أن نؤرخ لأفكاره وحتى نتمكن من إعطائه مكانته بين مفكري الاقتصاد؟.
إن أهم الاكتشافات الخلدونية كانت في شبه قوانين اقتصادية يمكن تلخيصها فيما يلي:
1.     إثبات موضوعية الحياة الاقتصادية، وتحديد ظاهراتها الأساسية مع إبراز منهج أولي لإدراك الواقع الاقتصادي منعزلاً أو متصلاً مع الواقع المجتمعي بأكمله.
2.    الإلحاح على أن الحياة الاقتصادية مربوطة بالأرض، وهذا فيما يخص تاريخية هذه الحياة وأسس انطلاقتها، مع الإقرار أنه قد يحصل شبه استقلال عن الأرض في الحياة المدنية التي تعتمد كثيراً على اختراعات الإنسان.
3.    التأكيد بأن العمل الإنساني هو تقريباً مصدر كل المعاش، وأنه لا معنى للخيرات الأرضية بدون عمل إنساني. هذا مع تصنيف للأعمال إلى أعمال طبيعية هي الأعمال المنتجة، وغير طبيعية وهي الأعمال التي يعتمد أصحابها على استغلال إنتاج الآخرين.
4.    إثبات أن الحياة المعاشية تمتد آثارها إلى مختلف النشاطات والميادين المجتمعية الأخرى من سياسة وسلوك أخلاقي وتنظيمات.
5.    التأكيد بأن الصراع مستمر بين المجموعات التي يتباين ويتناقض معاشها، ويتلخص ذلك في الصراع الدائم بين البدو أهل المعاش الزراعي والرعوي المقتصر على الضروري، والإقطاعية السلطانية ومن حولها من الطبقات التي تعتمد على المعاش الحضري المترف المستمد ترفه من استغلال الطبقات المنتجة.
    الدراسات السابقة حول الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون:
         الحقيقة أن الدراسات عن ابن خلدون و بكل ما تعلق به من أفكار و آراء كثيرة جداً لا يمكن حصرها. و إذا كان البعض قد اعتبر أن ابن خلدون لم يترك علماً إلا و تناول منه جزءًا، فمن التاريخ إلى السياسة إلى الملك إلى الاقتصاد....فإن علم الاقتصاد و الذي لم يكن آنذاك شأنه شأن كثير من العلوم مستقلاً عن العلوم الاجتماعية قد حاز اهتماماً كبيراً من جانب ابن خلدون. و مع ذلك كله، يبقى هذا الجانب من الفكر الخلدوني واحداً من الجوانب التي لم يتم الاعتناء بها كامل الاعتناء مقارنة بالجوانب الأخرى للفكر الخلدوني، هذا على الرغم من أنه لا يمكن الادعاء بأنه جانب وقع إهماله، إذ خصصت له دراسات، سواء كانت دراسات اقتصادية مستقلة أو دراسات جاءت ضمن الأبحاث الاجتماعية.و من بين الدراسات التي خصصت للاقتصاد عند ابن خلدون نذكر مثلاً:
  • "النظريات الاقتصادية عند ابن خلدون" للدكتور عبد المجيد مزيان،  قد تناول فيها الباحث واقع المجتمع الإسلامي  اقتصادياً، و الطبقية و الإنتاج و علاقات الإنتاج و العمل...و جاء كتابه في شكل سرد وصفي.
  • "رائد الاقتصاد: ابن خلدون"، للدكتور محمد علي نشأت.
  • "Les idées économiques d'Ibn Khaldoun"
للأستاذ صبحي محمصاني. و على الرغم من أن العنوان يشير إلى الأفكار الاقتصادية عند ابن خلدون إلا أن الباحث يركز بشكل أساسي على الطابع القانوني.
  • « Ibn Khaldun contribution to the science Economics »
و هذه الدراسة للأستاذ سليما عبادي، و قد تطرق من خلالها لبعض النظريات الاقتصادية عند ابن خلدون منها مثلاً توازن السوق، النمو الاقتصادي، نظرية القيمة، المالية العامة....
و غيرها من الدراسات كثير.
و نحن هنا لسنا بصدد تناول الآراء الاقتصادية لابن خلدون فليس هنا مقامها، و إنما نعرضها مجملة ثم نكتفي بأخذ نقطة واحدة من التحليل الاقتصادي لابن خلدون و تحليلها تحليلاً مفصلاً. و قد وقع اختيارنا على فكرة أثارت و تثير الكثير من الجدل لدى المفكرين الاقتصاديين المعاصرين، و بشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية، و هي ما اصطُلح على تسميته أثر لافر، و هو نفسه مبدأ "الضريبة تقتل الضريبة". و هذا الأثر أو المبدأ و الذي هو أحد أهم ركائز مفكري اقتصاديات العرض.


المحور الثاني: الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون
  • المنهج الاقتصادي والاجتماعي لابن خلدون من خلال كتابه المقدمة
 اشتهر ابن خلدون بمقدمته التي هي جزء من كتابه الضخم الذي ألفه في التاريخ العام وسماه: "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، وهذا الكتاب يشمل المقدمة ومعها:
1.     الكتاب الأول: في العمران وطبيعته.
2.      الكتاب الثاني: ويشتمل على أخبار العرب وأجيالهم.
3.     الكتاب الثالث: فيعرض لنا أخبار البربر ومن يليهم.
 وقد عالج ابن خلدون واقعات العمران البشري، التي تشمل كل القواعد في الاتجاهات العامة التي يسلكها أفراد المجتمع في تنظيم شؤونهم الجماعية، وضبط العلاقات وتنسيقها.
أولاً: إخضاعه الظواهر الاجتماعية للقوانين:
          فابن خلدون إذ يخضع الظواهر الاجتماعية للقوانين، فهو يبحث عن مدى الارتباط بين الأسباب والمسببات، ولم يكتف بالوصف وعرض الوقائع وبيان ما هي عليه، وإنما اتجه اتجاهاً جديداً في بحوثه الاجتماعية، جعله يعلن بصراحة أن التطور هو سنة الحياة الاجتماعية، وذلك لأن الظواهر الاجتماعية غير قابلة للركود والدوام على حالة واحدة، ومن ثَمّ كانت الأنظمة الاجتماعية متباينة حسب المكان والزمان: "إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول".
          فإذا كانت العلوم الرياضية وما شابهها تعالج أموراً مستقرة، فعلم الاجتماع يعالج مواضيع تختلف من جيل إلى جيل، ومن منطقة إلى أخرى. لذلك يرى ابن خلدون أنه يتحتم على الباحث الاجتماعي أن يبحث عن هذا الاختلاف، متخذاً الحذر والحيطة حتى لا ينساق وراء الخيال والمغالطات.
          وقد اعتمد ابن خلدون في بحوثه على ما لاحظه في الشعوب التي عاصرها، واحتك بها ووازن بينها وبين سابقيها، ودرس العلاقات الاجتماعية، وذلك بأن جمع معلوماته من التاريخ، ثم أخضعها للعقل، ومن هنا تتجلى أصالته المنهجية. ولا أدلّ على ذلك من كونه يقرر أن العصبية نوع خاص من القرابة داخل ترابط مجتمعي.
ثانياً: استخدامه المنهج الاستقرائي
          ابن لابن خلدون منهجاً استقرائياً استنتاجياً، يعتمد فيه على الملاحظة، ثم الدخول في الموضوع، وبدون فكرة مبيتة، لذلك جاءت قوانينه أقوى أساساً، وأمتن بنياناً، وأقرب إلى وقائع الأمور.
          وهكذا سار على منهج علمي سليم، وإن كان استقراؤه ناقصاً بعض الشيء، لأن كثيراً من القوانين والأفكار التي وصل إليها لا تطبق إلا على أمم عاصرها في فترة معينة.
  • أبحاث ابن خلدون في المواضيع الاقتصادية. أو الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون
ممَّا يميز نظريات ابن خلدون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية أنَّ أكثرها قابل للتطبيق في كل زمان ومكان.
            كما يعد ابن خلدون أول مفكر عالمي يرى أهمية الاقتصاد للسياسة، ففي الفصل  الذي بعنوان « نقصان الدفع يؤدي إلى نقصان الإيراد» يقول : "السبب في ذلك أنَّ الدولة والسلطان هما السوق الأعظم في العالم... إذا حجب السلطان البضائع والأموال والإيراد، أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها قلَّ حينئذ ما بأيدي الحاشية والحامية ، وقلَّت نفقاتهم ، وهم معظم المشترين (السواد) وهجرت الأسواق (يقع الكساد) وتضعف أرباح المنتجات ،فتقل الجبايات لأنَّ الجبايات والضرائب تأتي من الزراعة والتجارة والتبادل التجاري الجيد والمعاملات التجارية ،وطلب الناس للفوائد والأرباح ،ووبال ذلك عائد على الدولة بالنقص لقلة الجبايات الناتجة عن نقصان ثروة الحاكم أو الدولة ... فالمال إنَّما هو متردد بين الحاكم والرعية منه إليهم ومنهم إليه ،فإذا منعه (حبسه عنده) فقدته الرعية".
فهنا نجد ابن خلدون قد اعتبر الدولة هي السوق الأعظم أو قوة إنتاجية أو سوق منتجة ،فإن كسدت وقلَّت مصارفها لحِقَ الكساد بقية السوق ، وما توصل إليه ابن خلدون في هذا يعتبر اليوم من مفاخر علم الاقتصاد.
فقد اعتبر الدولة منتجة بحمايتها لمصادر الإنتاج ، وتأخذ الضرائب مقابل حمايتها لهذه الثروات، ويرى أنَّ قلة الضرائب تؤدي إلى زيادة الاعتماد لتزايد الاغتباط بقلة المغرم ،وبزيادة الضرائب يحدث العكس.
أولاً: نظرية القيمة والأثمان عند ابن خلدون.
لقد سبق ابن خلدون آدم سميث في وضع أسس نظرية القيمة والأثمان وهي من أدق الأمور في الاقتصاد، وبذلك يعد ابن خلدون رائدا عظيما في علم الاقتصاد.
و عموماً فإن نظرية القيمة عند ابن خلدون تقترب من نظرية مارشال، فحسب مارشال تقاس بالعرض المرتبط بالتكلفة و فرص الطلب المرتبطة بالمنفعة. و يقول ابن خلدون بهذا الشأن أن القيمة تُقاس بالغبن    ـ التكلفةـ و اللذة  ـ المنفعةـ.
إن الحديث عن نظرية القيمة عند ابن خلدون، لا بد أن يسبقه التطرق لمفهومين يحددان معالم هذه النظرية عند ابن خلدون، و هذان المفهومان هما: "الرزق" و "الكسب".
و يعتبر ابن خلدون الكسب على أنه القيمة المحققة من العمل. و إذا كانت هذه المكاسب أو الأرباح مساوية لقيمة الضروريات و الحاجات، فإننا نسميها "معاشاً"، أما الباقي أو الفائض فيُستخدم في تراكم رأس المال. أما ما يتحقق للإنسان من جهده الخاص فيسمى حسب ابن خلدون كسباً. من خلال ما سبق يمكننا أن ندرك فعلاً أن ابن خلدون قد سبق ادم سميث في نظرية القيمة بأربعة قرون ....                                              
ثانياً: نظرية النقود عند ابن خلدون.
للنقود في نظر ابن خلدون خاصية ترتبت عليها وظيفتان : أمَّا الخاصية فهي الثبات النقدي.
وأمَّا الوظيفتان فهما : اتخاذ النقود أداة مبادلة ،وفي الوقت نفسه اتخاذها أداة ادخار.
وفي الإشارة إلى خاصية الثبات النقدي ، يقول : « وإن اقتنى سواهما -أي الذهب والفضة- في بعض الأحيان ـ فإنَّما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق التي هما عنها بمعزل.
ثُمَّ هي أداة مبادلة عند ابن خلدون لأنَّها «قيمة لكل متمول» ،أو «مستودع القيمة» ، وإلاَّ لم يحصل أحد من اقتنائها على شيء ،وهي عنده أيضاً أداة ادخار حيث يقول : «إنَّ الذهب والفضة هما الذخيرة والقنية لأهل العالم غالباً.
وممَّا لاشك فيه أنَّ ظاهرة الثبات النقدي كانت السبب الأول في صيرورة الذهب والفضة مستودع القيمة، وفي اتخاذها أداة للادخَّار والمبادلة.
وكون الذهب والفضة بمعزل عن حوالة الأسواق التي تحدث لغيرهما عند ابن خلدون يرجع إلى أنَّ الإنتاج منهما ليس مضموناً ،حيثُ أنَّ نتيجة استغلال أي منجم منهما تخضع لعدة عوامل مختلفة ، حتى أنَّ النتيجة قد تكون معاكسة ، ومن ثَمَّ فقد كان للطابع الاحتمالي للإنتاج ،بالإضافة إلى ضآلة القدر المنتج بالفعل بالنسبة للموجود في الأسواق ،الأثر الكبير في جعل عرض الذهب والفضة في الأسواق يكاد يكون ثابتاً بصورة منتظمة دائما.
  • العلاقة بين النقود وبين القدرة الإنتاجية للدولة:
      لقد اكتشف ابن خلدون أنَّ قوة الدولة وتقدمها العمراني «الحضاري» لا يُقاس بمقدار ما يتوافر لها من معادن كالذهب والفضة، وإنَّما يكون نتيجة لقدرتها على الإنتاج الذي يجلب لها الذهب والفضة ، فيقول : «إنَّ الأموال من الذهب والفضة ، والجواهر والأمتعة ،إنَّما هي معادن ومكاسب كالحديد والنحاس والرصاص ،وسائر العقارات والمعادن ،والعمران يظهرها بالأعمال الإنسانية ،ويزيد فيها أو ينقصها ،وما يوجد منها بأيدي الناس فهو متناقل متوارث ،وربما انتقل من قُطرٍ إلى قُطر ،ومن دولة إلى دولة أخرى بحسب أغراضه ،والعمران الذي يستدعى له ،فالنقود يوفرها أو ينقصها العُمران.
ويضرب مثلاً لذلك : «أقطار المشرق مثل مصر والشَّام وعراق العجم والهند والصين ،وناحية الشمال ،وأقطار ما وراء البحر الرومي لما كثر عمرانها ،كيف كثر المال فيها وعظمت دولها ،وتعددت مدنها وحواضرها ، وعظمت متاجرها وأحوالها ... فإنَّه يبلغنا في باب الغنى والرفاهية غرائب تسير الركبان بحديثها ،وربما تتلقى بالإنكار ،ويحسب من يسمعها من العامة أنَّ ذلك لزيادة أموالهم ،أو لأنَّ المعادن الذهبية والفضية أكثر بأرضهم، أو لأنَّ ذهب الأقدمين من الأمم استأثروا به دون غيرهم ،وليس كذلك ،فمعدن الذهب إنَّما هو من بلاد السودان ،وجميع ما في أرضهم من البضاعة ،فإنَّما يجلبونه إلى غير بلادهم للتجارة ،فلو كان المال عتيداً موفوراً لديهم لما جلبوا بضائعهم إلى سواهم يبتغون بها الأموال، ولاستغنوا عن أموال الناس بالجملة.
وهذا الكلام من ابن خلدون في توضيح العلاقة بين كمية النقود وبين القدرة الإنتاجية في الدولة ،وأثر هذه القدرة على عمرانها يوضح مدى تفوق ابن خلدون على التجاريين في تحليل وظيفة النقود ،كما يظهر أيضاً تفوقه على آدم سميث الذي كان يرى أنَّ التجارة الخارجية إنَّما هي تصريف الفائض عن الاستهلاك المحلي ،حيث بيَّن ابن خلدون أنَّها تكون لتبادل المنفعة وللحصول على الذهب والفضة ابتغاء الحصول بهما على السلع الأخرى.
  • العلاقة بين الرخاء وبين سرعة تداول النقود في « نظرية ابن خلدون:
يرى ابن خلدون أنَّ النقود يوفرها أو ينقصها العمران، فالعمران بما يحققه من رخاء نتيجة للنقود التي يجلبها للبلاد الغنية يؤدي إلى سرعة تداول النقود ، وكثرة التعامل فينتج عن ذلك ارتفاع كمية النقود المتبادلة ، فهو يقول : «إنَّ المصر يؤدي إلى كثرة التعامل ،واستفحال العمران وتأثر الثروات الكبيرة» كما يقول : «إنَّ العمران يظهر النقود. بالأعمال الإنسانية ،ويزيد فيها أو ينقصها.
وهكذا يقرر ابن خلدون أهمية سرعة التداول للمال وأثرها على : زيادة العمران ،وزيادة الأموال بينهما ،بينما يحل الكساد إذا كان هناك إبطاء في حركة التداول.
ثالثاً: سبْق مالتس إلى نظرية تزايد السكان.
          ومن العجيب أن هذا الباحث الاقتصادي الإسلامي قد تحدث في المقدمة عن القوانين التي يسير عليها التزايد في النوع الإنساني، وبذلك سبق "مالتس" الإنجليزي في نظريته التي اشتهر بها، وهي نظرية "تزايد السكان". ومالتس من علماء الاقتصاد الإنجليزي، ولد سنة 1766م وتوفي سنة 1842م، ويعدّ من المنشئين لعلم "الديموغرافيا" أو علم إحصاء السكان، وهو من العلوم الاقتصادية. وقد وضع مالتس في ذلك كتاباً أسماه "تزايد السكان" وظهر هذا الكتاب سنة 1803م. واستخلص مالتس من دراساته لظاهرة التزايد في النوع الإنساني أن السكان يتزايدون كل خمس وعشرين سنة بنسبة متوالية هندسية (1، 2، 4، 8، 16، 32...)، إذا لم يوقف تزايدهم عائق خارجي. وابن خلدون الذي كان قبل مالتس بأكثر من أربعمائة سنة قد تعرض لهذا النظرية، وإن لم يعن بتفصيل الحديث عن أجزائها، ووضع قانوناً محدداً لها، كما فعل مالتس.

رابعاً: أبحاث في الصناعات و الأعمال.
          وتحدّث في المقدمة عن الفلاحة والبناء والتجارة والحياكة والخياطة والوراقة وغيرها، وقد لخص كتاب تاريخ فلاسفة الإسلام المواضيع التي طرقها في مقدمته،فقال عن الباب الخامس من الكتاب الأول: " الباب الخامس من الكتاب الأول في المعاش و وجوبه من الكسب و الصنائع و ما يعرض في ذلك كله من الأحوال و فيه مسائل- الفصل الأول في حقيقة الرزق و الكسب و شرحهما و أن الكسب هو قيمة الأعمال البشرية..." و وصفَ أمهات الصناعات في أيامه، كالزراعة والعمارة والنسيج والتوليد والطب والورق وغيره.
لقد قسم ابن خلدون النشاطات الاقتصادية إلى ثلاثة نشاطات، هي:
·         الزراعة: و هذه يمكن لأي أحد مزاولتها و لا تحتاج حسبه إلى مهارات خاصة.
·         التجارة: و هي خاصة بفئة معينة و تتطلب أيضاً خصائص مميزة لمن يزاولها...
·         الصناعة: و هي تتطلب مهارات خاصة لا تتوفر إلا لدى القليلين فهم يختصون بها دون غيرهم.
خامساً: أبحاثه في الجباية و آثارها على الاقتصاد.
          و قد خصص لها ابن خلدون الكثير من كتابه المقدمة، و تناول جوانب عدة منها، بل و خصص لها فصولاً منها مثلاً الفصل الثامن و الثلاثون الذي عنونه: "الفصل الثامن و الثلاثون في الجباية و سبب قلتها و كثرتها"
و ستكون هذه الأخيرة أي الجباية و آثارها على الاقتصاد هي موضوع المحور الثالث من دراستنا، و قد خصصناه لذلك خاصة و أن هذا الموضوع مستجد و لا زال يثير الكثير من الجدل.
سادساً: توازن السوق.
في سوق المنافسة الحرة أو السوق الحرة، فإن آلية السعر هي التي تحدث التوازن في هذه السوق. في النظريات الاقتصادية يعتبر والراس هو أول من أشار إلى ذلك. لكننا سنجد أن ابن خلدون قد أشار إلى هذه الفكرة.
يقوم قانون التوازن الوالراسي على أن: " إذا كان هناك فائض في العرض، فإن الأسعار تنخفض. بينما يؤدي فائض الطلب إلى ارتفاع الأسعار".
ابن خلدون أشار إلى هذا القانون من خلال مقدمته في موضعين. الأول: عندما أراد شرح انخفاض أسعار الغذاء  بينما تبقى أسعار الكماليات مرتفعة. الثاني: عندما يناقش تجارة و نقل الأطعمة من طرف التجار من مدينة إلى أخرى.
يقول ابن خلدون: " اعلم أن الأسواق كلها تشتمل على حاجات الناس فمنها الضروري..... و منها الحاجي والكمالي"...
"فإذا استبحر المصر و كثر ساكنة رخصت أسعار الضروري من القوت و ما في معناه و غلت أ سعار الكمالي من الأديم و الفواكه و ما يتبعها و إذا قل ساكن المصر و ضعف عمرانه كان الأمر بالعكس من ذلك "
ثم يشرح ابن خلدون ذلك:
"و السبب في ذلك أن الحبوب من ضرورات القوت فتتوفر الدواعي على اتخاذها إذ كل أحد لا يهمل قوت نفسه و لا قوت منزله لشهر أو سنته فيعم اتخاذها أهل المصر أجمع أو الأكثر منهم في ذلك المصر أو فيما قرب منه لا بد من ذلك. و كل متخذ لقوته فتفضل عنه و عن أهل بيته فضلة كبيرة تسد خلة كثيرين من أهل ذلك المصر فتفضل القتوات عن أهل المصر من غير شك فترخص أسعارها في الغالب إلا ما يصيبها في بعض السنين من الآفات السماوية و لولا احتكار الناس لها لما يتوقع من تلك الآفات لبذلت دون ثمن و لا عوض لكثرتها بكثرة العمران. و أما سائر المرافق من الأدم و الفواكه و ما إليها لا تعم بها البلوى و لا يستغرق اتخاذها أعمال أهل المصر أجمعين و لا الكثير منهم ثم أن المصر إذا كان مستبحراً موفور العمران كثير حاجات الترف توفرت حينئذ الدواعي على طلب تلك المرافق و الاستكثار منها كل بحسب حاله فيقصر الموجود منها على الحاجات قصوراً بالغاً و يكثر المستامون لها و هي قليلة في نفسها فتزدحم أهل الأغراض و يبذل أهل الرفه و الترف أثمانها بإسراف في الغلاء لحاجتهم إليها أكثر من غيرهم فيقع فيها الغلاء كما تراه. "
          وباختصار، فإن عبد الرحمن بن خلدون الباحث الاجتماعي والاقتصادي والسياسي سيظل في نظر الباحثين حجة في كل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، وستظل نظرياته الواردة في مقدمته صالحة للاستفادة منها.
المحور الثالث: مبدأ "الضريبة تقتل الضريبة" بين ابن خلدون  و لافر.
       ركّز عبد الرحمان بن خلدون من خلال كتابه المقدمة بشكل كبير على الجباية و الضرائب و كل ما تعلّق بها. و بهذا الخصوص فإننا نرى أنّ موضوع الجباية يُعتبر واحداً من المواضيع التي تظهر عبقرية ابن خلدون و سبقه لأهل زمانه.
و سوف نحاول من خلال هذا المحور من دراستنا هذه تناول هذا الجانب...و لكن قبل ذلك فلا بأس من استذكار بعض المفاهيم الأساسية و خاصة مبدأ "الضريبة تقتل الضريبة" أو ما يسمى بلغة الاقتصاد "أثر لافر" و  الذي ينسب إلى الاقتصاد الأمريكي آرثر لافر.  
أولاً: ما هو منحنى و أثر لافر. (Laffer Curve
       كاقتصادي ليبرالي ، اعتبر لافر أن الارتفاع السريع لمعدلات الضغط الضريبي - أي الوزن الضريبي تدفع (تحرض) قطاع العائلات و قطاع الأعمال (المؤسسات) إلى الإنقاص من وقت العمل على حساب الوقت المخصص للراحة.
إذن فمنحنى لافر يثبت – في الحقيقة- بأن كل زيادة في الضغط الضريبي تؤدي إلى زيادة الحصيلة الضريبية للدولة، و لكن  فقط إلى غاية نقطة تسمى نقطة العتبة و التي بعدها تؤدي أي زيادة في الضغط الضريبي إلى انخفاض في الحصيلة.

المنحنى التالي يشرح ذلك:
1- عندما يكون معدل الضريبة في المستوى(م1)، كما في الشكل ، فان الحصيلة الضريبية تكون عند أعظم قيمة لها ( أ ).
2- إذا تم تجاوز هذا المعدل و انتقلنا من المعدل (م1) إلى المعدل الأكبر (م2)، فان الحصيلة الضريبية تنخفض من (أ) إلى (ب).



-->
ومنه "الكثير من الضريبة يقتل الضريبة" « Trop d’impôt,tue l’impôt ».و الدولة ترى أن حصيلتها الضريبية تنخفض، و بالتالي و نتيجة لذلك تقوم  بالتخفيض من الإنفاق.
o      في مواجهة زيادة الاقتطاعات الإجبارية (الضرائب و المخصصات الاجتماعية)، فان المستثمرين يتخلون  عن الاستثمار و ذلك لان الجزء الأكبر من الأرباح المحققة سيتم اقتطاعه على شكل ضرائب.و هنا يبدأ النشاط بالتراجع  و كذلك الحال بالنسبة للأعمال (المقاولات) (عمل أقل ، دخول أقل) إلى الحد الذي يجعل الدولة تجبي ضرائب أقل مما كانت عليه قبل الزيادة في معدلات الضرائب،و هو ما قد يوقعها في صعوبات أخرى لضمان الخدمات العامة –إذا ما استثنينا زيادة العجز-.
على العكس من ذلك، فان تخفيض الضرائب، تؤدي إلى تشجيع النشطين و المقاولين على الاستثمار للحصول على أرباح اكبر، خاصة أن هذه الأرباح ستكون اقل تعرضا للضرائب. هذه الزيادة المضطردة في الأنشطة سوف تخلق ثروات جديدة يستفيد منها كل الذين ساهموا فيها بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة (الأجراء، المقرضون،المساهمون، المؤسسات، الإدارات...).ومنه سيتم بعث النمو من جديد. و مع زيادة الإنفاق الحكومي و كذلك الإيرادات، فان الدولة تستطيع في هذه الحالة بشكل عام الحصول على قيمة اكبر من الحصيلة الضريبية عن تلك التي كانت تحصل عليها قبل التخفيض في الضرائب.
في الأخير،يسعى منحنى لافر إلى تبرير السياسات ذات الخلفية الليبرالية الهادفة إلى تخفيض الاقتطاعات الإجبارية ، ويشكل أساسا لنقد الضغط الضريبي المرتفع
و لكن كيف وصل لافر إلى المنحنى الذي أصبح مشهوراً باسمه؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال الصفحات الموالية.
ثانياً: البناء النظري لمنحنى لافر.
       سوف نحاول من خلال ما سيلي أولا استذكار الأفكار البسيطة التي ستثبت وجود أثر لافر و الذي سنتفق في الأخير على تسميته أثر ابن خلدون، و التي لا  ترتكز  في النهاية إلا على قوانين العرض و الطلب.
يوجد في الواقع سببان رئيسيان يفسران هذه الظاهرة .السبب الأول ، تؤدي  الضريبة على الدخل إلى إحداث تشوه في السعر النسبي بين العمل و الراحة.و هذا بدوره يؤدي إلى انحراف (تغير) في تفضيل الأفراد بخصوص الاستهلاك و خسارة الادخار.
الضريبة على الدخل والتقسيم بين الراحة و النشاط.
       الأثر الأكثر شهرة للضريبة و الذي يدفعنا  إلى إثبات الوجود النظري لمنحنى لافر، هو التشوه ( الاعوجاج) في الأسعار النسبية مابين الراحة و العمل الحاصل بسبب الضرائب المفروضة على الدخل.بصفة عامة يمكننا إرجاع الطابع غير  الحاث على العمل إلى الضرائب.
        على نحو مبسط، فان الأفراد يتصرفون في تقسيم أوقاتهم من خلال نوعين من الأنشطة: الراحة و نقصد به الأنشطة المنزلية الغير الخاضعة للضريبة، و العمل و هو نشاط خاضع طبعا للضرائب.
لنفترض الآن أننا في مجتمع حيث لا توجد ضرائب.و كان هناك فلاح يعتمد على محصول القمح ، حيث يقوم بجني هذا المنتج ثم بيعه في السوق.هذا النشاط يجلب له مثلا 100دينار في الساعة.و هذا بدوره يمكنه من شراء الضروريات التي يحتاجها و لتكن الخبز مثلا و ذلك بـ: 33دينارا للكيلوغرام.إذا  كان يقوم بإنتاج(إعداد) الخبز بنفسه، و يستغرق من اجل ذلك نصف ساعة .الخيارات المتاحة أمام هذا الفلاح ستكون بسيطة جدا :
-    إما أن يشتري الضروريات (الخبز) من السوق ، وهذا يكلفه 20دقيقة عمل(أي الوقت الذي ينبغي عليه عمله للحصول على ما مقداره 33دينارا من إنتاجه للقمح).
-         و إما أن يقوم هو بإنتاج ما يحتاجه (الخبز)، وهذا بدوره سيكلفه 50دينارا (بدلالة إنتاج القمح بأسعار السوق)
لا شك أن الخيار الأفضل لهذا الشخص ستكون بالتأكيد هي التخلي عن الاكتفاء الذاتي ، و بيع القمح ومن ثم شراء ما يحتاجه (الخبز) من السوق.
في هذه الحالة ، فان الإنتاج الجاري يكون قد ارتفع ب 33دينارا من القمح و 33دينارا للخبز.
  • لنتصور الآن أن الدولة فرضت ضريبة ثابتة قدرها 50%.هذا يعني انه في ساعة إنتاج واحدة، فان الفلاح لا يحصل إلا على 50دينارا كدخل حقيقي.و يكون الرصيد في هذه الحالة 50دينار و هو نسبة ما ستأخذه الدولة كاقتطاع إجباري .الخيارات المتاحة أمام هذا الشخص في هذه الحالة ستتغير، ولكنها ستبقى بسيطة و تصبح كما يلي:
-         إما أن ينتج القمح من أجل شراء الخبز . أو
-         أن يقوم هو بتحويل إنتاجه من القمح إلى خبز.
-         في الحالة الأولى ، فانه يجب 40دقيقة عمل ، بينما في الحالة الثانية ينبغي دائما 30دقيقة (كما في المثال الأول).
-    لا شك أن النظام الأمثل للإنتاج سيكون هو الاكتفاء الذاتي.و الإنتاج الجاري في هذه الحالة سيكون منقوصا مما قيمته 33دينارامن القمح و 33دينارا من الخبز.
هذا المثال ليس قصصيا ، لكنه يعبر  و ببساطة عن واقع الحال، كما أننا محاطون بأمثلة كثيرة من هذا النوع.و المشكلة تكمن في التعرف على هذا النوع من الظواهر.
        يمكننا الآن تمثيل ما قلناه عن طريق التمثيل البياني التقليدي للتحكيم(تقسيم) بين العمل و الراحة.فرد له 24ساعة في اليوم.إذا كان يعمل صفر( 0 )ساعة ، فان دخله يكون معدوما(0)، و إذا كان يعمل 24 ساعة فان دخله يساوي(24w)، حيث w يمثل معدل الأجر الساعي لهذا الفرد
و بطبيعة الحال فان أي ثنائية أو زوج تتوسط النقطتين السابقتين(أنظر الشكل1) تمثل توزيع الفرد لوقته بين العمل و الراحة.
في الشكل (03) :
عند النقطة A فان وقت الراحة =24ساعة ، الدخل=0 .
عند النقطة B فان  وقت العمل=24ساعة ، الدخل =24w (أقصى دخل ممكن).
كل النقاط(الأزواج أو الثنائيات) التي تقع على المستقيم (AB) هي نقاط ممكنة.
النقطة E تمثل نقطة التوازن، و عند هذه النقطة تتساوى المنفعة الحدية لساعة العمل الأخيرة مع المنفعة الحدية لساعة الراحة الأخيرة.
منحنى المنفعة( Uо ) يمثل ميل المستقيم(AB) عند النقطة(E).
-->
العلاقة بين عرض العمل و معدل الضريبة.  
-إن ما تقوم به الضرائب هو أنها تغير من معدل الأجر(w) .فمن أجل معدل ضريبة نسبية (t) ، فان معدل الأجر الحقيقي ليس إلا (1-t)w     .
مثلا، إذا كان  w=100 دينار في الساعة ،و كان معدل الضريبة 25% ، فيكون معدل الأجر الحقيقي مساويا إلى  75 دينارا في الساعة.في الشكل الأول فان الزيادة في معدل الضريبة(t) تترجم أو تظهر من خلال انتقال النقطة B  نحو الأسفل.
و من أجل كل معدل ضريبة فإننا نحصل على نقطة توازن جديدة E(t)  الموافقة لها.
المنحنى الذي يصل بين مختلف نقاط التوازن E(t) التي حصلنا عليها ، ليست في النهاية إلا منحنى عرض العمل S(t) بدلالة معدل الضريبة.
-->
- هذا المنحنىS(t) يبين لنا بأن عرض العمل يتناقص بتزايد المعدل الحدي للضرائب.
الإنتاج ، و هو مرتبط بعرض العمل ، يتناقص إذن مع معدل الضريبة.
في حالة ما إذا كان مستوى عرض العمل معدوما و ذلك عند معدل ضريبة 100%، الإنتاج يكون بدوره معدوما من أجل هذا المستوى الضريبي.مستوى الإنتاج يتناقص إذن و بشكل منتظم من C* إلى غاية الصفر(0) في نفس الوقت الذي تمر فيه الضريبة من الصفر(0) إلى معدل 100%.
في الحقيقة ، يمكننا أن نفهم بسهولة بأن الأفراد إذا كانوا  مجبرين على تحويل كل إنتاجهم إلى الدولة ، فإنهم سوف يفضلون التوقف عن العمل نهائيا ، أو على الأقل تحويل نشاطهم من الإطار القانوني إلى السوق السوداء.هذه الظاهرة محققة و بدرجات مختلفة في كل المجتمعات الحالية.
-->
-->
*هذه المساحة صغيرة للمعدلات المنخفضة أو المرتفعة (حيث أن عرض المستطيل يؤول إلى الصفر بينما طوله يؤول إلى قيمة منتهية).
الحصيلة الضريبية تكون أعظمية (في أقصى قيمة لها)عندما تكون مساحة المستطيل عظمى ، أي من أجل قيمة متوسطة لمعدل الضريبة.إذا تفحصنا الشكل (04) جيدا ، يمكننا تفهم كيف يمكن لاقتصاديي العرض الوصول إلى مثل هذه النتائج.
-         إن الشكل (04)يتيح لنا إمكانية مقارنة الحصيلة الضريبية (مساحات المستطيلات) الناتجة عن معدلات مختلفة للضرائب .المساحة المستطيلة المضللة تزيد أولا مع معدلات الضريبة ثم تتناقص بعد ذلك إلى الصفر.
العلاقة بين الحصيلة الضريبية و المعدلات الضريبية(منحنى لافر).
-         إذا قمنا بربط الحصيلة الضريبية للدولة مع معدلات الضريبة ، فإننا نحصل على منحنى لافر(انظر الشكل (05)).
-         المنحنى في الشكل (05)- يوضح بأنه ابتداء من معدل ضريبة t* ،كل زيادة في الضغط الضريبي تنتج تراجعا في الحصيلة الضريبية .و طبعا لا يمكننا الزعم بان هذا المعدل هو هذا أو ذاك،و كما هو الحال بالنسبة لقانون الطلب حيث لا يحدد لنا عند أي قيمة الطلب ينخفض عند تخفيض الأسعار ،  فان منحنى لافر لا يحدد لنا بكم تتغير الحصيلة الضريبية للدولة عند تغير معدلات الضريبة المعطاة.
-->
*منحنى لافر إذن ما هو إلا إطار تحليلي، يعتمد أساسا على بديهية حقيقية ، هذه البديهية تقوم على أن الأفراد مستعدون للعمل  أكثر عند زيادة دخولهم الحقيقية.إن مبدأ منحنى لافر مستنتج من هذه البديهية و النتيجة هي أن هذا المنحنى واقعي و حقيقي.[i]
هكذا وصل آرثر لافر سنة 1974 إلى رسم المنحنى الذي يُنسب إليه و مفاده باختصار أن " زيادة المعدلات الضريبية تؤدي إلى  خفض الحصيلة، لكن بعد مستوى معين".

ماذا عن ابن خلدون؟
سوف أهدف من خلال ما سيأتي إلى الوصول إلى منحنى الضريبة تقتل الضريبة انطلاقاً من أفكار ابن خلدون و الواردة في كتابه المقدمة.
      حسب ابن خلدون يؤدي وصول الدولة إلى  حالة الترف إلى اضمحلال العصبية لأن أهل العصبية لا عصبية لهم بسبب ترفهم، و هذا ما قد يدفع بالسلطان إلى صرف أموال باهضة على عصبية كاذبة. و هنا يكون جباية الأموال و التي تستهلك استهلاكاً  لا مردود له، و يتزايد الاستهلاك بسبب تزايد الترف فتتعدد الجبايات  و المكوس، فتخيب آمال الأمة في الإنتاج الاقتصادي، فينهار الجميع من الأمة العاملة و الطبقة الطفيلية التي تمتص أموالها و هنا نكون بصدد القانون الجبائي الذي يقر بأن "الجباية تقتل الجباية".[ii]
و المراحل يمكننا استنباطها من كتاب ابن خلدون "المقدمة" بشيء من التمحيص:
لقد أدرك ابن خلدون منذ القدم  أن التوسع في الضريبة يمكن أن يؤدي إلى ترك بعض الأنشطة الاقتصادية، و هذا ما يغري الحكام برفع المعدلات لجبر ما نقص من الحصيلة[iii]، و هكذا " لا تزال العملة في نقص و مقدار الوزائع و الوظائف في زيادة لما يعتقدونه من جبر الجملة بها إلى أن ينتقص العمران بذهاب الآمال".
و في كتابه يتناول ذلك في الفصل الثامن و الثلاثون في الجباية و سبب قلتها و كثرتها.
      " اعلم أن الجباية أول الدولة تكون قليلة الوزائع[iv] كثيرة الجملة و آخر الدولة تكون كثيرة الوزائع قليلة الجملة‏.‏" و هذه إشارة مباشرة إلى القانون الذي يعرف بقانون لافر.
·       بناء منحنى الضريبة تقتل الضريبة من أفكار ابن خلدون:
المرحلة الأولى: العلاقة الطردية بين المعدلات الضريبية و الحصيلة الإجمالية.
حسب قانون لافر (أو قانون الضريبة تقتل الضريبة) تكون العلاقة بين المعدلات الضريبية و الحصيلة الإجمالية طردية
يفسر لنا ابن خلدون ذلك، حيث يقول: "والسبب في ذلك أن الدولة‏:‏ إن كانت على سنن الدين فليست تقتضي إلا المغارم الشرعية من الصدقات والخراج والجزية وهي قليلة الوزائع لأن مقدار الزكاة من المال قليل كما علمت وكذا زكاة الحبوب والماشية وكذا الجزية والخراج وجميع المغارم الشرعية وهي حدود لا تتعدى وإن كانت على سنن التغلب والعصبية فلا بد من البداوة في أولها كما تقدم والبداوة تقتضي المسامحة و المكارمة وخفض الجناح و التجافي عن أموال الناس والغفلة عن تحصيل ذلك إلا في النادر فيقل لذلك مقدار الوظيفة الواحدة والوزيعة التي تجمع الأموال من مجموعها‏.‏ وإذا قلت الوزائع والوظائف على الرعايا نشطوا للعمل ورغبوا فيه فيكثر الاعتمار ويتزايد محصول الاغتباط بقلة المغرم وإذا كثر الاعتمار كثرت أعداد تلك الوظائف و الوزائع فكثرت الجباية التي هي جملتها".
الفكرة السابقة تجعلنا نصل إلى علاقة مبدئية بين معدلات الضريبة و الحصيلة الضريبية، و  هي علاقة طردية، و السبب كما هو واضح من خلال شرح ابن خلدون هو:
1.     تؤدي المعدلات الضريبية المنخفضة إلى تنشيط العمل(وإذا قلت الوزائع والوظائف على الرعايا نشطوا للعمل ورغبوا فيه) و هو ما يعرف بالتعبير الاقتصادي الحديث "الأثر التحريضي" للضرائب،
2.    يدفع الأثر التحريضي (الأثر الحاث) إلى زيادة الأوعية الضريبية التي تدفع منها الضرائب (فيكثر الاعتمار ويتزايد محصول الاغتباط بقلة المغرم)
3.    و بالتالي زيادة الحصيلة النهائية للضرائب (وإذا كثر الاعتمار كثرت أعداد تلك الوظائف و الوزائع فكثرت الجباية التي هي جملتها")
         و هذه كذلك من الأفكار التي اعتمدها ريغان في الإصلاح الضريبي لسنتي 1982 و 1986 و الذي أشار به عليه آرثر لافر – مستشاره الاقتصادي- و الذي هدف إلى خفض المعدلات الضريبية تدريجيا لحفز النمو الاقتصادي، و قد أثبتت هذه الفكرة صحتها من خلال النتائج الايجابية التي حققها الاقتصاد الأمريكي آنذاك.[v] و لعل هذه نقطة أخرى تثبت إمكانية تطبيق الأفكار الخلدونية حتى في زماننا هذا، و تثبت في الوقت ذاته عبقرية هذا الرجل.
المرحلة الثانية: العلاقة العكسية بين المعدلات الضريبية و حصيلة الضرائب.
             المرحلة الثانية من أثر لافر هي لما تصبح المعدلات الضريبية مرتفعة جداً بحيث تؤدي إلى أثر عكسي للأثر السابق (الأثر التحريضي)، يرجع السبب حسب ابن خلدون إلى دورة الحضارة لكنه يصل إلى لنتيجة الصحيحة.
            يقول  ابن خلدون "فإذا استمرت الدولة واتصلت وتعاقب ملوكها واحداً بعد واحد واتصفوا بالكيس وذهب شر البداوة والسذاجة وخلقها من الإغضاء و التجافي وجاء الملك العضوض والحضارة الداعية إلى الكيس وتخلق أهل الدولة حينئذ بخلق التحذلق و تكثرت عوائدهم وحوائجهم بسبب ما انغمسوا فيه من النعيم والترف فيكثرون الوظائف و الوزائع حينئذ على الرعايا والأكره والفلاحين وسائر أهل المغارم ويزيدون في كل وظيفة و وزيعة مقداراً عظيماً لتكثر لهم الجباية ويضعون المكوس على المبايعات وفي الأبواب كما نذكر بعد ثم تتدرج الزيادات فيها بمقدار بعد مقدار لتدرج عوائد الدولة في الترف وكثرة الحاجات والإنفاق بسببه حتى تثقل المغارم على الرعايا وتنهضم وتصير عادة مفروضة لأن تلك الزيادة تدرجت قليلاً قليلاً ولم يشعر أحد بمن زادها على التعيين ولا من هو واضعها إنما تثبت على الرعايا كأنها عادة مفروضة‏.‏ ثم تزيد إلى الخروج عن حد الاعتدال فتذهب غبطة الرعايا في الاعتمار لذهاب الأمل من نفوسهم بقلة النفع إذا قابل بين نفعه ومغارمه وبين ثمرته وفائدته فتنقبض كثير من الأيدي عن الاعتمار جملة فتنقص جملة الجباية حينئذ بنقصان تلك الوزائع منها"‏.‏
"وربما يزيدون في مقدار الوظائف إذا رأوا ذلك النقص في الجباية ويحسبونه جبراً لما نقص حتى تنتهي كل وظيفة و وزيعة إلى غاية ليس وراءها نفع ولا فائدة لكثرة الإنفاق حينئذ في الاعتمار وكثرة المغارم وعدم وفاء الفائدة المرجوة به‏.‏ فلا تزال الجملة في نقص ومقدار الوزائع والوظائف في زيادة لما يعتقدونه من جبر الجملة بها إلى أن ينتقص العمران بذهاب الآمال من الاعتمار ويعود وبال ذلك على الدولة لأن فائدة الاعتمار عائدة إليها‏".‏
      و هذه الفكرة التي أشار إليها ابن خلدون  هي نفسها  التي أثبت من خلالها  لافر الأثر الذي ينسب إليه و التي مفادها أنه عند رفع معدلات الضريبة فإن ذلك يؤدي إلى تحريض قطاع الأعمال و حتى العائلات إلى تخفيض وقت العمل و استبداله بوقت الراحة و سبب ذلك ببساطة – كما أشرنا سابقاً- هو  أن الأفراد إذا رأوا أنهم يحولون معظم أرباحهم إلى الدولة فإنهم يفضلون التوقف عن العمل.
يمكننا انطلاقاً مما سبق ـ أفكار ابن خلدون ـ الوصول إلى منحنى و أثر لافر بطريقة رياضية و اقتصادية...و هو ما يجعلنا في الأخير نسمي الأثر بـ: أثر ابن خلدون و المنحنى الموافق له بـ: منحنى ابن خلدون




-->النتيجة أنه قبل التطرق للنطريات الغربية مثل فريدمان و أدم سميث و كارل ماكس التي تدرس في شعب الإقتصاد بكل الجامعات في الوطن العربي كان الأولى الإهتمام بتدريس نظريات ابن خلدون التي مما لا شك فيها أنها كانت منطلق للنظريات الغربية و التي بني عليها الإقتصاد الغربي

 

2 commentaires:

شركنا برايك ووجهة نظرك