الثورة العلمية والتكنولوجية
لقد ظلت التكنولوجيا إلى وقت ليس ببعيد تعد متغيرا خارجيا في دالة الإنتاج بتفسير الدورات الاقتصادية
التي تتسم بالأمد الطويل إلا أن مفهوم التجديد ذلك لم يكن يعني إغفالا لدور التقنية في التنمية حتى أن مفهوم التجديد التكنولوجي ظهر لأول مرة في الثلاثينات من القرن الماضي على يد شومبيتر، ومن ناحية أخرى كان الابتكار التكنولوجي ثمرة الجهود الفردية التي يبادر بها المخترعون إذا لم يكن هناك مختبرات أو مراكز بحث متخصصة كما أن وظيفة البحث والتطوير لم تكن تحظى بالاهتمام على مستوى المؤسسات وبالتالي لم تكن هناك موازنة خاصة بها كما هو عليه الحال اليوم، ويرجع بروز الاهتمام بالتجديد التكنولوجي كمدخل إستراتيجي على مستوى إدارة المؤسسة إلى منتصف السبعينات إثر الأزمة الاقتصادية التي أصابت قطاع الصناعة من جهة وإلى التطور الحاصل في مجال المعلوماتية والإلكترونيك، والبيوتكنولوجيا والطاقة مما أدى إلى تزايد حدة المنافسة على مستوى المؤسسات كما انبثق عن ذلك أيضا تحولا في دورة حياة المنتجات والمؤسسات حيث تقلصت هذه الدورة إلى بضع سنوات أو حتى إلى بضعة أشهر وارتفعت كثافة رأس المال بالنسبة إلى العمل وهو ما نتج عنه تسريح للأيدي العاملة خاصة منها المؤهلة وتزايدت جهود وتكاليف وظيفة البحث والتطوير بعدها أصبحت هذه الوظيفة المحدد الحاسم لمصير المؤسسة.
ماهية الثورة العلمية والتكنولوجية :
لقد ارتبط التطور الدوري الاقتصادي الرأسمالي ارتباطا وثيقا بتطوره الاقتصادي العام وذلك بعد الحرب العالمية الثانية حيث لوحظ تسارع معدلات نمو إنتاج الصناعي وخاصة التجارة الخارجية وذلك بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب حيث كانت الصناعة في البلدان الرأسمالية تنمو خلال الفترة 1920- 1937 بمعدل 2,4 % سنويا، فإن معدل النمو ارتفاع خلال الفترة ربع قرن منذ سنة 1950 إلى 5,5 % أما بالنسبة إلى معدلات نمو حجم بالتعبير العيني، التجارة الخارجية الرأسمالية فقد بلغت الأرقام المناظرة 2,9 %، 6,9 % على التوالي ويتضح من مقارنة هذه الأرقام أن العشرينات والثلاثينات كانت غير ملائمة جدا للرأسمالية من زاوية معدلات التطور الاقتصادي، ولقد ظهرت ثلاثة أسباب رئيسية تمكن في أساسا تسارع هذه المعدلات غداة الحرب العالمية الثانية حتى أواسط السبعينات هي :
1- الثورة العلمية التكنولوجية
2- تعميق التقسيم الدولي للعمل
3- التنظيم الداخلي الحكومي الاحتكار المكثف للحياة الاقتصادية
وتنبثق هذه التغيرات بقدر كبير عن الأوضاع الجديدة التي تبلورت في العالم بالارتباط مع المباراة بين النظامين الاجتماعيين والمتعارضين الرأسمالي والاشتراكي وفي هذه الظروف كان لابد أن تتجه تلك الأوساط لتعبئة جميع موارد النظام الرأسمالي بهدف رفع وتيرة التطور الاقتصادي والتخلص من حدة الهزات الاقتصادية والتناقضات الطبقية ما بين الدول الإمبريالية وكان لابد أن يترك ذلك بصماته على طابع ظهور القوانين الداخلية للرأسمالية، وبالتالي نهتم بعامل الثورة التكنولوجية التي بدأت غداة الحرب العالمية الثانية في جميع ميادين الاقتصاد على الإطلاق واتخذت أشكالا مختلفة أو مفاهيم حيث اعتبرت :
1- ظهور فروع وأنواع جديدة من الإنتاج وارتفاع الأهمية النسبية لفروعه .
2- تحويل العلم إلى قوة إنتاجية مباشرة .
3- زيادة حادة في النفقات على حاجات البحث العلمي ، تقليص مدة تطبيق منجزات العلم والتقنية في الإنتاج ...الخ .
ونشير هنا إلى الأطروحة الماركسية المعروفة حول الاكتشافات العلمية التقنية ، التي تقول بأن هذه الاكتشافات تجد استخدامها العملي بل أن الكثير منها لا يتحقق أصلا إلا عندما تبرز الحاجة الاجتماعية له فالماكنة البخارية كانت قد اخترعت عدة مرات ولكنه لم يشرع باستخدامها على نطاق واسع إلا مع نطاق ظهور حاجة دائمة إلى محرك رخيص وهكذا كان الأمر مع الكثير من الاختراعات الأخرى غير أنه يجب أن لا تقلل من الأثر المعاكس للتقدم العلمي والتقني على الحاجات الاجتماعية ومعدلات التطور الاقتصادي وعموما يبرز في سياق الصراع التزاحمي كقوة إلزامية تجبر على تغيير هيكل الإنتاج وتطبيق مبادئ الإدارة الحديثة وتسريع تجديد رأس المال الثابت ورفع إنتاجية العمل ويتمتع التقدم العلمي التقني ، باستقلالية معينة إزاء القوى التي ولدته وينتزع نحو التسارع بقوة استمرارية السنن الداخلية للتطوير وقد اتخذ بعد الحرب العالمية الثانية ثورة علمية تقنية ربما لا يمكن أن تقارن من حيث زخمها وأهميتها وآثارها الاقتصادية والاجتماعية إلا مع الثورة الصناعية التي بدأت في إنجلترا في الثلث الأخير من القرن 18 م .
مفهومهــــا :
هكذا نقول أنه خلال أقل من قرنين من الزمان انتقلت البشرية من عصر الثورة الصناعية إلى عصر الثورة العلمية والتكنولوجية وظهرت المفاهيم التالية :
- أصبح العلم هو القوة الإنتاجية الأولى في تحديد سيطرة الإنسان على الطبيعة وعلى خلاف الثورة الصناعية ، فإن الحالية لا تنبثق من اختراع انتشار الآلات وإنما من العلم .
- تميزت عن الثورة الصناعية باهتمام العلم المجرد بالتطبيق المباشر ، وكذلك بالتقريب الكامل بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية ، بل بظهور علوم مشتركة ونشأت من علوم جديدة لم تكن معروفة من قبل .
- لقد أدخلت تغيرات تغيرا كيفيا شاملا على العمل البشري ، ولقد اقتضى التغير في طبيعة العمل إلى تجديد هياكل الصناعة وابتكار صناعات جديدة .
- قامت الثورة في مجال قوى الإنتاج العصرية محتواها الرئيسي هو الانتقال من توفير العمل العضلي إلى توفير العمل العقلي نفسه ، وهي ثورة تغير بالضرورة من ظروف الإنتاج ومن شكل السلع المنتجة ، وباعتبار العلم قوة منتجة فانه يخضع لمقتضيات و انعكاسات قوانين علم الاقتصاد ، وبالطبع فإنه يؤثر فيها ويغير منها إلى حد ما .
- وبهذا نشأت صناعة جديدة هي صناعة المعرفة أصبح العلم سلعة وأصبح موضوعا للإنتاج والمبادلة ، وازدهرت هذه الصناعة التي يمكن تسميتها أيضا صناعة الاختراع بحيث صارت هذه الصناعة الأولى من حيث استثمارها ونفقاتها ، ولم تعد المنافسة الاقتصادية تقتصر على ميدان الإنتاج المادي بل امتدت إلى المجال الغير مادي وأصبحت التكنولوجيا الحديثة موضوعا أساسا للتجارة الدولية، بينما اتجه القطاع الثالث وهو قطاع الخدمات ليحل محل الصناعة بوصفه القطاع القائد للنمو والعمالة ، وجدير بالذكر أنه في الوقت الذي انتشر فيه الكساد في الصناعات الأساسية التقليدية مثل صناعة السيارات، والصلب والمطاط كان هناك ازدهار وصعود في صناعات الإلكترونيات، والكمبيوتر والمعلومات ووسائل الحفاظ على البيئة، وصناعات الطاقة البديلة، لقد أصبح تطوير الفروع التقليدية القديمة للإنتاج يتوقف على تطبيق تكنولوجيات جديدة مؤسسة على إلكترونيات تصنيف المعلومات ، وفي ظل هذه الثورة يجري بصورة تلقائية تدويل للحياة الاقتصادية في كل بلد على حدة ويتخطى الإنتاج الحدود القطرية ، والقومية ويكتسب رأس المال طابعا دوليا وتنمو المشروعات ، والمصاريف للقوميات لتصبح هي القوة المحركة للتركيز الصناعي والمالي في الأسواق التي أصبحت عالمية.
وضعية الاقتصاد الدولي الراهنة في ظل هذه الثورة :
التغيرات التي أحدثتها الثورة العلمية والتكنولوجية :
الصناعة : لقد عجلت الثورة العلمية التكنولوجية بتغيرات هيكلية في الصناعة :
* وفي مقدمتها الزيادة الحادة في نطاق الإنتاج الكبير ، والتحول باطراد إلى العمليات الآلية مع التعجيل بسرعة التجديد في كل المعدات الإنتاجية وتقصير آجال التشييد الصناعي وتطوير خطوط إنتاج جديدة كل ذلك رافقه ظهور مصادر جديدة للطاقة وخلق قاعدة جديدة للخامات الصناعية .
* هبط النصيب النسبي للصناعات التعدينية مقارنة بالنصيب المتزايد للصناعات التحويلية نتيجة استخدام أكمل للخامات والإنتاج المتنامي للخامات المصنوعة واستيراد مواد رخيصة من البلدان النامية .
* إقامة وسرعة تطوير الصناعات الجديدة مما عجل بتجديد وتحسين التسهيلات الفنية في مجموع الصناعة والزراعة .
أما على مستوى القطاعات الاقتصادية في كل بلد على حدة فقد أحدثت الثورة العلمية والتكنولوجية نتائج في مقدمتها الانخفاض النسبي في نصيب الصناعات الأساسية نتيجة الزيادة الحادة في إنتاجية العمل في كل من الصناعة والزراعة .
الخدمات : الزيادة في نصيب قوة العمل المستخدمة في قطاع الخدمات والتأثير الأعمق و الأشمل للخدمات في عملية إعادة الإنتاج وعلى إنتاجية العمل أساسا .
القطاع الخاص : الاتساع الهائل والسريع في كل مجالات النشاط الخاص بتطوير العلم و التكنولوجيا والبحث والتنمية والدور المتزايد للتعليم كعامل هام في تحقيق النمو الاقتصادي وكذلك الدور المتزايد للإدارة كمفتاح للنمو الاقتصادي وشرط الكفاءة الاقتصادية ، وأخيرا سيطرة الاحتكارات المحلية والدولية واندماجها مع الدولة وقيام ما يمكن تسميته الرأسمالية الجماعية خصوصا على المستوى العالمي .
وهكذا نقول أن الثورة العلمية والتكنولوجية أجرت تغييرات هيكلية في اقتصاد البلدان الرأسمالية تناولت كل من الهيكل الصناعي وهيكل قوة العمل وهيكل الموارد :
أ-فمن ناحية تشهد الصناعة اندثار بعض فروع الإنتاج التقليدية في عدد من البلدان مع ازدهار لفروع إنتاج جديدة وقد صاحب ذلك تبدل وتغير هيكل كل القطاعات، فصناعة المعلومات قد دفعت القطاع الثالث إلى المقدمة وتتجه الخدمات لتحل محل المنتجات بوصفها القطاع القائد للنمو والعمالة وتصبح التجارة في المعلومات أكبر من التجارة في المنتجات والخدمات ومن هنا يزداد نصيب القطاعات غير الإنتاجية من الاقتصاد القومي .
ب- ومن ناحية تعاد هيكلة قوة العمل ويحل الإنسان الآلي محل الكثير من العمال ويصبح تطوير الأوتوماتكية في الإنتاج وفي أعمال المكاتب هو العامل الحاسم في المجتمع وهكذا صارت التكنولوجيا الحديثة مصدرا أساسيا للبطالة التي أصبحت الآن بطالة هيكلية وليست دورية ومع ذلك فإن هذه التكنولوجيا نفسها تخلق فرصا جديدة للعمل بسرعة تعادل سرعة تطور كفاءة العمل.
ج-أخيرا بفضل الثورة العلمية والتكنولوجية تصبح المعلومات هي الشكل الرئيسي لرأس المال ، فالمعلومات تحول المواد التي لم تكن تعرف لها قيمة إلى موارد طبيعية جديدة وبقدر ما يعتمد المجتمع على تكنولوجيا المعلومات والمعرفة يتخلى عن الطاقة والخامات وتعيد ثورة المعلومات النظر بالتالي في أوضاع التراكم والاستثمار ومن ثم في طبيعة دورة الأعمال.
التأثير على العلاقات الاقتصادية الدولية :
كما تعيد الثورة العلمية والتكنولوجيا هيكلة الاقتصاد القومي فإنها تؤثر أيضا في النظام الرأسمالي بأكمله وتنعكس على هيكل العلاقات الاقتصادية الدولية بأسرها كما يلي :
تقسيم العمل الدولي : يتخذ تقسيم العمل الدولي الآن أشكالا جديدة هي أشكال التبادل العلمي والتكنولوجي والصناعي ويتميز التبادل الدولي حاليا بالتبادل الذهني أو المعنوي مقابل التبادل السلعي وأحيانا ما يزيد حجم تبادل الخبرات والخدمات على حجم تبادل المكونات ونتيجة القدرة غير المتكافئة على التوصل إلى العلم والتكنولوجيا محكوم فإنهما يدخلان في إطار التبادل الدولي غير المتكافئ والواقع أن الانتقال الدولي للعلم والتكنولوجيا محكوم إلى درجة كبيرة بقرارات الاستثمار الدولي التي تتخذها المشروعات الخاصة وفي مقدمتها المشروعات متعددة الجنسيات، أي الاحتكارات الدولية الجبارة التي تشكل منشآتها المنتشرة في جميع أرجاء العالم والمرتبطة مع بعضها البعض، إمبراطوريات اقتصادية حقيقية حلت بدرجة كبيرة محل الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة وهي تساعد على ظهور ما يشبه الخطوط الإنتاجية في الاقتصاد العالمي، حيث يجري في إطار توطين حلقات السلسلة التكنولوجية الواحدة في بلدان مختلفة، وتؤمن الأشكال الجديدة للتجارة العالمية مصالح الدولة الإمبريالية التي تسيطر عليها وشركاتها العالمية وهي تشرف عمليا على تجارة السلع المصنعة أي المجال الذي يمنح المنافع الرئيسية المرتبطة بالثروة العلمية والتكنولوجية والأشكال الجديدة للتجارة التي تنبثق عنها. فنحو 3/1 تجارة السلع المصنعة هي عبارة عن تبادل بين البلدان الرأسمالية المتطورة نفسها، هذا إضافة إلى الربع الذي يتمثل في إمداداتها إلى البلدان النامية. أما في تجارة المكائن والمعدات فإن البلدان النامية تؤدي دورا ضئيلا للغاية، وفي النتيجة استولت البلدان الرأسمالية الرئيسية واحتكاراتها على أهم ميادين التجارة العالمية، بينما لم يبق أمام البلدان النامية إلا أن ترضى بإمكانات مشكوك فيها للإثراء من خلال النمو الكمي في صادرات المواد الخام وهو المجال الذي لم تمسه الثروة العلمية والتكنولوجية إلا قليلا نسبيا.
هذا ما أدى إلى تدهور تدفق الاستثمار الخاص المباشر نحو البلدان النامية مقابل ذلك تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من أوربا الغربية واليابان إلى السوق الأمريكية فضلا عن زيادة الشركات متعددة الجنسيات الأوربية واليابانية ، استثماراتها في الولايات المتحدة الأمريكية.
إعادة توزيع الموارد : إن ظهور المعلومات كمورد ، إلى جانب سرعة نمو صناعة المعلومات والصناعات الجديدة القائمة عليها ، وبطئ نمو الصناعات التي تقوم على مواد الصناعة القديمة فإن منتجات صناعة المعلومات ومركباتها أصبحت تحتل المكانة الأولى في التجارة الدولية. والمنافسة الدولية تجري في الواقع حول المعلومات والمعرفة والخبرة الإنتاجية وخبرة الدخول في الأسواق وفي كل هذه المجالات يمثل عدم التكافؤ على المستوى الدولي عقبة كبرى تقف في وجه البلدان النامية .
تدويل الاقتصاد الدولي في مجالات الإنتاج ورأس المال : تتولى المشروعات متعددة الجنسيات قيادة عملية تدويل الإنتاج من خلال تكرار مسارات خارج الحدود الوطنية وتوزيعها ونقل مراحل منها إلى بلدان أخرى ، أما تدويل رأس المال فإن شكله الأساسي هو المشروعات متعددة الجنسيات نفسها وانعكاسها في صورة المديونية الخارجية أو أزمات النقد والمال.
استخدام مدخلات الطاقة والمواد الخام : أدت التكنولوجيات الجديدة إلى الوفرة في استخدام مدخلات الطاقة والمواد الخام كما أدت أيضا إلى إيجاد منتجات وسيطة حلت محل الخامات الطبيعية هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ترتب على هذه التكنولوجيات إعادة نشر وتوزيع الصناعة عالميا ومن ثم نقل الصناعات التقليدية كثيفة العمل أو كثيفة استهلاك الطاقة والخامات الطبيعية إلى البلدان النامية .
دور التطور التقني في التنمية الاقتصادية :
مكانة البحث والتطوير في اقتصاد المعرفة :
أ) مفهوم التطور التقني " التكنولوجي " :
هناك تمييزات مفيدة في دراسة التطور التقني :
* التمييز الأساسي : ويكون بين تطويرات العملة الإنتاجية وتطويرات المنتج .
تطويرات العملية الإنتاجية : تتضمن تقديم عمليات أو تقنيات جديدة وتكون مجسدة في المعدات الجديدة المستخدمة في الإنتاج وبالتالي تخفض التكاليف الحقيقية لإنتاج السلع كما أنها قد تدفع بتغيرات في طبيعتها من جهة أخرى وتؤدي مثل هذه التطويرات عندما تكون ناجحة إلى زيادة الرفاهية الاقتصادية ومن ناحية عملية يعد قياس إسهام التطويرات العملية في النمو الاقتصادي أكثر سهولة على الأقل طالما أدى ذلك إلى زيادة في الإنتاجية ومن الواضح أن تطويرات المنتج قد كان لها أهمية رئيسية في التغيير الاقتصادي خاصة في السنوات الأخيرة وعليه فقد لا تعكس معدلات النمو المقررة وبدرجة كافية التغيرات في الرفاهية الاقتصادية التي حدثت نتيجة لهذه التطويرات.
تطويرات المنتج : وهي تكون مرتبطة مباشرة بالتغييرات في طبيعة المنتجات المعروضة للبيع والتي تعد أكثر صعوبة في قياس النمو الاقتصادي ولذلك يتم تجاهلــها عند حسابه.
* التمييز المنطقي : يكون بين عدة مراحل للتقدم التقني ، وتقسم عادة إلى ثلاث مراحل هي :
الاختراع : يعرف بأنه مجرد عملية إدراك لسلعة جديدة أو عملية إنتاجية جديدة مع حل المشاكل الفنية المتعلقة بها ولعل هذا يعني أن الاختراع يشمل على عنصرين أولهما هو إدراك أفكار جديدة لأول مرة وثانيهما هو تطوير هذه الأفكار لتصبح ممكنة التطبيق من الناحية الفنية. والتطوير هو استخدام لنتائج البحث الأساسي منه والتطبيقي من خلال إدخال تحسينات سواء في المنتجات أو العمليات ، حيث يقصد بالبحث والتطوير النشاط الذي يهدف إلى إضافة معرفة أو تقنية جديدة في مجال الإنتاج والعمليات ويميز عادة بين نوعين من البحث كما ذكرنا أساسي وتطبيقي .
التجديد : يقصد به استخدام مخرجات نشاط الابتكار بغرض التحسين الجزئي أو الجذري الذي يرمي إلى دعم القدرة التنافسية للمؤسسة وبالتالي التعديل المستمر في الميزة التنافسية بما يحقق الاستمرار والنمو للمؤسسة للاقتصاد الوطني ككل . وهناك من يعرفه على أنه عبارة عن التحويل التجاري للاختراع وبمعنى آخر يشتمل التجديد على جميع الأعمال التي يلزم القيام بها في سبيل تطوير منتج معين أو عملية إنتاجية معينة إلى المستوى الذي يمكن عنده تقديم خدمة أو سلعة جديدة بسعر معقول الذي يسمح بتحقيق ربح للمجدد من ناحية ويتناسب مع المنفعة التي يستمدها المشتري من ناحية أخرى.
أي أن التجديد هو عملية تحويل للأفكار المبتكرة إلى واقع بحيث تصبح قابلة للتسويق التجاري ، فالتجديد إذن هو محور وظيفة البحث والتطوير ، أما النظام الوطني للتجديد فيعبر عن منظومة المعارف والتكنولوجيا ومختلف المؤسسات والآليات والإجراءات المنظمة لنشاط التجديد في مجتمع ما ، وهي منظومة لا تنفصل عن منظومة التعليم والبحث العلمي .
الانتشار : وتبدأ هذه المرحلة بعد أن تنتهي المؤسسة الأم من تطبيق التجديد الذي توصلت إليه وتثبت جدارتها في السوق ، ويتمثل الانتشار في قيام المؤسسات الأخرى التابعة بتقليد المؤسسة الأم وتطبيق التجديد في مجال الإنتاج لديها ويلاحظ أن نشاط البحث يتسم بطبيعة خاصة تتمثل في المستوى المرتفع من عدم التأكد وطبيعة السلعة العامة ، ولهذا فإن المخاطرة بالنسبة للاستثمار في هذا المجال مرتفعة جدا ، ومن الحلول التي تقدم لتقليل درجة المخاطرة قيام الحكومات بإنشاء مراكز للبحوث تمول من المال العام ، وتكون مهمتها هي البحث عن اختراعات وتجديدات هامة في المجالات المختلفة ، وفي هذه الحالة توزع مخاطر البحث والتطوير على كل أفراد المجتمع ، كما قد تقوم بعض الشركات بالتعاون فيما بينها بإجراء برامج أبحاث مشتركة حتى توزع المخاطرة بينها ...الخ.
* مكانته في اقتصاد المعرفة :
في ظل الاقتصاد المعاصر المبني المعرفة والتنافسية أصبحت وظيفة البحث والتطوير بمثابة قطب أساسي في مخطط التنمية وعلى المستويين الكلي والجزئي، ذلك أن التنافس حاليا سواء ما بين الأمم أو ما بين المؤسسات إنما هو تنافس معرفي بالدرجة الأولى، فالتحكم في التكاليف وفي جودة المنتجات يتوقف على درجة التحكم في المعرفة العلمية والمهارات ، وهذه الأخيرة ما هي سوى نتاج الكفاءات التي يتوفر عليها المجتمع ومدى قدرته على توليد التكنولوجيا أو تطويع التكنولوجيا المحولة ، فالقيمة المضافة في القطاعات الصناعية تحصل من خلال تطوير المنتج وهو مفتاح الاقتصاد المعرفي، ولذلك نجد أن التوجه هو للتحول من الاعتماد على تطوير المنتج ثم إنتاجه، وهو ما يعني أيضا التحول من المناطق الصناعية إلى حدائق العلم والتكنولوجيا التي تعلم تطوير المنتجات الجديدة وإنتاج المعرفة.
العلاقة بين قطاع الصناعة وقطاع البحث العلمي :
يعتبر الانفصال بين قطاعي الصناعة والبحث العلمي الذي يشهده الاقتصاد الجزائري من أهم معوقات التنمية التي يجب التصدي لها، وإيجاد الإجراءات العلمية لتداركها، فكل الدول الصناعية فإنما تقدمت بالمزاوجة بين هذين القطاعين، من خلال إستراتيجية تعاون وتكامل.
إن تثمين القدرات الوطنية لا يتوقف عند تخصيص الموارد الضخمة، وتوفير التجهيزات في مخابر البحث الجامعية وغير الجامعية، بل لابد من منحها الفرص لإبراز مجهوداتها ونتائج أبحاثها في الميدان، وقبل ذلك يجب إعطاء الاعتبار اللائق للباحث ومنحه التحفيزات ومختلف التسهيلات بحيث يشعر بأن وظيفته البحثية هي أرقى الوظائف وأهمها في المجتمع، وفي هذا الصدد نشير إلى أن ما يعرف بهجرة الأدمغة ما هو سوى نتيجة للواقع الذي تعيشه هذه الكفاءات العلمية، وقد قدرت إحدى الدراسات التي صدرت حديثا في دمشق أن هجرة الأدمغة تكلف العرب سنويا نحو 1,57 مليار دولار، وتعتبر الإغراءات المادية الممنوحة لهؤلاء وظروف العمل الملائمة أهم المحفزات التي تستقطبهم.
قطاع الصناعة :
لقد أصبحت المصانع في البلدان الصناعية تعتمد أكثر فأكثر على الأنظمة الرقمية وحل فيها اقتصاد المعرفة كمصدر للثروة محل اقتصاد العضلات ورأس المال . وفي هذا الصدد تشير الدراسات إلى أن المعرفة العلمية والتكنولوجية أصبحت تشكل 80 % من اقتصاديات العالم ، بينما الـ 20 % المتبقية هي حصة رأس المال والعمالة والموارد الطبيعية ، والعكس صحيح بالنسبة للدول النامية ففي مجال إنتاج الحاسب الآلي مثلا نجد أن 70 % من التكلفة ترجع إلى قيمة البحث والتطوير و الاختبار ، بينما لا نجد سوى 12 % هي نفقة الأيدي العاملة.
وهكذا فقد أضحى لزاما على اقتصادياتنا مواكبة هذا التحول ، ولن يتم ذلك إلا بمضاعفة الاستثمار في الموارد البشرية ، أي في مجال التعليم والتكوين والتدريب وكذا الاستثمار في مجال البحث والتطوير. فعلى الرغم من الكم الهائل الذي يتخرج سنويا من الجامعات إلا أن مستوى التكوين التجريبي في حاجة إلى إصلاح جوهري إذ أن التكوين الأكاديمي ما يزال هو المسيطر في جامعاتنا، ولا تكاد تتاح فرصة للطالب للاحتكاك بالقطاع الحقيقي.
قطاع البحث العلمي :
على مستوى البحث العلمي فإن المؤشرات تدل أن نسبة لا تتجاوز 0,6 % من الناتج الوطني في معظم الدول العربية ، في حين تصل هذه النسبة في الدول الغربية إلى3,5 % ، أما بالمبلغ فإن موازنة البحث والتطوير لشركة ميكروسوفت لوحدها والمقدرة بـ 5 مليارات دولار يفوق بأضعاف مضاعفة الإنفاق العربي السنوي على البحث العلمي ومن الملاحظ أن ما تنفقه الدول الصناعية على البحث والتطوير يفوق بكثير ما تنفقه على التعليم العالي ، والعكس تماما بالنسبة على الدول العربية.
وبتحليل مقارن أيضا نأخذ مؤشرين على مستوى هياكل البحث العلمي وهما مراكز البحث وشبكة الإنترانيت، ففيما يبلغ عدد مراكز البحوث على المستوى العربي 600 مركز معظمها في الجامعات وذات حجم متواضع يبلغ عدد المراكز البحثية المتقدمة في فرنسا وحدها 1500 مركز، وفي حين لا يتجاوز عدد الباحثين العرب جميعا 19000 باحث، فإن عدد الباحثين الفرنسيين وحدهم يصلوا 31000 باحث، ويصل عدد الباحثين الأمريكيين 400000 باحث.
أما بالنسبة لشبكة الإنترنت فنجد أن الدول المتقدمة التي يقطنها حوالي 15% من سكان العالم، تستحوذ على حوالي 88% منها في مستخدمي الإنترنت، بينما تبلغ نسبة المشتركين في الإنترنت في دول جنوب آسيا التي يقطنها نحو 20% من سكان العالم حوالي 1%، أما التي يقطنها 12% من سكان العالم، فإن عدد المشتركين يبلغ مليون مشترك وتمتلك 14 مليون خط هاتفي أي أقل من عدد الخطوط في مدينة طوكيو وحدها أو في حي مانهاتن في مدينة نيويورك ، تتركز 80% منها في ستة دول فقط في القارة الإفريقية ، وفي البلدان العربية يقدر عدد مشتركي الإنترنت بنحو 550000 مشترك ، كما يقدر عدد مستخدمي الإنترنت بنحو 1,9 مليون شخص ، ونسبة 0,7 % من إجمالي عدد السكان في البلدان العربية البالغ 273 مليون نسمة وفق بيانات عام 1999.
- مكانة البحث العلمي في العالم الثالث :
يتفق معظم الباحثين والمفكرين من الاجتماعيين والاقتصاديين على حتمية اكتساب المعرفة العلمية والتكنولوجية باعتبارها عاملا أساسيا في تطوير البنى الاجتماعية والاقتصادية لبلدان العالم الثالث ، لكن هؤلاء الباحثين والمفكرين وعلى غرار اختلاف بلدان العالم الثالث حول سياسات التصنيع اختلفوا حول الإستراتيجية الملائمة لتطوير تلك البنى وكذلك حول مسألة اختيار التكنولوجيا الملائمة .
إستراتيجية التنمية التكنولوجية في العالم الثالث :
لقد حدد خبراء التنمية التكنولوجية ثلاث إستراتيجيات على الأقل للتنمية لاكتساب القدرات التكنولوجية والتحكم في أسرارها وهذه الإستراتيجيات هي :
إستراتيجية القفز عبر المراحل :
هي عبارة عن تبني أحداث أنواع التكنولوجيا من أجل تطوير البنية الاجتماعية المختلفة ، هكذا نجد أن معظم إن لم نقل كل بلدان العالم الثالث التي سلكت هذا المنهج في تنمية وتطوير قدراتها التكنولوجية قد جعلت من التنمية التكنولوجية ذات المستوى الأكثر تقدما وحداثة قضية مصيرية بالنسبة لمستقبلها ، ولذلك فقد تصدرت قائمة سياستها وخططها التنموية المعقدة أنه إذا ما حصلت هذه البلدان على التكنولوجيا الحديثة وأحسنت استعمالها فإنه يصبح من الممكن المشاركة في تطوير تقنيات أكثر حداثة مما هو موجود لديها وبالتالي تصبح في يوم ما قادرة على إنجاز تكنولوجيتها الذاتية التي تعكس هويتها ولكن رغم هذا كانت محل انتقاد شديد نوجزه فيما يلي :
*عدم قابلية التكنولوجيا وبالأخص المعقدة منها أو أكثر حداثة للنقل بصورة ميكانيكية إذ ليس في استطاعة الأقطار المختلفة أن تستنسخ تصميم الآلات التي بنيت في أقطار أكثر تقدما ولذلك فارتفاع نسبة الأمية في العالم الثالث وهذا ما لا يتماشى مع مواصفات التقنية الصناعية الحديثة التي تتطلب مستويات معينة من التدريب أي وفقا لمناهج عصرية وليس وفقا للطرق التقليدية القائمة على التجربة والخطأ .
* أن التكنولوجيا الحديثة سوف تؤدي إلى ظاهرة البناءات المزدوجة وهي ظاهرة مرضية بدأت تتميز بها بعض بلدان العالم الثالث بالإضافة إلى أن الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة تحتاج إلى بناء خدمات تفتقدها هذه البلدان أساسا ، كما تتطلب توفر مستوى عالي من التأهيل يشرف ويسير أجهزة الإدارات المختلفة ، وذلك لأن الواقع الموضوعي لمعظم بلدان العالم الثالث أنها تعاني من مشكلة نقص رؤوس الأموال واليد العاملة التي تنتظر خارج عالم الشغل . هذه الظاهرة ازدادت سوءا دون شك بازدياد الاعتماد على التكنولوجيا كثيفة رأس المال حيث تفاقمت مشكلة البطالة التي أصبحت شيئا فشيئا تشكل عاملا سيكولوجيا ليس فقط للعاطلين والمهمشين وإنما بالنسبة للطبقة العاملة مهددة بالبطلة . فالآثار الأساسية الناجمة عن البطالة في ظل استخدام التكنولوجيا الحديثة ليست مادية مثل ما يشعر به العاطلون فعلا ولكن نفسية اجتماعية مترتبة عن هاجس الخوف من الطرد الذي ينتظر كل عامل .
إستراتيجية التبني التدريجي للتكنولوجيا المتقدمة :
تستمد هذه الإستراتيجية أسسها النظرية والمنهجية في العمل من الفكر التطوري والمبررات التي يعتمد عليها أصحاب هذا الاتجاه التنموي في ميدان التكنولوجيا وهو مطابقة الظروف الحالية التي تعيشها بلدان العالم الثالث بتلك التي كانت تعيشها البلدان المتقدمة خلال القرن 19، حيث كانت تعاني من نفس المشكلات التي تواجه البلدان المتخلفة الآن من حيث مستوى مهارات اليد العاملة والبطالة ونقص رؤوس الأموال ومنه تستطيع أن تتبنى هذه الإستراتيجية المخزون المعرفي للحضارة الغربية للانطلاق في عملية التنمية وتطوير قدرتها التكنولوجية، غير أن هذه الإستراتيجية لم تسلم هي الأخرى من النواقص، بل تعرضت إلى انتقادات شديدة أيضا منها على سبيل المثال أن التي كانت لها في مرحلة ما من التاريخ اكتشافها لم تعد قادرة على منافسة والتطورات الجديدة وغير قادرة على تلبية مطالب التنمية بالكفاءة المهنية المدربة تدريبا عمليا بالإضافة إلى أن هذا الجيل من التكنولوجيا الصناعية قد يكلف الكثير من الأموال بسبب عدم توفيره في مصادر التموين الخارجية، والتي غالبا ما تكون تابعة لشركات احتكارية عالمية كما أن التدريب على هذه الأخيرة غالبا ما يكون أصعب من التدريب على التكنولوجيا الحديثة .
إستراتيجية التكنولوجيا الوسيطة :
هي إحداث نوع من المزاوجة بين عملية نقل التكنولوجيا وعملية الإبداع التكنولوجي للمجتمع المحلي، ويعتبر هذا الارتباط مطلب من المطالب التي يمكن أن تساهم بها عملية نقل التكنولوجيا في التنمية الاجتماعية لبلدان العلم الثالث ، وتفهم هذه الأخيرة على أنها محاولة لتجنب بعض المشاكل المرتبطة بالتصنيع السريع وهي بهذا المعنى موجهة مباشرة لتحقيق أغراض اجتماعية لـ 80% من سكان الأقطار الأكثر تخلفا ، والتي لا تزال تعيش على القطاع التقليدي غير الصناعي، وهي موجهة كذلك لتتجاوز المشاكل التي تعاني منها هذه البلدان مثل البطالة ونقص رأس المال، وذلك بواسطة استعمال تقنيات الإنتاج الكثيفة العمل ورغم هذا وذلك فقد واجهت هذه الإستراتيجية صعوبات موضوعية عند اصطدامها بالواقع المعيشي في بلدان العالم الثالث التي تتميز ببنياتها الاجتماعية والاقتصادية و خلفياتها التاريخية ومستوياتها الحضارية، الأمر الذي جعلها عرضة لانتقادات كثيرة منها على سبيل المثال أن أهم مظهر لهذه التكنولوجيا يتجلى في استمرار تجذرها في العقلانية التكنولوجية الغربية، أي لم تفقد طابعها الغربي بعد نقلها وتكييفها في الوسط الجديد الأمر الذي جعلها تقوم بشكل قوي على تقنيات إنتاج المقاولة، والمهارة الإدارية التي ترتبط بشكل قوي على الايدولوجيا الرأسمالية التي نشأت في ظلها .
دور السياسات الاقتصادية الكلية في دعم التجديد
السياسات الوطنية :
تهتم كافة البلدان بنشاط البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا وتخصص من أجل ذلك موازنات معتبرة من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي و مراكز البحث المختلفة المعنية بالتطوير التكنولوجي بل وإن الصراعات الساخنة بين الدول الكبرى اليوم هي في الأساس صراعات تكنولوجية ، كما أن أعقد المشكلات في مجال عقود الاستثمار الأجنبي هو مشكل نقل التكنولوجيا .
ومن الجدير بالذكر أن أغلب تلك المراكز الوطنية أو الجهوية للتجديد تكون مرتبطة بالقطاع الصناعي بصورة مباشرة وأن أغلب هذه المراكز أنشئ أصلا من طرف باحثين جامعيين ، أو أنه محتضن من قبل مخابر بحث جامعية ، وعلى سبيل المثال نشير إلى المركز الكندي للتجديد CIC الذي اعتمد في عام 1981 في إطار برنامج بحث ولكن انطلاقته الأولى كانت في عام 1976 في إطار برنامج بحث جامعي ومنذ إنشائه قدم هذا المركز مساعدة لـ 70000 مخترع ومؤسسة كندية أنتجت حوالي 13000 منتج جديد ، وتسعى إستراتيجية التجديد الكندية إلى تحقيق هدفين :
* بلوغ مستوى الامتياز من خلال الاستثمار في الأفراد والمعارف والإمكانيات .
* جعل المعارف مفتاح المستقبل من خلال تأهيل الكفاءات ، وذلك اعتبارا من أن الأفراد يمثلون الموارد الأهم في المجتمع .
* فرنسا هناك عدة مراكز جهوية للتجديد ونقل التكنولوجيا تهتم بمختلف المجالات الصناعات الكيماوية، الخشب، الفلاحة الغذائية، والموارد الفلاحية، و....غيرها .
* أما في الجزائر : فأبرز ما يمكن ذكره هو المخطط الخماسي 1998 – 2002 الذي يعد تطبيقا للقانون 98 – 11 للبحث العلمي في 22/08/1998 والذي حدد الإطار التنظيمي والمؤسساتي للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ، ومن أجل ضمان متابعة أحسن لتطبيق هذا المخطط تم تعيين وزير منتدب مكلف بالبحث العلمي لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أوت 2000 .
ويهدف القانون 98-11 المذكور أعلاه أساسا إلى ما يلي :
* ضمان ترقية البحث والتطوير.
* دعم القواعد العلمية والتكنولوجية للبلاد.
* تحديد وتوفير الوسائل الضرورية للبحث والتطوير.
* رد الاعتبار لوظيفة البحث.
* دعم تمويل البحث لكل الأنشطة المتعلقة بالبحث والتطوير.
وتطبيقا لهذا القانون تم إصدار عدد من المراسيم التنفيذية :
* المرسوم التنفيذي 99- 243 المؤرخ في 31 أكتوبر 1999 الذي يحدد تنظم وإدارة المكاتب الفرعية الدائمة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي.
* المرسوم التنفيذي 99- 256 المؤرخ في 31 أكتوبر 1999 الذي يحدد قواعد إنشاء، تنظيم وإدارة مخابر البحث.
* المرسوم التنفيذي 99- 256 المؤرخ في 16 نوفمبر 1999 الذي يحدد قواعد إنشاء تنظيم وإدارة المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي.
* المرسوم التنفيذي 99- 258 المؤرخ في 16 نوفمبر 1999 الذي يحدد كيفيات إنشاء تنظم وتسيير وحدات البحث.
* المرسوم التنفيذي 99- 258 المؤرخ في 16 نوفمبر 1999 الذي يحدد كيفيات ممارسة المراقبة المالية على المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي ، الثقافي والمهني والمؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي ومختلف وحدات البحث.
كما تم إنشاء صندوق وطني للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي يتخصص له سنويا مبلغ 5 مليار دينار خاصة بإدارة مخابر ومراكز ووحدات البحث لمختلف القطاعات، ونص القانون 98-11 على أن تحدد سنويا موازنة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ضمن قوانين المالية، غير أنه وعلى الرغم مما تم تحقيقه بفضل هذا المخطط، خاصة من حيث تكوين قاعدة بحث على مستوى مخابر ومراكز البحث العلمي، يجدر بنا أن نتساءل عن المستوى الذي تم تحقيقه ميدانيا من الأهداف المسطرة ينبغي أن تستمر هذه الجهود من طرف السلطات العمومية، ولتكن المرحلة المقبلة هي مرحلة التزاوج بين القطاع البحث والقطاع الصناعي مع إشراك المؤسسات في مجال البحث والتطوير ذلك أن البحث العمومي وحده لن يستطيع أن يحقق التسارع المطلوب كما أنه إذا لم تستفد المؤسسات من مخرجات الجامعات ومراكز البحث المختلفة تصبح الموارد المخصصة لهذا الغرض غير ذات جدوى.
السياسات الإقليمية :
فيما يتعلق بالبحث والتطوير على المستوى الإقليمي أو الجهوي نشير إلى حالتين :
- الاتحاد الأوربي : يلاحظ أن هناك سعي لتحقيق الاندماج في كافة السياسات، بما فيها سياسة البحث والتطوير ونذكر في هذا الصدد على سبيل المثال إنشاء المركز الأوربي للمبادرة والتجديد الصناعي الذي يهدف إلى تشجيع ومساعدة المبادرات الخلاقة ودعم كل ما يساعد على اكتساب تكنولوجيا جديدة على مستوى الاتحاد الأوربي ورغم ما حققه هذا الأخير من تقدم في توحيد السياسات ، فإن الأوربيين ينتقدون السياسة الأوربية في مجال البحث العلمي، حيث يعتبرون أن الاستثمار في هذا المجال ما يزال ضعيفا بالمقارنة مع بلدان صناعية أخرى، فبدلالة النسب استثمر الاتحاد الأوربي 1,8 % من الناتج المحلي الخام في سنة 1999 مقابل 2,7 % للولايات المتحدة و 3,1 % لليابان . ومن أجل تقليص هذه الفجوة هناك سعي حثيث نحو دعم العلاقة الثلاثية " جامعة – صناعة – مستثمر " أو الرباعية " – صناعة - حاضنة – مستثمر " بدلا من الثنائية التقليدية " جامعة – صناعة " ، وذلك انطلاقا من الاعتقاد بأن إنشاء مؤسسات قائمة على البحث العلمي والتكنولوجيا العالية أضحى الوسيلة الأكثر فعالية وجاذبية لثمين البحث، سواء العمومي منه أو الخاص وخاصة في مجال التكنولوجيات الجديدة. وهذا يعني أن الاتجاه التقليدي القائم على البحث العمومي قد انحصر لصالح إقامة مؤسسات صغيرة قادرة على الدخول في نشاط بحثي يوازي ما تقوم به الجامعات مع استثمار ثمرة هذه الأبحاث في الميدان .
والجدير ملاحظته في هذا الصدد هو أن القطاع الخاص يلعب دورا أساسيا في بناء القدرات التكنولوجية في البلدان الصناعية بعكس البلدان العربية التي ما تزال تعول على الاتفاق العمومي في تمويل مشاريع البحث والتطوير . ففي الولايات المتحدة نجد أن 80 % من الإنفاق يتم من قبل مؤسسات القطاع الخاص وفي اليابان نجد أن الصناعة تنفق على البحث والتطوير 73 % من مجمل الإنفاق وفي الاتحاد الأوربي تنفق الصناعات الخاصة ما نسبته 53 % من مجمل الاتفاق على البحث والتطوير .
العالم العربي : مع ضعف مراكز البحث الصناعي الموجودة فيه ، فلا يوجد تنسيق بين هذه المراكز ولا تبادل للخبرات المتاحة فيما بينها ، وعلى الرغم من تشكيل لجنة للتنسيق ما بين هذه المراكز وإنشاء الصندوق العربي لدعم البحث والتطوير التكنولوجي في مجال الصناعة وكذا المركز العربي للبحث والتطوير التكنولوجي في مجال الصناعة إلا أن كل هذه الهياكل ما تزال تنتظر تفعيلها من أجل أداء الأدوار المنوطة بها .
فإذا كان الاتحاد الأوربي على قوة أعضائه وهياكله يسعى من أجل تعزيز قدرة التنافسية عالميا ، فمن باب الأولى أن تتعاون الدول العربية في سبيل ذلك ، وفي هذا الإطار يمكن أن يأخذ التعاون العربي عدة صور :
1-التعاون في مجال نشر المعرفة ودعم اتخاذ القرار .
2-التعاون في مجال إعادة رسم خريطة التخصص الصناعي وتوزيع الأنشطة الاقتصادية .
3- التعاون في مجال تنسق السياسات والتشريعات من إقليمي عربي.
4- التعاون في مجال تحسين البنية الأساسية الإقليمية .
5-التعاون في مجال خفض التكلفة ورفع الإنتاجية .
6- التعاون العربي في مجال فتح الأسواق القطرية أمام المنتجات العربية .
مقال مهم جدا و حديث و الدليل أنني استعملته في بناء تصور حول أطروحة الدوكتوراه الخاصة بي شكرا جزيلا :)
RépondreSupprimerموضوع جيد . شكرا على الأفادة
RépondreSupprimermerci
RépondreSupprimerجميل جدا
RépondreSupprimerla;,v
RépondreSupprimera
gbfvgbfg
RépondreSupprimerمقال مميز ، مشكور على المعلومات و مشكور أكثر على ترتيبها و تبسيطها ، أنا شخصيا استفدت منه ، متمنية لك دوام المبادرة و المحاولة و دوام التألق في سماء العلم و المعرفة .
RépondreSupprimerشكرا
RépondreSupprimermerci bcs pour l'informtion continue toujours a la cime
Supprimermerci
RépondreSupprimer