الضمانات البنكية
مع التطور الحاصل و المستمر في العمليات الاقتصادية, أصبح رجال الأعمال يستثمرون في مشاريع إنتاجية و تجارية متعددة من تعظيم فرص الربح ، كما أن قيام هذه المشاريع و بعثها يتطلب البحث عن مصادر تمويل, و التي يمكن أن تكون ذاتية أو من مؤسسات مالية كالبنوك التجارية, و بطبيعة الحال فإن كل مستثمر يتطلع إلى الحفاظ على أعماله و مشاريعه لمدة زمنية معينة تكفي لجني العائد منها, الشيء الذي يدفعه في كثير من الأحيان إلى التأمين عليها ، إن هذه الإجراءات المتمثلة في التمويل و التأمين التي يتخذها رجال الأعمال تقدمها المؤسسات المالية بالمقابل, و الذي يتمثل في مبالغ التأمين, و الفائدة التي تدفع إلى البنوك مقابل الحصول على قرض بمبلغ معين ، لنأخذ حالة البنوك مثلا, فكل واحد منها يسعى إلى تقديم أكبر قسط ممكن من القروض لتعظيم العائد, لكن في نفس الوقت سترتفع درجة الخطورة التي يتعرض لها كإمكانية إفلاس الزبـون المتعامل معـه.
للتقليل من درجة المخاطرة و نقص السيولة, اتخذ البنك إجراءاً يتمثل في حصوله على ضمان مـقابل تقديم القرض إلى الزبون.
فما هـي الضمـانـات و مـا هـو دورهـا ؟
مفهوم الضمانات البنكية:
تعتبر الضمانات البنكية وسيلة من خلالها يمكن للمتعاملين تقديمها, للحصول على قروض من البنك, هذا من جهة, و من جهة أخرى, فهي أداة إثبات حق البنك في الحصول على أمواله التي اقرضها بالطريقة القانونية, وذلك في حالة عدم تسديد العملاء أو الزبائن لديونهم ، و قد لجأت المصارف إلى زيادة استعمال الضمانات في السنوات الأخيرة للأسباب التالية:
* قلة اهتمام بعض المؤسسات التجارية و الصناعية بالمحافظة على السمعة و حسن التعامل, مما يضطر المصرف إلى طلب هذه الضمانات.
* كبر حجم العمليات الإئتمانية, بالنسبة إلى مالية المتعامل نتيجة لبعض الظروف الاقتصادية التي طرأت مؤخراً مثل برنامج التنمية و ما تستتبعه من نشاط اقتصادي متزايد, و الغلاء, و ما ينتج عنه من انخفاض القدرة الشرائية النقد الوطني, فيزداد حجم الكتلة النقدية الواجب صرفها على الواردات.
* كما يعتبر الخطر عنصراً ملازما للقرض, لا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاؤه بصفة نهائية, أو استبعاد إمكانية حدوثه مادامت هناك فترة انتظار قبل حلول أجال استرداده. و لذلك, يجب على البنك أن يتعامل مع هذا الواقع بشكل حذر, و أن يقرأ المستقبل قراءة جيدة.
و أمام هذا الواقع الذي لا يمكن تجنبه, و من أجل زيادة الاحتفاظ قد يلجأ البنك فضلاً عن الدراسات السابق, إلى طلب ضمانات كافية من المؤسسات التي تطلب القرض, و سوف نلاحظ أن هذه الضمانات ذات أهمية كبرى بالنسبة للبنك خاصة عندما يتعلق الأمر بالقروض طويلة الأجل، فالأمر هنا لا يقتصر فقط على القيام بدراسة و تحليل وثائق المؤسسة و قراءة أرقامها, و إنما يتمثل الأمر في طلب أشياء ملموسة وذات قيمة كضمان قبل منح القرض.
و في الواقع تختلف طبيعة الضمانات التي يطلبها البنك و الأشكال التي يمكن أن تأخذها, و تتحدد طبيعة هذه الأشياء بما يمكن أن تقدمه هذه المؤسسة.
قيمة الضمان:
عندما يقدم البنك على طلب ضمان من المؤسسة التي تريد أن تقترض منه, فهو يصطدم بمشكلة أولى هي ما قيمـة هـذا الضمـان ؟ وفي الواقع لا يمكن أن ننتظر إجابة قاطعة في هذا الخصوص باعتبار أنه لا يوجد قانون يحدد هذه القيمة. و مع ذلك, يمكننا أن نتصور بأن قيمة هذا الضمان لا يمكن أن تتجاوز مبلغ القرض المطلوب.
و على هذا الأساس, يمكننا أن نرجع تحديد قيمة الضمان إلى بعض الاعتبارات التي تساعد البنك على القيام بهذه الخطوة. و أولى هذه الاعتبارات هي ما يتعلق بالعرف البنكي, فالبنوك بصفة عامة لها عادات و تقاليد مكتسبة في شأن الضمانات, كما أن تجاربها المتراكمة في هذا الميدان نجعلها قادرة على تحديد قيمة الضمان المطلوب حسب طبيعة كل نوع من أنواع القروض, و في هذا المجال ليس هناك أحسن من وجهة نظر البنك طبعا, من أن تكون قيمة الضمان مساوية لمبلغ القرض, بحيث يسمح له ذلك بانتظار موعد التسديد في طمأنينة, و لكن ذلك أمر نسبي بطبيعة الحال.
كما أن هناك اعتبارات أخرى تدخل في تحديد قيمة الضمان و هي ترتبط بالشخص أو المؤسسة التي تطلب التمويل, فالمؤسسة
التي تتمتع بسمعة جيدة في السوق قد تكون الضمانات المطلوبة منها لاتخضع إلا لاعتبارات شكلية. كما أن أي شخص لا يمكنه أن يعطي ضمانات إلا في حدود ما يملك, وقد يدفع عدم كفاية ما يملك إلى اللجوء إلى أطراف أخرى لضمانه أمام البنك.
و قيمة الضمانات المطلوبة كما قلنا سابقا, أمر نسبي إلى حدّ بعيد, خاصة فيما يتعلق ببعض أنواع الضمانات, فالضمان المطلوب في الوقت الراهن قد تكون قيمته في المستقبل مختلفة تماماً عن قيمته الآن.
فاحتمال أن يفقد هذا الضمان جزء من قيمته أمر وارد جدا, فإذا كان موضوع هذا الضمان يتمثل على سبيل المثال في سمعة المؤسسة, فإن تدهور هذه السمعة لأي سبب من الأسباب سوف يؤدي إلى تدهور قيمة الضمان. و هناك مثال آخر يعكس هذه القضية بشكل أفضل, و هو الحال التي تكون فيها الضمان عبارة عن قيم منقولة (أسهم و سندات), فإذا تدهورت أسعار هذه القيم في البورصة, فهذا يعني أن قيمتها الحقيقية أصبحت أقل من قيمتها الإسمية مما يؤدي إلى فقدان الضمان لجزء من قيمته, و لهذه الاعتبارات, يعتبر تحديد قيمة الضمانات أمر هام و نسبي في ذات الوقت, فهو أمر هام لأنه يضع البنك في مأمن ضد الأخطار المحتملة, و هو أمر نسبي لأن هذه القيمة من المحتمل أن تعتريها بعض التغيرات في المستقبل و هي بحوزة البنك.
اختيار الضمانات:
تعتبر عملية اختيار الضمانات مشكل من المشاكل التي تواجه البنك في قضية الضمانات, و في الحقيقة سمحت التجارب البنكية و العرف البنكي المتولد عنها إلى خلق عادات و صيغ لاختيار الضمانات, وتتركز هذه الصيغ بالخصوص على الربط بين أشكال الضمانات المطلوبة و مدة القرض المتوجهة لتغطيته.
و في هذا المجال, و إذا كان الأمر يتعلق بقروض قصيرة الأجل, حيث آجال التسديد قريبة و احتمالات تغير الوضع الراهن للمؤسسة ضعيفة و يمكن توقعها بشكل أفضل, كما أن هذه القروض ليست بالكبيرة, في هذه الحالة يمكن أن يكتفي البنك بطلب تسبق على البضائع أو كفالته من طرف شخص آخر كضمان.
و لكن عندما يتعلق الأمر بالقروض متوسطة و طويلة الأجل حيث آجال التسديد بعيدة و تطورات المستقبل غير متحكم فيها تماماً, فإن البنك يمكن أن تكون هذه الضمانات يتوافق مع طبيعة القرض, ويمكن أن تكون هذه الضمانات متجسدة في أشياء ملموسة, و ذات قيمة و تأخذ شكل رهن هذه الأشياء و أهم أنواع هذه الضمانات هي الرهن العقاري.
أنواع الضمانات:
الضمانات الشخصية:
يتم الضمان الشخصي بتدخل شخص آخر خلاف المقترض و تعهد بسداد القرض (رأس مال المقترض و الفوائد المترتبة و كذا تكلفة القرض), و في حالة توقف المدين عن الدفع للبنك يمكن الرجوع على الفرد الضامن، هذا الأخير يعد البنك بتسديد المدين في حالة عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته في تاريخ الاستحقاق, و على هذا الأساس فالضمان الشخصي لا يمكن أن يقوم به المدين شخصيا, و لكن يتطلب ذلك تدخل شخص ثالث للقيام بدور الضامن, و في إطار الممارسة, يمكن أن نميز نوعين من الضمانات الشخصية: الكفالـة و الضمـان الاحتياطي.
الكفالـة:
الكفالة هي نوع من الضمانات الشخصية, التي يلتزم بموجبها شخص معين بتنفيذ التزامات المدين تجاه البنك إذ لم يستطع الوفاء بهذه الالتزامات عند حلول آجال الاستحقاق.
و من الواضح أن الكفالة هي فعل حالي هدفه هو الاحتياط ضد الاحتمالات سيئة في المستقبل, و لا يمكن أن يتدخل الكافل بشكل فعلي إلا إذا تحققت هذه الاحتمالات السيئة و المتمثلة في عدم تمكن المدين على الوفاء بالتزاماته اتجاه البنك.
و نظرا لأهمية الكفالة كضمان شخصي ينبغي أن يعطي له اهتمام كبير, و يتطلب أن يكون ذلك مكتوبا و متضمناً الالتزام بدقة ووضوح, و ينبغي أن يمس هذا الوضوح كل الجوانب الأساسية للالتزام و المتمثلة على وجه الخصوص في العناصر التالية:
* موضوع الضمان.
* مدة الضمان.
* الشخص المدين.(الشخص المكفول).
* الشخص الكافل
* أهمية و حدود الالتزام.
و عليه, تبقى الكفالة عبارة عن فعل رضائي ووحيد الجانب, و يتمثل وجه الرضائية في أن قبول دور الكافل لا يخضع إلى أي شكل من الأشكال القانونية و المألوفة, كما أن عنصر أحادية الجانب ينعكس في أن اتفاق الكفالة لا يحرر إلا في نسخة واحدة.
و من جهة أخرى, و نظرا لأهمية موضوع الكفالة, تجبر الأنظمة المختلفة البنوك على ضرورة إعلام المدين بمبلغ الدين محل الالتزام و آجاله و ذلك خلال كل فترة معينة. و يمكن أن تسلط بعض العقوبات على البنوك التي لا تلتزم بهذا الأمر, و من الواضح أن مثل هذا الإجراء يهدف إلى تفادي الكثير من المنازعات الناجمة عن سوء التفاهم بين البنوك و الكفلاء.
الضمان الاحتياطي:
في كثير من الأحيان يقوم الشخص بتحرير الورقة التجارية إلى شخص آخر و يرفض المستفيد أو المظهر إليه (الحامل الشرعي) قبول استلام هذه الورقة, وذلك لضعف الثقة المالية لديه عند الشخص (المضمون) لذلك يطلب من الشخص الذي ظهر الورقة التجارية إليه تأميناً لكي يقبلها و يطمئن إلى وفاء الورقة التجارية, و هذا التأمين يكون إما رهناً يسلمه إليه أو كفالة شخصية, و هذه الكفالة هي التي أطلق عليها الضمان الاحتياطي.
يقدم الضمان الاحتياطي عادة, عندما يكون هناك توقيع ضعيف أو مشكوك فيه, فيأتي الضامن الاحتياطي لتقوية الثقة لدى الحامل, فالضمان الاحتياطي إذن من ضمانات الورقة التجارية, و يمنحها الثقة كما أنه يسهل تداول الورقة التجارية, و خاصة إذا كان الكفيل مصرفاً أو مؤسسة مالية حيث أن هذا الضمان يجعل الورقة التجارية تتداول بسهولة كتداول النقود الورقية إلى حدّ ما.
و الضمان الاحتياطي يجوز في جميع الأوراق التجارية إلا أنه في الشيكات قليل الوقوع, و ذلك لأنها تسحب عادة على المصارف.
يمكن استنتاج أن الضمان الاحتياطي هو شكل من أشكال الكفالة, و يختلف عنها في كونه يطبق فقط في حالة الديون المرتبطة بالأوراق التجارية.
و الأوراق التجارية التي يمكن أن تسري عليها هذا النوع من الضمان تتمثل في ثلاث أوراق هي: السند لأمـر, السفتجة و الشيكات, و الهدف من هذه العملية هو ضمان تحصيل الورقة في تاريخ الاستحقاق. وعليه, فإن هذا الضمان يمكن أن يقدم من طرف الغير أو حتى من طرف الموقعين على الورقة, و يسمى هذا الشخص ضامن الوفـاء.
كما يختلف الضمان الاحتياطي عن الكفالة في وجهين آخرين: فالضمان الاحتياطي هو التزام تجاري بالدرجة الأولى حتى لو كان مانح الضمان غير تاجر. و السبب في ذلك هو أن العمليات التي تهدف الأوراق محل الضمان إلى إثباتها هي عمليات تجارية. و يتمثل وجه الاختلاف الثاني في أن الضمان الاحتياطي يكون صحيحاً و لو كان الالتزام الذي ضمنه باطلاً ما لم يعتريه عيب في الشكل.
الضمانات الحقيقيـة:
هي عبارة عن ضمانات ملموسة يمكن حجزها في حالة عدم تسديد المدين لدينه, كالعقارات و المنقولات, و هذا ما يسمى بالرهن ، و ترتكز الضمانات الحقيقة على موضوع الشيء المقدم للضمان, و تتمثل هذه الضمانات في قائمة واسعة من السلع و التجهيزات العقارية, يصعب تحديدها هنا, و يعطي هذه الأشياء على سبيل الرهن, و ليس على سبيل تحويل الملكية, و ذلك من أجل ضمان استرداد القرض, و يمكن للبنك أن يقوم ببيع هذه الأشياء عند التأكد من استحالة استرداد القرض. و في الواقع يمكن أن يشرع في عملية البيع هذه خلال خمسة عشر (15) يوما ابتداءاً من تاريخ القيام بتبليغ عاد للمدين.
الرهـن:
الرهن عقد يلتزم به شخص ضماناً لدين تجاري عليه أو على غيره, أن يسلم مالاً إلى الدائن أو إلى شخص آخر يعينه المتعاقد أن يخوله حبس هذا المال إلى أن يستوفي حقه أو أن يتقدم الدائنين العاديين و الدائنين المرتهنين له في المرتبة بتقاضي حقه من ثمن هذا المال في أية يد يكون.
و لما كان الرهن عقداً, فهو ينشأ بأركان العقد العامة, و هي الرضاء و المحل و السبب, و يجب أن يكون الراهن مالكا للمال المرهون, و لا يتم الرهن إلا بتسليم المال المرهون أو السند المرهون, و يترتب على هذا العقد آثار قانونية أهمها بالنسبة للمدين, المال المرهون, و نقل حيازته إلى الدائن أو إلى شخص آخر يتفقان على تسليمه المال المرهون (المادة 951 من القانون المدني), و صيانته و حفظه من يوم تسلمه إلى يوم إعادته عند استيفاء الحق, و يترتب للدائن حق حبس المال و حق التقدم على غيره من الدائنين العاديين.
و تتبع المال المرهون في أية يد ينتقل إليها (المادة 32 من قانون التجارة), لأنه يكون بيع المال المرهون, كما يمكن رهنه ضمانا لعدة ديون و يجوز أيضا رهن الأموال المستقلة (المادة 895 من القانون المدني), تسري على الرهن التجاري قواعد الإثبات التجارية عدا ما نص القانون عليه من استثناءات, فقد نصت المادة 31 من قانون التجارة) على أنه "يثبت الرهن المتمم من تاجر أو غير تاجر لأجل عمل من الأعمال التجارية, اتجاه الغير و بالنسبة للمتعاقدين طبقاً لأحكام المادة 30 أعلاه.
و يثبت الرهن أيضاً بالنسبة للسندات القابلة للتحويل بتظهير قانوني يشير إلى أن القيم سلمت على وجه الضمان. أما بالنسبة للأسهم و حصص الشركاء في الشركات المالي و الصناعية و التجارية أو المدنية و التي يحصل نقلها بموجب تحويل في دفاتر الشركة يجب أن يثبت الرهن بعقد رسمي و يجب أن تقيد هذه العملية على سبيل الضمان في الدفاتر المذكورة.
أنـواع الرهـن:
تنشأ معظم أنواع الرهن بالتراضي بين أطراف العقد, فهو عقد رضائي و ليس شكليا, إلا أن القانون استثنى بعض الرهون من هذه القاعدة سنذكرها بإيجاز, و عقد الرهن الرضائي يشمل معظم أنواع الأموال المنقولة, و سنوجز كل من:
* رهن المنقولات المعنوية
* الرهن الحيازي.
* الرهن العقاري.
رهن المنقولات المعنوية:
يشترط القانون في المادة (31) المذكورة, لانعقاد هذه الأنواع من الرهن, إضافة إلى أركان العقد العامة من رضاء, و سبب, بعض الشروط تختلف من رهن لآخر, و أهم هذه الأنواع:
* رهن الأوراق التجارية
* أسهم و حصص الشركات
* رهن الدين.
رهن الأوراق التجارية:
هذه الأوراق هي السفتجة, و السند لأمر, أما الشيك فيعد في الغالب أداة وفاء لا أداة ائتمان, لأن مدة الوفاء قصيرة قد لا تزيد عن ثمانية (08) أيام , و لذلك لا يمكن رهن الشيك بينما يمكن رهن الورقتين الباقيتين.
فيجوز رهن السندات, سواء كانت اسمية أو للحامل, فقد نصت المادة (976) من القانون المدني على أنه يتم رهن السندات الإسمية أو السندات لأمر بالطريقة الخاصة المنصوص عليها قانوناً, بشرط أن يذكر أن الحوالة قد تمت على سبيل الرهن بدون حاجة إلى إعلان, لذلك يجوز رهن الأوراق التجارية, لاسيما إذا علمنا أن السفتجة و السند لأمر من الأوراق ذات المدة الطويلة, قد تجعل حاملها إلى رهنها لدى شخص آخر, و يتم هذا الرهن عن طريق كتابة التظهير بشكل معين بحيث يفهم منها أنها موجودة لدى الحامل على سبيل الرهن.
رهن أسهم حصص و حصص الشركاء:
تنقسم هذه الصكوك إلى قسمين: الأول: الأسهم الإسمية, و الثانية الأسهم لحاملها.
الأسهم و الحصص الإسمية:
و هي التي يسجل فيها اسم صاحبها, و نصت الفقرة الثالثة من المادة (31) على أنه أما بالنسبة للأسهم و حصص الشركاء في الشركات المالية و الصناعية و التجارية أو المدنية و التي يحصل نقلها بموجب تحويل في دفاتر الشركة يجب أن يثبت الرهن بعقد رسمي, و يجب أن تقيد هذه العملية على سبيل الضمان في الدفاتر المذكورة.
فيكون رهنها إذن عن طريق العقد الرسمي, فلا يكفي الاعقاد العرفي أو التسجيل في الأوراق التجارية للشركة, أي لابد من التوثيق من الموثق العدل, إضافة إلى توثيق رئيس المحكمة, و لا تحدد محكمة معينة أو موطن معين لتوثيق الرهن فيجوز أسهم و حصص الشركاء في أي محكمة خلاف موطن المحكمة التي فيها مقر الشركة التجارية, الصناعية أو المدنية, و لذلك ينبغي أن يتحقق الدائن المرتهن بنفسه من وجود الشركة و صحة الأسهم, إلا أن العقد الرسمي لصحة رهن هذه الصكوك لا يكفي, و إنما يجب أن يسجل في دفاتر الشركة التي أصدرتها بما يفيد أنها مرهونة أو موضوعة على سبيل الضمان, غير أن عدم تسجيل رهنها في دفاتر الشركة لا يؤدي إلى بطلان الرهن, و لم يضع المشرع جزءاً لضمـان تنفيذ هذا التسجيل بينما يعد الرهن باطلا في حالـة عدم استيفاء إجـراءات العقـد الرسمي.
الأسهم و الحصص الغير رسمية:
و هي الأسهم و الحصص لحاملها و التي لا تحمل اسم صاحبها, فينتقل الحق بموجبها عن طريق المناولة اليدوية, لأن الحق في السهم حقاً شخصيا يندمج بالصك اندماجا لا يقبل التجزئة, لذلك ترهن هذه الأموال بنفس طريقة رهن الأموال المنقولة الماديـة.
و يمكن رهن صكوك الإسمية و غير الإسمية دون حاجة إلى موافقة المدين, وهو الساحب أو المسحوب عليه القابـل, ولم ينص على هذه الحالة قانون التجارة الجزائري لأنه يعد تحصيل خاص على الرغم من أن بعض قوانين التجارة قد نصت على ذلك.
رهن الدين:
نصت الفقرة الرابعة من المادة (31) من قانون التجارة على أنه: و يبقى العمل جاريا بالأحكام الخاصة بالديون المتعلقة بالأموال المنقولة التي لا يمكن أن يبلغ المحال له بالنسبة للغير إلا بالتبليغ بالحوالة و الواقع للمدين. و هذا يعني أن رهنه يكون بإتباع إجراءات حوالة الدين و ذلك بإبلاغ المدين, ولا يكون الرهن صحيحا إلا بعد موافقة المدين أو عدم اعتراضه على الرغم من تبليغه و تحسب مرتبة الامتياز على أساس تاريخ موافقة المدين أو تبليغه دون اعتراض,و لا يسري اتجاه الآخرين إلا بتسليم سند الدين المرهون إلى الدائن المرتهن, فقد نصت المادة (975) من القانون المدني الجزائري على أنه : لا يكون رهن الدين نافذا في حق المدين إلا بإعلان هذا الرهن إليه أو بقبوله له وفقا للمادة 241, و لا يكون نافذا في حق الغير إلا بتسليم سند الدين المرهون إلى المرتهن, و تسحب للرهن مرتبته من التاريخ الثابت للإعلان أو القبول.
و قد أوجب القانون في الفقرة (05) من المادة (31) المذكورة رهن الديون التي تتعلق بمال منقول و ليس غير منقول, إن تسجيل هذا الرهن يتم بعقد رسمي, لقد أوجب المشرع ذلك لكي يمكن مواجهته بهذا الرهن, فلا يمكن مواجهتهم بغير العقد الرسمي, و لكن الرهن لا يعد باطلا فيما بين لراهن و المرتهن إذا لم يكن هناك عقد رسمي, بينما يعد عقداً باطلا في مواجهة الغير.
الرهن الحيازي:
في مجال الرهن الحيازي، نجد أنفسنا أمام نوعين: الرهن الحيازي للأدوات و المعدات الخاصة بالتجهيز, و الرهن للمحل التجاري.
الرهن الحيازي للأدوات و المعدات الخاصة بالتجهيز:
يسري هذا النوع من الرهن الحيازي على الأدوات و الأثاث و معدات التجهيز و البضائع, و يجب على البنك قبل أن يقوم بالإجراءات القانونية الضرورية أن يتأكد من سلامة هذه المعدات و التجهيزات, كما ينبغي عليه التأكد من أن البضاعة المرهونة غي قابلة للتلف و أن لا تكون قيمتها معرضة للتغير بفعل تغيرات الأسعار.
و حسب نص المادة (152) من القانون التجاري الجزائري, تتم الموافقة على الرهن الحيازي بواسطة عقد رسمي, أو عرفي يسجل برسم محدد, و إذا وقع هذا العقد للمقرض و هي حالة البنك, اعتبر الرهن الحيازي حاصلا بموجب عقد البيع.
و يقيد عقد الرهن الحيازي بالسجل العمومي الذي يمسك بكتابه المحكمة التي يوجد بدائرة اختصاصها المحل التجاري, و يجب أن تتم إجراءات القيد خلال الثلاثين يوما التالية لتاريخ إبرام التأسيس. و إذا لم يحترم هذا الأجل سوف يدخل هذا العقد تحت طائلة البطلان.
و لا يجوز للمدين أن يبيع الأشياء المرتهنة قبل تسديد الديون المستحقة عليه إلا بعد موافقة الدائن المرتهن. و إذا استعصى ذلك يمكن للمدين أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة للمحكمة الفصل في هذا الطلب و ذلك كملاذ أخير له, و إذا خالف ذلك سوف يتعرض إلى العقوبات المنصوص عليها في المادة (167) من القانون التجاري الجزائري.
و بصفة عامة, في حالة الرهن الحيازي, يجوز للبنك إذ لم يستوفي حقوقه أن يطلب من القاضي الترخيص له بيع الأشياء المرهونة في المزاد العلني أو بسعر السوق إذا اقتضى الحال. و يجوز أيضا أن يطلب من القاضي أن يأمر بتمليكه هذه الأشياء المرهونة وفاء للدين على أن يحسب ببيعه بقيمته حسب تقدير الخبراء. و تذهب المادة (178) من قانون النقد و القرض في نفس الاتجاه, حيث يمكن للبنوك والمؤسسات المالية أن تحصل بناء على عريضة تقدمها لرئيس المحكمة, بعد مضي 15 يوما على إنذار المدين بموجب طلب غير قضائي و بالرغم من كل اعتراض, على قرار ببيع كل مال مرهون لصالحها و تخصيصه مباشرة و دون أية معاملة بناتج البيع تسديد لما يترتب لها من مبالغ كامل الدين و فوائد التأخير إن حصل.
الرهن الحيازي للمحل التجاري:
يتكون المحل التجاري من عناصر عديدة ذكرت في المادة (119) من القانون التجاري الجزائري, و من بين العناصر نجد على وجه الخصوص عنوان المحل التجاري و الاسم التجاري و الحق في الإجازة و الزبائن و الشهرة التجارية, و الأثاث التجاري و المعدات و الآلات و براءات الاختراع و الرخص و العلامات التجارية, و الرسوم و النماذج الصناعية... الخ.
و لكن إذا لم يشمل عقد الرهن الحيازي للمحل التجاري و بشكل دقيق و صريح أي العناصر التي تكون محلاً للرهن, فإنه في هذه الحالة لا يكون شاملاً إلا عنوان المحل و الاسم التجاري, و الحق في الإجازة و الزبائن و الشهرة التجارية. و تذهب المادة (177) من قانون النقد و القرض في نفس الاتجاه, حيث تنص المادة على أنه يمكن رهن المؤسسة التجارية لصالح البنك و المؤسسات المالية بموجب عقد عرفي مسجل حسب الأصول, و يمكن تسجيل الرهن وفقا للأحكام القانونية السارية.
و عليه يثبت الرهن الحيازي للمحل التجاري أو المؤسسة التجارية بعقد يسجل في السجل العمومي بكتابة المحكمة التي يوجد المحل التجاري بدائرة اختصاصها, و يتم هذا القيد (التسجيل) في 30 يوما لتاريخ إبرام عقد التأسيس و إلا فإنه سوف يدخل تحت طائلة البطلان.
الرهن العقاري:
الرهن العقاري عبارة عن عقد يكتسب بموجبه الدائن حقا عينيا على عقار لوفاء بدينه, و يمكن له بمقتضاه أن يستوفي دينه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان و متقدما في ذلك على الدائنين التاليين له في المرتبة.
و في الحقيقة, لا يتم الرهن إلا على العقار الذي يستوفي بعض الشروط التي تعطي للرهن مضمونه الحقيقي, فالعقار ينبغي أن يكون صالحا للتعامل فيه و قابلا للبيع في المزاد العلني, كما يجب أن يكون معيناً بدقة من حيث طبيعته و موقعه و ذلك في عقد الرهن أو في عقد رسمي لاحق, وما لم تتوفر هذه الشروط فإن الرهن يكون باطلاً.
و تشير المادة (179) من قانون النقد و القرض في نفس الاتجاه حيث ينشأ رهن قانوني على الأموال غير المنقولة العائدة للمدين و يجري لصالح البنوك و المؤسسات المالية ضماناً لتحصي الديون المترتبة لها و للالتزامات المتخذة اتجاهها.
ولا يمكن في الواقع أن ينشأ الرهن العقاري إلا بثلاث طرق:
* الرهن الناشئ بعقد رسمي أو رهن الاتفاق, و يأتي هذا الرهن تبعاً لإرادة التعاقد ما بين الأطراف المعنية و التي تملك القدرة أو الحق في التصرف في هذه العقارات.
* الرهن الناشئ بمقتضى القانون, و هو ينشأ تبعا لأحكام قانونية موجودة.
* الرهن الناشئ بحكم قضائي, وهو الرهن الذي ينشأ تبعاً لأمر من القاضي,
و يمكن إنشاء الرهن العقاري لضمان عدة أنواع من القروض, و هذه الأنواع تم ذكرها بنص المادة (891) من القانون المدني الجزائري, و هـي:
* ديون معلقة أو شرطية
* ديون مستقبلية
* ديون احتمالية الوقوع
* قروض مفتوحة
* الحساب الجاري.
و إذا حل استحقاق الدين و لم يقم المدين بالتسديد, فإنه يمكن للدائن و بعد تنبيه المدين بضرورة الوفاء بالديون المستحقة عليه, أن يقوم بنزع ملكية العقار منه, ويطلب بيعه في الآجال وفقا للأشكال والإجراءات القانونية, هذا الأمر دائما في حالة ما إذا كان العقار ملكا للمدين.
الخاتمة:
نستخلص أن المتعاملين مع البنوك يقدمون الضمانات من أجل الحصول على الفرض, و أن البنوك تفرضها من أجل اعتبارها كأداة إثبات و العميل لا يقدم الضمان إلا في حدود استطاعته, و البنك يرغب في الحصول على ضمانات تعادل قيمتها قيمة القرض المقدم, بين هـذا و ذاك تنشأ المفاوضات بين الفرعين لتحديد قيمة الضمان و نوعه, تجدر الإشارة إلى أن سمعة الزبون لها دور في هذا.
يمكن أن نقدم بعض الاستنتاجات الخاصة بموضوع الضمانات أهمها:
* الضمان أمر هام لأنه يضع البنك في مأمن و أمر نسبي لأن قيمة الضمان قد تنخفض.
* هناك من يعتبر أن الضمان الاحتياطي نوع من الكفالة, و لنفرق بينهما نقول أن الضمان الاحتياطي خاص بالأوراق التجارية يمنحها الثقة و يسهل تداولها, لكن كلاهما يعتبر أحد أنواع الضمانات الشخصية.
* رغم أن الرهن ظاهرة قديمة إلا أنه لازال ساري المفعول و يمكن تقسيمه إلى ثلاث أنواع: رهن المنقولات, الرهن الحيازي, الرهن العقاري.
التساؤل الأخير الذي يطرح : من الـذي يحدد الآخر, قيمة الضمان تحدد مبلغ القرض, أو مبلغ القرض هو الذي يحدد قيمة الضمان ؟
merci
RépondreSupprimer