نظرة عامة حول الدستورو مصادره
حدد فقهاء القانون أربعة مصادر للدستور يستمد منها أحكامه، وهي: الفقه والقضاء، والعرف، والتشريع، وفيما يلي استعراض موجز لهذه المصادر:
1- الفقه القانوني:
يعتبر الفقه في السابق مصدرا للقانون، أي أن القاعدة القانونية التي مصدرها الفقه تكتسب صفة الإلزام، ومع التطور الذي مر على القانون بفروعه المختلفة، أصبح الفقه مصدرا ماديا للقانون، أي أنه الطريق الذي تتكون به القاعدة القانونية وتستمد منه مادتها وموضوعها، فلم يعد يعتمد عليه في تفسير النصوص التي يسنها المشرع.
2- القضاء : وكان القضاء مصدرا رسميا، وأصبح الآن مصدرا ماديا ويبرز دوره في تفسير النصوص التشريعية كالفقه، ولكنه يختلف عن الفقه في أن الفقيه يفترض أمورا محتملة لم تقع، ويقترح لها حلولا مناسبة ويردها إلى الأصول والنظريات، فـالفقه له طابع العمومية، واستباق الأحداث، ومسايرة التطور، أما القضاء فينظر فقط فيما يعرض عليه من قضايا ويسعى إلى الفصل فيها، على هدي الاعتبارات العملية التي تحتل المكان الأول في ساحـته، فـالفقه يمثل الناحية العلمية أو النظرية للقانون، والقضاء يمثل الناحية العملية أو التطبيقية، والأحكام الدستورية في بريطانيا تدين كثيرا للسوابق القضائية التي أنشأت أحكاما دستورية جديدة، إما بدعوى وتفسير أحكام دستورية غامضة، وإما لحسم خلاف حول نص دستوري أو بحكم في أمر لم ينص عليه
3 - العرف:
اختلف الفقهاء القانونيين في كون العرف مصدرا رسميا للدستور على رأيين:
- أحدهما، لا يسلم بغير التشريع مصدرا، وينكر كل قيمة للعرف إلا إذا أقـره المشرع، أو اعترف به القضـاء، إلا أن معتدلي هذا الاتجـاه يسلمون بالعرف مصدرا على أساس أنه يمثل الإرادة المفترضة للمشروع.
- أما الرأي الآخر: فيعتبر العرف مصدرا، ويلقى هذا الرأي تأييد معظم فقهاء الدستور .
ومعلوم أن فكرة الدولة ظهرت تدريجـيا تحت تأثير مجموعة من العوامل التاريخية، وذلك على مراحل متدرجة، إلى أن اكتملت عناصر قيامها، حيث صاحب ذلك استقرار مجموعة من القواعد التي تبين كيفية تنظيم سلطاتها، ومصدر هذه القواعد هو العرف؛ لأنها قواعد نتجت عن التقاليد والعادات، ومن ثم كانت قواعد عرفية.
ولكن مع التطور التاريخي، وظهور الدساتير المكتوبة وانتشارها في معظم دول العالم، لم يعد العرف مصدرا رئيسا لقواعد الدستور فيما عدا إنجلترا، فـلا خلاف في أهمية العرف، ومكانته بالنسبة للدول التي ليس لها دساتير مكتوبة، ولكن يختلف الفقهاء حول دور العرف ومكانته واعتباره مصدرا للدستور بالنسبة للدول ذات الدساتير المكتوبة، وهم في ذلك على رأيين:
- أحدهما: ينكر كل دور للعرف في الشؤون الدستورية.
- والآخـر: يقـر للعرف هذه القواعد بالنسـبـة لنصوص وثيقـة الدستور .
4 - التشريع:
التشريع هو سن القواعد القانونية، وإكسابها قوتها الملزمة عن طريق سلطة مختصة وفقا لإجراءات معينة ولقد ازدادت أهمية التشريع باعتباره مصدرا رسميا للقانون بازدياد التطور التدريجي للمجتمعات، فبينما كان العرف مصدرا رئيسا للقواعد القانونية المنظمة للمجتمع في العصور القديمة أخذ دور العرف يقل تدريجيا، ويزداد دور التشريع، وذلك لانتقال المجـتمعات إلى مرحلة التنظيم السياسي وقيام الدولة، وكذلك لأنه أصلح المصادر الرسمية وأكثرها ملاءمة لحاجات الجماعة المتطورة، فـالعرف وإن كان يصدر عن الجماعة إلا أنه بطيء في نشوئه وتطوره، فـضلا عما قـد يشوبه من غموض بجهل قواعده، في حين أن التشريع وسيلة ميسرة وسريعة في انتشار القواعد القانونية وتعديلها، ووضوحها، وانضباطها، فالتشريع هو المصدر الرسمي الرئيس للقانون بشكل عام وللدستور بشكل خاص .
ويحدد عادة في الدستور السلطة المختصة بالتشريع، وتسمى السلطة التشريعية، وكيفية ممارستها لواجباتها، وكيفية تكوينها، وقد يوجد في الدولة الواحدة أكثر من سلطة تشريعية، ففي الدول التي يكون دستورها غير مرن لا بد من وجود سلطة تأسيسية أو دستورية لإقـرار وتعديل الدستور، غير السلطة التشريعية المختصة بالتشريع العادي، فيكون تدرج قوة التشريع تسلسليا من التشريع الدستوري إلى التشريع العادي إلى التشريع الفرعي، ولا يجوز لأي تشريع أن يخالف تشريعا أعلى منه درجة، وفي حالة وجود ذلك يكون التشريع المخالف غير شرعي، ولضبط عملية مشروعية التشريعات، وتنظيم رقابتها، وتقرير الجزاء المناسب بالنسبة للتشريع المخالف، نشأ ما يسمى برقابة مشروعية التشريع بفرعيها وهما: رقـابة مشروعية التشريع العادي، الذي اصطلح عليه برقابة دستورية القوانين وهي من مباحث القـانون الدستوري. والفرع الثـاني رقـابة مشروعية التشريع الفرعي، وهي من مباحث القانون الإداري.
مقومات الدستور الأساسية:
يجب أن يحتوي كل دستور على مقومات رئيسة يتضمنها الدستور، وهي بشكل عام القواعد التي تبين شكل الدولة، ونوع نظام الحكم فيها وتحديد السلطات العامة، وعلاقتها ببعضها، وحقوق وواجبات الأفراد تجاه الدولة؛ فـغالبا ما يحتوي الدستور على مقدمة هي عبارة عن ديباجة توضح الفكرة التي تقوم عليها الدولة، ثم يقسم الدستور إلى أبواب وفـصـول، يحوي كل باب أو فـصل مواد متـسلسلة، حول موضوع من المواضيع التي يعنى بها الدستور، ويحدد عنوان لكل فصل أو باب حسب كل مـوضـوع من هذه المواضـيع، وغـالبـا مـا يكون ترتيب هذه الأبواب والفصول على النحو التالي:
- تعـريف بالدولة يحـدد شعب الدولة، وأرضها، وسيـادتهـا، وشكلها ومنهجها السياسي.
- المقومات الأساسية للمجتمع.
- السلطات العامة.
- أحكام عامة.
- تعديل الدستور.
- أحكام انتقالية .
الدستور
معنى الدستور:
للدستور معنيان: معنى موضوعي أو مادي (MATERIAL)، وعنى شكلي أو رسمي (FORMAL)، ويقصد بالمعنى الأول (أي المعنى الموضوعي) القواعد التي تعتبر في جوهرها وطبيعتها وموضوعها دستورية، كالقواعد التي تبين شكل الدولة نظام الحكم فيها وسلطاتها و الخ... من القواعد الدستورية موضوعا، والتي تكون بمجموعها موضوع ومادة القانون الدستوري، ولا فرق في ذلك بين أن تكون هذه القواعد محررة ومثبتة في وثيقة رسمية أم تكون غير محررة في وثيقة ما، إذ أن لكل دولة دستورا من الناحية الموضوعية (كما يقول الأستاذ فيدل) وإن لم يكن لها دستور من الناحية الشكلية (ونذكر على سبيل المثال – إنكلترا ) فهي وإن كانت لا تملك وثيقة رسمية تشتمل وتظم جميع القواعد الدستورية التي يقوم على أساسها نظامها، فأن لديها مع ذلك ومن دون شك دستورا من الناحية الموضوعية وهو دستور عرفي.
أما ما يقصد بالمعنى الشكلي (FORMAL) للدستور، فهو الوثيقة الدستورية الصادرة من سلطة مختصة والتي تظم القواعد الأساسية في تنظيم الدولة السياسي، وقد يتبادر للذهن تطابق هذين المعنيين ولكن الواقع غير هذا، فكثيرا ما تخلو الوثيقة الدستورية من بعض القواعد المتعلقة بنظام الحكم، على الرغم من أنها قواعد دستورية بطبيعتها، كقواعد الانتخاب مثلا، إذ يترك تنظيمها في الغالب لقوانين عادية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فكثيرا ما يحدث أن تتضمن الوثيقة الدستورية قواعد لا تتصل من قريب أو بعيد بنظام الحكم، أي قواعد ليست بدستورية بطبيعتها وجوهرها وإنما تصبح قواعد دستورية من حيث الشكل بالنظر لدمجها في الدستور، وإنما تدرج في الدستور لكي تكتسب صفة الثبات والاستقرار التي تتميز بها القواعد والنصوص الدستورية، ولكي تنجو من رقابة القضاء حيث لا تمتد رقابته على النصوص الدستورية، بينما تمتد هذه الرقابة في كثير من البلاد لفحص دستورية القوانين.
ومن أمثلة ذلك ما تحتويه بعض الدساتير الملكية من نصوص خاصة بإدارة أو تصفية أموال الملك أو عائلته ومن ذلك المادة (168) من دستور سنة 1923 المصري والمتعلقة بتصفية أموال الخديوي، ولهذا النوع من المواد الدستورية شكلا حكم خاص في حالة انهيار الدستور بالثورة.
وأخير ينبغي أن لا يغرب عن بالنا ضرورة عدم الخلط بين المفهومين:
المفهوم القانوني للدستور ( CONCEPTION JURIDIQUE) القائم على تعريفه تعريفا محايدا (DEFINITION NEUTRE) باعتباره مجموعة القواعد التي تعنى بتنظيم الدولة السياسي، أو بعبارة أخرى مجموعة القواعد التي ترسم حدود وقواعد انتقال السلطة من صاحبها الأصلي (الدولة) إلى عمالها المنفذين من هيئات وموظفين.
ELLE EST LE CANAL PAR LEQUEL LE POUVIOR PASSE DE SON TITULAIRE, L'ETAT ASES AGENTS D'EXERCICE.
والمفهوم السياسي المتأثر بفلسفة سياسية واجتماعية معينة.
نشأة الدساتير ونهايتها:
Le modes detablissenent des constitutions ecrites
ذهب العلامة لافريير إلى تصنيف طرق أو أساليب وضع الدساتير إلى صنفين ,الصنف الأول,وأسماه بالطرق الملكي
Modes monarchists detablissement des constitutions
وتشمل المنحة والعقد والصنف الثاني وأسماه بالطرق الديمقراطية:
Modes democratiques _detablisse ment des constitutions
وتشمل الجمعية التأسيسية Convention ou accemblee constituante والاستفتاء LE REFRENDUM.
ولقد نهج على منواله كثير من الشراح ،إلا أننا لا نرى فائدة من هذا التصنيف،ونعتقد أن تعداد هذه الطرق أيسر وأبعد عن اللبس وهذه الطرق هي:-طريقة المنحة Octrio
وما هذه الطريقة في الواقع إلا تسجيل لمرحلة تاريخية انتقلت فيها الملكيات, من ملكية مطلقة Monarchie absolue إلى ملكية مقيدة Monarchie Limitee يتنازل فيها الحكام (ملوكا أو أباطرة أو أيا كانت ألقابهم) عن بعض سلطانهم وامتيازاتهم للأمة, ويكون هذا التنازل بدستور يمنحه الحاكم للأمة , ومثال ذلك الدستور الفرنسي لسنة1814 والذي كان منحة من لويس الثامن عشر، وكذلك الدستور الايطالي لسنة1848 والذي كان منحة من الملك شارل البرت الى سردينا،والدستور الياباني سنة 1889 والذي كان منحة من الميكادو، والدستور الروسي لسنة1906 ،والدساتير المصرية لسنة1923 ،ولسنة1930 ،ولسنة1934 ، ولسنة1935 ،والدستور اليوغوسلافي لسنة1931 والذي كان منحة من الملك الكسندر، ودستور الحبشة لسنة1931 ،ودستور موناكو لسنة1911 .
والمفروض في هذه الطريقة أن صاحب السلطان حين يتنازل عن بعض سلطاته فإنما يتنازل عنها بمحض اختياره أما الواقع فعكس ذلك،إذ أنه إنما يتنازل لإنقاذ موقفه المتأزم وتحت ضغط مطالبة الأمة بحقوقها، ولهذا فمن المتفق عليه أنه بعد صدور الدستور(الممنوح)لا يستطيع الحاكم أو الملك بمفرده إن يسحبه لتعلق حق الأمة به، إذ الأصل إن الأمة هي صاحبة السيادة، وهي التي يحق لها أن تحكم نفسها، فان أغتصب حقها من قبل الملوك أو الحكام ثم رد ما اغتصب منها إليها فلا يجوز الرجوع به لان ذلك يعتبر تجديدا للغصب.
2- طريقة التعاقد على الدستور بين الحاكم و الشعب Le pacte
يصدر الدستور وفقا لهذه الطريقة بنتيجة الاتفاق بين صاحب السلطان ملكا أو حاكما وبين الشعب، ومن أمثلة هذه الدساتير: الميثاق الأعظم الانجليزي Magna carta لسنة1215 فلقد أرغم الإشراف والنبلاء الملك على التنازل عن بعض سلطاته وامتيازاته في الميثاق والذي لا يزال يعتبر جزءا من دستور انكلترا العرفي. وكذلك الدستور الفرنسي لسنة1830 والذي جاء على اثر ثورة تموز ضد الملك شارل العاشر الذي تنكر للدستور فاضطرته الثورة للتنازل عن العرش،ثم حصل التعاقد بعد ذلك بين نواب الأمة الذين اجتمعوا ووضعوا مشروعا لدستور جديد ( بالرغم من أن مجلسهم كان منحلا) وافق الدوق أورليان والذي أصبح بعد ذلك ملكا على فرنسا باسم لويس فيليب.ومن الطريف ذكره انه حين حضر الدوق اورليان قاعة الاجتماع في 14 آب سنة1830 لم يعتل العرش وإنما أخذ مكانه إلى جنبه حتى انتهى من سماع النصوص الدستورية ومن ثم أعلن موافقته عليها وأقسم اليمين باحترامها واعتلى العرش بعد ذلك، ومن هذه الإجراءات استفاد الفقهاء الصفة التعاقدية للدستور.
وقد انتقدت طريقة التعاقد لوضع الدساتير باعتبارها تقوم على إشراك الحاكم بالسيادة التي تعود في الأصل للأمة وحدها.
3-وضع الدساتير بواسطة جمعية تأسيسية وطنية:Convention ou assemblee generale
وبمقتضى هذه الطريقة تقوم بوضع الدستور جمعية منتخبة من الشعب خصيصا لهذا الغرض.
ونشأت هذه الطريقة أول ما نشأت في أميركا، فقد وضعت المستعمرات الانجليزية الثائرة ابتداء من سنة1776 دساتيرها عن طريق جمعيات تأسيسية، كما وضع دستور الولايات المتحدة الفيدرالي في سنة1787 عن طريق الجمعية التأسيسية التي اجتمعت في فلاديفيا ثم اقتبست الثورة الفرنسية هذه الطريقة من أميركا وأضفت عليها رداءا فلسفيا تحت تأثير فقهاء مدرسة القانون الطبيعي وعلى الأخص فاتيل Vattel الذي فرق بين القوانين العادية، والقوانين الأساسيةLois Fondamentales إي الدستور وتحت تأثير نظرية العقد الاجتماعي الذي اشتهر باسم جان جاك روسو J. J. Rousseau فالدستور بالنسبة لكثير من رجال الثورة يعتبر الأساس الذي يتحقق به العقد الاجتماعي، هذا العقد الذي يكون المجتمع السياسي وينشأ بإنشائه السلطة العامة ولا يتحقق هذا العقد إلا باتفاق مجموع الأفراد واختيارهم لحياة الجماعة فالدستور إذن وكما يقول سييز (Sieyes) تجديد للعقد الاجتماعي والمصدر لجميع السلطات من جملتها السلطة التشريعية والتي تعتبر مؤسسة من قبل الدستور وعليه فلا يجوز والحالة هذه لهذه السلطة المؤسسة أن تضع دستورا أو أن تعدل دستورا ولما كان اجتماع جميع أمر يتعذر تحقيقه فلابد إذن من انتخاب هيئة مؤسسة يحق لها وحدها أن تضع الدستور.
وبهذه الطريقة (طريقة الجمعية التأسيسية) وضعت الدساتير الفرنسية (لسنة 1793 وسنة 1948 وسنة 1975) كما أخذت بهذه الطريقة أيضا بلجيكا في دستورها لسنة 1831 وكثير من دساتير ما بعد الحرب العالمية الأولى كدستور فايمر الألماني سنة 1919 ودستوري النمسا وجيكسلوفاكيا سنة 1920، وبولونيا وأسبانيا سنة 1931، واستونيا ولتوانيا وتركيا...
4- طريقة الاستفتاء الشعبي LE REFRENDUM CONTITUANT
وبمقتضى هذه الطريقة لا تصدر الدساتير إلا بعد موافقة الشعب عليها عن استفتائه في نصوصها أما هذه النصوص فقد تضعها جمعية مؤسسة منتخبة لهذا الغرض من قبل الأمة، أو تقوم بوضعها لجان خاصة بل وقد يضعها الحاكم نفسه ولكنها في جميع هذه الأحوال تبقى مشروعا فقط ما لم يصوت عليه بالموافقة من قبل الأمة، أي أن القيمة القانونية للدستور في هذه الطريقة لا تحصل إلا بعد عرضه على الشعب وموافقته عليه، أما قبل هذا أي قبل إجراء الاستفتاء والتصويت على الدستور بالموافقة فهو مجرد مشروع ولا فرق في ذلك أن يكون هذا المشروع قد أعد من قبل جمعية تأسيسية منتخبة أو من قبل لجان معينة أو من قبل الحاكم نفسه.
وأخيرا فقد يبدوا أن هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من غيرها حيث يقرر الشعب بنفسه ومباشرة دستوره الذي يرتضيه إلا أننا نعتقد أنه لا بد لاستعمال هذه الصورة في إصدار الدساتير من وصول الشعب إلى درجة كبيرة من النضوج والوعي السياسي.
وهذه الطريقة هي الطريقة المتبعة في سويسرا وفي بعض الولايات الأميركية وفي أيرلندا وهي الطريقة التي صدر فيها الدستور الفرنسي لسنة 1946 وسنة 1958 والدستور الإيطالي لسنة 1948 والدستور المصري لسنة 1956.
وأخيرا فهذه هي أساليب نشأة الدساتير المختلفة بإيجاز، ويبدوا واضحا من خلالها المراحل التي قطعتها الشعوب في تطورها التاريخي والفكري وانعكاس ذلك على نظم الحكم فيها من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة، كانت تأخذ دساتيرها أشكال المنحة والتعاقد إلى دساتير موضوعة من قبل الشعوب عن طريق الجمعيات التأسيسية المنتخبة والاستفتاءات الشعبية وكان كل ذلك نتيجة لازمة لنمو الوعي واتجاه التيارات الفكرية نحو الحكم الديمقراطي.
ولقد تتابعت هذه الأساليب في التاريخ ولكن بصورة غير منتظمة، فإذا جاز لنا القول بأن طريقتي المنحة والعقد في وضع الدساتير لم تعد بالطريقتين المتبعتين في القرن العشرين فإن هذا القول لا يمكن أن يرسل على إطلاقه، فلقد شاهدنا فيما مر بنا من الأمثلة كيف وضعت دساتير عديدة يعود تاريخها إلى عهد قريب جدا وفقا للطرق القديمة كدستور موناكو سنة 1911 ودستور الحبشة سنة 1931 ويوغوسلافيا سنة 1931 والمصري سنة 1923 والعراقي سنة 1925 على رأي البعض ، وربما كان تفسير ذلك بأن الدول لم تنتهج في تطورها وسيرها نحو الديمقراطية منهجا واحدا فنمها من أكمل الشوط أو كاد ومنها من بقي يتعثر في الطريق.
وعلى كل ومهما يكن من أمر فإن الطرق القديمة في وضع الدساتير (المنحة والعقد) آخذة في الزوال وإن الغلبة والنصر لطريقتي (الجمعية التأسيسية المنتخبة والاستفتاء الشعبي) وأن مرد ذلك إلى عاملين مهمين:
أولهما:- تقدم الوعي كما أسلفنا وثانيهما تناقص عدد الملكيات وصيرورتها استثناء بعد أن كانت القاعدة.
نهاية الدساتير:
La fin des constitutions rigides
بعد أن قدمنا لمحة موجزة عن أساليب نشأة الدساتير، يجدر بنا الآن أن تتعرض لطرق نهايتها واختفائها فالدساتير كما تعيش وكما تحيا فلابد لها من يوم تختفي فيه عن الوجود، أو بعبارة أخرى، تلفظ أنفاسها، فنزول عن أحكامها، وتختفي آثارها.
فما هي هذه الطرق يا ترى؟! وكيف تزول بموجبها حياة هذه الدساتير؟
وقبل البدء في الموضوع، لابد لنا أن ننبه إلى أمرين مهمين:-
أولهما: أن موضوعنا أنما يتعلق في الدساتير المكتوبة الجامدة، إذ أن الدساتير التي تنشأ بالعرف، أي الدساتير العرفية، فأنها تزول كما نشأت أما بالعرف أو التشريع العادي.
وثانيهما: أننا ندرس هنا حالة زوال أو إلغاء الدستور بأكمله لا بعض مواده أو فصوله لأن ذلك أنما يدخل في موضوع تعديل الدساتير.
وبناءا على ما تقدم فأن الدستور كما قلنا قد يختفي بأكمله ويستعاض عنه بدستور جديد (UNE NOUVELLE CONSTITUTION) ويكون زواله بإحدى الطرق التالية:
أولا:- الإلغاء الرسمي من قبل هيئة مؤسسة
ABORGATION FORMELLE PAR L'ORGANE CONSTITUANT
الدستور من الناحية القانونية لا يلغى إلا بدستور جديد، يصدر وفقا للإجراءات التي نص عليها الدستور القديم لتعديله، فقد ينص دستور على جواز تعديله بصورة شاملة، وإن كانت الأمثلة في الواقع على ذلك قليلة (إذ أن أكثر الدساتير لا تواجه غير حالة تعديلها الجزئي (REVISION PARTIELLE) ومع ذلك فمن أمثلة الدساتير التي تجيز تعديله كاملا (الدستور الفرنسي لسنة 1875) والرأي الراجح لدى غالبية الفقهاء أن الهيئة المؤسسة التي تختص في التعديل وفقا لنصوص الدستور القديم نستطيع باعتباره الهيئة المنتخبة من الشعب صاحب السيادة أن تلغي الدستور القديم وأن تبدله بغيره إذا كانت هذه هي نية الشعب حين انتخابه لها، إذ لا معنى لوضعها في مركز أدنى من الهيئة المؤسسة الأولى التي وضعت الدستور وهي تساويها في القوة والتمثيل لسيادة الشعب.
وقد يكون هذا الإلغاء صريحا (EXPRESSE)، بأن تضع الهيئة المؤسسة دستورا جديدا تنص في صلبه على إلغاء الدستور القديم، وقد يكون الإلغاء ضمنيا (IMPLICITE) بأن تكون القواعد والنصوص التي تضعها الهيئة المؤسسة لا تتلاءم ولا تنسجم (INCOMPATIBLE) بحال من الأحوال مع قواعد الدستور القديم فهي وهو على طرفي نقيض، فيكون الإلغاء والحالة هذه ضمنيا، ويعتبر الدستور الجديد هو الدستور النافذ اعتبارا من تاريخ تطبيقه.
وهناك طريقة أخرى لإلغاء الدساتير أكثر قوة وأقوى مفعولا وهي طريقة الثورة.
ثانيا:- الإلغاء بطريق الثورة
ABROGATION ET DECONTITUTIONNALISATION
من المبادئ المسلم بها قانونا أن الثورة حين تنجح في هدم ومحو نظام سياسي معين، فأن دستور ذلك النظام ينهار ويموت بمجرد نجاح الثورة، إلا أن القوانين التي عاشت تحت ظل الدستور المنهار تستمر في حياتها وتبقى نافذة المفعول ما لم تلغ صراحة، أو يكون انسجامها مع الشكل الجديد للحكومة مستحيلا، وتستند هذه القاعدة إلى مبدأ قانوني عام، مسلم به إجماعا، وهو مبدأ استمرار الدولة بالرغم من تغير الأشكال المختلفة لتنظيمها (LE PRINCIPE DE LA CONTINUITE -=DE L'ETAT A TRAVERS LES FROMES VARIABLES DE SON GOUVERNEMENT ) ولهذا فقد نجد في كثير من الدول قوانين نافذة ترجع في أصلها إلى عهود غابرة، ففي العراق مثلا نجد قوانين ترجع في تاريخ نشأتها إلى العهد العثماني، وفي فرنسا قوانين تعود نشأتها إلى عصور الملكية.
وعلى نقيض هذا المبدأ (وهو مبدأ بقاء القوانين واستمرار حياتها إلى ما بعد الثورة ما لم تلغ صراحة أو ضمنا) يوجد مبدأ عام آخر، مسلم به في كل مكان وإن يكن منصوصا عليه في مكان ما، لأنه لا يحتاج إلى نص، وهو انهيار وسقوط الدساتير بقيام الثورات الناجحة، فهدف الثورة إنما هو القضاء على نظام سياسي معين، ومعنى نجاح الثورة هو سقوط النظام السياسي وفقدانه لقوته القانونية التي يستند عليها وهي الدستور والذي يعتبر لاغيا لا أثر له دون أن تكون هناك حاجة لإعلان هذا الإلغاء أو النص عليه، وهكذا تظهر الثورة كطريقة لإلغاء الدساتير كما يقول الأستاذان (بارتلمي ودويز)، ويؤيدهما في القول الأستاذ لافيريير حين يقرر بأنه من المؤكد والمسلم به لدى جميع الفقهاء بأن الثورة الناجحة حين تفلح في هدم النظام السياسي فإن دستور ذلك النظام المندثر يزول ويختفي دفع واحدة دون الحاجة إلى نص على ذلك، ويستعاض عنه بدستور جديد حالا، أو بعد فترة قد تطول وقد تقصر حسب الظروف، وتكون السلطة التأسيسية في هذه الفترة لمن عهدت إليه الثورة بقيادتها.
ما يبقى من نصوص الدستور المنهار:
لقد شاهدنا عند تحديدنا لمعنى الدستور من الناحية الموضوعية والشكلية أن بعض الدساتير قد تضم في صلبها نصوصا ليست دستورية بطبيعتها وموضوعها وجوهرها كالنصوص التي لا علاقة لها بشكل الحكم ولا بالنظام السياسي المتبع، وإنما تذكر هذه النصوص في الدستور لتكتسب صفته في الاستقرار والثبات كما أسلفنا، وقد تكون طبيعة إدارية أو جنائية أو غير ذلك.
ومن البديهي أن هذه النصوص المجردة من الصفة الدستورية موضوعا، لو أنها كانت قد صدرت في قانون عادي، ولم تحشر في صلب الدستور لكتب لها البقاء مع القوانين الأخرى التي تبقى وتعيش وتظل نافذة المفعول بعد الثورة ولحين إلغائها تطبيقا لمبدأ استمرار الدولة الآنف الذكر.
وهذا بعينه السبب الذي حدا بالفقهاء إلى اعتبار هذه النصوص نصوصا لقوانين عادية، أي أنها حين تفقد صفتها الدستورية الشكلية بسقوط الدستور، تحتفظ بصفتها التشريعية كقانون عادي، ومعنى ذلك بعبارة أخرى أن الفقه قد
أجمع على الاكتفاء بخلع الصفة الدستورية (DECONSTITUTIONNALISATION LOI ORDINAIRE) وإبقاء صفة القانون العادي لها، والفقه في تقديره هذا إنما يجاري المنطق باعتبار أن هذه النصوص ذات قانونية، بدليل أنها لو كانت قد بقانون عادي لظلت كما هي، إذ هي تنجح وتسقط الدستور، فإنما تسقط تلك القواعد القانونية موضوعا، أما القواعد الأخرى ذات الطبيعة القانونية العادية فتظل وتبقى باعتبارها قانونا عاديا شأنها في ذلك شأن بقية القوانين الخاضعة للإلغاء والتعديل.
ومثال ذلك ما جاء في الدستور الفرنسي للسنة الثامنة، المادة منه حيث نصت على عدم جواز متابعة رجال الحكومة والموظفين ومقاضاتهم أمام المحاكم القضائية للحصول على تعويض عن الأعمال المتعلقة بوظائفهم أمام المحاكم القضائية إلا بترخيص من مجلس الدولة، وقد أجمع الفقهاء في فرنسا على أن هذه المادة لا صلة لها بدستور السنة الثامنة للثروة، وأنها ذات طبيعة إدارية، ولهذا بقيت نافذة المفعول بعد سقوط الإمبراطورية وإلغاء دستور السنة الثامنة، باعتبارها نصا من نصوص القانون العادي.
تبرير الثورة وسنتناول الموضوع من جانبين:
في المجال النظري.
في مجال القانون الوضعي.
المجال النظري:
يتصل هذا الموضوع بما تعارف الفقهاء على تسميته (حق المقاومة الطغيان – LA RESISTANCE A L'OPPRESSION) هذا الحق الذي لعب دورا مهما في تاريخ الشعوب، وفي تاريخ الكفاح من أجل الحرية والديمقراطية، أما مفهوم هذا الحق: معناه ومداه فلقد تغير مع الزمن، وأخذ أشكالا مختلفة في التفسير، وكان الكنيسة الكاثوليكية أثر عظيم في التمهيد لتحديد هذا المفهوم، سواء كان بنظريتها في الولاية العامة باعتباره النائبة عن صاحب التشريع، أو بنظريتها في التفويض الإلهي للسلطة وحدود هذا التفويض، وما أوحت به هذه النظريات من أفكار لفقهاء القرن السادس عشر، القرن الذي نشأت فيه الدول الحديثة ونشأت حولها فكرة الدساتير العقدية بين الملوك والشعوب، وقامت معها المحاولات الفقهية لتبرير حق المقاومة على أساس عقدي، باعتبار أن الشعب هو صاحب السيادة وقد تنازل عنها في العقد للحاكم وفقا للشروط وحدود معينة، فإن هو خرج عليها، فللشعب حق الفسخ جزاء لمخالفته لبنود الاتفاق، وكان أول القائلين بهذه النظرية مارسيل دي بادو (MARSILE DE PADOUE) – (في أواخر القرن الرابع عشر) وثيودور دي بيز (THEODORE DE BEZE) – (في الربع الأخير من القرن السادس عشر 1575)، وهو الذي قرر بأن الملك للشعب وليس الشعب للملك، وإن الملوك ملزمون بتطبيق العقد فأن خرجوا وجب فسخه ولو بالقوة.
كما ذهب فقهاء آخرون من فقهاء القرن السادس عشر وممن مهدوا لفكرة العقد الاجتماعي أمثال هوتمان HUTMAN وهوبرت لانكويت HUBERT LANGUET وسواريس (SUARES) لتقرير هذا الحق على أساس (عقد تفويض) إذ أن السيادة للشعب كما قرر هؤلاء وهو لم يتنازل عنها، إنما فوض الحكام ممارسة مظاهرها تحت رقابته وفي حدود معينة هي: الخضوع للقوانين الإلهية والقوانين الأساسية التي تفرض احترام حريات الناس وأرواحهم وتحقيق الصالح العام، فإن تجاوز الحكام أو انحرفوا عن هذه الحدود، جاز للشعب أن يفسخ العقد، وأن يسترد التفويض بإعلان الثورة.
وليس معنى هذا أن الفقه في القرن السادس عشر كان مجمعا على تقرير هذا الحق للشعب، فلقد كان هناك فقهاء آخرون في هذا القرن بل وما بعده انتهجوا نهجا مغايرا فأنكروا فيه على الشعوب حقها في مقاومة الطغيان ومجدوا السلطة، وفرضوا احترامها في جميع الأحوال، ومن هؤلاء:
ميكافيلي في إيطاليا MACHIAVAL لسنة 1513 وهو صاحب الكتاب (الأمير LE PRINCE) وصاحب نظرية المستبد العادل، ومنهم: جان بودان JEHAN BODIN في فرنسا (كتاب الجمهورية) ومنهم توماس هوبز في إنكلترا THOMAS HOBBES سنة 1651 فلقد أيد هؤلاء سلطان الملوك، وصاغوا لهم النظريات لهذا الغرض.
أما في القرن فلقد برر جماعة من الفقهاء هذا الحق على وجه آخر، باعتبار أن الغاية من السلطة السياسية (بناء على العقد الاجتماعي) إنما هو حماية الحقوق والحريات الفردية، وأن الخروج عن هذه الغاية، يبرر المقاومة والثورة، وكان من رواد هذه الفكرة بيير جوريو PIERRE JURIEU وجون لوك JOHN LOCK سنة 1690 ومن أنصارها والقائلين بها من فقهاء القرن الثامن عشر: رينال RAYNAL و مابلي MABLY وميرابوا MIRABEAU، كما ناصرها آخرون من فقهاء القرن التاسع عشر أمثال بنجامين F. BENJAMAIN وآرنو كاريل ARNAUD CARREL، وفاري سوميير VAREILLES SOMMIERES وأخيرا فلم يعدم الفقه الحديث أنصارا لهذا الحق، منهم هوريو HAURIOU ، وقد برر هذا الحق بفكرة الدفاع الشرعي، ودوجى L. DUGUIT بفكرة سيادة القانون، وأسمان ESMEIN بفكرة إرادة الشعب المستخلصة من تأييده للثورة أو عدم احتجاجه عليها، أما لافريير فقد أنكر فائدة البحث عن إيجاد تبرير قانوني للثورة، فالمهم عنده هو تقرير النتائج المترتبة عليها والمسلم بها، لأن الثورة في مفهومه عمل سياسي يخرج من دائرة القانون الوضعي، أما بيدرو فيرى في الثورة ظاهرة قانونية، يرى فيها قانون جديد يريد أن يستقر كأساس للنظام القانوني المقبل.
2- في مجال القانون الوضعي:
تجري أكثر القوانين الوضعية وأكثر الدساتير على تحريم الثورة تحريما مطلقا، والعقاب عليها باعتبارها عملا مهددا لأمن الدولة وسلامتها وبالتالي فأنها تدخل تحت طائلة قانون العقوبات.
وبالرغم من ذلك فقد نص على جوازها بعض إعلانات حقوق الإنسان ومنا ما هو في مقدمة بعض الدساتير.
ومثال ذلك ما جاء في إعلان الحقوق الأميركي سنة 1776 من أن الغرض من الحكومة هو حماية الحقوق الطبيعية للإنسان فأن هي خرجت عن هذا الغرض جاز للعشب الخروج عليها، وما جاء في إعلان الحقوق الفرنسي سنة 1789 (المادة الثانية) من اعتبار حق المقاومة من بين الحقوق الطبيعية للإنسان التي تقبل التصرف أو التنازل عنها.
وكذلك المادة (25) من إعلان الحقوق الفرنسي لسنة 1793 والتي تنص على أنه إذا اغتصبت حق الشعب، فإن المقاومة الشعبية تمثل أقدس حقوق الإنسان.
والواقع أنه وإن نصت هذه الإعلانات على هذه الحقوق، فأنه لم يكن لهذه النصوص أي أثر وضعي سواء في الدساتير أو في القوانين العادية.
3- هل تلغى الدساتير بعدم استعمالها؟
وهذه الحالة تفترض صدور دستور ما وعدم إتاحة الظروف العالمية أو المحلية فرصة تطبيقية سواء كان ذلك – مثلا – نتيجة لنشوب حرب أو عوامل أخرى كعدم أمكان اجراء انتخاب الخ، وبدا للجماعة – أي الرأي العام – بعد ذلك أن هذا الدستور لم يعد يمثل الفكرة القانونية السائدة، فهل يا ترى يعتبر هذا الدستور ملغيا أم أنه يبقى نافذا ويمكن وضعه موضع التطبيق؟ والجواب على هذا السؤال أن الرأي الراجح في الفقه بأنه ليس هناك ما يمنع من تطبيق هذا الدستور مادام قد وضع من قبل هيئة مختصة، وإذا كان صحيحا بأن الرأي العام قد تحول وعزف عنه فما عليه إلا أن يصدر دستورا جديدا ليصح اعتبار القديم لاغيا.
تسلم ايديك
RépondreSupprimerرااااائع
RépondreSupprimerبارك الله فيك اخي
RépondreSupprimerعلى هذا المجهود
بارك الله فيك
RépondreSupprimer