دولة القانون الضرورة والمقدمة للشروع في التنمية
يقول أفلاطون "القانون فوق أثينا"
يشكل تعبير "دولة القانون" مصطلحاً سياسياً وقانونياً.
فدولة القانون مصطلح سياسي بل "شعار سياسي" يعبر في الأساس عن طموح جمعي أو مجتمعي (المحكومين) لمواجهة السلطة (الحكم). بيد أن مصطلح دولة القانون كشعار سياسي أصبح يستخدم من قبل السلطة (الحكم) لإضفاء صفة الشرعية التي يمثلها في مواجهة المحكومين. أي أن مفهوم دولة القانون كمصطلح سياسي يستخدم من قبل فريقين متنازعين على السلطة بشكل أزلي هما الحكام والمحكومين.
ودولة القانون كمصطلح قانوني يشكل نظرية دستورية محورها تبين الانتقال أو التحول في الحكم من المشخص إلى المجرد. أي بمعنى أوضح انتقال الحكم من مفهوم ذاتي أو شخصي متصل بالحاكم (الملك، الأمير..) إلى مفهوم مجرد أساسه القاعدة القانونية والمؤسسة
أي أن دولة القانون هي شعار سياسي ونظرية دستورية هدفها تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين. وهذا التنظيم يتم من خلال إيجاد علاقة متوازنة بين طرفي العلاقة. فالحاكم كأحد طرفي العلاقة وممارس للسلطة يرغب بتغليب ضرورات ممارسة السلطة. والمحكومين باعتبارهم الطرف الآخر لهذه العلاقة يرغبون بتغليب ضمانات الحقوق والحريات العامة. ولكن ضرورات ممارسة السلطة تتجلى من خلال التقييد الوارد سياسياً وقانونياً على الحقوق والحريات العامة، في حين أن ضمانات الحقوق والحريات العامة تتجلى من خلال التقييد القانوني والسياسي للسلطة.
لذلك، ومبدئياً، فإن دولة القانون بمفهومها الواسع هي التي تقيم التوازن بين ضرورات السلطة وضمانات الحقوق والحريات العامة. لأن تغليب ضرورات السلطة يؤدي إلى الاستبداد، وتغليب ضمانات الحقوق والحريات العامة يؤدي إلى الفوضى. ولكن كيف يمكن تحقيق هذا التوازن للقول بقيام دولة القانون؟ ما هي الآليات النظرية لذلك؟ ما هي آليات التنفيذ؟ ما هي معايير التقييم؟...؟...؟
وهنا لابد عند طرحنا لهذه التساؤلات من أن نأخذ بعين الاعتبار مسلمات لا يمكن تجاوزها، وهي أن الأصل والمبدأ إطلاق الحقوق والحريات العامة والاستثناء هو التقييد. ففي العقد الاجتماعي بين أفراد المجتمع رضي الأفراد بالتخلي عن جزء من حقوقهم وحرياتهم لصالح كيان جمعي هو الدولة متجسد بالسلطة بهدف تحقيق ضمان أفضل لهذه الحقوق والحريات. ولذلك يجب على الدولة أن تحكم بأقل قدر من أدوات السلطة (حكومة الحد الأدنى).
كذلك لابد أن ندرك بأن نوعية الحكم في دولة القانون أصبحت تتجلى في التقيد بالأحكام القانونية والخضوع للمؤسسات بدلاً من الطاعة للحكام. فالطاعة للقانون وليس للحكام هو هدف دولة القانون، أي الانتقال من المشخص إلى المجرد، من الفيزيائي إلى الاعتباري.
هذا المفهوم "الشعاراتي" السياسي والدستوري الذي نظر له علماء السياسة وفقهاء القانون أطلقوا مفهوماً جديداً وأصبح يتضمنه، هو مفهوم "الحكم الجيد" أو "الرشيد" أو "السديد". بل إنه يمكن القول إن مفهوم دولة القانون أصبح من المسلمات، وغير كاف بحد ذاته لتقديم حكم نوعي، فنوعية الحكم المطلوبة حالياً مختلفة وتتطلب إضافة لدولة القانون حكم جيد له أبعاد تنموية.
ولقد أطنب المؤلفون في أبعاد دولة القانوني (سياسي، قانوني، ثقافي، منهجي، فلسفي...) وهي أبعاد مترابطة بل متشابكة. وفي سياق هذا الموضوع لن أتطرق إلا للبعدين الأساسيين الأكثر ترابطاً وتشابكاً وهما البعد السياسي والبعد القانوني.
وبالعودة إلى ما بدأنا به فدولة القانوني هي شعار سياسي ونظرية دستورية هدفها تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين. وهذا التنظيم يتم من خلال إيجاد علاقة متوازنة بين طرفي العلاقة.
في هذا السياق يأتي الخطاب الرسمي العربي على ذكر تعبير "دولة القانون والمؤسسات". هذه العبارة التي تتكرر باستمرار هل هي إعلان نوايا عن الرغبة في تحقيق شروط قيام دولة القانون؟ وهل يعي من يرفع هذا الشعار (السياسي) مضامينه القانونية وآليات الوصول إليه؟ أم هي تأكيد لواقع إن الفرضيتين بلا معنى: فالواقع القائم أبعد ما يكون عن دولة القانون، بل عن النية في تحقيق شروطها. وهذا الاستنتاج ناجم عن المقارنة بين الإعلان السياسي والتجسيد القانوني.
ولذلك سوف نبين في عجالة مفهوم دولة القانون كشعار وسبل تجسيده إلى واقع معاش. باعتباره نقطة انطلاق نحو المفهوم الجديد "الحكم الجيد" ببعده التنموي.
نشأة دولة القانون ومضامينها النظرية:
من المعروف تاريخياً أن مصطلح "دولة القانون" ظهر في نهايات القرن التاسع عشر في ألمانيا في زمن تكوين الوحدة (القومية) الألمانية (عهد بسمارك). لذلك كان الهدف منها يتجه أساساً لتدعيم مركزية الدولة، إضافةً لعقلنتها وحسن سيرها. ولم يكتس مفهوم دولة القانون بعده الليبرالي إلا فيما بعد.
وقد أخذ الفقهاء يميزون بين مصطلحين متناقضين للتعبير عن مضمون دولة القانون. هذان المصطلحان هما: "دولة البوليس" (دولة الضبط الإداري تحديداً) و"دولة القانون" (دولة التشريع).
فدولة البوليس، هي التي تمتلك سلطة (إدارة) غير مفيدة لمواجهة الأوضاع المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية... وبالتالي تتخذ القرارات والأوامر والتدابير (التقديرية) اللازمة كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك مما يعني بأنها تشكل تهديداً للحقوق والحريات العامة، باعتبارها غلبت ضرورات السلطة على ضمانات الحريات والحقوق العامة (كما أشرنا سابقاً).
أما دولة القانون فهي التي تقيد نفسها بنظام قانوني (تشريعي بالمفهوم العام).
1 ـ في الحقيقة إن مفهوم دولة القانون ومضمونه هو من المفاهيم ذات الدلالات المختلفة باختلاف بعدي الزمان والمكان: السياق التاريخي والثقافي للأمم أو المجتمعات ولذلك نرى مثلاً أن المصطلحات Rule of law في إنكلترا، وL'Etat de droit في فرنسا. وRechtsstaat في ألمانيا المعبرة عن مفهوم دولة القانون. تنطوي على صيغ مختلفة ترتبط بالتكوين التاريخي والثقافي لشعوب هذه الدول إلا أنها تشترك فيما بينها في تحديد المفهوم العام لدولة القانون.
السلطة القضائية تعتبر الوسيلة الأمثل لصيانة وحماية الحقوق والحريات. ووجود قضاء مستقل شرط أول لوجود باقي مقومات الدول’ والرقابة القضائية لا قيمة لها إلاّ إذا كان القضاء مستقلاً.
قواعده القانونية (الشكلية والموضوعية) محددة ومعروفة مسبقاً (قاعدة: الجهل بالقانون لا يعتد به والتي تفترض النشر/أو الشفافية وفق مفهوم الحكم الجيد)، لا يمكن للسلطة (الإدارة) أن تخرقها.
انطلاقاً من ذلك فإن المفهوم المبدئي أو الأولي لدولة القانون ـ في ألمانيا ـ يعبر عن النظام السياسي الذي تكون فيه السلطة (الإدارة) مفيدة في عملها بأحكام وقواعد قانونية معروفة مسبقاً للحكام والمحكومين (وهذا ما يسمى بالمعنى الضيق لدولة القانون).
بعد ذلك أخذ هذا المفهوم المبدئي أو الأولي لدولة القانون يتطور ليأخذ معان عديدة تبعاً للمنطلقات التي من خلالها نظر الفقهاء لهذا المفهوم، فنجد بعض الفقهاء من رواد مدرسة القانون أو الحق الطبيعي ـ وعلى رأسهم العميد ديجي Duguit ـ يوسعون من هذا المفهوم، ويرون بأن دولة القانون تعني خضوع الدولة لأحكام تعلو الدولة ذاتها وتفرض عليها التزامات تفوق ما نظر له الفقهاء الألمان (رواد المذهب الوضعي) الذين يرون دولة القانون تعبر عن النظام السياسي الذي تكون فيه السلطة مفيدة بالأحكام والقواعد القانونية التي وضعتها بموجب إرادتها المستقلة. لذلك فإن أنصار مدرسة الحق الطبيعي يرون بأن دولة القانون تستوجب احترام قواعد قانونية فوق الدول، تفرض نفسها حتى على صاحب السيادة (السلطة التأسيسية الأصلية) حتى ولو كان الشعب ذاته، وهذه القواعد الموضوعية هي القواعد المتعلقة بحقوق الإنسان الطبيعية (وهذا ما يسمى بالمعنى الواسع لدولة القانون).
وقد ذهب جانب من الفقه (وعلى رأسهم Caree de Malberg)، على الرغم من قبولهم بالمعنى الأولي الضيق لدولة القانون إلى التمييز بين مفهومين هما: دولة القانون Etat de droit والدولة القانونية Etat legal.
ـ في المعنى الشائع والمعاصر لدولة القانون
إن التعريف الشائع والمعاصر لمفهوم دولة القانون يرتبط لدى علماء السياسة والقانون والاجتماع والفلسفة... ولدى المشتغلين في الحقل العام أخذ يركز على عناصر ثلاثة متصلة بالحكم: هدف الحكم، وسائل ممارسة الحكم، نوعية الحكم.
أولاً ـ هدف الحكم:
إن دولة القانون هي التي تهدف إلى إقامة نظام سياسي (حكم) بهدف إلى حماية الحقوق العامة كيف تتم هذه الحماية؟... الجواب: بتقييد السلطتين التشريعية والتنفيذية (الإدارة).
أي أن دولة القانون هي الدولة التي تخضع بدايةً لنظام قانوني ذاتي يمتد من الدستور إلى أبسط القواعد القانونية قيمةً (المذهب الوضعي)، وفقاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية الذي قال به الفقيه Hanss Kelsen. وتخضع أيضاً إلى مبادئ وقواعد غير منصوص عليها في القانون الوضعي. هذه القواعد الأخيرة منبثقة من طبيعة "دولة القانون" (مدرسة القانون الطبيعي). ويتوجب على كافة السلطات أن تتقيد بها.
فدولة القانون هي الدولة التي لا تقيد الحقوق والحريات العامة إلا بالقدر الكافي واللازم لتأمين مقتضيات الأمن والاستقرار بما يؤمن حسن ممارسة هذه الحقوق والحريات (المناخ اللازم لعملية التنمية الشاملة وفق مفهوم الحكم الجيد).
ثانياً ـ وسائل الحكم:
لتحقيق الهدف الذي تسعى له دولة القانون لابد من توفر الوسائل التالية:
1 ـ الفصل بين السلطات:
يعتبر مبدأ فصل السلطات La separation des pouvoirs أحد أهم المبادئ الدستورية في الدول الديمقراطية المعاصرة.
هذا المبدأ الذي ينسب إلى مونتسكيو، على الرغم من أنه ليس هو أول القائلين به، من خلال بحثه عن المثالية السياسية عن طريق إيجاد حكم معتدل يوازن بين ضرورات السلطة وضمانات الحقوق والحريات العامة. قال مونتسكيو: إنّ الحل الوحيد لإجبارهم هذا الحكم على الاعتدال، ومنعه من الانحراف هو الفصل بين السلطات. وقد برر مونتسكيو هذا الفصل بين السلطات بأسباب فلسفية وتاريخية وبشرية يمكن تلخيصها بما قاله في إحدى فقرات كتابه (روح القوانين) حيث قال إن الحرية السياسية لا يمكن أن تتواجد إلا في ظل الحكومات المعتدلة، غير أنها لا توجد دائماً، إذ إنها لا تتحقق إلا عند عدم إساءة استعمال السلطة. ولكن التجربة الأبدية أثبتت أن كل إنسان يتمتع بسلطة لابد أن يسيء استعمالها إلى أن يجد الحدود التي توقفه، فالفضيلة في حد ذاتها في حاجة إلى حدود. ولكي لا يمكن إساءة استعمال السلطة فإنه يتوجب أن يكون النظام قائماً على أساس أن السلطة تحد السلطة "Le pouvoir arête le pouvoir". ولذلك يمكننا القول: إنّ محرك مبدأ الفصل بين السلطات عند مونتسكيو كان في الحقيقة ثلاث أفكار مترابطة:
ـ كيف نحمي الحرية؟ بعدم إساءة استعمال السلطة.
ـ كيف نمنع إساءة استعمال السلطة؟ عن طريق إيجاد حكومة معتدلة.
ـ كيف نتوصل إلى الحكومة المعتدلة؟ عن طريق الفصل بين السلطات.
ولذلك تعتبر من أهم مزايا مبدأ الفصل بين السلطات صيانة الحرية ومنع الاستبداد، والمساهمة في إنشاء أو بناء دولة القانون.
2 ـ رقابة القضاء
إذا كان مبدأ فصل السلطات يشكل نوعاً من الرقابة السياسية التي تعني أن كل سلطة تملك الوسائل الكفيلة بالحد من تعسف أو تجاوز السلطات الدستورية الأخرى. فإن الرقابة القضائية تعتبر الوسيلة الأمثل لصيانة وحماية حقوق وحريات الأفراد، سواء فيما يتعلق بخضوع السلطة التنفيذية أو الإدارة للقانون، أم في خضوع السلطة التشريعية للدستور.
فالسلطة التنفيذية تكون خاضعة في تصرفاتها لأحكام الدستور طبقاً لفكرة تدرج القواعد القانونية La hierarchie des normes، حيث تشكل أحكام الدستور القواعد الأسمى Les norms superieure التي تأتي في قمة هرم القواعد القانونية.
فالسلطة التنفيذية، يجب أن تتفق أعمالها وتصرفاتها، كسلطة إدارية Pouvoir administratif، ليس مع أحكام الدستور فقط، بل مع أحكام القواعد القانونية الأخرى النافذة من قوانين عادية ولوائح تنظيمية استناداً لمبدأ المشروعية Le principe de legalite. والقضاء هو الضامن والكفيل لتأمين احترام السلطة التنفيذية (الإدارة) لهذه الأحكام من خلال دعوى الإلغاء Le recours pour exces de pouvoir، ودعوى التعويض عن أعمالها المادية وتصرفاتها القانونية (سواء اللوائح التنظيمية أم القرارات الفردية) .
وكذلك فإن أعمال السلطة التشريعية يجب أن تدور في حدود أحكام الدستور، وخاصةً في إصدارها للتشريعات. فلا تملك السلطة التشريعية أن تخالف أحكام الدستور، في نصها وفي روحها، من خلال القوانين الصادرة عنها. فأحكام القوانين يجب أن تكون متفقة مع أحكام الدستور، وذلك تحت طائلة بطلانها. وضمان أن تكون أحكام القوانين متفقة مع أحكام الدستور يتم عن طريق الرقابة على دستورية القوانين La controle de la constitutionnalite des lois، سواء بطريق الدعوى المباشرة أم بطريق الدفع الفرعي بعدم الدستورية.
3 ـ استقلال القضاء
إنّ وجود قضاء مستقل يشكل أحد أهم الدعامات الأساسية لقيام دولة القانون. وعلى استقلال القضاء يتوقف الوجود الفعلي لبقية مقومات دولة القانون. فلا قيمة للدستور، ولا لمبدأ الفصل بين السلطات، ولا لإعلان الحقوق والحريات الفردية، الا بوجود رقابة قضائية تضمن احترام أحكام الدستور وبقية القواعد القانونية، وتضمن ممارسة كل سلطة وظائفها في حدود مبدأ فصل السلطات، وتضمن حماية للحقوق والحريات الفردية. ولا قيمة لهذه الرقابة القضائية إلا إذا كان القضاء المستقل يمارسها.
واستقلال القضاء (العدلي أو الإداري أو الدستوري) الذي يعتبر أمراً لابد منه لقيام دولة القانون يجب أن يتأمن على مستويين: الاستقلال الشخصي للقضاة يتأمن على أكثر من صعيد: كيفية اختيار القضاة، والحصانة وخاصةً عدم القابلية للعزل، والنظام المالي والإداري الخاص بالترقية والنقل والتأديب، وقواعد الحياد في مواجهة الخصوم، أما الاستقلال الوظيفي للقضاء فيتأمن من خلال: عدم تحصين أي عمل من أعمال سلطة الدولة من رقابة القضاء. وعدم تدخل كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في عمل القضاء، وضمان احترام حجية الأحكام وتنفيذها .
ثالثاً ـ نوعية الحكم:
إن نوعية الحكم التي تنجم عن الوسائل والأهداف المحددة سابقاً، هو الحكم الذي تكون فيه الطاعة والخضوع من الحاكم والمحكوم إلى القانون والمؤسسات.
ولكن لا يمكن تحديد نوعية الحكم المؤسساتي الناجم عن دولة القانون إلا من خلال الربط بين دولة القانون والمناخ الذي نشأت فيه: فكرياً وفلسفياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً... وحتى دينياً.
فدولة القانون كمفهوم وكشعار، نشأت وتأصلت بفعل تطورات عديدة عاشها الغرب من قرونه السوداء إلى عصره الذهبي، عصر الحداثة الذي يعيشه بكل أبعاده: ثورة علمية من غاليله إلى بيل غيت، وثورة اقتصادية ليبرالية أنتجت تقدماً وحضارة مادية، وثورة دينية من الكنيسة إلى العلمانية، وثورة في سند الحكم من الإلهي المطلق إلى الديمقراطي، ولا ننسى أيضاً ثورة بل حروب القوميات... فنوعية الحكم الذي نتحدث عنه في دولة القانون، يجب أن لا يفهم فقط على أنه يتجلى في خضوع الدولة للشرعية القانونية من أجل الوصول إلى العدالة والإنصاف، وإنما يجب أن يفهم بجميع تجليات محيطه المتطور.
فدولة القانون دستورياً ـ وكما أشرنا سابقاً ـ محورها هو الانتقال في الحكم من الذاتي المشخص إلى الاعتباري المجرد، أي إلى حكم القانون والمؤسسات لا حكم الأفراد. وبتعبير آخر إلى الحكم الذي يكون الولاء فيه لسيد وحيد هو القانون والمؤسسة.
وفكرة السيادة للقانون وللمؤسسة دستورياً لا تنجم إلا من خلال آلية سياسية تتجسد في كيفية إسناد السلطة التي يجب أن تكون عن طريق الشعب، أي بالديمقراطية. فالحكم الديمقراطي هو منطلق ومآل دولة القانون، أي هو نوعية الحكم الذي تنشده دولة القانون.
تحرير الإنسان من المؤسسات الفاسدة يعني أننا نعطيه أقصى حد من الحرية ونمنحه كامل الثقة كصاحب وظيفة في المجتمع وليس بصفته إنساناً فقط.
قبول المعارضة يتيح للسلطة الحاكمة الاستفادة من نقدها وهذا يسمح باستدراك ما يحسن سير المؤسسات السياسية في سبيل خدمة الإنسان.
والديمقراطية كنوعية حكم لدولة القانون. لا يجب أن ينظر إليها كنظام حكم وغيديولوجيا فحسب، بل بكونها، أيضاً، نمط حياة ونظرة إلى الذات وإلى الآخر، نظرة إلى الإنسان بصفته إنساناً قبل كل شيء، بصفته صاحب الحق الطبيعي في التعبير عن ذاته. وعن خياراته، وعن إمكانياته في التعبير والإبداع دون خوف ودون حدود، إلا ما تفرضه عليه مواطنيته بما له من حقوق وعليه من واجبات، وذلك في إطار المجتمع الذي يسوده القانون وتحكمه المؤسسات في ظل متلازمتي الحرية والمساواة. لذلك فإن الحكم الديمقراطي كنوعية حكم لدولة القانون لا يحتاج إلى أناس أطهار ومعصومين وخارقين لممارسة الحكم، بل يحتاج إلى أناس عاديين يخضعون للسيد الوحيد/القانون.
تسلم ايديك
RépondreSupprimerرااااائع
RépondreSupprimerchekrannnnnnnnnnnnn
RépondreSupprimerشكرا
RépondreSupprimer