تكـنولوجـيات الإعـلام و الاتصـال والتنـمية الاقـتـصادية
تعتبر وسائل الإعلام والاتصال الحديثة ثمرة للمعرفة العلمية ونتاج للثورة التقنية الضخمة التي يشهدها العالم والتي أتاحت للدول الرأسمالية الدخول في دورة اقتصادية جديدة تمنح لها إمكانيات جديدة لتحقيق التراكم الرأسمالي وقد أحدثت هذه الثورة التكنولوجية تأثيرات هائلة على أنماط الإنتاج والاستثمار والاستهلاك، ونتيجة لذلك أصبحت المعرفة العلمية تحل محل المال من حيت القدرة على تحريك الاقتصاد ولهذا يميل عدد كبير من الباحثين إلى معالجة المعرفة باعتبارها أحد أهم مكونات رأس المال البشري الذي يعتبر العنصر الخالق للابتكارات والتجديد وبالتالي هي بمثابة عنصر من عناصر الإنتاج إلى جانب العمل والتنظيم ورأس المال وعليه يمكن طرح الإشكـالية التالية كيف يمكن أن يكون عنصر المعرفة كخيار إستراتيجي لتحقيق الكفاءة والقدرة على المنافسة، ومـا هي الإستراتيجية التي ينبغي على الدول النامية إتباعها لتقليص الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيـات الجديـدة ؟
يشهـد العالم اليوم
ثورة تكنولوجية، خاصة فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والإتصال التي تشمل على
الأنترنت، وتكنولوجيات أقمار المواصلات والهواتف النقالة والحواسب السريعة،
بالإظافة إلى تطور استخدام الإعلام الآلي، إلى غير ذلك من تقنيات الإتصال الحديثة،
وقد جعلت هذه التقنيات المتطورة العالم وعلى الرغم من إتساع رقعته الجغرافية يعيش
وكأنه قرية صغيرة بما توحي به كلمة القرية من علاقات قرابة وجوار ومحدودية في
المكان والزمان، وكما هو الحال في القرية الصغيرة فإن كلّ ما يحصل في بقعة ينتشر خبره
في البقعة المجاورة، وكلّ ما يحدث في جزء ينتشر أثره في الجزء الآخر ومن خلال كلّ
هذا تظهر لنا ملامح العولمة التي تلعب ببراعة على حبلين، حبل التقدم التكنولوجي
وتعاظم دور المعلوماتية من جهة، وحبل الفشل الذريع للاشتراكية من جهة أخرى.
وسط هذه التحولات شهد
العالم قفزات كبيرة في استخدام التقنيات الجديدة للإعلام والإتصال التي فجرت
ثورة هائلة في نظم الإتصال والمعلومات، وساهمت بذلك في اندماج وإرتباط مختلف
الأطراف العالمية في منظومة مالية وإعلامية ومعلوماتية واحدة، ولقد ساعد على هذا
الإرتباط ظهور الذكاء الاصطناعي، وما رافقه من التطور الكبير في مجال المعلوماتية
وفعالية تكنولوجياتها خاصة بالنسبة للدول المتطورة التي استطاعت من خلال هذا
التفوق التكنولوجي الدخول في دورة اقتصادية تمنح لها إمكانيات جديدة لتحقيق
التراكم الرأسمالي وبالتالي التأثير على أنماط
الاستهلاك والاستثمار والإنتاج مما يؤدي إلى تغييـر واضح في أساليب ومفاهيم تخطيط
ومراقبة الإنتاج.
فالوضع الجديد سيؤدي إلى إختفاء الكثير من
المصطلحات مثل السلطة والمسؤولية ووحدة التوجيه، فالعالم يتغير بإتجاه المعلوماتية
والتكنولوجية والتحديث، وستزداد إمكانية الارتباط بشبكات عالمية وأقمار صناعية
وستتجه أبعاد الأداء البشري إلى العقل البشري وسيفرض العالم نفسه ليكون قوة أساسية
من قوى الإنتاج.
وقبل التطرق إلى تعريف تكنولوجية الجديدة
للإعلام والإتصال ومميزاتها وآثارها نبدأ بدراسة سلطة المعرفة التي أصبحت تحل محل
المال من حيث القدرة على تحريك الاقتصاد، ولهذا يميل عدد كبير من الاقتصاديين و
الباحثين إلى معالجة المعرفة بإعتبارها أحد أهم عناصر الإنتاج بالإظافة إلى العمل
ورأس المال والتنظيم، ثم ننتقل إلى معالجة الموضوع من خلال دور هذه التكنولوجيات
الجديدة في تعميق العولمة وإنتشارها مع تحيد ملامح العولمة الاقتصادية ومن ثم نبين
الفجوة الرقمية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، هذه الفجوة التي جاءت
كنتيجة لهذه الثورة التكنولوجية. ونخلص في الأخير إلى إظهار الإستراتيجية التي
ينبغي على الدّول النامية تبنيها للحد من هذه الفجوة ومواجهة مختلف التحديات.
التقنيـات الجديدة للإعـلام والإتصـال
وسلطـة المعرفـة :
لقـد أعطت التحولات التي أتت بها العولمة
للإعلام والإتصال بعداً أكثر إتساعاً، حيث أثبت الإعلام بتقنياته الهائلة أنه محرك
التحولات في السياسة والاقتصاد والفكر والفن والثقافة بل هو محورها ومحرضها، وعلى
هذه الدلالة كان له ذاك الجبروت في تشكيل المعرفة وخلق المعايير الجديدة وفي تدمير
أنظمة القيم التقليدية السابقة. إن المستوى الأعلى
للقوة والسلطة هو المعرفة التي تتمثل في العقل والتفكير والمعلومات التي تسمح
بتحقيق الأهداف المرجوة بشكل دقيق وصحيح وتمكن من تجاوز السلبيات. فبالمعرفة
والتفكير والمعلومة يستطيع الإنسان تنمية قواه العقلية أكثر بكثير مما كان يجري
سابقا، فالمعرفة هي الركيزة الأساسية التي أنشئت عليها جملة من المنافع الإنسانية
عبر تاريخ البشريةوهي عاملا حاسما ومحددا للتفوق والتقدم بإعتبار أنها مكونة من
جملة من العناصر أهمها العلم والعلماء والتراكم المعرفي.
تعريف
التكنولوجيا الجديدة للإعـلام والإتصـال:
تظهـر التكنولوجيات الجديدة للإعلام والإتصال من
خلال الجمع بين الكلمة مكتوبة ومنطوقة والصورة ساكنة ومتحركة وبين الإتصالات سلكية
ولاسلكية أرضية أو فضائية ثم تخزين المعطيات وتحليل مضامينها وإتاحتها بالشكل
المرغوب وفي الوقت المناسب وبالسرعة اللازمة
ويـرى معالي فهمي حيضر بأن التكنولوجيات الجديدة
للإعلام والإتصال تشير إلى جميع أنواع التكنولوجيا المستخدمة في تشغيل ونقل وتخزين
المعلومات في شكل إلكتروني، وتشمل تكنولوجيا الحاسبات الآلية ووسائل الإتصال
وشبكات الربط وأجهزة الفاكس وغيرها من المعدات التي تستخدم بشدة في الإتصالات.
مميزات التكنولوجيات الجديدة للإعـلام
والإتصـال :
تتميـز التكنولوجيا الجديدة للإعلام والإتصال بعدّة
مميزات نذكر منهـا:
- القدرة على نقل المعلومات من وسيط لآخر مع
إمكانية التحكم في نظام الإتصال.
-
القدرة على استخدام وسائل إتصالية في أي مكان مثل الهاتف النقال بمعنى الانتقال من
الأجهزة الثابتة إلى الأجهزة المتنقلة.
-
اللاجماهيرية وتعني أن الرسالة الإتصالية من الممكن أن تتوجه إلى فرد واحد أو إلى
جماعة معينة وليس إلى جماهير ضخمة كما كان في الماضي.
-
الإنتقـال من اللغة الواحدة إلى اللغـات المتعددة.
-
الإنتقـال من تكنولوجيات التنوع إلى تكنولوجيات التكامل في الإتصال.
-
يمكن لثورة المعلومات أن تمنح فرصة للفقراء بأن يصبحوا أغنياء وللمبتدئين بأن
يكونوا محترفين ومنافسين حقيقييـن.
-
الإنتقـال من الإعتماد على الثورة المادية إلى الإعتماد على الثورة الفكرية.
-
الإهتمـام أكثر بكفاءة العنصر البشري والسرعة في أداء الأعمال.
-
التدفق السريع والكثيف للمعلومات مما يسمح للفرد بتنمية قدراته.
-
سمحت التكنولوجيات الجديدة للإعلام والإتصال بظهور أنماط إنتاجية واستهلاكية
جديدة، حيث أصبح الإنتاج يعتمد على كثرة المعلومات والإبتكار والتجديد بدل التكرار
في العملية الإنتاجية.
-ظهور
تصنيفات جديدة للمعرفة قادرة على تحقيق طفرات تنموية لم يسبق الوصول إليها من قبل
مما أدى إلى العمل في محيط عمل جديد قائم على أساس إدارة المعرفة ومحاولة إستعابها
لتحقيق متطلبات العصر.
-
الإنتقـال من الاقتصاد المحلي إلى الاقتصاد العالمي.
هـذا
باختصار أهم مميزات التكنولوجيات الجديدة للإعلام والإتصال التي شهدتها نهاية
القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين من خلال التعميق المكثف للثورة
العلمية والتكنولوجية في جوانبها المتعددة وأهمها المعلوماتية ودورها المتزايد في
المجالات المختلفة، حيث أحدثت تغيرات في خلق واستنباط مواد جديدة وأصبح الفن
الإنتاجي السائد فناً إنتاجياً كثيف المعرفة.[] خاصة في
فترة نهاية سنوات التسعينات التي تميزت بإنطلاقة اقتصادية جديدة في البلدان الأكثر
تصنيعا، حيث أن هذه النهضة كان محركها الرئيسي هذه التكنولوجيات الجديدة.
أثـار تكنولوجيا الإعـلام والإتصـال :
لقـد أحدثت التكنولوجيا الجديدة للإعلام
والإتصال أثر كبير وتغيرات عميقة المستويات خاصة فيما يتعلق بتنظيم المؤسسات وطرق
الإنتاج وكذا الموارد البشرية ويمكن حصد هذه الآثار فيما يلي:
الآثـار الإيجـابية :
مساعدة الشركات على تحقيق قدر كبير من المرونة
الإنتاجية. والتقليل من النفقات مع تقديم طرق جديدة وهياكل تنظيمية جديدة لتصميم
المنظمات.
التقليل من الإتصالات
الشخصية المباشرة، لوجود شبكة إتصال وسيطة بين الشركات، وهذا ما يساهم في تخفيض
تكاليف التنقل والإقامة....)
تحقيق تكامل عالمي لأسواق
رأس المال من خلال وضع ترتيبات وإجراءات أكثر مرونة لضمان حركة رأس المال على
المستوى العالمي.
زيادة الإختراعات والتجربة
من الإنتاجية والتي تؤدي إلى تخفيض التكاليف والأسعار وزيادة المنتوجات الأمنية
(الصحية) وبالتالي إرتفاع الإستهلاك.
تطبيق التجارة الإلكترونية
التي تشمل تبادل أشياء ذات قيمة بين طرفين أو أكثر من خلال وسائل إلكترونية غالباً
ما تكون الأنترنيت مما يحقق الميزة التنافسية، وتحسين مستوى الخدمة المقدمة
للعملاء وتحسين العلاقات مع الموردين.
تنمية قدرات الأفراد من
خلال إكتساب المعلومات الهادفة وأخذ قرارات أحسن.
الآثـار السلبية :
قـد تنتج بعض الآثـار السلبية عن التكنولوجيـا الجديدة
للإعلام والإتصـال والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
في كثير من الصناعات
يتقلص الإنتاج لتوظيف الأفراد إن كانت تكنولوجيا الإعلام والإتصال مفيدة بالنسبة
للمنظمات التي تستخدمها، وبالتالي يكون هناك أشخاص لم يسعفهم الحظ في الحصول على
منصب عمل بسبب هذه التكنولوجيات.
الأنترنت قد تسمح لبعض
المتشدّدين والمعارضين بنشر أفكارهم ودعواتهم وتكون هناك صعوبات كبيرة لمواجهة
التحريض على العنف والعنصرية والجنس.
التكنولوجيات الجديدة
للإعلام والإتصال تجعل العلاقات بين المتعاملين أقل إنسانية كعلاقة الطبيب بالمريض
أثناء الجراحة عن بعد.
يرى البعض بأن السيادة
الوطنية أصبحت مهددة نظراً لحرية تحرك المعلومات والإتصالات والأموال عبر الحدود
الوطنية[] كما
هو الشأن بالنسبة للخصوصية الثقافية التي باتت مهددة بتفوق اللغة الإنجليزية
والولايات المتحدة الأمريكية.
سمحت التكنولوجيات
الجديدة بظهور النقود الإلكترونية والتي تمثل تهديداً للسيادة النقدية.
الحكومة تجد نفسها أمام
معضلة فرض الرقابة في إطار حقوق المستهلك والصالح العام دون المساس بالحرية
والتفتح.
من
خـلال ما تم ذكره تظهر لنا مختلف الآثار المترتبة عن هذه التكنولوجيات الجديدة
للإعلام والإتصال والتي إستطاعت أن تندمج في مختلف المجالات سواءً على مستوى
الأفراد والحكومات والمؤسسات عل الرغم من بعض السلبيات فإن تكنولوجية الجديدة
للإعلام والإتصال تساهم في رفع مستوى الأداء وكذا إستخدام لأمثل للطاقات البشرية
مع تقليص الإجراءات الإدارية وتنظيمها تنظيماً دقيقاً، وبصفة عامة تهدف هذه
التكنولوجيات الجديدة إلـى: [
خفض تكاليف تعقيد الإنتاج وإزالة الميزة
التنافسية الناجمة عن اقتصاديات الحجم.
جعـل الإتصال أسرع وأكثـر كفـاءة وأداء وأقـل
تكـلفة.
توفيـر المعلومـات الدقيـقة والحديثة يدعم
اتخـاذ الـقرار.
تعزيز المساءلة والشفافية مما يؤدي إلى تقليل
وقوع الأخطاء والتزوير
تقديم خدمات أفضل للموظفين والمراجعين مما ينعكس
إيجابيا على التنظيم.
القضـاء على هـدار الوقـت والجهـد والمـوارد.
زيـادة كفــاءة إستغـلال المخــزون.
الثـورة
لصناعية الثالثة وتعميق العولمة الاقتصـادية:
تمثل الثورة
الصناعية الثالثة الأساس المادي للنظام الاقتصادي العالمي الجديد، وتلعب دور كبير
في تحريك وتغييـره، حيث ترتب على هذه الثورة والتي تمثل ثورة علمية في المعلومات
والإتصالات والتكنولوجيا العديد من النتائج لعل من أهمهـا:[
ثورة في الإنتاج تمثلت في احتلال المعرفة
والمعلومات الأهمية النسبية الأولى في عملية الإنتاج، كما إنعكست في ظهور أنماط
جديدة لتقسيم العمل الدولي حيث ظهر تقسيم العمل داخل السلعة الواحدة.
ثورة في التسويق: لقد أصبح الصراع على الأسواق
العالمية أمراً حتمياً لضمان البقاء والإستمرارية، وقد ساهم هذا في ظهور التكتلات
الاقتصادية والتحالفات الإستراتيجية بين الشركات العالمية العملاقة، خاصة بالنسبة
للشركات المتعددة الجنسيات التي تؤثر بقوة على الاقتصاد العالمي.
النمو الكبير والمتعاظم في التجارة الدولية
والتدفقات المالية الناتجة عن الثورة التكنولوجية من ناحية وتحرير التجارة الدولية
من ناحية أخرى.
ظهور التكتلات الاقتصادية على الساحة الدولية،
وتحاول دوّل كلّ تكتل أن تتعاون فيما بينها بحيث تصبح أقوى اقتصادياً في مواجهة
التكتلات الأخرى.
وهذا
ما أدى إلى تزايد الاتجاه نحو المزيد من الاعتماد الاقتصادي المتبادل بمشاركة
الثورة التكنولوجية والنمو المتزايد للتجارة الدولية وحركات رؤوس الأموال.
كـلّ
هذه الآثار الناتجة عن الثورة الصناعية الثالثة والتقدم في مجال تكنولوجيات
الإعلام والإتصال والمعلوماتية أدت إلى تعميق عالمية الاقتصاد وتوسيع المعاملات
الاقتصادية وتحول العالم إلى قرية صغيرة محدودة الأبعاد متنافسة الأطراف موحدة على
كافة المستويات الإنتاجية والتمويلية والتكنولوجية والتسويقية والإدارية من جراء
التطورات التي أحدثتها الثورة التكنولوجية والتي غيرت الاقتصادات العالمية، فقد
أصدر Kelvin Kelly في سنة 1997 في مجلته الخاصة "بالتكنولوجيات الجديدة للإعلام
والإتصال" أول مقال له يعرف الاقتصاديات الجديدة وهو المقال الذي أصبح فيما
بعد عنوان لكتاب صدر سنة 1998 وحسب رأيه فإن الاقتصاديات الجديدة ترتكز على اقتصاد
شامل يتعلق بكل العالم، يحبذ الأدوات الغير المادية، الإنتـاج الفكري وهذه
الاقتصاديات متصلة فيما بينها من خلال نظام الشبكة.[
مساهمة
التقنيات الجديدة للإعـلام والإتصـال في انتشار العولمة :
لقـد
لعبت التكنولوجيات الجديدة للإعلام والإتصال دور كبير في انتشار العولمة، حيث
تعتبر السمة الأساسية لها. لأن التغيرات الجذرية والسريعة في المعلومات والإتصالات
أدت إلى تسهيل عولمة الإنتاج والأسواق المالية وأصبح الكلّ يتكلم عن الاقتصاد
الجديد، عن عالم يستخدم فيه الأشخاص أدمغتهم عوض أيديهم] عالم تخلق
فيه تكنولوجيا الإتصال التنافسي الشامل والمتزايد ومشاركة أكثر في الاقتصاد
العالمي، عالم يكون فيه الإبتكار أهم من الإنتاج على نطاق واسع.
نظـراً للدور الكبير الذي لعبته التكنولوجيات الجديدة للإعلام والإتصال في إنتشار
العولمة من خلال التطور المذهل الذي عرفته وتأثيرها على مختلف جوانب الحياة وخاصة
الاقتصادية، ونظراً لدخول العالم العولمة، وترسيخ العولمة الاقتصادية، وتدويل
الإنتاج وعولمة التفاعلات المالية والاستثمارية على الخصوص وسقوط الإستقلالية
الذاتية الاقتصادية على العموم[كلها عوامل ساعدت على
إنظمام مختلف الدول بفعالية أكبر للتحولات الجارية وعملت على تحقيق درجة من التحرر
وتخفيف القوانين والتنافس للحصول على الاستثمارات والأسواق، وزيادة الإهتمام
بالشراكة بين الدول عن طريق المؤسسات الاقتصادية بالإظافة إلى العمل على زيادة
تدفق رؤوس الأموال والمعلومات والتكنولوجيا التي تسمح بخلق أسواق عالمية ومحلية
والتي بدورها تساهم في زيادة القدرة التنافسية التي تقوم على أساس المعرفة
والإبداع والمهارات الإنتاجية في ظل ظروف اقتصادية تلعب فيها العولمة دور بارز في
توحيد السلع والخدمات وتسهيل إنتقال البضائع والأموال من دون موانع.
التكنولوجيا
الجديدة للإعـلام والإتصـال وملامح العولمة الاقتصادية :
إستطاعت
التطورات المتسارعة في المواصلات والإتصالات أن تخترق جميع مجالات النشاط
الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. فقد إستطاعت التكنولوجيا المتقدمة الجديدة من
تحقيق سرعة الإتصال بين سكان العالم المترامي الأطراف بشكل غير مسبوق، فأصبح بإمكان البشر الإطلاع
على ما يحدث خارج الحدود القومية[، بحيث تقلصت المسافات
بفضل الثورة التقنية وإندمجت البشرية في عالم موحد يمكن أن يطلق عليه القرية
الكونية التي تبدو ملامحها الاقتصادية من خلال:
الإتجاه المتزايد نحو التكتل الاقتصادي
للإستفادة من التطورات التقنية الهائلة.
تنامي دور الشركات المتعددة الجنسيات وإتساع
أسواقها وهذا ما ساهم في توحيد أنماط الإنتاج والإستهلاك كون السلعة الواحدة يتم
إنتاجها ليس في مكان واحد أو دولة واحدة، وإنما تنتج أجزاء منها في دول مختلفة كما
تجمع هذه الأجزاء في دول متعددة[بالإظافة إلى توحيد
الأنماط الإستهلاكية في جميع أنحاء دول العالم مثل الهامبورغر
وبعض المشروبات الغازية.
تعاظم دور الثورة الثالثة وتأثيرها في الاقتصاد
العالمي من خلال التغيرات السريعة في أسلوب الإنتاج والنوعية.
بروز ظاهرة القرية العالمية، وتقليص المسافات
نتيجة لتطوير وسائل النقل والمواصلات وزيادة الإحتكاك بين الشعوب.
تطور وسائل الإعلام وتعاظم دور المعلوماتية
وتدويل بعض المشكلات الاقتصادية كالفقر والتنمية المستدامة، وحماية البيئة والتوجه
العالمي لتنسيق عمليات المعالجة لهذه المشكلات.
إقتران التقدم في تكنولوجيا المعلومات بالثورة
في مجال الخدمات، حيث ساعد هذا التقدم في حدوث ثورة في مجال الخدمات، ولهذا أصبحت
صناعات الخدمات هي المستثمر الأساسي في تكنولوجيا المعلومات ولعبت دور كبير في
زيادة درجة العولمة.
تجسيد الخدمات في شكل سلع مما يزيد من قابليتها
للتداول على المستوى العالمي مثل تعبئة برامج الكمبيوتر في أسطوانات مرنة سهلة
التبادل.
أصبح من الممكن تبادل الخدمات عن طريق الإتصال
عبر شبكة الأنترنيت مثل التعليم عن بعد. وكذلك عقد المؤتمرات العلمية والندوات بين
الباحثين وظهور الأنترنيت في مجال الإتصالات قد أحدث تغيرات كبيرة على صعيد
المستغلين وقد إستعملت من طرف مجموعة من الباحثين في مجال الرسائل الإلكترونية
وتبادل المعلومات والوثائق حيث أنه يشكل مع الواب Web دعامة لأداة معلوماتية
قوية[
إمكانية الإتصال بالأسواق المالية والحصول منها
على معلومات وإتمام الصفقات.
ظهور أنشطة خدمية جديدة لم تكن موجودة من قبل
مثل تجميع البيانات وتشغيلها وكتابة تقارير عنها بواسطة أجهزة الكمبيوتر مع
إمكانية إرسالها عن طريق البريد الإلكتروني.
إستطاعت الأنترنيت تبديل العديد من المفاهيم
الاقتصادية وأثرت في الكثير من القطاعات الاقتصادية ووفرت المعلومات الكثيرة وبأقل
التكاليف وأدت إلى تخفيض تكاليف الصفقات التجارية مما أدى إلى تزايد إستخدام
التجارة الإلكترونية وتحسين المنافسة على الصعيد العالمي.
الثورة
التكنولوجيا الجديدة وإتساع الفجوة الرقمية :
الفجوة
الرقمية هو تعبير يستخدم للدلالة على الهوة التي تفصل بين من يملك قوة ووسائل
معلوماتية وبين من لا يملك هذه القدرة المعلوماتية والفجوة الرقمية تعبير عن الفرق
بين البلدان التي تتحكم وتستخدم وتنتج المعلومات، والبلدان التي لا تستطيع ذلك.
فالأنترنيت تم إختراعه في الولايات المتحدة الأمريكية وتم
التوسع فيه وتطويره منذ السبعينات وبالرغم من أن إستخدامات الأنترنت في أوربا كانت
نهاية نفس العقد إلا أن الدول النامية بدأت تطويره بعد عشرين سنة تقريبا،
والمستخدمون في هذه الدول أقل عدداً بالمقارنة مع الدول المتقدمة، ونسبياً
تطبيقاته محدوده في البريد الإلكتروني والمواقع الإلكترونية، كما أن البناء التحتي
للأنترنيت والهواتف أقل تطوراً في البلدان النامية، حيث هناك دول لا يملك 1% من سكانها هاتف واحد بينما الدول المتقدمة من ثلاثة هواتف يملكها
الفرد الواحد هاتف المنزل، الهاتف النقال، وهاتف العمل.
من المخاطر
التي تنتج عن هذه الفجوة التي أحدثها التطور التكنولوجي هو ما يترتب عن هذه الثورة
من ظهور نوع معين من المواد التي ستحل محل العديد من المواد التي لا تزال مجموعة
من الدول النامية تعتمد عليها، وهذا الكم الهائل من المواد التي بدأت في الظهور
ستهدد بقوة اقتصاديات الدول النامية التي ستفقد قريباً المزايا النسبية التي كانت
تتميز بها في إنتاج المواد الخام، وبعض المنتجات الصناعية التي تعتمد على تقنيات
تقليدية كالصناعات النسيجية والغذائية مما يساهم في زيادة نسبة الفقر والبطالة.
التباينـات التقنيـة والإعلاميـة :
لقد سجلت العشرية الأخيرة تنمية لا مثيل لها في ميدان الصناعة المعلوماتية
ونظم الاتصالات وهذا ما يسمح برفع مستوى الإنتاجية بصفة نهائية، كما أن تطور
التجارة الإلكترونية أدخل تغيرات ضخمة في جميع المستويات لا سيما في إطار
الإتفاقيات التجارية الدولية (تعريفات، خدمات ملكية فكرية، تأمين الصفقات، التحكيم
...) فمن
خلال البيانات المنشورة فإن أعمال التجارة الإلكترونية تتزايد يوماً بعد يوم وتصبح
أحد أهم الوسائل الإبتكارية الحديثة التي يمكن بها تنمية المبيعات ففي تقرير
التجارة الأمريكية 1998 إن أعمال التجارة الإلكترونية بين قطاعات الأعمال ستزداد
إلى 300 بليون دولار عام 2002، كما أشار التقرير الصادر عام 1999 إلى مقدار عائدات
التجارة الإلكترونية ستبلغ 1,2تريلون عام 2003] وهذا الوضع
يبين جلياً الفارق الرقمي بين البلدان المتطورة والبلدان النامية فالإلكترونيات
الدقيقة، والأجهزة الآلية في الإنتاج قد أدت إلى تقليص حجم العمل في الأنشطة
الصناعية وزادت من مرونة أجهزة الإنتاج، كما سمحت التقنية بتحسين إنتاجية المؤسسات
مما أدى إلى تخفيض تكلفة الإنتاج ومن جهة أخرى سمحت البيوتكنولوجيات بإستبدال
الموارد الطبيعية بمواد جديدة مثل تقنية الإستنساخ التي مكنت الدول المتطورة من
إنتاج مواد إستـوائية ومختلف أنواع الأشجار المثمرة وخشب البناء وعجين الورق ومن
هذا الواقع لابد أن تبدأ حركة التغييـر في البلدان النامية للوصول إلى اقتصاد
الجديد الذي لا يستغني عن استثمار ثورة المعلومات والتطورات التقنية التي مازالت
قليلة الإنتشار في الدول النامية بالرغم مما تتوفر عليه من إمكانيات، ويتحتم على
هذه الدول أن تهتم بتهيئة المستلزمات الأساسية المساعدة على ربط التقدم العلمي
والتكنولوجي بالتعليم، مع الإهتمام بتطوير البنية التكنولوجية للاقتصاد الوطني
بغية دعم وتعزيـز معدلات النمو.
ملامح
التطور التقني واحتكارات الدول المتقدمة:
يعمـل
الاقتصاد العالمي على نشر أنواع جديدة من النظم، وإفراز أنواع جديدة من
الرأسمالية، لذا فإن الاقتصاد الكوني الذي يتم تشكيله حالياً نتيجة للتقدم التقني
سيفجر أنواع جديدة من المنافسة بحيث يصبح على الدول النامية إما إصلاح نفسها أو
تدمير نفسها، حيث أن الوصول إلى القرية العالمية السعيدة التي تتحدث عنها ثورة
الإتصالات والتكنولوجيا في العالم لم يتحققولكن تم تشكيل مجموعة من المزارع
العالمية التي تقوم بضخ إنتاجها إلى القوى العظمى دون أية قيود أو حواجز وإسقاط
الدول النامية في هاوية الفقر، فعندما يتكلم سمير أمين عن دور التطور التكنولوجي
يرى بأنه ليس هو الوحيد الذي يحدد المسيرة، لكن الصراع حول السيطرة على التقنيات
والوسائل الجديدة هو الذي يتحكم في التطور، فمنذ زوال الإشتراكية في الدول النامية
تبلورة على الصعيد العالمي وسائل جديدة للسيطرة يطلق عليها سمير أمين الإحتكـارات
الخمسة الجديدة وهـي:
- إحتكـارات التكنولوجيا الحديثة الرفيعة، ومن
خلالها تم تحوّل صناعات الأطراف التي تنتج من أجل السوق العالمية المفتوحة إلى نوع
من الإنتاج من الباطن، تتحكم الإحتكارات المركزية في مصيرها، وتصادر الجزء الأكبر
من الأرباح المحققة من وراءها.
-
إحتكـار القرار في الحصول على الموارد الطبيعية وإستخدامها على صعيد المعمورة
والتحكم في خطط تنمية هذه الموارد والتلاعب في أسعار الخدمات.
-
إحتكـار الوسائل العسكرية التي تتيح التدخل (من بعيد) دون الخوض في العمليات
الحربية الطويلة والمكلفة بشرياً.
-
إحتكـار وسائل الإعلام على الصعيد العالمي، وهو وسيلة فعالة من أجل التأثير على
تكوين "الرأي العـام" عالمياً وقطرياً.
-
السيطرة على المنظومة المالية الدولية بعد أن تم إرتباط البورصات في العالم وأصبح
إنتقـال الحدث فيما بينها في منتهى السرعة رغم تباعدها.
العوامـل
المساعدة على الفجوة الرقمية :
لقد
أفضى التطور المذهل في تقنية المعلومات والإتصالات إلى نشوء ما يعرف بالاقتصاد
الجديد. وكان من الطبيعي أن يرتبط هذا الاقتصاد الجديد بالدول المتقدمة التي تمسك
بالتقنيات الحديثة والتي تتيح لها مكاسب جديدة على حساب الدول النامية التي تعاني
من الهوة الفاصلة بينهما وبين الدول العظمى والتي جاءت نتيجة لعدة عوامل أهمهـا.
× غيـاب الإرادة السياسة وعدم فعالية الإستثمارات
في نظم المعلومات.
× نقص المنشآت الأساسية، المواصلات، الطاقة
ومحدودية التعليم والتكوين لتدعيم إستخدام التكنولوجيات الحديثة.
× مشاكل بسيكولوجية كمقاومة التغييـر واجتناب
الخطر التي تعتبر سيمت من سيمات المجتمعات النامية والمتخلفة.
× المراقبة الكبيرة في الأجهزة السياسية والحكومة
التي تؤدي إلى السرية وغياب الشفافية، وبالتالي لا تشجع الإستثمارات العمومية
والخاصة.
× فسـاد الحكم والإدارة العامة للموارد، ويتجلى
ذلك من خلال غياب الديمقراطية وإنتهاك حقوق الإنسان، وممارسات الفساد المالي
والسلوك الريعي مما عطّـل التنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي وساعد على إنتشار
ظاهرة الفقر والبطـالة[] وبالتالي عدم مسايرة
التقدم التكنولوجي والمعرفي وزيادة إتساع الفجـوة الرقمية.
مستقبل
الدّول النامية والإستراتيجية :
إن الدّول
النامية لم تعد قادرة على التحكم وبكل سيادة فيما تصنعه وما تشتره وإنه ولأول مرة
في التاريخ أضحى كلّ شيء يمكن أن يصنع في أي مكان، ويباع في كلّ مكان، كما أن
الحكومات لم تعد تتحكم في الاقتصاد الوطني، وتنفيذ السياسات الوطنية أصبح يعتمد
أساساً على التعاون مع الشركات والحكومات الأخرى، كما أن الحكومات الآن لا يمكنها
أن تغلق حدودها لمواجهة التحديات المختلفة، فالعولمة أصبحت تهدف إلى توحيد العالم
على أساس نموذجي أحادي يلغى خصوصيات المجتمعات، وتكريس المجتمعات القوية وفي إطار
ما يطرحه فوكوياما من أن نهاية التاريخ الذي زعمه قد حقق غايته في الحرية وفق
النموذج الليبرالي إلى أن الصراع سوف يصبح أكثر شراسة وسيشمل مجالات متعددة في ظل
هيمنة نمط معين هو تحديداً النمط الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً مدعوماً بقوة دفع
ضخمة بواسطة إمبراطوريات إتصالاتية وإعلامية وشبكة معلوماتية دولية يسيطر الغربيون
على معظمها.
الإجراءات
الوقائية لمواجهة التحديات :
يرى بعض مفكري العالم الثالث وبعض القوى
اليسارية والإشتراكية أن مكاسب العولمة التي تقودها التكنولوجيات الجديدة للإعلام
والإتصال تطال عدد قليل من الدول لا يتجاوز سكانها 20% من إجمالي سكان
العالم في حين أن سلبياتها تطال معظم البلدان النامية، وتؤدي إلى زيادة مشاكلها
الاقتصادية وتعيق عملية التنمية فيها، وعلى هذه البلدان النامية أن تتبنى إجراءات
وقائية لمواجهة هذه التحديات ومواصلة تنمية اقتصادياتها وتأهيلها للدخول في
المنافسة والإهتمام أكثر بالتكنولوجيا الحديثة التي لها علاقة وطيدة بالتنمية
فالتكنولوجيا في شكل آلات وتجهيزات ووسائل تقنية تسهل الإتقان في الأعمال والإسراع
فيها، والتكنولوجيا في شكل معارف تقنية وعلمية تمكن من تطوير مختلف الصناعات،
القطاعات، الخدمات والنشاطات الاقتصادية وغيرها[وهذا ما
يمكن من القيام بالعملية الإنتاجية ويسهل إجراءات البحث عن الحلول الناجعة للمشاكل
في ظل هذه التحديات وما ينتج عنها من آثار يتطلب على الدول النامية إستثمار الوقت
بأقل تكلفة وإستخدام المعرفة الجديدة وتحويلها إلى سلع وخدمات جديدة مع التحسين
السريع والمستمر في المنتجات وطرق التصنيع والدخول بها إلى الأسواق بطريقة فعالة،
فالتنمية الاقتصادية لم تعد تعني التغييـر من حالة التخلف إلى حالة التقدم، المهم
هو الوقت الذي يستغرقه هذا التغييـر كما ينبغي على الدول النامية أن تهتم أكثر
بالتعليم لأنه يمثل العنصر الأساسي للتنمية بعد التقدم التكنولوجي [فالإستثمار
في رأس المال البشري والإستثمار في التقدم التكنولوجي عنصران متكاملان حيث التقدم
التكنولوجي يساعد على زيادة العائد من التعليم الذي بدوره يؤثر على التنمية من
خلال مساهمته في زيادة فاعلية العناصر التي تساعد على النمو والتحسين في مختلف
الميادين.
التقنيات
الجديدة للإعـلام والإتصـال قاعدة أساسية في التنمية في ظل الاقتصـاد الجديد :
من خلال
التحكم بمنجزات الثورة التقنية يمكن السيطرة على مراكز القرار والتوجيه العالمي،
فالولايات المتحدة الأمريكية تراهن للإحتفاظ بهيمنتها الدولية على تحويل شبكات
الإتصال العالمية الجديدة إلى سوق تجارية رئيسية فهي تقاتل بقوة وحزم كي تبقى على
تفوقها التقني والعلمي الذي يسمح لها بالسيطرة على هذه الشبكة [] لأن التفوق
التقني خاصة في مجال التقنيات الجديدة للإعلام و
الاتصال
يعتبر المحرك الأساسي للتقدم الاقتصادي، وهذه التقنيات الجديدة تحتل مكانة رئيسية
في تحريك وتسريع عملية التنمية في ظل الاقتصاد الجديد، وهنا تظهر ضرورة إهتمام
البلدان النامية باستخدام التقنيات الجديدة للإعلام والاتصال وكيفية الوصول إليها،
لأن هذه التكنولوجيات لها القدرة على ترك آثر برنامج متكامل، فالمعلومات تعتبر
مكون مهم في كلّ مظاهر التنمية، والتكنولوجيا لا بد من استخدامها بشكل فعال
بالإظافة إلى ضرورة معرفة الأجهزة والبرمجيات التي تدخل ضمن الشروط المسبقة لنقل
المعلومات .
يجب على
الدول النامية أن تستفيد أكثر من هذه التكنولوجيات الجديدة لأن التحدي التكنولوجي
الحالي سيفرض على كلّ منظمة تصميم إستراتيجيات شاملة تتعلق بالبحث والتطوير والعمل
على تصميم منتجات جديدة وتحسين جودتها بالإظافة إلى تطوير منتجاتها القائمة وخفض
تكلفتها فالتغيرات التكنولوجيا أصبحت تمثل أحد أهم المتغيرات العالمية المؤثرة
والقوى التي تسيطر على التكنولوجيات الجديدة هي وحدها مؤهلة للحفاظ على مواقعها
وضمان تقدمها وتنميتها، فالثورة المعلوماتية وشبكة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية
سمحت بتحويل العولمة إلى قوة فعالة لفرض إيديولوجية جديدة وهي البقاء للأقوى من
خلال الأداء الاقتصادي الجيد.
لقد انعكس
الاهتمام بالتكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال على نشاط عدة دول، فالعالم أصبح
يعيش فترة تحول من المجتمع الصناعي إلى المجتمع المعلوماتي ومن مجتمع تكنولوجي
جامد إلى مجتمع متحرك ومن اقتصاد وطني إلى اقتصاد عالمي، ومن الهياكل السلمية إلى
الهياكل الشبكية من المركزية إلى اللامركزية من التعاون إلى الاستقلالية الفردية
من السلطة التمثيلية إلى سلطة المشاركة[] فالدول المتقدمة تتقدم أسرع تصاعدياً في تطبيق التكنولوجيات الجديدة
للإعلام والإتصال على عكس الدول النامية، وهذا ما يطرح حالياً تقسيم جديد للمجتمع
العالمي ضمن مصطلح التقسيم الرقمي الذي يصف الفجوة بين القادرين على الحصول على
المعلومات والمعرفة والغير قادرين على الحصول عليها. فيجب أن تكون هناك جهود
للتغلب على التقسيم الرقمي الذي يوجد داخل البلدان نفسها بغض النظر عن المقارنة
بين البلدان المتطورة والبلدان المتخلفة.
خـاتمة :
إن التحولات المتسارعة في المحيط الاقتصادي الجديد كشفت عن متغيرات
اقتصادية هامة مست مختلف المستويات خاصة تلك المتعلقة بالمعرفة التي إحتلت أهمية
كبرى في هذا العصر، وأصبحت تعامل على أنها أحد أهم مكونات رأس المال البشري الذي
يعتبر العنصر الخالق للإبتكارات والتجديد، ويضمن الإستمرار والتفوق الدائم خاصة
بعد تحقيق للإستثمار المكثف لنتاج الفكـر الإنساني.
على ضوء هذه المتغيرات التي أفرزتها المعطيات الاقتصادية والثورة
التكنولوجية أصبح لزاماً على الدول النامية أن تكتسب التكنولوجيات الجديدة بمختلف
الطرق الممكنة إذا أرادت بناء قاعدة تنموية سليمة، كما عليها أن تكيف هذه
التكنولوجيات مع معتقداتها وإحتياجاتها، وأن تعمل جاهدة للقضاء على التفاوت العلمي
بين مختلف فئات المجتمع والقيام بالإصلاحات التعليمية اللازمة حتى تتمكن من التحكم
في مختلف التقنيات العالية مع إمكانية خلقها بمفردها مستقبلا.
مقال مفيد
RépondreSupprimerشكرا
RépondreSupprimer