مقدمة
إن من وظائف الدولة الرئيسية
إشباع الحاجات العامة للمواطنين كالأمن ، الصحة ، التعليم ، النقل ، المواصلات ،
الغاز ، التأمين على البطالة و الحياة و كذا ضمان السير الحسن لجميع المرافق
العامة بكل أشكالها ، فالدولة من أجل تحقيق هذه الخدمات و ضمان استمرارها تحمل على
عاتقها العديد من النفقـات المتنوعة و المختلفة و التي يتم تغطيتها في الغالب
بالإيرادات التي تحصلها مهما كان نوعها .
و بتعبير أدق و أصح إن هذه
النفقات و الإيرادات بجانبيهما يعكسان ما يعرف بالميزانية ، و هنا فإن تعدد و اختلاف
كلا من جانبي الميزانية ( نفقات ، إيرادات ) في ظل تشعب و ازدياد نشاط و دور الدولة مع شح الموارد المالية
و ازدياد النفقات ما يتطلب التشاور لترشيد الإنفاق على أحسن وجه ، و الحالة التي
يكون فيها وفرة مالية فهذا لا يعني عدم وجود إسراف و تبذير و حتى اختلاسات ، أوجب
وجود طرفين أساسين يشرفان على تنفيذ
العمليات المالية التي تتضمنها الميزانية و ذلك من أجل ضمان الاستخدام الأمثل
للموارد المتاحة و حفظ المال العام و عدم الإسراف و التبذير ، هذان الطرفان هما الآمر بالصرف و المحاسب العمومي، ومن
المعلوم أن مرحلة تنفيذ الميزانية تعتبر
المرحلة الأصعب لأنها التجسيد الفعلي لما تم المصادقة عليه ، و هذا بدوره أوجب
وجود جهاز رقابي بعد عملية التنفيذ كونها معرضة للعديد من الإنزلاقات و الانحرافات
السياسية ،الإدارية ،المالية و الإقتصادية ، و التي بدورها تعرض المصالح العامة
للدولة و المجتمع للفوضى و سوء التسيير ، خاصة و أن المشرع منح الإدارة العامة
مكانة و سلطة واسعة و أنزلها مركزا ساميا حتى تستطيع ضمان السير الحسن للمرافق
العامة بما يحقق الصالح العام ، و كذلك في ظل ازدياد حجم النفقات أمام قلة الموارد
المتاحة جعل من الرقابة أداة مهمة تستخدم لضمان الاستعمال و الاستخدام الأمثل
للموارد المتاحة و توزيعها توزيعا عادلا لتحقيق مختلف الأهداف المسطرة و كذلك حتى
لا تتعسف الإدارة في استعمال سلطتها .
إن الأهمية التي تحتلها الرقابة و دورها
الفعال داخل الدول جعل عدة هيئات تتولى هذه المهمة ، و
الجزائر مثل غيرها من الدول عمدت منذ الاستقلال على تطوير جهازها الرقابي و
حاليا يتشكل من المفتشية العامة للمالية ، المراقب المالي ، مفتشيات الوظيف
العمومي التي تراقب قرارات المراقب المالي المولدة لأثر مالي و كذلك مصالح الضرائب و الخزينة الجهوية و
الولائية و كذا هيئات الضمان الاجتماعي ، و مجلس المحاسبة الذي استوفى المعايير
الدولية في مجال الرقابة بصدور الأمر 95/20 و الذي سنتناوله في هذه الورقة .
و على ضوء هذا الطرح نطرح التساؤل
الرئيسي التالي:
* ما أهمية رقابة مجلس المحاسبة على
المالية العامة للدولة معوقاتها و مقوماتها ؟
و على ضوء هذا التساؤل نطرح
التساؤلات الفرعية التالية:
* ماهي الميزانية كيف يتم تجسيدها و من هم الأعوان المكلفون
بتنفيذها؟
* من هو الآمر بالصرف و المحاسب
العمومي في ظل التشريع الجزائري ؟
* ماهي مهام و صلاحيات مجلس
المحاسبة ، تشكيلته ، و كيفيات المراقبة التي يمارسها و جزاءات تحرياته ؟
* فيما تتمثل مقومات ومعوقات ممارسة
هذه الرقابة ؟
إن مالية الدولة تتجسد على
المستوى المحلي – الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية – في شكل ميزانية وهذا يوجب
علينا قبل التطرق لمجلس المحاسبة أن نتناول الميزانية و الأعوان المكلفون بها،
لأنه لا
يمكن الحديث عن البورصة دون معرفة ماذا تعني كلمة سهم و سند، فكذلك مجلس
المحاسبة لا يمكننا أن نخوض فيه قبل أن نعرف ما هي الميزانية و من هم الآمرون
بالصرف و المحاسبون العموميون ، حيث
سنتناول في
بحثنا فصلين ، الفصل الأول نتناول فيه الميزانية و خصائصها ومبادئها و الأعوان
المكلفون بتنفيذها و المحاسبة التي يمسكونها ، أما الفصل الثاني نتناول فيه مجلس
المحاسبة تنظيمه صلاحياته ، كيفيات المراقبة التي يمارسها و جزاءات تحرياته .