ظاهرة الفقر في الجزائر
مقدمة:
أضحى الفقر واحدا من المشكلات العالمية العويصة التي ما فتئت تتزايد وتتوسع مع
مرور الزمن مساحة وعمقا ،حيث
يوجد على الصعيد العالمي ما يزيد على1.5مليار من الذين يعيشون بأقل من دولار واحد
في اليوم أغلبهم في البلدان النامية ،مما يجعل الفجوة بين أغنياء العالم
وفقرائه في اتساع متزايد، ،وتكاد أغلب التوقعات تلتقي حول اعتبار ظاهرة الفقر من
أكبر التحديات التي تواجه البشرية في العصر الراهن،لاسيما وأن الجهود التي بذلتها
بلدان العالم الثالث قصد تحقيق التنمية لم تحقق نتائج ملموسة،مما عمق من تفشي
ظاهرة الفقر وتنامي عدد الفقراء،حيث تشير تقارير التنمية البشرية أن ما يزيد على
ثلث السكان في البلدان النامية يعيشون في فقر مدقع. وتعد الجزائر واحدة من دول
الجنوب التي تعاني من مشكلة تنامي أعداد الفقراء على الرغم من توفرها على كل
الشروط المادية والبشرية لإحداث نهضة تنموية شاملة تستأصل آفة الفقر ،مما يجعل من ظاهرة الفقر تقفز إلى
صدارة الأولويات في برامج الدول والحكومات الطامحة إلى تحقيق تنمية مستدامة
تكفل حدا محترما من الحياة الكريمة لأبناء المجتمع،مما يستدعي البحث العلمي
الموضوعي في الأسباب المساهمة في استفحال الظاهرة ،ووضع الآليات العملية الكفيلة
باستئصال هذا الورم الخبيث من الجسد الاجتماعي.
1-
معنى الفقر:
عرف مفهوم الفقر الكثير من التقاطعات بين الباحثين،وهذا
راجع لتنوع المنطلقات النظرية للدارسين لهذه الظاهرة،واختلاف السياقات الحضارية
التي يظهر فيها الفقراء.
ويذهب "رويرت مكنمارا" إلى أن الفقر هو تلك الأحوال المعيشية التي
تتكون نتيجة سوء التغذية والجهل والمرض وارتفاع وفيات الأطفال وقصر العمر
الافتراضي،مما يجعلها أدنى من المستوى المعهود للحياة اللائقة.في حين يرى "مارك فريد" أن الفقر
باعتباره حالة واقعية وليست وحدة تصورية،يمثل مجموعة من المشكلات غير المترابطة
مثل تفشي البطالة، والبطالة المقنعة، واللامساواة في الرفاهية، والهجرة وتفاوت
الخدمات في البيئة الحضرية،وتدهور البيئة الريفية،أي أن الفقر يعد واقعا اجتماعيا
يتطلب التفسير.بينما ذهب بعض الباحثين إلى أن الفقراء هم الذين صنفهم المجتمع في
عداد الفقراء،والذين صدرت من المجتمع ردود فعل معينة تجاههم،أي أن ظاهرة الفقر
تمثل حالة يعترف بها المجتمع كحالة واقعية بها وضع معين،وأنه أحد ملامح البيئة
الاجتماعية.
ومن وجهة نظر سوسيولوجية يُعرف الفقراء بأنهم من
يحصلون من المجتمع على مساعدة اجتماعية . فالفقر يجب أن ينظر
إليه على أنه «حالة يعجز فيها الإنسان بسبب مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية
عن تلبية حاجاته المادية والمعنوية في ظل نظام اجتماعي وثقافي محدد».
وعلى ضوء التعريفات السابقة الذكر فهناك تحليلات
كمية(إحصاءات منشورة ،مسوح بالعينة) ،وأخرى كيفية للفقر(ترسم صورة الفقر كتجربة
معاشة من خلال عينات صغيرة أو دراسات حالة).وقد وضع تقرير التنمية البشرية الصادر
في سنة 1998دليلا للأبعاد التي يمكن قياسها للتعرف على حالة الفقر في مجتمع
معين،وأهم هذه الأبعاد هي:
1-
الحرمان ن
البقاء على قيد الحياة،مقيسا بالنسبة المئوية
للسكان الذين يرجح أن يموتوا قبل سن الستين.
2- الحرمان من المعرفة،مقيسا بالنسبة المئوية للسكان الأميين الذين يفتقرون إلى القدرة على
القراءة والكتابة بدرجة تكفي لتلبية أبسط مطالب المجتمع الحديث.
3- الحرمان من إشباع الحاجات
الاقتصادية مقيسا بنسبة لسكان الذين يقل دخلهم الشخصي الذي يمكنهم
التصرف فيه عن 50 % من الدخل الوسيط،مما يتركهم عاجزين هن تحقيق مستوى المعيشة اللازم
لتجنب الشدائد والمشاركة في حياة المجتمع.
4-
الاستبعاد
الاجتماعي،مقيسا بأحد أهم جوانبه وهو النسبة المئوية للعاطلين عن
العمل لمدة طويلة.
فالفقراء وفق هذه الرؤية هو ذلك الذي تعوزهم ظروفهم
المادية عن توفير الصحة والغذاء الملائم،ويحرمون من تلقي الحد الأدنى المعرفة،بفعل
ضعف الدخل أو انعدامه.
2- عوامل تفشي ظاهرة الفقر
1-
تدني المستوى
التعليمي :
أصبح من المعترف به لدى الجميع اليوم ،أن المشكلات
والقضايا التربوية والثقافية(كمحو الأمية وإنشاء وترقية الأنظمة الوطنية
للتعليم وبلوغ وضع جديد كيفيا للثقافة) لبلد ما من البلدان تؤثر وتشارك في مجال
التحولات الاقتصادية والاجتماعية.وليس من قبيل الصدفة أن نلاحظ العلاقة الجدلية
بين الجوع والأمية والتخلف الاقتصادي.ولابد هنا من أخذ مفهوم التربية أو التعليم
في علاقته بالتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية...إن العمل على التنشئة الذهنية
والأخلاقية للأجيال الجديدة لم يعد الهدف الوحيد للتربية،بل إن التربية وبخاصة
التعليم هو من العوامل الأساسية للتقدم التقني والاقتصادي والاجتماعي. وتعلمنا
دروس التاريخ أن الانتكاسات الحضارية والتاريخية التي مُنيتْ وما زالت ترسف تحتها
الأمة العربية، تعود في أغلبها إن لم تكن كلها إلى حالة التخلف والجهل والتبعية التي تقف كشاهد عيان على فشل تلك المشاريع الفكرية العربية.
2- البطالة:
على
الرغم من نُدرة الإحصاءات الحديثة والمنظمة عن معدلات البطالة في الدول
العربية،وعدم تطابق أو اتفاق ما هو متاح منها،إلا أنها تعبر بشكل عام عن ضخامة
ظاهرة البطالة،خاصة بين الشباب.فمعدل البطالة الكلية الحالية للقوى العاملة العربية
يتراوح مابين حوالي11.5% أو ما يقرب من عشرة ملايين نسمة وفق تقديرات التقدير الاقتصادي
العربي الموحد(الأمانة العامة 1999)،ونحو14% أو حوالي12.5مليون عاطل عن العمل وفق وقائع مؤتمر
العمل العربي،لمنظمة العمل العربية عام2000.وتُعتبر هذه من أعلى معدلات البطالة في
العالم.ومن الطبيعي أن تتباين معدلات البطالة مابين الدول العربية منفردة،فمثلا
يصل المعدل إلى حوالي20 % في كل من الجزائر والأردن واليمن ولبنان(الأمانة العامة ،1999).
وقد
جاء
في تقرير البنك الدولي أن هناك ما يزيد على 15 مليون بطال عربي،أي ما يعادل
من 15-25 %
من قوة العمل العربية،ويتوقع أن يتضخم هذا الرقم الى25 مليون في آفاق سنة2010،
وتُشير
وقائع مؤتمر العمل العربي لمنظمة العمل العربية،في عام 2000،إلى أن غالبية
العاطلين عن العمل من الشباب،حيث تزيد نسبتهم إلى إجمالي العاطلين عن الثلثين في
كل من مصر والجزائر...أما معدلات البطالة بين الشباب الخريجين نسبة إلى القوى العاملة الشابة(فئة العمر
من15-24)،فقد تجاوزت40 % في كل من
تونس والمغرب والجزائر.،وتُشير بيانات
منظمة العمل العربية إلى أن ظاهرة بطالة حملة الشهادات التعليمية قد استفحلت في
العديد من الدول العربية،حيث بلغت معدلات بطالة هذه الفئة إلى معدلات بطالة
الأميين،ثلاثة أضعاف في الجزائر.
وهذا
إن دل على شيء إنما يدل أن معدلات البطالة في أوساط الشرائح الشابة من المجتمع مرتفعة ،وتتجاوز
المقاييس والمعدلات العالمية.ولاشك أن تفاقم هذه الظاهرة في المجتمع يُفرز جملة من
الآثار والانعكاسات الاجتماعية.فهي قد تؤدي تدريجيا إلى سلسلة من الحالات المختلفة،أي من البطالة إلى الإقصاء
ومن الإقصاء إلى التهميش،ومن التهميش إلى الجنوح،كما أنها تزيد من حدة الفوارق
الاجتماعية والشعور بعدم المساواة بين أفراد المجتمع...وهكذا يصاحب البطالة
نوع من الضعف وعدم استقرارية أشكال الاندماج،فهي تعمل على تفكيك النسيج
الاجتماعي،وإضعاف العلاقة بين الأفراد والمجتمع،حيث تجد فئة من المجتمع نفسها
ملقاة على هامش المجتمع ولا تتمتع بنفس الامتيازات التي تكتسبها فئات أخرى،فانقسام
المجتمع إلى طبقتين،طبقة مستقرة في عمل ثابت وأخرى محرومة من هذا النوع من العمل
يؤدي إلى تلاشي التماسك الاجتماعي والشعور بالنقص،فالعمل لا يمثل مصدرا للدخل فحسب
بل هو وسيلة لاكتساب دور ومكانة في المجتمع.
3-التوزيع غير العادل
للثروات الوطنية:
"العالم اليوم أصبح جزيرة أغنياء تحيط بها بحار من
الفقراء"
هكذا وصف الرئيس الجنوب أفريقي "مبيكي" السنة الماضية في مؤتمر الأرض
بجوهانسبرغ معضلة الفقر التي تزداد يوما بعد يوم رغم التقدم الذي أحرزته البشرية
في شتى المجالات، ورغم جني
الكثير من خيرات الكوكب التي يُجمع
الخبراء على أنها كافية لتقديم الرفاهية للستة مليارات من البشر الذين يعيشون فوقه
لو تم توزيعها بالحد الأدنى من العدالة.إذ تبلغ
ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة، كما أن
ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين،وفي
ذلك بيان على أن الفقر في حقيقة الأمر هو الوجهة الأخرى لصور التمايز الاجتماعي
واللامساواة وانعدام العدالة التي هي السبب الأساسي الذي ظل وما زال يهدد الحياة
البشرية والحضارات الإنسانية سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات والدول
والمجتمعات والتمايز الاجتماعي واللامساواة.
ولا
يخلو المجتمع الجزائري من تفشي مظاهر التمايز الاجتماعي الفاحش أحيانا،الذي ينعكس
سلبا على التماسك الاجتماعي فهذه الازدواجية في المجتمع الجزائري تنمي الشعور
باللامساواةعند الفئة المحرومة من العمل الثابت،كما أنها تؤدي إلى استقرار شعور
بالانتماء في النسيج الاجتماعي والى زيادة ظاهرة الإقصاء والافقارعند هذه الفئات
والتي تؤدي حتما إلى تفاقم الهامشية أو أكثر إلى الإدمان والجنوح.
فعلى
الرغم من أن الوضعية المالية للدولة الجزائرية مريحة في السنوات الأخيرة ،حيث شهدت
أسعار البترول ارتفاعات متواترة،إلا أن جيوب الفقر ما فتئت تتنامى في
المجتمع،فالرخاء المالي لم يتجسد ميدانيا،ولم تلمس العديد من الفئات في المجتمع
الجزائري مثل هذا التحسن على مستوى الجبهة الاجتماعية،وهوما يعمق من حدة الفوارق
الاجتماعية على الرغم من أن الجزائر سجلت خلال السنوات الأربع الماضية أعلى مدا
خيل لها،تراوحت بين 18 و31 مليار دولار،وأن نسبة زيادة السكان ونسبة الخصوبة عرفت
تراجعا كبيرا خلال الخمس سنوات الماضية،إذ لا تتجاوز حاليا نسبة1.5% مقابل3 % منتصف التسعينات.ومع ذلك تبقى الزيادات الطفيفة
المسجلة في كتلة الأجور بعيدة عن الوفاء باحتياجات المواطن الجزائري البسيط الذي
ما فتئ يستيقظ على وقع زيادات في أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية،يحدث هذا في
الوقت الذي تسجل فيه مدا خيل الدولة أرقام قياسية في الارتفاع لاسيما مع الطفرة
التي شهدتها أسعار البترول،غير أن ذلك لم ينعكس على واقع معيشة المواطن الجزائري
الذي لاتزال قدرته الشرائية ضعيفة.
4-الفساد
والبيروقراطية:
بسبب
البطء في التصرف،وتعقيد الإجراءات،وعدم الاكتراث بمصالح المجتمع
والمواطنين،فالتعفن الإداري المثقل بموروثات البيروقراطية يُساهم في تعطيل مشاريع
النهضة الاقتصادية المنشودة؛وقد رصد تقرير الفساد لعام 2005 الذ ي يصدر عن منظمة
الشفافية العالمية،أربعه جوانب يؤثر فيها الفساد بدرجة كبيرة جدا على البنية
التحتية،ومن ثمة على تكلفة الخدمات بالنسبة للفقراء من خلال رفعه لتكلفة رأس
المال،تتمثل في أن:
1- الفساد يؤخر ويقلص
الإنفاق الاستثماري على البنية التحتية على المستوى
الكوني،وأن خفضا متواضعا في الفساد سوف يعظم الاستثمارات في الاتصالات.
2- الفساد يقلص النمو الذي يتم تخليقه عبر الإنفاق على الاستثمارات في البنية التحتية.
3- الفساد يرفع تكلفة تشغيل المستوى المتوافر من خدمات البنية التحتية.
4- الفساد يقلل نوعية ومستوى
البنية التحتية،ويقلص القدرة على الاستفادة منها
خصوصا بالنسبة للفقراء.
فالفساد
يؤذي الفقراء بشكل غير مباشر لأنه يعرقل النمو الاقتصادي،ويكرس عدم المساواة،ويلحق
الأذى بتوزيع الإنفاق العام،ومن خلال قنوات أخرى عديدة فإنه يقف عائقا أمام تخفيف
حدة الفقر.وقد أظهرت الدراسات الأمبريقية أن الفقراء يدفعون نصيبا من دخولهم على
الرشاوى أكثر من الأغنياء،ويعتمدون على الخدمات العامة أكثر من الأغنياء. وعلى
سبيل المثال يتطلب حل مشكلة البطالة توفير75 مل دولار،فيما تهدرمن300-400مل دولار
بسبب الفساد المستشري بكثرة في العالم العربي.
وتتشابه ظروف الفساد وعلاقة
الفساد بالفقر في مختلف الدول العربية،ينشأ الفساد من خلال بيروقراطيات تتنامى
جميعها بالتوازي مع طبيعة أنظمة الحكم منها البيروقراطية الملكية ،وبيروقراطية
الحزب، وبيروقراطية الدولة،وبيروقراطية العائلة والعشيرة،ويؤدي الاستئثار بالحكم
إلى حالة قصوى من الفقر الاجتماعي،يكون نتيجتها عدم استفادة الفقراء من الدعم
الحكومي ومن الخدمات،وإجهاض سياسة استهداف الفقراء بالدعم،وهو النهج الذي أكده
تقرير التنميةلسنة2004.
3- واقع ظاهرة الفقر في
المجتمع الجزائري:
أضحت
ظاهرة الفقر تكتسي بعدا عالميا،حيث جاء في تقرير البنك الدولي الصادر عام
2000/2001أن عدد الأفراد الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم قد
زادمن1.18مليار عام1987الى1.2 مليار عام1998،أي بزيادة قدرها20 مليون.ويعيش قرابة
60 % من سكان العالم في دول يقل دخل
الفرد عن2000 دولار سنويا،في حين يعيش5 % من سكان العالم في بروج عاجية ،وغالبيتهم من
الولايات المتحدة الأمريكية.وفي ذلك إشارة إلى أن الفقر مازال يشكل واقعا قاسيا في
كثير من أنحاء العالم ولاسيما الدول النامية.
وفي
الجزائر بلغت نسبة حد الفقر الإجمالي الأدنى حسب التقرير الخامس للمجلس الوطني
الاقتصادي الاجتماعي حول التنمية البشرية للسنة2004 ب1.9 % من سكان الجزائر،وحسب تقرير 2004حول الشراكة
الأورومتوسطية للمنتدى الأورو متوسطي،فأن نسبة حد الفقر الأدنى وصلت الى2.5% من إجمالي سكان الجزائر.
وقد
أحصت دراسة جديدة صادرة عن الوكالة الوطنية لتهيئة الإقليم 177بلدية فقيرة
تضم1569637 شخص يقل دخله عن 5 آلاف دولار،منها 46 بلدية تعاني الفقر المدقع
والإقصاء...محرومة من خدمات الصحة،التربية،الماء ،وقنوات الصرف ،والغاز،إلى جانب
انتشار البطالة والأمية والسكن غير اللائق. وقد أشار التقرير الأخير للديوان
الوطني للإحصائيات إلى تدهور قيمة الإعانات الاجتماعية المقدمة للأسر
الجزائرية،والتي تبقى دون المستوى،وذلك رغم تسجيلها لزيادة جد محتشمة،بحيث انتقلت
قيمة هذه الإعانات من 375.6 مليار دينار سنة 2004الى 403.5 ملياردينارسنة2005.وإذا
قمنا بإسقاط أبسط مؤشرات الفقر على الواقع الجزائري،متمثلة في السعر المتوسط
للوجبة الغذائية1500دج،التوازن الطاقوي 2100 حريرة اللازمة للجسم،قيمة الوجبة
اليومية للأسرة،فسنجد أن العائلات الجزائرية تبقى فقيرة رغم الزيادات في الأجور.
4-كيف يمكن التخفيف من
ظاهرة الفقر؟
لايمكن
لقطار التنمية أن يُقلع مالم يكن هناك كوارد بشرية مؤهلة للمشاركة في معركة
التنمية،وهذا يقتضي إزالة الفقر وتحقيق التعليم ونشر المعرفة.لأنه لايمكن أن نحلم
بعالم متحرر من الفقر إلا باجتثاث أسبابه،مما
يقتضي التفكير الجدي في سياسات تنموية تفي بالغرض.
- الرهان الوحيد في هذا
العصر هو الإنسان،فهو وقود التنمية ودعامة التطور ،مما يستدعي ضرورة تسليحه بقوة
العصر ألا وهي التربية والتعليم ،وإكسابه المهارات الكفيلة بانخراطه الإيجابي في
ضمان التنمية المتواصلة والتفوق الحضاري.فتنمية الدول تبدأ بتنمية الإنسان فيها
،وانجح المجالات التي تغري بالاستثمار فيها.
- تخطيط الهيكل التعليمي كي تتلاءم
مخرجاته مع متطلبات سوق العمل: يتمثل أحد العوامل
الأساسية في انتشار البطالة بين المتعلمين في عدم توجيه الأفراد إلى التخصصات
التعليمية التي تتوافق مع متطلبات سوق العمل. ذلك أن عملية التعليم تمتد لسنوات
طويلة، وتتطلب أعباء متنوعة، وتكاليف كثيرة يتحملها الفرد والمجتمع خلال تلك
الفترة. وهذه التكاليف يبررها العائد الخاص من وجهة نظر الفرد- الذي يتمثل في
الحصول على فرص أفضل للتوظيف والأجر - وكذلك العائد الاجتماعي من وجهة نظر
المجتمع- ويتمثل في الارتفاع بإنتاجية العمالة المؤهلة ككل، وتوفير المهارات
الوطنية المطلوبة بدلا من استيرادها. غير أن انعدام الربط بين سياستي التعليم
والتوظيف قد أدى إلى تراجع عائد التعليم بنوعيه، الأمر الذي أدى بالخريج أن يختار
بين أمرين: إما أن يقبل العمل في مجالات بعيدة عن تخصصه أو أن يبقى عاطلا. وهذا
يعني انخفاض إنتاجيته أو انعدامها، وبالتالي ضياع الموارد التي خصصت لتعليمه، ومن ثم تختفي
مبررات تحمل تكاليف العملية التعليمية من قبل الفرد والمجتمع في آن معا. ولذلك فان التوسع في العملية
التعليمية يجب أن يخضع لعملية تخطيط مدروسة تقوم على الربط والتنسيق بين مناهج
التعليم واحتياجات المجتمع تجنبا لإهدار الطاقات،أو تعطيلها عن الإسهام الفاعل في
النهوض الاجتماعي.
- قيام الدولة بدورها في التصدي
لظاهرة البطالة، من خلال تعبئة مواردها الإنتاجية، والاستخدام الفعال
للموارد البشرية كمحدد أساسي لقدرة الدولة على النهوض بالأعباء الاجتماعية.إن
إقدام الدولة على سلوك من هذا القبيل سوف يُخفف دون شك من حدة الاحتقان
الاجتماعي،ويساهم في بث
الأمل في نفوس الشباب خاصة باعتبارهم من أكثر الفئات الاجتماعية استهدافا
من قبل شبح البطالة،وإشعارهم بأنهم جزء فاعل في النسيج الاجتماعي،مما يجعلهم
يوجهون طاقتهم صوب خدمة الشأن العام بدل الانخراط في أنشطة قد تضر بهم وبمجتمعهم.
- التيسير على الشباب للحصول على
قروض ميسرة من بنوك التنمية،لاقامة المشروعات الصغيرة المدروسة، مع
المتابعة لمراحل تنفيذها.وزيادة فرص التوظيف للخريجين،وتنفيذ برامج أشغال عامة
وخدمات على المستوى المحلي.
- دعم جهود الرعاية والتكافل
الاجتماعي بالنسبة للفقراء الذين لاقدرة لهم على العمل
من خلال استثمار التحويلات المباشرة من نقود وإعانات وخدمات،وكذا الرعاية
الاقتصادية من خلال تحسين مستوى الدخل،والتوزيع العادل لثروة المجتمع بين
أفراده،واعتبار رأس المال البشري هو الثروة غير الزائلة التي يجب أن يتعهدها
المجتمع بالرعاية الصحية والتعليمية من خلال توفير
الخدمات الأساسية مثل الصحة والتغذية والتعليم والسكن وذلك لتنمية مستوى حياة
الأفراد.
-الزكاة إلى جانب كونها تحقق أثرا تعبديا جليلا،فإنها
تحقق آثارا اجتماعية واقتصادية ،إذ تُعد من أنجع
الحلول التي تقضي على الفقر والبطالة،مما يجعلها استثمار للأمة بأكملها،وتنمية
للفقراء وللمجتمع.وبذلك تُعد الزكاة هي إحدى الطرق التي سلكها الإسلام
لمكافحة الفقر والقضاء على البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتدعيم
التضامن والتكافل الاجتماعي ومنع تكدس الثروة في أيدي القلة لصالح الأمة والمجتمع.
خاتمة:
يعد
شبح الفقر من أكثر المشكلات التي باتت تؤرق ساكنة الكرة الأرضية، وقد تضافرت جملة
من الظروف والعوامل على المستويين المحلي والعالمي في توسع دائرة الفقراء على
الصعيد العالمي،وفي الجزائر تعرض النسيج الاجتماعي إلى ما يشبه الصدمة العنيفة
لاسيما بين سنوات 94-2005،وتبرز آثار هذه الصدمة من خلال تفاقم حجم الفقر والتهميش
والإقصاء الاجتماعي.و يتجه الرأي حالياً إلى أن القضاء على الفقر
يتطلب تركيز الجهد على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد خدمات الأمان
الاجتماعي للنهوض بأوضاع أشد قطاعات السكان ضعفـاً. لأن
مسألة محاصرة الفقر ومعالجة مسبباته والتخفيف من
آثاره المدمرة ليست
فقط حاجة إنسانية ملحة بل صمام أمان اجتماعي.إن
قهر شبح الفقر الذي أضحى معضلة عالمية،لن يتأتى إلا بالعلم والعمل والإدارة
الفعالة والتسيير الرشيد للموارد المتاحة، مما يقتضي تطوير أداء
النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة
،واستنهاض الطاقات المعطلة في المجتمع،وتمكينها من المشاركة في التنمية الاجتماعية
الشاملة،التي تحول دون انتشار ظاهرة الفقر وتتيح شروط الحياة الكريمة لكل
أبناء المجتمع.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
شركنا برايك ووجهة نظرك