بعض معالم السياسة النقدية بالجزائر
يمكن ربط مراحل تطور السياسة النقدية في
الجزائر تبعا لمراحل الإصلاحات الاقتصادية التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال إلى
غاية اليوم ضمن ثلاث مراحل أساسية و هي :
1-مرحلة الستينات 1962/1970
تبنت الجزائر غداة الاستقلال نمط التسيير
المخطط مركزيا حيث أبعدت الظاهرة النقدية عن دائرة القرار الاقتصادي ، فحيدت
السياسة النقدية و همش دور البنك المركزي ، وتم الاعتماد على الخزينة العامة في
تمويل مختلف المخططات الاستثمارية للمؤسسات العمومية ، و لقد طبق هذا النمط في
اقتصاد يمنح الأولوية للقرض المصرفي كمصدر أساس في تمويل النشاط الاقتصادي أو ما
يسمى باقتصاد الاستدانة ، فالسياسة النقدية لم تكن ذات معالم بارزة واضحة في هذه
الفترة بل يمكن القول أنها كانت مهمشة و مغيبة ، إذ ذهبت السلطات النقدية آنذاك في
قانون المالية لسنة 1965 إلى وضع البنك المركزي تحت وصاية و في خدمة الخزينة يمنحها
التسبيقات و القروض و ما تحتاجه دون قيد أو شرط.
أنشأة الجزائر خلال هذه المرحلة منظومة مصرفية
وطنية تتكون من ثلاث مصارف تجارية و مؤسسة شبه مصرفية و مصرف متخصص ، كما عملت
السلطات النقدية على تخصيص نشاط كل بنك في مجال معين ، إلا أن مهام تلك المصارف
كثيرا ما تداخلت و تعارضت فيما بينها ، مما أثر على مساهمة كل مصرف في تمويل
الاستثمارات المبرمجة و المخططة رغم أن تمويل تلك الاستثمارات كان على عاتق
الخزينة بينما اقتصر نشاط المصارف في منح القروض قصيرة الأجل ، أي أن المصارف لم
تكن سوى مجرد شبابيك وسيط بين الخزينة و المؤسسات العمومية .
2- مرحلة السبعينيات 1971/1979
انتقلت في هذه المرحلة السلفة النقدية و بالتالي
القرار النقدي إلى وزارتي التخطيط و المالية و لم تسند إلى البنك المركزي سوى
المهام التنفيذية العادية ، كإعداد و تسيير الإحصاءات النقدية ، كما لم يترك للبقد
أي دور فعال في النشاط الاقتصادي في ظل نظم الأسعار المسيرة إداريا ، و على الصعيد
المؤسسي امتزجت مهام البنك المركزي بمهام المصارف التجارية في التمويل النقدي
للنشاط الاقتصادي و الكل تحت سلطة هيئة نقدية ممثلة في وزارتي التخطيط و المالية (
بعد اعتماد سياسة المخططات ) فأصبح النظام المصرفي ذا مستوى واحد مثلما هو الحال
في الاقتصاديات المخططة و الموجهة مركزيا
3- مرحلة الثمانينات إلى يومنا :
صدر في سنة 1986 قانون مصرفي
جديد يحمل في طياته العناصر الأولى للإصلاح الوظيفي للنظام المصرفي ، موضحا مهام البنك
المركزي و المصارف التجارية كما يقتضيه النظام المصرفي ذو المستويين ، و لكن ضرورة
مراقبة التزايد النقدي و ضمان توافقه مع تطور التوازنات الاقتصادية الكبرى أدى إلى
اعتماد مخطط وطني للقروض ، وقد مكن البنك المركزي من تحديد أهداف التوسع النقدي
منذ 1987 ، كما ساهم في تحديد الآلية النقدية المرتكزة أساسا على إعادة الخصم .
و هكذا أصبح تحديد مستوى القرض المصرفي يخضع
لمتطلبات الاقتصاد الكلي و ليس لاحتياجات المؤسسات و في شهر ماي من سنة 1989 عدلت
معدلات الفائدة برفع سعرها الاسمي كما أدخلت مرونة في هيكل أسعار الفائدة المطبقة
من قبل المصارف .
و عرف الإصلاح الهيكلي مرحلة نوعية هامة سنة 1988
، فبعد إصدار النصوص القانونية المتعلقة باستقلالية المؤسسات العمومية ، بما فيها
المصارف ، و التي أصبحت تسير وفقا للمبادئ التجارية و المر دودية على وصف أن قانون
1988 يعد مؤسسات القرض هي مؤسسات عمومية اقتصادية ، وهذا ما أدرج المصارف ضمن
دائرة المتاجرة لتحفيزها قصد النظر في علاقاتها مع المؤسسات العمومية الاقتصادية
التي تحددها القواعد التقليدية ، كما يسنح هذا القانون لمؤسسات القرض و الهيئات
المالية باللجوء إلى القروض متوسطة الأجل في السوق الداخلية و السوق الخارجية ،
كما تخلت الخزينة العامة هن تمويل استثمارات المؤسسات العمومية الاقتصادية ، ليوكل
ذلك للنظام المصرفي ، فكان هذا انطلاق قواعد جديدة في التسيير الاقتصادي تفصل بين
دور الأعوان الاقتصاديين و دور الدولة في تمويل تراكم رأس المال ، و من هنا يمكن
القول أن استقلالية المصارف بصفتها مؤسسات اقتصادية عمومية قد تمت فعلا في سنة
1988 .
إعادة هيكلة النظام النقدي و المصرفي :
وضع قانون القرض و النقد النظام المصرفي على
مسار تطوير جديد تميز بإعادة تنشيط وظيفة الوساطة المالية و إبراز دور النقد و
السياسة النقدية ، ونتج عنه تأسيس نظام مصرفي ذي مستويين و أعيد للبنك المركزي كل
صلاحياته في تسيير النقد و الائتمان في ظل استقلالية واسعة ، و للمصارف التجارية
وظائفها التقليدية بوصفها أعوانا اقتصادية مستقلة ، كما تم فصل دائرة ميزانية
الدولة عن الدائرة النقدية من خلال وضع سقف لتسليف البنك المركزي لتمويل عجز
الميزانية ، مع تحديد مدتها و استرجاعها إجباريا في كل سنة ، و كذا إرجاع ديون
الخزينة العمومية تجاه البنك المركزي المتراكمة لغاية 14/04/1990 وفق جدول يمتد
على 15 سنة . و إلغاء الإكتتاب الإجباري من طرف المصارف التجارية لسندات الخزينة
العامة و منع كل شخص معنوي أو طبيعي غير المصارف و المؤسسات المالية من أداء هذه
العمليات .
مبادئ قانون القرض و النقد:
يعد القانون 10-90 المتعلق بالنقد و القرض من
القوانين التشريعية الأساسية للإصلاحات ، ومن أهم المبادئ التي جاء بها هذا
القانون .
أ- الفصل بين الدائرة النقدية و الدائرة الحقيقية :
كانت القرارات النقدية تتخذ تبعا للقرارات
الحقيقية ، أي تلك القرارات التي تتخذ على أساس كمي حقيقي في هيئة التخطيط ، و قد
تبنى قانون النقد و القرض مبدأ الفصل بين الدارة النقدية و الحقيقية و يعني ذلك أن
القرارات النقدية لم تعد تتخذ تبعا للقرارات الحقيقية المتخذة على أساس كمي من طرف
هيئة التخطيط ، بل أصبحت هذه القرارات تتخذ على أساس الأهداف النقدية التي تحددها
السلطة النقدية و بناء على الوضع النقدي السائد و الذي يتم تقديره من طرف السلطة
ذاتها .
ب- الفصل بين الدائرة النقدية و الدائرة المالية :
لم تعد الخزينة حرة اللجوء إلى عملية القرض ،
كما كانت في السابق تلجأ إلى البنك المركزي لتمويل العجز أصبح تمويل الخزينة قائما
على بعض القواعد ، وقد سمح هذا المبدأ بتحقيق الأهداف الآتية :
1- استقلال البنك المركزي
عن الدور المتعاظم للخزينة
2- تقليص ديون الخزينة
تجاه البنك المركزي ، و تسديد الديون السابقة المتراكمة عليها
3- تهيئة الظروف الملائمة
كي تلعب السياسة النقدية دورها بشكل فعال
4- الحد من الآثار
السلبية للمالية العامة على التوازنات النقدية .
great job
RépondreSupprimerالف شكر على المعلومات
RépondreSupprimer