بناء الحضارة يعتمد على بناء الأمة
و الأمة تعتمد على الدول و الدولة تعتمد على المجتمع و المجتمع يبنى على الفرد و الفرد يبنيه القرآن
وتأصيل القيم و المبادئ فيه
القرآن هو
الغذاء الروحي للإنسان وهو الصاحب الدائم الملازمه له ، لا يخذله حتى لو خذله
الجميع يعطيك أسراره و أسرار الحياة و لا تخاف من تقديم أسرارك لأنها
محفوظة بينك و بينه ، يعطيك سر بقائك على قيد الحياة و يعطي معنى لحياتك ، و هو من
يتيح للإنسانية أن تنهض و تتقدم و بخاصة الأمة الإسلامية ، يعمل على تكوين القيم
ثم المجتمع ثم الدولة ثم الأمة ، فحينما تفقد الروح غذائها سقطت و سقطت معها دول و
حضارات ، و من يفقد القدرة على الصعود و التقدم لأنه فقد غذائه فإنه لا يملك سوى
أن يهوى بتأثير جاذبية الأرض و مصير الدولة مبني على تكوين الفرد ، فلا تسقط أخي
الكريم و لا تسلم أمرك لغير الله .
و السبب أنه
عندما يتوقف إشعاع الروح تخمد و يتجمد إشعاع العقل إذ يفقد الإنسان تعطشه إلى
الفهم و إرادته للعمل عندما يفقد الهمة و قوة الإيمان لان روحه تصبح جوفاء .
فالدين هو
الغارس الوحيد للقيم الاجتماعية و بدوره بناء النسق الاجتماعي و الدولة و الحضارة ،
و هو يقوم بهذا الدور في حالته الناشئة ، حالة انتشاره و حركته عندما يعبر عن فكرة
جماعية و يعول هنا على الأجيال الناشئة التي يجب صقلها جيدا على القيم و المبادئ الأساسية
التي تتطلبها المجتمعات .
أما حين يصبح
الإيمان إيمانا جذبيا دون إشعاع أعني نزعة فردية فإنه رسالته التاريخية تنتهي على
الأرض بانتهاء هذا الشخص أو الهدف و نحن نريد شيء أعمق من ذلك ، لأن العجز يصبح و الاستسلام
يصبح هو الفاصل هنا و الحضارة تبقى مكبلة دون حراك ، حيث يصبح الإيمان في هذه
الحالة أيمان رهبان يقطعون صلاتهم بالحياة و يتخلون عن واجباتهم و مسؤولياتهم
كأولئك الذين لجؤا إلى صوامع المرابطين منذ عهد بن خلدون .
في الماضي كان
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحاسب نفسه دائما و كان يبكي على ذنوبه رجاء أن يغفرها
الله له و لكن العالم الإسلامي قد فقد هذه الروح منذ زمن بعيد فلم يعد احد يؤنب
نفسه أو يتأثر من خطيئته أو يبكي على ذنبه و هؤلاء هم القادة و الموجهون و قد خيم
عليهم الشعور بالطمأنينة الأخلاقية فلم نعد نرى زعيما يعترف على الملأ بأخطائه .
و هكذا غرق المثل الأعلى الإسلامي المثل الأعلى للحياة و
الحركة ، في فيضان من التعالي و الغرور ، بل في ذلك القنوع الذي يتصف به الرجل
المتدين حين يعتقد انه بتأديته للصلوات الخمس قد بلغ ذروة الكمال دون ان يحاول
تعديل سلوكه و إصلاح نفسه فهو كامل كمال العقم ، او كمال الموت او العدم ، و بذلك
تختل حركة التقدم للفرد و المجتمع و الدولة و الأمة و الحضارة اجمع ، و كل نشاط
عملي له علاقة بالفكر فمتى انعدمت هذه العلاقة عمي النشاط و اضطرب و أصبح جهدا بلا
دافع و كذلك الأمر حين يصاب الفكر أو ينعدم فغن النشاط يصبح مختلا مستحيلا ، و
عندئذ يكون تقدرينا للأشياء تقديرنا ذاتيا هو في عرف الحقيقة خيانة لطبيعتها و
خيانة لأهميتها سواء كان علوا في تقويمها ام حطا من قيمتها.
التاريخ و الحضارة تبدأ بالإنسان المتكامل الذي يطابق
دائما بين جهده و بين مثله الأعلى و حاجاته الأساسية و الذي يؤدي في المجتمع رسالته
المزدوجة ، بوصفه ممثلا و شاهدا لقوله تعالى " كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا
شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا " ، و ينتهي التاريخ بالإنسان
المتحلل المحروم من قوة الجاذبية فالفرد الذي يعيش في مجتمع منحل لم يعد يقدم
لوجوده أساسا روحيا أو أساسا ماديا فليس أمامه حينئذ إلا أن يفر إلى صوامع
المرابطين أو إلى مستقر آخر و يعتزل الناس
و هذا الفرار صورة فردية للتمزق الاجتماعي
و بدلا من العمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يخالط الناس و
يصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي يعتزلهم .
و الحقيقة المسلم بها في علم الحياة أن عملية نقل الدم
تخضع لشروط و قواعد دقيقة ينبغي مراعاتها ، مخافة أن يؤدي الأمر إلى زلزلة الجسم
المتلقي و الفتك به فليس كل عنصر من عناصر الدم بقابل أن يحل محل الآخر لما بين
فصائله من اختلاف عضوي يرجع في الحقيقة إلى اختلاف الأبدان
هذه الحقيقة ذات الطابع الحيوي صادقة فيما يتعلق بالمجال
العضوي التاريخي فالعناصر الاجتماعية التي تسمى الثقافات المختلفة ليست كلها قابلة
للتداول و على الجميع أدراك ذلك إلا إذا كانت تتماشى و متطلبات المجتمع و التطور
و النهوض بالحضارات .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
شركنا برايك ووجهة نظرك