انضموا معنا

انضموا معنا
نفيــــــــــــد و نستفيـــــــــــد
E-currencies exchanger
E-currencies exchanger

lundi 8 juin 2015

العولمة بمفهومها المعاصر

العولمة بمفهومها المعاصر


    هي القصة الكبيرة في عصرنا هذا. فهي لا تشكل الاقتصاديات فحسب، بل تشكل أيضا المجتمعات والنظم السياسية والعلاقات الدولية. ويرى كثير من الناس، للأفضل أو للأسوأ، أن العولمة قوة لا يمكن إيقافها. غير أن التاريخ يشير إلى أنها ليست كذلك. فلا يمكن أن نفترض أن العولمة ستستمر ولا أنها ستكون مرغوبة من جميع الجوانب. ولكن علينا أن نفترض شيئا واحدا وهو أننا جميعا نشارك في تشكيلها. وإذا نفذت العولمة بحكمة يمكن أن يكون هذا القرن عصرا لا مثيل له من حيث السلام والشراكة والرخاء. أما تنفيذها بشكل غير جيد فقد يقودها إلى انهيار تام شأنها شأن العولمة التي بدأت قبل الحرب العالمية الأولى وامتدت بين عامي 1914 و 1945 . والعولمة هي تكامل النشاط الاقتصادي عبر الحدود. وتصاحبها أشكال أخرى من التكامل وأهمها انتشار الناس والأفكار. وتتشكل العولمة نتيجة ثلاث قوات تتفاعل مع بعضها البعض وهي التكنولوجيا والمؤسسات والسياسات. وعلى مر معظم فترات التاريخ كانت الابتكارات التكنولوجية والفكرية هي القوة المحركة للعولمة. فقد أدت إلى خفض تكاليف النقل والاتصالات وزيادة فرص التبادل الاقتصادي المربح على مسافات أطول. وسيتم استغلال هذه الفرص على المدى الطويل. وحتى قبل الثروة الصناعية، فإن قدرة البشر على الملاحة في البحار بالسفن أدت إلى تسهيل ميلاد إمبراطوريات عالمية، وحركة الأشخاص عبر المحيطات، وتوسع في التجارة العالمية. ولكن تسارعت التكنولوجيا بعد الثروة الصناعية وخلقت فرصا جديدة. وكانت القاطرات العاملة بالبخار والبواخر والتلغراف هي محركات العولمة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وما يقود عولمة عصرنا هذا هي سفن الحاويات والطائرات النفاثة والإنترنت والهاتف المتنقل. ويعد تكامل الاتصالات والحوسبة هو الثورة التكنولوجية لعصرنا. وبحلول عام 2014 ، كان هناك 96 مشتركا في خدمة الهواتف المتنقلة و 40 مستخدما للإنترنت من بين كل 100 نسمة. ولم تكن هذه الأرقام كبيرة منذ عشرين عاما. وأصبحت المعلومات رقمية بشكل متزايد وأصبح العالم أكثر ترابطا. وهذا تحول عظيم. وتعتبر المؤسسات مهمة أيضا. وفي الماضي، كانت الإمبراطوريات تسهل التجارة عبر مسافات طويلة. ويصدق ذلك قبل الأوقات المعاصرة ويصدق أكثر على فترة الإمبراطوريات البحرية الأوروبية من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين. واليوم، فإن المؤسسات التي تسهل التجارة لمسافات طويلة هي المعاهدات والمنظمات المتعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والنوادي الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي. وتعتبر المؤسسات شبه العامة والخاصة تماما مهمة أيضا. ومن الأمثلة على ذلك الشركات التجارية الحكومية، وخاصة شركة شرق الهند البريطانية ثم بعد ذلك الشركة المساهمة المشتركة ذات المسؤولية المحدودة منذ بداية القرن التاسع عشر. والأسواق المنظمة لا تقل أهمية، ولا سيما الأسواق المالية التي تطورت من بدايات بسيطة إلى شبكات عاملة على مدار الساعة حول العالم حاليا. وبينما تحرك سهم التكنولوجيا في اتجاه واحد نحو الفرص والتكامل الاقتصادي لم تقم المؤسسات بذلك. وقد ظهرت الإمبراطوريات واختفت. وعندما اختفت الإمبراطوريات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، ابتعدت معظم البلدان المستقلة حديثا عن التجارة العالمية، مشيرة إلى أن هذه التجارة تتسم بالاستغلالية. ويذكرنا ذلك بالمحرك الثالث، وهو السياسات. وقد كان تحول البلدان النامية المستقلة حديثا نحو الاكتفاء الذاتي تحولا في السياسات. وكان أهم تحول على الإطلاق الانهيار العالمي للعولمة الذي أعقب الحربين العالميتين والكساد الكبير. وتفكك بعد ذلك النظام النقدي وأصبحت التجارة أكثر تقيبدا. وبعد الحرب العالمية الثانية انتشر تحرير محدود، أساسا في التجارة والحساب الجاري، عبر الاقتصاديات مرتفعة الدخل تحت رعاية الولايات المتحدة. ثم انتشر في أواخر السبعينات وفي الثمانينات والتسعينات تحرير السوق المحلية وفتح التجارة الدولية وتخفيف ضوابط سعر الصرف في جميع أنحاء العالم. ومن الخطوات الحاسمة في هذه الرحلة هي اعتماد الصين لسياسة الإصلاح والانفتاح في أواخر السبعينات تحت قيادة دنج زياو بنج؛ وانتخاب مارجريت تاتشر كرئيسة وزراء بريطانيا في عام 1979 ورونالد ريجان كرئيس للولايات المتحدة في عام 1980 ؛ وإطلاق الاتحاد الأوروبي لبرنامج السوق الواحدة في عام 1985 ؛ وجولة أوروغواي من المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف التي بدأت في عام 1986 وانتهت بعد ذلك بثماني سنوات؛ وانهيار الإمبراطورية السوفيتية بين عامي 1989 و 1991 ؛ وانفتاح الهند بعد أزمة النقد الأجنبي التي شهدتها في عام 1991 ؛ وقرار عام 1992 بإطلاق الاتحاد النقدي الأوروبي؛ وإنشاء منظمة التجارة العالمية في عام 1995 ؛ وانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام  2001

اعتناق مفهوم السوق
ارتكزت هذه التغيرات على رفض للتخطيط المركزي والاكتفاء الذاتي واعتناق لمفاهيم السوق والمنافسة والانفتاح. وهذه ليست إمبراطورية عالمية. ولأول مرة في التاريخ، أصبح هناك اقتصاد عالمي متكامل يربط أنشطة تنفذ في عدد كبير من الدول المستقلة بهدف مشترك ألا وهو تحقيق الرخاء. وقد عمل هذا النظام وإن لم يكن بطريقة مثالية، زادت تدفقات السلع والخدمات والأموال من 24 % من الناتج العالمي في عام 1980 إلى ذروة نسبتها 52 % في عام 2007 قبل الركود الكبير مباشرة. وبين عامي 1995 و 2002 ، ارتفعت نسبة التجارة في السلع إلى الناتج العالمي من 16 بالمائة إلى 24 %. وأصبحت جميع الاقتصاديات تقريبا أكثر انفتاحا للتجارة. وارتفعت نسبة التجارة في السلع )الصادرات زائدا الواردات( إلى إجمالي الناتج المحلي في الصين من مستويات لا تذكر في السبعينات إلى 33 % في عام 1996 و 63 % في عام 2006 ، قبل أن تتراجع خلال الأزمة المالية. وارتفعت نسبة التجارة إلى إجمالي الناتج المحلي في الهند من 18 % في عام 1996 إلى 40 % في عام 2008 ويتمثل المحرك المهم لتوسع التجارة في توافر عمال بتكلفة منخفضة في الاقتصاديات الصاعدة. وقبل الحرب العالمية الأولى،تمثلت الفرصة الكبيرة في إدماج الأراضي غير المستصلحة في الإنتاج من أجل السوق العالمية، وخاصة في الأمريكتين. وتتمثل أكبر فرصة هذه المرة في إدراج مليارات الأشخاص الذين كانوا منعزلين من قبل كعمال ثم مستهلكين ومدخرين.__وتضخم حجم التجارة التي تشارك فيها الاقتصاديات الصاعدة كما ينبغي. وفي عام 1990 ، كانت 60 % من التجارة من السلع تتم بين الاقتصاديات مرتفعة الدخل، و 34 % منها كانت بين الاقتصاديات مرتفعة الدخل واقتصاديات الأسواق الصاعدة، وكانت مجرد 6% منها تتم فيما بين اقتصاديات الأسواق الصاعدة. وبحلول عام 2012 ، بلغت هذه النسب 31 % و 45 % و 24 % على التوالي.
يتاجر الأشخاص مع مواطني بلدانهم
أكثر من تجارتهم مع الأجانب.
وتعد الشركات العالمية أطرافا أساسية في هذه العملية. ويدل على ذلك، ضمن جملة أمور، نمو الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يؤدي إلى ملكية الشركات عبر الحدود. وفي عام 1980 ، كان حجم الاستثمار الأجنبي المباشر يكاد لا يذكر. ولكن الاستثمار الأجنبي المباشر اليوم لم يعد مجرد تدفق كبير بل ومستقر أيضا ) 3.2 % من الناتج العالمي في المتوسط بين 2005 و 2012 (. وقد ثبت أنه مفيد من ثلاثة جوانب، كمصدر لنقل المعرفة، وكمركبة لتعزيز التكامل الاقتصادي عبر الحدود، وكمصدر مستقر للتمويل. وكانت مجالات التمويل الأخرى أقل استقرارا بكثير. ووصلت التدفقات المالية الكلية عبر الحدود إلى ذروتها عند 21 % من الناتج العالمي في عام 2007  قبل تراجعها الكبير إلى 4% في عام 2008 وإلى 3% في عام 2009 وأعقب ذلك حدوث انتعاش متواضع. ولكن الإقراض عبر الحدود وإصدار السندات وتدفقات محفظة الأسهم لم تتعافى إلى مستويات ما قبل الأزمة حتى بحلول عام 2012 . وكان الإقراض عبر الحدود وخاصة من البنوك متقلبا للغاية كما هو معتاد في الأزمات . وبينما زادت التجارة والتمويل والاتصال بشكل سريع، لا يصدق ذلك بنفس القدر على حركة الأشخاص. وعلى الرغم من زيادة عدد المسافرين الدوليين والطلاب الأجانب زيادة كبيرة، فقد زاد عدد المهاجرين بنفس معدل زيادة عدد سكان العالم بالرغم من الفجوات الكبيرة جدا في الأجور الحقيقية. وإلى حد ما، فإن التجارة وتدفقات رؤوس الأموال بديلان لحركة الأشخاص. غير أنه لا تزال هناك ضغوط كبيرة على حركة الأشخاص من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية وخاصة عبر نهر ريو غراندي والبحر الأبيض المتوسط. وبالتالي فإن العولمة تعني زيادة النشاط الاقتصادي عبر الحدود. ولكن المسألة أكثر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بالرخاء. وأدى عصر العولمة إلى تحولات سريعة في مواقع النشاط الاقتصادي. ففي عام 1990 ، كانت نسبة ناتج الاقتصاديات مرتفعة الدخل إلى الناتج العالمي بتعادل القوى الشرائية )سعر تحويل العملة الذي يؤدي إلى شراء نفس الكمية من السلع والخدمات في كل بلد( قدرها 70 %، يسهم الاتحاد الأوروبي بنسبة 28 % منها والولايات المتحدة بنسبة 25 %. وبحلول عام 2019 ، سينخفض هذا المجموع إلى 46 % وفقا لصندوق النقد الدولي. وعلى مدار الفترة نفسها، من المتوقع أن ترتفع نسبة الصين من 4% إلى 18 % والهند من 3% إلى 7%. والنمو السريع لأكثر اقتصاديات الأسواق الصاعدة نجاحا، والذي تسبب في هذا التحول، لم يكن ليحدث بدون الوصول إلى التجارة والمعرفة اللتين توفرهما العولمة. وحدثت درجة من التقارب أيضا في مستويات المعيشة . ومن المتوقع أن يزيد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الصين مقارنة بنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة من 2% في عام 1980 إلى 24 % في عام 2019 وهذا أداء استثنائي بكل المقاييس. وقد أصبحت الصين من البلدان متوسطة الدخل وسيكون نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الصين أعلى من نظيره في البرازيل بحلول عام 2019 بتعادل القوى الشرائية. وسجلت الهند أيضا درجة من التقارب وإن كانت أكثر تواضعا. وحققت إندونيسيا وتركيا نتائج طيبة كذلك. ولكن من المتوقع أن تكون البرازيل والمكسيك أكثر فقرا بالنسبة إلى الولايات المتحدة في عام 2019 مقارنة بالوضع الذي كان سائدا في عام 1980 . ويبدو أن اغتنام الفرص التي تتيحها العولمة ليس بالسهل.
انخفاض في الفقر الجماعي
جاء عصر العولمة بانخفاض ضخم على مستوى الفقر الجماعي، ويعزى ذلك مرة أخرى إلى حد كبير إلى الصين. وفي شرق آسيا والمحيط الهادئ، انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم )بتعادل القوى الشرائية( بشكل مدهش من 77 % في عام 1981 إلى 14 % في عام 2008 )البنك الدولي، 2014 وفي جنوب آسيا، انخفضت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المدقع من 61 % في عام 1981 إلى 36 % في عام 2008 . ولكن في إفريقيا جنوب الصحراء، بلغت نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع 51 % في عام 1981 وظلت عند 49 % في عام 2008 . وأخيرا ارتبطت العولمة بتحولات معقدة في توزيع الدخول عبر البلدان وداخلها للبنك الدولي إلى أن درجة عدم المساواة بين الأفراد عبر العالم ظلت ثابتة إلى حد ما في عصر العولمة، وزاد عدم المساواة داخل معظم البلدان مما عوض نجاح بعض الاقتصاديات الصاعدة الكبيرة في رفع متوسط دخولها مقارنة بالدخل في البلدان الغنية. وتشير الدراسة أيضا إلى أن أصحاب أعلى 5% من توزيع الدخل العالمي تمتعوا بزيادات كبيرة في الدخل الحقيقي في حين تمتع أصحاب أعلى 1% بزيادات كبيرة جدا وذلك في الفترة بين عامي 1988 و 2008 ... وبالتالي، فإن الارتفاع المفيد عالميا في الدخول الحقيقية ارتبط بزيادة عدم المساواة في العديد من البلدان مرتفعة الدخل. وتفسيرات ذلك معقدة، ولكن من المؤكد أن العولمة كانت من بينها. ولكن ما الذي يمكن أن يلوح في الأفق؟ ستواصل التكنولوجيا دفع التكامل. وقريبا، من المرجح امتلاك كل من الأشخاص البالغين تقريبا والعديد من الأطفال لجهاز متنقل ذكي يوفر إمكانية الوصول الفوري إلى كافة المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت. وستجعل التكنولوجيا نقل جميع الأشياء التي يمكن تحويلها إلى شكل رقمي مثل المعلومات والمعاملات المالية والترفيه وأكثر من ذلك بكثير بدون تكاليف تقريبا. ومن المؤكد حدوث زيادة هائلة في مجال تبادل المعلومات.
وبينما تحقق بعض مجالات التكنولوجيا قفزات، فهناك مجالات أخرى لا تؤدي فيها التكنولوجيا إلى انخفاضات بنفس القدر في التكاليف مثل نقل السلع والأشخاص. ويشير ذلك إلى أن التقدم التكنولوجي سيفتح فرصا أكبر بكثير لتجارة الأفكار والمعلومات عن السلع أو الأشخاص.
وهناك شكوك أكبر حول مستقبل المؤسسات والسياسات. وربما يكون أوضح مثال على إخفاق المؤسسات والسياسات هو تحرير وعولمة التمويل. فقد حدثت 147 أزمة مصرفية في الفترة من 1970 إلى 2011 وكان  لبعضها انعكاسات عالمية وخاصة الأزمة الآسيوية في الفترة 1997 1998 والركود الكبير في الفترة 2008 - 2009 والأزمة اللاحقة في منطقة اليورو. وكان لهذه الصدمات تكاليف اقتصادية ومالية ضخمة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لجعل النظام المالي أكثر قوة والتنظيم والإشراف أكثر فعالية، فإن النجاح لا يزال غير مؤكد.
العملات المعومة
يرتبط النظام النقدي ارتباطا وثيقا بالفوضى المالية. ومنذ عام 1971 ، كان النظام العالمي يعمل وفقا لنظام تعويم العملات الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي. وثبت أن هذا النظام قابل للتنفيذ. ولكنه كان غير مستقر إلى حد ما أيضا. ويشتكي العديد من أنه سمح للولايات المتحدة باعتماد سياسات تتسبب في تحولات لا يمكن التنبؤ بها ولا إدارتها في التدفقات الرأسمالية إلى ومن الأطراف الخارجية التي ليس بوسعها أن تفعل شيئا. وعلى الرغم من ذلك، من المرجح أن يستمر نظام الدولار المعوم المكروه لأنه لا توجد أي عملة أخرى ولا ترتيب عالمي آخر يمكن أن يحظى بتوافق الآراء المطلوب من الجميع، على الأقل ليس في المستقبل القريب. وكانت السياسات التجارية قوية نسبيا، مع احتواء التراجع إلى الحمائية بشكل ملحوظ في الاقتصاديات مرتفعة الدخل. غير أن محاولات إكمال جولة الدوحة من المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف فشلت في الأساس وأصبح مستقبل خطط الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف الطموحة )والمثيرة للجدل( غير مؤكد. وربما تكون فترة التحرير الكبير في التجارة قد انتهت. ويمكن أن يكون نمو التجارة العالمية في السلع قد تباطأ للأبد. وتسعى بعض الحكومات إلى السيطرة على الإنترنت. ولكن من غير المحتمل أن يؤدي ذلك إلى وقف تدفق النشاط التجاري، على الرغم من أنه يمكن أن يحد من قدرة المواطنين للوصول إلى آراء غير مرغوبة سياسيا. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تزيد القيود المفروضة على حركة الأشخاص بدلا من أن تنخفض في السنوات القادمة. وفي حين أصبحت الاقتصاديات أكثر ترابطا، تواصل الحكومات توفير الأمن وتنفيذ القوانين وتنظيم التجارة وإدارة النقود. وفي الأماكن التي تتدفق فيها التجارة بحرية، هناك أكثر من ولاية تتأثر بذلك ويجب أن يوافق الجميع بحكم الواقع على الأطر القانونية والتنظيمية التي تحدث فيها المعاملات. وهذا التعارض بين البُعدين الاقتصادي والسياسي من عالمنا الذي تسوده العولمة يمثل مصدرا لعدم إمكانية التنبؤ. وكلما زادت التدفقات التجارية كلما زادت حاجة الدول إلى الاتفاق على التنسيق العميق بين مؤسساتها وسياساتها مثلما يتضح ذلك في الاتحاد الأوروبي. ويمكن أن يؤدي هذا التكامل أيضا إلى توترات مثلما أوضحت ذلك أزمة منطقة اليورو. وبالنسبة للعديد من البلدان اليوم، فلا يمكن تصور نفس الدرجة من التكامل. ولهذه الأسباب، من المؤكد أن تظل العولمة محدودة إلى حد ما. ويتاجر الأشخاص مع مواطني بلدانهم أكثر من تجارتهم مع الأجانب. ويعزى ذلك في جزء منه إلى المسافة. ولكنها المسألة أيضا مسألة ثقة وشفافية. والحدود بين البلدان مهمة وستظل كذلك. وفي نهاية المطاف، يجب أن توافق الحكومات على الانفتاح. وعند قيامها بذلك، عليها أن تراعي الحقائق السياسية المحلية. ففي عالم يعاني من تباطؤ النمو وزيادة عدم المساواة في العديد من البلدان، وخاصة البلدان مرتفعة الدخل، فلا يمكن للأسف افتراض استمرارية مثل هذه الموافقة. وسيبقى البشر قبليين وستبقى الدول متنافسة. وفي عام 1910 خلال ذروة عولمة ما قبل الحرب العالمية الأولى، كتب السياسي والصحفي البريطاني نورمان أنجل كتاب الذي يدعي فيه أن الحرب لن تكون مجدية اقتصاديا. وقد كان على حق. ومن الناحية الفكرية، يتفق زعماء جميع بلدان العالم تقريبا الآن على أن الصراع لا يمكن أن يعزز رخاء بلدانهم. ومع أنه لا جدال في أن الحرب مدمرة، فقد أثبتت أحداث 1914 أن ذلك لا يضمن تجنبها، على الرغم من أن الأسلحة النووية رفعت تكاليف النزاع إلى مستويات لا يمكن تخيلها. وحتى إذا استمر السلام بين القوى الكبيرة، فقد لا يكون الحال كذلك بالنسبة للتعاون المطلوب لتأمين وجود اقتصاد عالمي أكثر تكاملا ورخاء. ومن أهم التحديات التي تلوح في الأفق هي إدارة انخفاض قوة الغرب وصعود الصين والأسواق الصاعدة الأخرى. ويعلمنا التاريخ أن لا التكنولوجيا ولا علم الاقتصاد يمكن أن يضمن مستقبل العولمة على المدى القصير إلى المتوسط، ولا يضمن ذلك إلا الاختيارات السياسية. وعلينا جميعا مسؤولية إدارة الفرص التي تتيحها لنا العولمة بحكمة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

شركنا برايك ووجهة نظرك