لقد
أصبح مصطلح العولمة متداولاً منذ بداية التسعينات، وأصبح علماً على الفترة الجديدة
التي بدأت بتدمير جدار برلين عام 1989م وسقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه، وانتهت
بتغلّب النظام الرأسمالي على النظام الشيوعي، والعولمة ككل ظاهرة إنسانية لها أبعاد متعددة، وسنتناول
ثلاثة من أبعادها الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، ثم سنتحدث عن بعض
أخطارها.
1- البعد الاقتصادي: ويتجلى في تعميم الرأسمالية على كل
المجتمعات الأخرى، فأصبحت
قيم السوق، والتجارة الحرة، والانفتاح الاقتصادي، والتبادل التجاري، وانتقال السلع
ورؤوس الأموال، وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات هي القيم الرائجة، وتفرض
أمريكا الرأسمالية على المجتمعات الأخرى عن طريق مؤسسات البنك الدولي، ومؤسسة
النقد الدولي، وغيرها من المؤسسات العالمية التابعة للأمم المتحدة، وعن طريق
الاتفاقات العالمية التي تقرها تلك المؤسسات كاتفاقية الجات وغيرها.
2- البعد السياسي: ويتجلى في انفراد أمريكا بقيادة العالم بعد سقوط الاتحاد
السوفييتي وتفكيك منظومته الدولية، ومن الجدير بالملاحظة أنه لم تبلغ
إمبراطورية في التاريخ قوّة أمريكا العسكرية والاقتصادية، مما يجعل هذا التفرد
خطيراً على الآخرين في كل المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية..الخ
3-
البعد التكنولوجي: مرّت البشرية بعدّة ثورات علمية منها
ثورة البخار والكهرباء والذرّة وكان آخرها الثورة العلمية والتكنولوجية والخاصة
بالتطورات المدهشة في عالم الكمبيوتر، وتوصل الكمبيوتر الحالي إلى إجراء أكثر من
ملياري عملية مختلفة في الثانية الواحدة، وهو الأمر الذي كان يستغرق ألف عام
لإجرائه في السابق، أما المجال الآخر من هذه الثورة فهو التطورات المثيرة في
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تتيح للأفراد والدول والمجتمعات للارتباط
بعدد لا يُحصى من الوسائل التي تتراوح بين الكبلات الضوئية والفاكسات ومحطات
الإذاعة والقنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية التي تبث برامجها المختلفة عبر
حوالي (2000) مركبة فضائية، بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر والبريد الإلكتروني
وشبكات الإنترنت التي تربط العالم بتكاليف أقل وبوضوح أكثر على مدار الساعة، لقد
تحولت تكنولوجيا المعلومات إلى أهم مصدر من مصادر الثروة أو قوة من القوى
الاجتماعية والسياسية والثقافية الكاسحة في عالم اليوم.
ما هي أخطار العولمة؟
1- الخطر الأول: الفقر والتهميش:
ستؤدي العولمة إلى تشغيل خمس المجتمع
وستستغني عن الأربعة الأخماس الآخرين نتيجة التقنيات الجديدة المرتبطة بالكمبيوتر؛
فخمس قوة العمل كافية لإنتاج جميع السلع، وسيدفع ذلك بأربعة أخماس المجتمع إلى
حافة الفقر والجوع، ومن مخاطر العولمة أيضاً قضاؤها على حلم
مجتمع الرفاه، وقضاؤها على
الطبقة الوسطى التي هي الأصل في إحداث الاستقرار الاجتماعي، وفي إحداث
النهضة والتطور الاجتماعي، ومن مخاطرها أيضاً دفعها بفئات اجتماعية متعددة إلى
حافة الفقر والتهميش، وتشير الأرقام إلى أن (358) مليارديراً في العالم يمتلكون
ثروة تضاهي ما يملكه (2.5) مليار من سكان العالم. وأن هناك 20% من دول العالم
تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك
سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية. وهذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه
تفاوت آخر داخل كل دولة؛ إذ تستأثر
قلّة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية، في حين
تعيش أغلبية السكان على الهامش، وسيؤدي ذلك إلى نتائج اجتماعية خطيرة، ويمكن أن
نمثل بالولايات المتحدة أبرز قلاع الرأسمالية، فالجريمة اتخذت هناك أبعاداً بحيث
صارت وباء واسع الانتشار. ففي ولاية كاليفورنيا - التي تحتل بمفردها المرتبة السابعة في قائمة القوى
الاقتصادية العالمية – فاق الإنفاق على السجون المجموع الكلي لميزانية
التعليم. وهناك (28) مليون مواطن أمريكي، أي ما يزيد على عشر السكان، قد حصّنوا
أنفسهم في أبنية وأحياء سكنية محروسة. ومن هنا فليس بالأمر الغريب أن ينفق
المواطنون الأمريكيون على حراسهم المسلّحين ضعف ما تنفق الدولة على الشرطة.
ونلاحظ
في هذا الصدد أن ظاهرة فتح الأبواب على مصراعيها أمام التجارة الحرة باسم حرية
السوق قد رافقتها نسبة مهولة من ازدياد الجريمة، فقد ارتفع حجم المبيعات في السوق
العالمية لمادة الهيروين إلى عشرين ضعفاً خلال العقدين الماضيين، أما المتاجرة
بالكوكايين فقد ازدادت خمسين مرة.
2- الخطر الثاني: الأمركة الثقافية:
الأمركة
الثقافية أخطر جوانب العولمة، ومما يساعد على الأمركة الثقافية انفراد الولايات
المتحدة بالعالم، واعتبارها القطب الواحد الذي انتهت إليه الأوضاع السياسية بعد
سقوط الاتحاد السوفييتي، وسيكون لهذه الأمركة أثر كبير في تكوين أو تعديل أو إلغاء
الهويات الثقافية، .
3-
أخطار أخري :
على
المستوى الاقتصادي:
لقد قام بالوظيفة الاقتصادية للعولمة
أهم مؤسستين من المؤسسات الدولية التي كرست لخدمة النظام الرأسمالي الراهن، و
هاتين المؤسستين هما:
-
صندوق النقد الدولي: الذي يشرف على إدارة النظام النقدي العالمي و
يقوم بوضع سياساته و قواعده الأساسية، و ذلك بالتنسيق الكامل مع البنك الدولي،
سواء في تطبيق برامج الخصخصة و التكيف الهيكلي أو في إدارة القروض و الفوائد و
الإشراف على فتح أسواق الدول النامية أمام حركة بضائع و رؤوس أموال البلدان
المصنعة.
-
منظمة التجارة العالمية: و هي أهم و أخطر مؤسسة من مؤسسات العولمة
الاقتصادية، تقوم بالإشراف على إدارة النظام التجاري العالمي الهادف إلى تحرير
التجارة الدولية و إزاحة الحواجز الجمركية، و تأمين حرية السوق و تنقل البضائع..
بالتنسيق المباشر وعبر دور مركزي مع للشركات متعددة الجنسية.
و رغم محاولة مسايرة و استجابة الدول
العربية لإملاءات مؤسسات الحكم الاقتصادي العالمي، إلا أن ذلك لم يكن بالشكل الذي
يحمي هذه الدول من مختلف الآثار السلبية، و نبين ذلك من خلال ما يلي:
·
تخلي الحكومات عن القيام بمسؤولية التنمية نتيجة تهميش عمليات التخطيط
المركزي المتعلقة بتنمية مختلف القطاعات الحساسة، قابل ذلك فشل القطاع الخاص في سد
الفراغ كونه يهدف إلى الربح فقط.
· العجز في زيادة الادخار المحلي و الفشل
في اجتلاب الاستثمار الأجنبي.
· ندرة التصدير خارج مجال المحروقات.
· زيادة مظاهر التبعية خاصة في مجال
التكنولوجيا و الطاقة البديلة و التقنية، و أحيانا حتى في مجال الغذاء و اللباس.
· تراجع أو شبه غياب التجارة البينية
العربية.
· تراجع نسبة مساهمة الإنتاج الإجمالي العربي من
إجمالي الإنتاج العالمي،( من 3.1 % أي ما يعادل 650 مليار دولار سنة 1993، إلى 2.3
% أي ما يعادل 599 مليار دولار سنة 2000.
ج.
على المستوى الاجتماعي:
يرى الباحث الفلسطيني غازي الصوراني أن
أزمة المجتمع العربي تعود في جوهرها إلى أن البلدان العربية عموما لا تعيش زمنا
حداثيا أو حضاريا، و لا تنتسب له جوهريا، و ذلك بسبب فقدانها ـ بحكم تبعيتها البنيوية ـ للبوصلة من جهة، و
للأدوات الحداثية الحضارية و المعرفية الداخلية التي يمكن أن تحدد طبيعة التطور
المجتمعي العربي و مساره و علاقته بالحداثة والحضارة العالمية أو الإنسانية
".
لقد كانت الأوضاع الاجتماعية للدول العربية انعكاسا مباشرا لتردي الأوضاع
الاقتصادية التي كانت عليها، و يمكن أن نشير إلى بعض مظاهر التردي الاجتماعي التي
ما تزال من مميزات مجتمعاتنا إلى يومنا هذا، و منها:
· ظهور الطبقية في أغلب أو كل المجتمعات
العربية، مع غياب الطبقة الوسطى و تفاقم معدلات البطالة و الفقر.
· أزمة الهوية و الانتساب لدى الشعوب العربية و فقدان الثقة بين الحكام و المحكومين
مما أدى إلى تذبذب الولاء.
· مظاهر التفكك الأسري و الانحلال الأخلاقي نتيجة الاستعمال السيئ و غير الواعي
لوسائل ثورة الإعلام و الاتصال.
سبل المواجهة و التكيف::
1- تحصين الفرد وتجنيبه التهميش وتجنبيه الفقر
القادمة، وذلك بتفعيل مؤسسات التأمين الاجتماعي والتعويضات والرعاية الاجتماعية من
جهة، والتخطيط لإحياء مؤسسات الوقف والتوسع فيها من جهة ثانية، وبخاصة إذا علمنا
أن أمتنا ذات تجربة غنية في مجال الوقف، فقد عرفت مؤسسات وقفية متنوعة من أمثال
المدارس والجامعات والمستوصفات والمستشفيات والدور والبساتين والخانات...الخ،
وساهمت تلك المؤسسات في نشر العلم والمحافظة على الصحة وإغناء المحتاجين ورعاية
الحيوانات وتدعيم الاقتصاد وسد الثغرات الاجتماعية...الخ، وقد مثلت تلك الأوقاف ثلث ثروة العالم الإسلامي.
2- تحصين هوية الأمة، وذلك بتدعيم وحدتها الثقافية، فالوحدة الثقافية هي المظهر
الأخير الحي الفاعل الباقي من كيان أمتنا بعد التمزق السياسي والتشرذم الاقتصادي
الذي تعرضت له خلال القرن الماضي، ولا شك أن هذه الوحدة الثقافية لبنة أساسية في
مواجهة العولمة، لذلك يجب الحرص على إغنائها، ووعي ثوابتها، الهوية الدين
اللغة التاريخ المشترك العادات و التقاليد هده هي مركزات القومية كذلك يجب الحرص على الابتعاد عن كل ما يخلخل هذه
الوحدة الثقافية ويضعف حيويتها.
رغم أن تجليات العولمة تؤكد اتجاه
العالم نحو هيمنة الأطراف القوية على جميع الجبهات، كما أنه لا جدال في أن صد
العولمة بات مستحيلا بل من المستحيل رفض الاندماج في النظام الكوني الجديد أو
المستحدث، حيث أصبح الدخول في هذا النظام واقع لابد منه، إلا أنه و من المؤكد أننا
في حاجة إلى آليات جديدة و وسائل فعالة من شأنها أن تغير ثوابت الفكر و البحث عن
آليات للحفاظ على الخصوصيات، و لن يأتي ذلك إلا من خلال إرادة قوية هي إرادة البقاء و المنافسة في السوق
الحضاري العالمي ، خاصة في ظل الإدراك المتزايد لطبيعة التناقض بين خطاب العولمة
و سلوك دعاتها (21).
و فيما يخص عملية التكيف الإيجابي مع
العولمة و الحداثة الغربية و مختلف التغيرات التي حصلت أو يمكن أن تحصل على
المستوى العالمي، يقدم الدكتور حسن البزار جملة من الإجراءات الممكنة، و أهمها:
-
التأكيد المتواصل على إضفاء الروح الحضارية للأمة العربية و المتمثلة في الدين
الإسلامي.
- السعي الحثيث لاتخاذ خطوات بناءة نحو
تبني سياسات و إجراءات اقتصادية إصلاحية واسعة، تمنحنا القدرة على مواجهة الصعاب
الاختلالات السياسية.
- تفعيل عناصر القوة المتاحة في النظام
العربي، و السعي الحقيقي لصيانة أسس النظام العربي من احتمالية تداعياته، و إن لم
نكن في المكانة التي تؤهلنا للدفع به إلى الأمام و البناء، و الإصرار على عدم
الوصول إلى درجة فقدان الهوية القومية التي تشكل العمود الفقري لهذا النظام.
- عدم إغفال المجتمع المدني، أو تجاهل
أداء موئساته أو الانخراط الكامل وراءه، بل السعي لتنشيطه و تحسين سبل ممارسة
الحكم و تنمية وسائل إدارته.
-
العمل الجاد لتقليل حالة التوتر و مظاهر
الاحتقان السياسي الحاصلة بين النظم و الحكومات و المعارضات الوطنية، و تسهيل و
سائل المشاركة السياسية التي تهدف إلى ترشيد عملية صنع القرارات و رسم السياسات
الحكيمة من خلال الانتقال و التحول اديمقراطي و تخفيف روابط التبعية الخارجية.
-
إعادة تقييم العلاقات العربية مع الانفتاح العربي و تفضيل المصالح العليا على
المصالح القطرية، و إعادة تقييم علاقاتها الخارجية مع دول الجوار بموجب القضايا و
المصالح العليا المشتركة للأمة العربية و ليس على أساس المصلحة القطرية الضيقة.
-
العمل الصادق للوصول إلى مشروع حضاري عربي ينسجم مع معطيات الوضع العربي الراهن، و
تتماشى مع الخيارات العالمية القائمة، و يدفع إلى تحقيق الرؤى العربية الناضجة في
الوحدة العدالة و التنمية الديمقراطية و الاستقلال و الحفاظ على الأصالة و التراث
و حفظ الكرامة.
يتمثّل التحدّي الأساسي الذي يواجه العالم في كيفية تحويل العولمة إلى
قوّة إيجابية يستفيد منها العالم بدلاً من ترك مليارات البشر يعانون نتائجها
السلبية.
ويرى المحلّلون السياسيون والاقتصاديون
أن للعولمة أثاراً إيجابية إذ أن هناك مشكلات إنسانية مشتركة لا يمكن حلّها من
منظور السيادة الوطنية المطلقة للدولة التي يقوم عليها النظام الدولي القائم
حالياً, ومنها انتشار أسلحة الدمار الشامل والتهديدات النووية والبيئية وتطوّر
انتشار الأوبئة والأمراض المعدية وانتشار الجريمة المنظّمة والمخدّرات. ويرى بعضهم
أنه بإمكان الأنظمة الوطنية المبدعة أن تندمج في الاقتصاد العالمي من دون التضحية
بشخصيّتها.
ان التجاوب مع متطلّبات العولمة بالنسبة للعالم العربي أمر يواجه الكثير
من الصعوبات, لكنه ضرورة بسبب ما يواجه العرب من مشكلات اقتصادية تقتضي المعالجة,
إذ يعاني العالم العربي من هبوط في نسبة النمو وفشل في إيجاد المهارات اللازمة
لأسواق اليوم, وارتفاع نسبة النمو السكاني. ويتطلّب التكيف مع العولمة أيضاً إيجاد
نظام وطني للعلم والتكنولوجيا والمعلوماتية لأنه الأداة الحاسمة لتمكين أي بلد من
أن يصبح منتجاً اقتصادياً, وبالتالي متقدّماً.
أمّا وجهة النظر الثانية فترى أن العالم العربي, بوصفه من الدول النامية
ويخضع لضغوطات اقتصادية داخلية وخارجية كبرى, لا يمكنه التجاوب مع العولمة التي تتطلّب مستويات
فائقة من التطوّر والكفاءة والقدرة, الأمر الذي تفتقده الاقتصاديات العربية, وبذلك قد تزيد العولمة من اختراق هذه الإقتصادات وتفكيكها.
فالاستجابة للعولمة إذن ليست بهذه الدرجة من البساطة لأن ذلك قد يزيد من
حصار وعزلة الأقطار العربية التي تعاني من جملة مشكلات تتعلّق بالسياسة وبالاقتصاد
من كلّ جوانبه الزراعية والصناعية والتجارية. وعلى النقيض من ذلك فإنّ عدم
الاستجابة للعولمة قد يترك جملة من الآثار السلبية على العالم العربي منها تهميش
التنمية المتطوّرة وعدم الحصول على المساعدات الاقتصادية. إضافة إلى ذلك فقد أصبح
من غير الممكن التعويل على الموارد النفطية في كسب رهان المستقبل, بسبب التناقص في
قيمة الموارد الأولية ولا سيما النفط.
ولكن من إيجابيات رفض الاستجابة للعولمة هو أن الرفض ربما يكون حافزاً
أكبر لتشجيع الأقطار العربية على القيام بتحوّلات اقتصادية جذرية والعمل على تفعيل
العمل العربي المشترك.
من هنا, وبعد أن أصبحت العولمة, وبأهمّ أشكالها الاقتصادية والمالية
والعسكرية, قد أصبحت كأمر واقع, أرى أن على الدولة التعامل معها على هذا الأساس,
وولوج مرحلة دراسة الخيارات المتوفّرة وذلك من أجل التخفيف من آثارها والسلبية,
والتحضير للدخول في آليات العولمة وما تحمل من تدابير غير جماهرية وغير شعبية,
وربّما تلحق أشدّ الضرر بالفقراء وبالطبقة الوسطى وحتى بالدول الفقيرة والمتوسّطة.
ولكن ليس هناك من خيار آخر؛ فالانعزال والتقوقع لبعض الدول التي ترفض
الدخول في العولمة, لا يعني أنها تستطيع العيش وحيدة في العالم, كما أنها لا
تستطيع التعامل مع الدول (المعولمة) ولا تستطيع تلك الدول التعامل معها, فستجد تلك
الدول المنعزلة نفسها عاجلاً أم آجلاً في موقف المسافر الذي فاته القطار, ولا ينفع
الندم بعد ذلك.
من هنا فالأجدى لنا كعرب أن نكون مع العولمة ولكن بشرط
<<العَوْرَبة>> أوّلاً, أي الدخول فوراً في آليات العوربة والتحضير في
ذات الوقت للدخول في آليات العولمة. وهذا يعني الدخول في العولمة من بوابة
العوربة. وينبغي للعوربة أن تكون رؤية عربية مشتركة للمستقبل, وصوغ آليات محدّدة
في كلّ من الاقتصاد والمال والسياسة والتجارة, للوصول إلى درجة كافية من التكامل
العربي, تستطيع من خلاله الدول العربية مجتمعة, الكلام بلغة مصلحية واحدة,
والقراءة في كتاب التنمية العربية بلغة واضحة وجيّدة, والعمل على محاكاة الأسواق
والتكتلات الاقتصادية والمالية الأخرى بلغة تفاوضية عربية واحدة.
لا شك أنه وأمام هذا التحدّي علينا أن نرجع إلى ما اتفقنا عليه في الماضي
كعرب وما صدّقت عليه الدول العربية من مواثيق واتفاقيات في المجال الاقتصادي,
وصولاً إلى تكامل اقتصادي عربي, وفي مقدّمته اتفاقية السوق العربية المشتركة؛
فالشروع في تنفيذ هذه الاتفاقية هو أمر مُلحّ ويكاد يكون ملزماً ولا مفرّ منه لمن
وقّع عليها, لكي تتبوّأ هذه الأمّة المكانة اللائقة بها كأمّة يبلغ تعدادها أكثر
من 260 مليون نسمة, وخصوصاً في ظل المتغيّرات الدولية المعاصرة وأهمّها العولمة
وقيام منظّمة التجارة الدولية.
فالدول العربية تملك مقوّمات
جغرافية وتاريخية وثقافية وفكرية ومالية لإقامة السوق العربية المشتركة, أكبر من
تلك التي تمتلكها التكتلات الاقتصادية الأخرى, ومنها دول الاتحاد الأوروبي,
وأهميّة السوق العربية المشتركة تستند إلى حقائق مهمّة وهي:
1- الهويّة العربية والإنتماء العربي لأنّنا نشكّل أمّة عربية واحدة.
2- ضرورة دعم الأمن العربي بغض النظر عن فائدة بعض الأقطار أكثر من
غيرها من هذه السوق.
3- المصلحة الاقتصادية المشتركة لأنّ تعزيز الأمن الاقتصادي العربي هو
تعزيز للأمن العربي.
ومن المنافع الاقتصادية للسوق تدعيم الاستقلالية العربية وذلك بإقامة
صناعات ثقيلة والتخفيف من حدّة التبعية للخارج وتحقيق درجة أفضل من استقلالية
القرار العربي, ثمّ دعم المركز التفاوضي العربي في الاقتصاد الدولي الراهن
والمؤلّف من التكتلات الاقتصادية الكبرى وتحسين مركزنا التفاوضي تجاه منظّمة
التجارة الدولية.
أمّا مزايا التكامل الاقتصادي
العربي في تنمية الاقتصاد الوطني فهي:
أ- خلق التجارة للدولة العضو في التجمّع الاقتصادي, وذلك بتحوّل
التجارة من الدول خارج التجمّع إلى تلك الأعضاء فيه.
ب- اقتصاديات الحجم من خلال
الدخول في ذلك التجمّع, ومن
خلال فتح الأسواق في الدول الأعضاء على بعضها بعضاً, فتصبح الصناعات التي لا جدوى
منها في السوق الوطنية, مشاريع ذات جدوى اقتصادية بحكم سعة السوق وكبر حجمه
الجغرافي, نظير انفتاح الدول الأعضاء وأسواقها, في عالم عربي بلغ عدد سكانه أكثر
من 260 مليون نسمة.
ج- نمو الدخل القومي نتيجة
لحرية انتقال رؤوس الأموال والأيدي
العاملة الوطنية إلى الدول الأعضاء.
د- زيادة القوّة التفاوضية
للدول الأعضاء تجاه الدول
الأخرى والأسواق الاقتصادية الأخرى, ممّا يعني فتح الأسواق العالمية أمام المنتجات
الوطنية للدول الأعضاء.
هـ- ارتفاع الكفاءة الانتاجية
للصناعات الوطنية وذلك من
خلال المنافسة وفتح الأسواق المحلية للدول الأعضاء.
من هنا وبفضل تلك الشروط تستطيع الدول العربية مجتمعة الاستفادة من
المزايا الإيجابية للانضمام إلى العولمة عبر بوّابة منظّمة التجارة الدولية.
أمّا الآثار الإيجابية للانضمام
فهي:
1- تتيح فرصاً أوسع للدول العربية لتصدير منتجاتها التي تملك مزايا
نسبية.
2- تحمي الضوابط التي أقرّت في نطاق المنظّمة من سياسات الإغراق من
جانب الدول الأخرى.
3- تكفل للدول العربية وللدول النامية معاملة تفضيلية مؤقّتة . وذلك
لحماية صناعاتها الوليدة, واعطائها مدّة خمس سنوات لتطبيق بنود اتفاقية
الـ(TRIPS).
4- زيادة الاستثمارات الأجنبية عبر دخولها الدول العربية عند تطبيق اتفاق الخدمات والاستثمار, ممّا
سيؤدّي إلى تدفّق الاستثمارات الأجنبية بعد رفع القيود التي تحول دون ذلك.
5- رفع الكفاءة الإنتاجية عبر
المنافسة العالمية في الأسواق
إن انضمام الدول العربية إلى
منظّمة التجارة الدولية, وهي إحدى مظاهر العولمة, لا يعني بأيّ حال نهاية المطاف
للمفاوضات التجارية العالمية, بل ستتبعها دورات متعدّدة للتفاوض لفتح أسواق مختلفة
مثل التجارة في الخدمات والبنوك والتأمين والصرافة والوساطة. وكلّ هذه الأمور
بحاجة إلى مزيد من المفاوضات والاجتماعات. والدول العربية ستكون في موقع تفاوضي
أفضل وأقوى في حالة دخولها في مفاوضات جماعية كتكتّل اقتصادي مشترك على شاكلة دول
الاتحاد الأوروبي وال(NAFTA) .
و
تبقى هذه المقترحات مجرد أفكار و اقتراحات ما رأيك فليكن يكن لك رأي و ساهم في إثراء
الموضوع.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
شركنا برايك ووجهة نظرك