أدوات العولمة:
ثلاث أدوات رئيسية :
(1) اتفاقيات التبادل الحر، (2) المناطق
الحرة، (3) برامج إعادة الهيكلة
اتفاقيات التبادل الحر:
في القارة الأميركية. بدأ العمل بهذه الاتفاقيات في القارة الأميركية. إن اتفاقية
التبادل الحر ALE الثنائية، بين كندا والولايات المتحدة الأميركية، التي دخلت موضع
التطبيق في 1/1/1989، هي التي أطلقت عملية الدمج الاقتصادي، كما هي معروفة اليوم،
على مستوى البلدان الأميركية. وفيما بعد صارت الاتفاقية ثلاثية بدخول المكسيك في
المفاوضات من أجل اتفاقية التبادل الحر في بلدان أميركا الشمالية ALENA، والتي وضعت موضع التنفيذ في 1/1/1994. وفي كانون الأول من نفس
العام 1994، شرعت القمة الأولى لرؤساء الدول والحكومات الأميركية بمفاوضات غرضها
إقامة منطقة التبادل الحر في البلدان الأميركية ZLEA، في العام 2005.
تمتاز
هذه الاتفاقيات بجملة نقاط مشتركة. يتم التفاوض بشأنها في حلقات مقفلة بعيداً عن
ضجيج المنتديات البرلمانية. وهي تلغي التعرفات الجمركية على الكثير من السلع، وتخفف من سياسة الحماية
الاقتصادية للحكومات، وتكرس حقوقاً جديدة للمستثمرين، أسياد التجارة. إن هذه
الحقوق الجديدة تبلغ حد انتهاك سيادة الدول، لأنها تسمح للمؤسسات المستثمرة
بمقاضاة الحكومات وبالحصول على تعويضات إذا ما أقدمت الحكومات على وضع سياسة
اقتصادية ترى مؤسسات الاستثمار أنها تضر بمصالحها. ولهذه الحقوق مظهر آخر
غير مسبوق في وجوده، فهي تعمل لصالح جهة واحدة. إذ لا تستطيع الحكومات مقاضاة
مؤسسات الاستثمار. الشركات المتعددة الجنسية بحل من أي ملاحقة ومعاقبة: إنها لا
تقدم كشفاً بنشاطها لغير المساهمين وتهدف فقط إلى زيادة أرباحهم.
ارتفعت
الأصوات بوجه هذه الاتفاقيات أثناء المفاوضات بشأنها. كانت معارضة الحركة النقابية
الكندية والكيبكية، من ضمن المعارضين، صارمة بوجه اتفاقية التبادل الحر بمجملها.
ولكن أمام الأمر الواقع اتجهت المعارضة وجهة المطالبة بإجراء تعديلات في مضمون
الاتفاقية لتدخل فيها مسائل حقوق العاملات والعاملين والحقوق الإنسانية وحقوق
النساء وحقوق السكان الأصليين وحماية البيئة، وذلك لتكون هذه الحقوق مساوية لحقوق
المستثمرين.
وأثناء
المفاوضات حول اتفاقية التبادل الحر في بلدان أميركا الشمالية ALENA، مع انضمام المكسيك إلى كندا والولايات المتحدة، أدت المعارضة
الشعبية في هذه البلدان الثلاثة إلى وضع اتفاقيتين موازيتين لها ALENA. تناولت هاتان الاتفاقيتان موضوعي العمل والبيئة. وكانت بمثابة
أولى الخطوات في الاتجاه السليم، ولكنهما كانتا رمزيتين أكثر مما هما اتفاقيتان
بآليات تنفيذية جدية.
وعلى
نفس خطى اتفاقياتي التبادل الحر فان المفاوضات من أجل إقامة منطقة التبادل الحر في
البلدان الأميركية ZLEA كانت تستهدف بسط نفوذ الرأسمال الكبير على مجمل هذه البلدان. وفي
غضون ذلك تم توقيع اتفاقيات ثنائية بين كثير من هذه البلدان، مثل كندا وتشيلي. كما
أنه ثمة مجموعات من البلدان التي وقعت اتفاقيات لإقامة أسواق مشتركة مثل ميركوسور MERCOSUR مع دولتين شريكتين تشيلي
وبوليفيا، أو تم إحياء اتفاقيات قديمة مثل معاهدة أندين Pacte
ANDIN ، البيرو
الاكوادور كولومبيا فينيزويلا بوليفيا. فهل تحضر هذه الاتفاقيات المجال لتطبيق
منطقة التبادل الحر في البلدان الأميركية، أم تدفع بها لصالحها؟
المناطق الأخرى:
وفي مناطق أخرى من العالم تم تطوير وتنظيم أشكال متنوعة في ترسيخ المبادلات. فإلى
الشرق من أميركا، يضم الاتحاد الأوروبي Union
Européenne UE 15 بلداً لها مؤسسات مشتركة لإدارة الاقتصاد والمجتمع. وهذه البلدان
تعيد النظر دورياً باتفاقيات الوحدة الأوروبية، لجهة نوعية السيادة فيها، وطورت في
ما بينها عملة مشتركة هي اليورو Euro . واستفت هذه البلدان شعوبها حول اتفاقية ماستريشت Traité
de Maastricht
. وهي تتفاوض من أجل التوفيق بين سياساتها الاجتماعية. ولا يتناول تحرير المبادلات
في ما بينها السلع فحسب، بل يشمل الأشخاص والخدمات والرساميل.
وإلى
الغرب من أميركا، تستمر المباحثات بين 18 بلداً على ضفاف المحيط الهادئ، من بينها
كندا والولايات المتحدة والمكسيك وتشيلي، من جهة، والصين وتايوان واليابان
وأستراليا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وغيرها، من جهة أخرى، وذلك في إطار ملتقى
للتعاون الاقتصادي لبلدان آسيا والمحيط الهادئ المعروف بالإنكليزية APEC . وهنا أيضاً تلعب دوراً أساسياً التكتلات الكبيرة المنظمة في
مجموعة رجال الأعمال المعروفة باسم Business
Advisory Committee . وهنا أيضاً فإن القوى الاجتماعية حاضرة وتسعى لفرض نفسها كقوة
مستقلة، ولفرض مطالبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما تبين ذلك القضية
التي عرفت "بقضية فلفل كايين" أثناء انعقاد قمة أبيك APEC ، في فانكوفر، في تشرين الثاني 1997.
التبادل الحر على المستوى الكوني:
في الوقت الذي تستمر فيه المساعي لترسيخ التبادل الحر على المستوى الإقليمي، تنشط
بعض نفس تلك الجهات في إعداد مرحلة اشمل لحرية التبادل. ويتم إعداد هذه المرحلة
داخل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية Organisation
de Coopération et de développement Economique OCDE ، وذلك عبر مفاوضات أفضت إلى توقيع الاتفاقية المتعددة الأطراف حول
الاستثمار Accord Multilatéral sur l'Investissement AMI . لقد دبر مفاوضو البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية
الاقتصادية مشروع محالفة واستراتيجية يستهدفان اعتماد ميثاق فعلي لحقوق
المستثمرين. ينطبق الميثاق بداية على البلدان الموقعة عليه، ثم على البلدان الأخرى
غير الموقعة التي ستجبر يوماً ما على توقيعه. إن من شأن هذه الاتفاقية أن تحول دون
قدرة أي حكومة على إعاقة حرية انتقال الرساميل، ولو كان ذلك بالرغم من أي التزامات
قد تتخذها حكومة ما، ولو كان ذلك على الرغم من إرادة الشعوب، وعلى حساب مصالحها
وثقافاتها وحقوقها الاجتماعية.
لقد
تمت معرفة مضمون هذه الاتفاقية بصعوبة، وفقط بفضل تسريب خبرها تسريباً. ولكنها
أثارت موجة من الاعتراضات ظهرت في كل مكان من بلدان منظمة التعاون والتنمية
الاقتصادية. ففي كيبك، مثلاً، انطلقت عملية سالامي SaLAMIلتعبئة
الرأي العام.
يفاقم
التبادل الحر من حدة المنافسة، ويؤدي إلى انقلابات عميقة، ذلك أن قوانين السوق
التي يُزعم أنها تتيح توزيعاً أفضل للثروة تؤدي في الحقيقة إلى تغيير جذري في شروط
العمل وفي السياسات الاجتماعية. ففي مطلع العام 1999 أعلنت بيل كندا عن مشروع
بيعها للخدمات الهاتفية إلى مؤسسة أميركية حيث الأجور أقل بمرتين عن أجور العاملين
في الهاتف والمنضمين للنقابة؛ يشكل هذا الإعلان مثلاً على المنافسة بين العاملات
والعاملين في بلدان مختلفة. إن تخفيف السياسات الاجتماعية في كندا وفي كيبك يدل
على المنافسة بين الدول. ففي ظل سيطرة قوانين السوق يسيطر القاسم المشترك الأصغر.
المناطق الحرة:
لجأت عدة بلدان، بعد الحرب العالمية الثانية، إلى استرتيجيات الحماية الاقتصادية
للحد من تدفق المنتوجات المصنعة في الخارج بغية تشجيع التنمية المتمحورة على
الداخل. بيد إنه منذ مطلع السبعينات، وبتحريض من استراتيجيات تنموية روجها
اختصاصيون مثل رجل الأعمال روبرت مكنمارا، المدير السابق لشركة فورد موتور Ford
Motor والمدير السابق للبنك الدولي BM، وبتحريض من صندوق النقد الدولي
FMI أيضاً، لجأت بلدان العالم
الثالث إلى التخلي عن القومية الاقتصادية، وغلى السعي للخروج من التخلف باعتماد
سياسة تشجيع الاستيراد، أي بتشجيع الاندماج المتسارع في الاقتصاد العالمي.
ويرى
المدافعون عن هذه الوجهة التنموية أن البلدان النامية تكبر فرصها في النجاح بقدر
ما تترسخ فيها البنية التحتية الجاذبة للشركات المتعددة الجنسية. قد تتخذ هذه
البنى التحتية شكل المناطق الحرة للتصنيع. والمنطقة الحرة هنا هي المنطقة التي يتم
فيها تصنيع أو تحويل المواد المستوردة من الخارج بدون ضرائب، والتي تكون المواد
المصنعة منها معدة للتصدير مباشرة. ويدعي البعض أن لهذه الستراتيجية نتائج إيجابية
على الاقتصاد الوطني لأنها تفتح المجال للوصول إلى التكنولوجيا المتطورة.
لقد
شجعت المنظمات المالية العالمية المؤسسات الخاصة، مثل مؤسسة فورد وبعض المصارف
الخاصة، على إقامة المناطق الحرة في السبعينات. ودفعت هذه المؤسسات ببلدان العالم
الثالث إلى استدانة القروض الضخمة لتأمين كلفة إقامة مثل هذه المناطق الحرة. وكان
لا بد لهذه البلدان من إقامة الأبنية الضخمة وأبنية مصانع التجميع والمطارات
وتمديدات الغاز والماء والكهرباء والمكاتب الحكومية والمخازن والطرقات… لجذب
المستثمرين الصناعيين الأجانب. وليتم بعد ذلك تأجير هذه المنشآت بأسعار زهيدة للشركات
المتعددة الجنسية بوصف ذلك من ضرورات خلق الأجواء الملائمة. وكانت النصائح تقضي،
فضلاً عن ذلك، بتقديم تسهيلات مالية إضافية: الإعفاء من الضريبة لعدة سنوات، تسهيل
انتقال الأرباح، اإفاءات الجمركية، التعرفة التفاضلية، تمويل وقروض لبناء هذه
المناطق الحرة.
كانت
حجة الإقناع لدى المقرضين كبيرة، ولهذا تكاثرت المناطق الحرة بسرعة هائلة. وكانت
لها تسميات مختلفة باختلاف البلدان: مناطق تشجيع الاستثمار، مناطق الإعفاء
الضريبي، مناطق التبادل الحر. ولا يتردد البعض عن القول في وصفها أنها معسكرات
فعلية للعمل بالسخرة.
وبمقابل
المكاسب التي حصلتها الشركات المتعددة الجنسية نجد العكس تماماً بالنسبة للعاملين
في هذه المناطق، وكانت غالبيتهم من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 و24 سنة،
وأحياناً أقل. وفي هذه المناطق لا يتم تطبيق قوانين العمل، فالقانون هو قانون
الشركات المتعددة الجنسية. كما أن معايير الصحة والسلامة معدومة فيها عملياً،
وكذلك معايير حماية البيئة. ولم يكن مسموحاً فيها بوجود النقابات المستقلة عن
الدولة أو عن أرباب العمل. كما كان على النسوة أن تثبتن أنهن غير حوامل.
لم
تنظر الشركات المتعددة الجنسية نشوء المناطق الحرة لتعمل على استثمار الموارد
الطبيعية (المناجم، المنتجات الزراعية، الغابات) واليد العاملة بأرخص الأجور في
بلدان العالم الثالث. بيد أن المناطق الحرة سرّعت نمو هذه الشركات، وتوسعاً في
نشاطها وإعادة تموضع بعض شبكات الانتاج.
لقد
استندت استراتيجية الجذب أو الحفاظ على الاستثمارات القائمة، في حالة كندا وكيبك،
على الإعفاءات الضريبية والمساعدات من شتى الأصناف. لم يكن ينقص أوتاوا وكيبك لا
الكرم ولا الخيال، وكانت الشركات المتعددة الجنسية المحلية (بومباردييه Bombardier، لافالين Lavalin) والأجنبية (كينوورث Kenworth، ج م GM، هيونداي Hyundai) تعرف بعض الشيء عن ذلك.
لقد
سهل نمو المناطق الحرة نمو المؤسسات الأجنبية في شتى البلدان، وأعطى لهذه المؤسسات
القدرة على المفاوضة من جديد. وهذه القدرة تستند إلى المنافسة بين عمال مختلف
البلدان والتهديد الممكن، والذي غالباً ما تم تنفيذه، بنقل المصانع إلى حيث تكون
الأجور أدنى. إن ممارسة هذه القدرة أدت إلى تخفيض شروط العمل إلى القاسم المشترك
الأصغر.
برامج
إعادة الهيكلة: وهكذا وجدت نفسها مثقلة بالديون تلك البلدان الفقيرة التي اعتمدت
تنمية لاقتصادها الموجه نحو تشجيع التصدير وإقامة المناطق الحرة أو التخصص
الزراعي. لقد استدانت هذه البلدان لتبني البنية التحتية بغية جذب الشركات المتعددة
الجنسية، وعندما تدنت أسعار منتجاتها. لم يعد لديها المداخيل اللازمة لإيفاء
الديون. وهكذا اضطرت هذه البلدان في مطلع الثمانينات إلى إعادة التفاوض حول ديونها،
وإلى الحصول على قروض جديدة.
وعلى
هذا الأساس فرض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عمليات إعادة الهيكلة التي
بفضلها يضمنان حماية مصالح الرأسمال.
تنطوي برامج إعادة الهيكلة على العناصر
الأساسية التالية:
- تخفيض المصاريف الحكومية: وذلك بحجة مواجهة العجز،
وهكذا تتعرض للتخفيض كل قطاعات النشاط الحكومي، لا سيما الصحة والتربية، والبرامج
الاجتماعية، وهذا ما يؤدي إلى فقدان كثيف لفرص العمل.
- إزالة العوائق أمام التجارة الدولية:
إلغاء التعرفات الجمركية، منافسة السلع المستوردة للمنتوجات المحلية، ازدياد حالات
الإفلاس.
- اضطراب أسعار السلع والخدمات التي تطال اليد العاملة:
التخلي عن سياسة دعم بعض السلع الأساسية (الخبز، الرز، المحروقات)، وهذا ما يؤدي
إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي تدني سلم الأجور، وتكون المحصلة انخفاضاً حاداً في
مستوى المعيشة.
- خصخصة المؤسسات العامة: وهذا يعني بيعها في السوق
العالمية. وبما أن عدة بلدان تعرض مؤسساتها العامة للبيع في نفس الآن فإن المؤسسات
الأجنبية تشتريها بأسعار مخفضة؛ كما أن المبالغ الناجمة عن البيع تذهب إلى البلاد
الغنية لتسديد فوائد الديون؛ وبذلك تُحرم فئات واسعة وطبقات اجتماعية بكاملها من
عدة خدمات أساسية، ويفقد البلد السيطرة على قطاعات السياسة الاقتصادية.
- دعم عمليات التصدير: إن سياسة تطوير الزراعات
الأحادية المكثفة بشكل واسع (البن، القطن، الأناناس، الحبوب…) على حساب الزراعة
المتنوعة من أجل السوق المحلية يجبر البلد على استيراد ما كان ينتجه سابقاً؛ وبما
أن بلدان الشمال تتحكم بشبكة التسويق العالمية، وبما أن البلدان الفقيرة تعرض
جميعها منتوجاتها المعدة للتصدير دفعة واحدة، تنهار الأسعار. وهكذا تستولي بلدان
الشمال على الخضار والفاكهة الغريبة بأبخس الأثمان.
- ارتفاع نسبة الفائدة: وتصبح القروض صعبة المنال على
المؤسسات المحلية الصغيرة والمتوسطة، وعلى صغار الفلاحين؛ وبذلك تتجه المؤسسات
المحلية إلى الإفلاس.
- انهيار أسعار العملات: لا يؤدي هذا الإجراء بالضرورة
إلى زيادة حجم التصدير (بحكم قلة تنوع المنتجات المعدة للتصدير)، ولكنه يؤدي حتماً
إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة: الوقود، الأسمدة، الأدوية…
باختصار،
ينخفض مستوى معيشة السكان في البلدان الفقيرة، وينخفض مردود الصادرات أو لا يرتفع،
ويستمر الدوران في حلقة الدين المفرغة تأزماً، بينما تكون هذه البلدان الفقيرة لا
تعمل على غير زيادة غنى البلدان الغنية.
إنها
لمعروفة السياسات العزيزة على قلوب سياسيينا. وفي الحقيقة، حتى لو لم تكن حكوماتنا
خاضعة مباشرة للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي، فإن ذلك لا يحول دون التزامها
بتوجيهاتهما. ولأن بلداننا مدينة للمتمولين من القطاع الخاص الذين يلوحون براية
خفض القروض، فإنها تتبنى طوعاً سياسات إعادة الهيكلة دونما حاجة إلى فرض ذلك عليها
فرضاً.
إنهم
يصفعوننا، بقولهم أن العولمة تقضي بأن نكون قادرين على المنافسة. وعليه تكون
شعارات النظام العالمي الجديد: إعادة البناء، الاندماج، العقلنة، مواكبة العلوم
الهندسية، المرونة، المنافسة. وهذا ما تكون ترجمته الملموسة: إقفال المصانع
والمستشفيات، انهيار في الاستخدام، اتفاقيات التخفيض بالجملة، التهديد بنقل (أو
نقل) المصانع نحو بلدان اليد العاملة فيها أرخص أجراً.
وهكذا
تلتحق مشاكل العالم الثالث بالبلدان المصنعة: العجز صفر، تخفيض على كل المستويات،
لا سيما في قطاع الصحة والتعليم والبرامج الاجتماعية (التأمين ضد البطالة، الضمان
الاجتماعي، السكن…)، تخفيض العاملين في
القطاع العام (في كندا تم إلغاء ما لا يقل عن 60000 وظيفة في المؤسسات
الفيدرالية وعشرات الآلاف في المؤسسات
المحلية، وهي تشمل قطاعات الصحة والتعليم)، تخفيض الرواتب في كل مستويات الوظيفة
العامة المركزية والإقليمية والمحلية والبلدية.
وفي
مطلع الثمانينات ارتفعت نسبة الفائدة إلى 21% مما ساهم في تضخم الديون الراهنة. هذه
الديون تزيد في غنى الممولين وتمكن من إملاء السياسة الاقتصادية والاجتماعية
للحكومات. وإذا كانت الفائدة الرسمية اليوم منخفضة، ولكن ضعف التضخم يجعل هذه
الفوائد مرتفعة في الحقيقة.
في
صيف العام 1998 اعتبر رئيس الوزراء الكندي جان كريتيان، دون إعلان صريح عن اغتباطه
بانخاض قيمة الدولار الكندي، أن لهذا الانخفاض حسنات لأنه يمكن المصدرين من الحصول
على المنتجات الكندية.
كما
أن رياح اضطراب الأسعار والأجور تنفخ هنا أيضاً. ففي قمة مونريال في تشرين الأول
من العام 1996 حول الاقتصاد والاستخدام، أعلن رئيس الوزراء لوسيان بوشار، تشكيل
سكريتاريا مرتبطة مباشرة بمكتبه لإعادة النظر بسياسة الأجور والأسعار، وتعهد
بتشكيل مجموعة استشارية تتكون غالبيتها العظمى من ممثلين لأوساط الأعمال، وعهد
برئاسته إلى السيد برنار لو مير، رئيس مجلس الكاسكاد. وترك ذلك بالطبع ارتياحاً
كبيراً في أوساط رجال المال والأعمال. وسلمت هذه المجموعة تقريرها لرئيس وزراء
كيبك في 29 أيار 1998. وفي مطلع حزيران 1998، صرح السيد برنار لو مير، تعليقاً على
ذلك بقوله: "إن حكومة كيبك تلتزم لحد كبير بالتوجهات المقترحة". وعليه
من الشرعي الخشية، بغياب معارضة اجتماعية واسعة، أن تعمد حكومة كيبك إلى ترجمة
معظم مقترحات تقرير لو مير.
thank you
RépondreSupprimer