العولمة نقيض التنمية هل توافق ام تعارض
*ان أهداف(العولمة)
لايمكن أن تؤدي إلى تحقيق التنمية المنشودة بالمفهوم الحقيقي للتنمية، بل فاقمت
مشاكل الدول النامية، وأدت إلى إفقارها ونمو مديونيتها الخارجية وإفقار مواطنيها
لحساب فئة محدودة ارتبطت بالانفتاح الاقتصادي، كما أدت إلى القضاء على صناعتها
الناشئة واستنزاف مواردها وصيرورتها سوقاً تابعة.
*ان العولمة هي
اقتصاد الوهم القائم على دعوى ان التنمية يمكن ان تشتري او تتقايض بالاستثمارات
الاجنبية، او تتم(بالانابة) عبر الشركات متعددة الجنسية التي ترتبط ارتباطاً
وثيقاً بنهج العولمة، وتعتمد على تطور تلك الشركات ونمو نشاطاتها الاقتصادية
الدولية في ظل التطورات التقنية الهائلة بمساعدة بيئة دولية مؤاتية نتيجة التطورات
الدراماتيكية خلال عقد التسعينات من القرن العشرين.
*وفي كل الأحوال فأن اقتصاديات البلدان المرتبطة بالعولمة
ابتعدت عن(تصنيع) التنمية إلى(شراء) التنمية او جعلها تتم(بالانابة) كما في دول ما
يسمى بالنمور الاسيوية التي سيأتي الحديث
عنها لاحقاً وهذا ما تعكسه المشاريع الكونية والاقليمية.
والعولمة بهذا المعنى تقدم نوعاً من التنمية ذات الارتباطات
العالمية، هذا النوع من التنمية لا علاقة له بأهداف
التنمية الوطنية، ولا علاقة له بتصحيح هياكل الإنتاج الوطنية، أنما علاقة
ديناميكية بالاقتصاد العالمي ومصالح مراكز المنظومة الرأسمالية فيه وفي إدارته.
*ان الانصياع لهذا
التوجه الخطير يؤدي بالضرورة إلى قبول الإقتصادات النامية مبدأ التبعية الواعية
المذلَة، والتنازل الطوعي تدريجياً عن مقومات السيادة الوطنية لصالح مبدأ السيادة الاقتصادية العالمية.
وتبعاً لذلك يتم نقل
بعض مقومات السيادة الاقتصادية من سلطة الدولة إلى سلطة القرار الاقتصادي المعولم،
وكذلك إخضاع الأمن الاقتصادي لكل دولة للأمن الاقتصادي بين الدول بمعنى وجوب عدم
تعارض الأمن الاقتصادي داخل الدولة مع الأمن الاقتصادي بين الدول.
*ففي اطار
المشروع المتعلق بالشرق أوسطية ينبغي ان
يخضع الامن الاقتصادي لكل دولة للامن الاقتصادي( الشرق اوسطي) وأخضاع الاخير للامن
الاقتصادي العالمي، انها حقاً شبكة عنكبوت!!
والعولمة بذلك تسعى
فيما تسعى اليه، الى دفع دول العالم العربي الى التنازل عن الاعتبارات السياسية
لصالح تسويات سياسية اقليمية، والتزامات اقتصادية تفرض عليها بأنضمامها الى
التكتلات الاقتصادية الاقليمية(الشرق اوسطية) .
*وهكذا
يمكننا ايجاز مفهوم(التنمية) في ظل متطلبات(العولمة) وسياستها التي تتركز على:
تحرير الاقتصاد، والانفتاح الاقتصادي،
واعتماد اليات السوق، وتحجيم دور الدولة والقطاع العام- تمهيداً لالغائه مستقبلاً-
وزيادة الضرائب ورفع الدعم الحكومي وزيادة الاسعار، وحرية الاستيراد والتصدير،
والاستثمارات الاجنبية.
ترى ماذا تبقى للتنمية الوطنية والارادة
الوطنية والسيادة الوطنية؟!!
*في ضوء ما تقدم لابد
من تلمس الطريق الصحيح للسير في نهج تنموي رائد يتطلب من مصممي السياسة الاقتصادية
في الدولة الوطنية فهماً حقيقياً أفضل لآلية التكامل الاقتصادي الدولي والانتباه إلى
مخاطر تدويل الحياة الاقتصادية لغرض تحقيق أفضل فائدة ممكنة من وجهة نظر تنموية،
مع التأكيد على تغليب الاعتبارات الوطنية والقومية التقدمية على الاعتبارات
الخارجية الأجنبية في كل الظروف وكذلك اعتبار العوامل الروحية والأخلاقية لتوفير إمكانيات
تحقيق انسجام وترابط النسيج الاجتماعي الذي تتأطر فيه عملية التنمية.
* وفي المقدمة يحتاج
تحقيق التنمية المنشودة إلى افتراض وجود قيادة وطنية مبدعة متعلمة ومعلَّمة، ذات
توجهات تقدمية على رأس الدولة كي تقود، وفق إستراتيجيتها الخاصة، بحيث لا تتبع
القوى الخارجية ولا تسمح لها بالسيطرة على أسواق البلاد.
والدولة بهذا المعنى
تخدم المجتمع وتقوده وتطوره وتعمل على دعم الطبقات الاجتماعية، وبهذا سيكون
الاقتصاد موجهاً وتقدمياً، ومن الطبيعي أن هذا التوازن في البلدان”الطرفية” غير
موجود حيث تسعى سياسة التبعية الاقتصادية إلى تفكيك هياكل هذا البلدان بالكامل.
*إن العولمة حتى وان
ظهرت في صورة براقة أو مفتوحة، فهي شاكلة جديدة للنهب والتسلط، وهكذا يمكن التأكيد
على أن التنمية الحقيقة تعتبر احد أهم وسائل الرد على العولمة، ولاتتم بالانابة
ولا تشترى، انما هي عملية خلق موضوعية تتم بالاصالة.ومن البيئة الاقتصادية نفسها.
*وتسعى التنمية”
لتحقيق زيادات كبيرة في معدلات النمو والاستثمار والادخار ومضاعفة تنويع الصادرات
مرات عدة وبشكل مطرد، والرفع التراكمي للإنتاج الصناعي والتحكم بالاستثمارات
وبالرساميل الأجنبية وبتوجيهاتها.. الخ” كما يقول الدكتور صادق جلال العظم في
كتاب(ما العولمة).
ويقترح أيضا لتحقيق
ذلك”انجاز بناء قاعدة إنتاجية صناعية ثابتة وديناميكية” و”تحقيق مستوى جيد ومعقول
من التقدم العلمي، والبحثي، والتطويري والتقني” و”تخفيف علاقات التبعية التقليدية
وحيدة الجانب(للمركز) إلى أقصى حد ممكن”.
ترى أين نحن من كل هذا؟!!
من إفرازات العولمة
المسببات الأساسية لتصاعد مديونية بلدان
العالم الثالث
*ان الدول الصناعية
التي استعمرت هذه البلدان، واستغلت مواردها بالاحتلال العسكري المباشر ردحاً
طويلاً من الزمن، وتحول هذا الاستغلال إلى صور أخرى أخذت صيغاً أخرى
*منها المديونية، واحتكار التكنولوجيا، والهيمنة
الاقتصادية وخاصة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا حيث تطورت
وسائل الاستغلال وازدادت اتساعاً وحدّةَ في ظل العولمة.
ماذا يمكننا ان نسمي
ذلك؟ سوى القول بأن النظام الدولي القديم والجديد يتبنى عمليات النهب والابتزاز
وتقسيم مناطق النفوذ في العالم، والرعاية والانتداب وممارسة القهر والاستلاب بكل
انواعها واشكالها.
*كل هذا حصل في إطار تقسيم العالم على اسس نفعية الى
عالمين، عالم جنوب مَدين ومُجَهَِّز للمواد الاولية ومُستَغَلْ/ وعالم الشمال/
متقدم، دائنْ، منتِجْ للسلعْ ومُستغِلْ للغير.
ويسعى العالم الدائن
القوي المسيطر بمختلف الوسائل الى جعل البلدان النامية تابعة له، ومسلوبة الارادة
سواء ذلك بقعقعة السلاح او بالتبعية الاقتصادية والسياسية، ونتيجة واقعية ومنطقية
لهذا التقسيم الجائر ازدادت بصورة كبيرة- خاصة منذ بداية عقد التسعينات- ازدادت
مديونية دول الجنوب التي تضم ايضاً دول العالم الثالث.. والديون هذه في تصاعد
مستمر.
*وكمثال على هذا
الواقع الشاذ، نعرض هذه المجموعة الإحصائية عن مديونية العالم الثالث، علماً أن
هذه الإحصائيات هي مجرد أرقام متحركة تعكس الواقع المعاش ضمن فترة زمنية محددة،
وهي تشكل نموذجا ليس إلا، وبالتأكيد صدرت إحصائيات حديثة ارتفعت فيها الديون بشكل
غير مسبوق.
الإحصائيات هذه من
عام 1997، ذكرها الدكتور سعود العامري في 1998 في صحيفة القادسية.
*مجموع مديونية
العالم الثالث بلغت عام(1991)(1250.4) مليار دولار موزعة كما يلي:
1-امريكا اللاتينية/
تحتل مركز الصدارة في المديونية(682.2) مليار دولار اي ما يعادل 38.7 % من اجمالي
الدين الخارجي للدول النامية.
2-الدول الاسيوية
تحتل المرتبة الثانية من حيث المديونية(32.9%) من اجمالي الديون الخارجية.
3- الديون الافريقية/
حجم ديونها الخارجية(283.6) مليار دولار اي ما يعادل (16.1%) من اجمالي الخارجي.
4-دول المشرق العربي
ومحيطه الاقليمي واوربا(217) مليار دولار اي ما يعادل (12.32 %) من اجمالي الدين
العام الخارجي للدول النامية.
*وتسود العالم حالياً
مطالبة واسعة بضرورة معالجة الأزمة الناشئة عن ارتفاع المديونية كإعادة جدولتها، وإسقاطها
عن الدول التي لاستطيع تسديد تلك الديون.
نماذج من كوارث العولمة
النمور الاسيوية
كوريا الجنوبية- تايوان- هونك كونك-سنغافورة،
وأضيف إليها ماليزيا وتايلند، والفلبين-التي يطلق عليها مصطلح “النمور الآسيوية”.
لقد عصفت أزمة مالية
حادة باقتصاديات هذه البلدان عام 1998، وللوقوف على الأسباب الحقيقة وراء هذه الأزمة
يمكننا الإشارة هنا إلى:
*إن التجارب التنموية
للنمو الاقتصادي كانت منذ البداية تحت رعاية النظام الاقتصادي الدولي الذي يتميز
بتقسيم عمل دولي يعمل لصالح الدول المهيمنة(المركز) وهي الدول الصناعية الرأسمالية
المتمثلة بمجموعة الثمانية(G8) حيث أضيفت لها
روسيا مؤخراً.
هذه الدول الصناعية قدمت للنمور الأسيوية تسهيلات كبيرة لأسباب
معروفة منها:
1- طبيعة النظم
السياسية السائدة في هذه الدول وهي بمجملها مثال للتبعية السياسية والاقتصادية
والاجتماعية للدول الغربية المهيمنة(المركز) رغبةً في إظهارها كنموذج تنموي يقارن
بالتجارب التنموية للدول الأخرى لإثبات كفاءة النموذج المستند إلى آلية السوق
والقطاع الخاص، والإنتاج على الأسواق العالمية والسماح لرؤوس الأموال الأجنبية بالاستثمار
فيها.
*وأحقية الشركات
متعددة الجنسية- وهذا أمر مهم وخطير- في تحويل الأموال هذه وإرباحها متى شاءت، إضافة
إلى التزامهم التام بوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- اللذان يعتبران من أدوات
العولمة المهمة والتي في النهاية تضمن التبعية السياسية والاقتصادية للأقطار
الرأسمالية الغربية المهيمنة على الاقتصاد العالمي.
2- حرص الدول
المهيمنة، بعد ازدياد حدة المنافسة بينها خاصة بعد تفكك المعسكر الاشتراكي عام
1990 وتشكل ما يسمى بالنظام الدولي الجديد تحت هيمنة الولايات المتحدة، حرصها على
تحقيق مكاسب كبيرة لاقتصادياتها عبر التجارة الخارجية عن طريق السبق التكنولوجي
الذي يمثل المحرك الأساسي لها.
*وهكذا أضيفت
لامتيازات الدول المهيمنة في الظروف المعاصرة عوامل أخرى من ضمنها السبق
التكنولوجي وفق نظرية دورة حياة المنتج، وهذا يعني نقل الصناعات التي استنفذت
السبق التكنولوجي في إنتاج سلعة معينة، مثل السلع الالكترونية إلى الدول الأخرى
للاستفادة من انخفاض تكاليف الإنتاج لاستمرار منافع التجارة الخارجية بالأسلوب
التقليدي على التكاليف النسبية للإنتاج.
*وبهذا الأسلوب تم
تحقيق منافع كبيرة للطرفين أي الدولة المهيمنة، والدولة التابعة للنمور، ومع مزيد
من اتجاهات تدويل الحياة الاقتصادية، ومحاولة إشاعة مظاهر(العولمة)، فأن النمور الأسيوية
قدمت من ناحية نموذجاً جذاباً للتنمية في الثمانينات، لكنها من ناحية أخرى قدمت في
التسعينات نموذجاً تنموياً هشاً معرضاً لمخاطر محتملة ارتبط أسلوبها التنموي
القائم على التجارة الخارجية ومستوردة وصيرورتها جزءاً تابعاً من منظومة النظام
الاقتصادي الدولي في ظل العولمة والهيمنة الامبريالية.
كما أن هذه الدول أضحت
ساحة مفتوحة لحركات رؤوس الأموال الدولية وبالتالي عرضة للتقلبات الاقتصادية
الشديدة بتأثير مباشر أو غير مباشر من القوى المهيمنة.
*لقد صار واضحاً أن
النهج التنموي الذي اتبعته هذه الدول ترتبط خيوطه الأساسية وقواه المحركة بيد
الشركات متعددة الجنسية، لذلك تعرض هذا النهج المحفوف بالمخاطر للانهيارات
والتقلبات المفاجئة كلما تطلبت مصالح تلك الشركات ومن ورائها الدول المهيمنة.
*وعلى سبيل المثال/من
اجل التخفيف من تأثير الأزمة، لجأت حكومة هونك كونك-قلعة تفكير السوق الحرة-
للتدخل للسيطرة على تقلبات السوق فأنفقت مبالغ طائلة قدرت بـ(14) مليار دولار
لشراء الاسهم لدعم سوقها المترنحة.
*اما السبب المباشر
الذي ادى الى انهيار اقتصاديات دول النمور، عندما حاولت هذه الدول ماليزيا
اندونيسيا وكورية الجنوبية وتايلند، التعاون والتنسيق مع الصين بدءاً من عام
1997م، لخلق تكتل اقتصادي اقليمي يتمتع باستقلال نسبي لتحقيق مصالحها مقابل
التكتلات الغربية الأمر الذي أدى إلى تحقيق التحرك المفاجئ لرؤوس الأموال،
وانتقالها من الأسواق المالية لهذه الدول إلى الأسواق المالية للدول الغربية،
وبالتالي انهيار الأسواق المالية والمؤسسات المصرفية، وما ترتب عليها من افلاسات
متتالية للشركات، ثم انهيار للاقتصاد الوطني.
وعليه يمكن القول أن
النموذج التنموي لهذه الدول- وهذا ما تؤكده الإحداث في كل من(المكسيك وروسيا) مبني
على الانفتاح والتكامل مع الاقتصاد العالمي في ظل التوجه الأمريكي الغربي للعولمة.
*ان التغني بمشاريع العولمة لما تأتي به من استثمارات
خارجية قد تؤدي الى ان تكبر هذه الاستثمارات الى حد السيطرة على اقتصاد البلد، كما
حصل في تلك الدول الاسيوية حيث اصبحت الاستثمارات الاجنبية ذات نفوذ اقتصادي كبير.
*هذا ماحدث
لرأسمالية(الاطراف) التي وصفها(اندريه جوندرفرانك) والتي تنطبق على النمور
الاسيوية -وصفها بالرأسمالية الرثة، وسمى برجوازيتها بالبرجوازية الرثة كما نعت
تنميتها بالتنمية الرثة.
ولكن لماذا هي رثة
على هذا النحو؟
الجواب: لانها تبقى
محصورة في دائرة التبادل والتوزيع والسطح والمظهر، ولا تتعداها ابداً وبصورة جيدة
الى دائرة الانتاج(البرجوازية الرثة والتطور الرث) نيويورك 1972م.
(وهذا نموذج اخر من روسيا)
*هنا تتحدث الأرقام
وحدها لما آلت اليه الامور في روسيا جراء اعتمادها سياسة الانفتاح والخصخصة،
واليكم حصاد السوق:
*حجم الرساميل
النازحة من روسيا مابين(1992-1994) بحدود مائة مليار دولار في حين بلغ حجم
الاستثمارات الأجنبية في روسيا(4.19) مليار خلال الفترة ذاتها. لاحظوا الفرق
الهائل بين(100)و(4.19).
*هناك تقديرات تشير
الى تهريب(450) مليار دولار بصورة غير شرعية خلال سنوات حكم يلتسن..
*نشأت فئة من اصحاب
المليارات تملك70-80 في المئة من الدخل الوطني في حين لاتشكل هذه الطبقة سوى نصف
من الواحد في المئة من مجموع السكان، أنها لمفارقة صارخة لا يوجد مثيل لها في
الدول الرأسمالية ذاتها.
*وتتولى كوارث السوق-
فالمعطيات الرسمية تشير إلى أن هناك الآن حوالي(30) مليون عاطل عن العمل.
*أن في روسيا
حوالي(80) مليون مواطن من أصل(246) مليون هو عدد سكان روسيا الاتحادية أي ثلث
السكان يعيش على حافة الفقر.
*وأسفرت إصلاحات
السوق المزعومة عن فوضى شاملة فبدلاً من ظهور ملايين الملاكين كما زعم(تسوبايس)
احد منظري الخصخصة في روسيا ظهر عشرات الملايين من الجياع.
*وانخفض الناتج
الوطني الإجمالي من عام 1991-1998 بنسبة 50 % وبلغ الانخفاض في الصناعة 50 % وفي
الزراعة 60%.
*وأدت الخصخصة إلى
عملية لهف للثروة الوطنية ونشوء رأسمالية طفيلية ونّهابة في آن.
*وقد رافق ذلك نمو
الجريمة المنظمة، وتلعب المافيا دوراً مركزياً في الرأسمالية الروسية، بحسب
تقديرات الشرطة الروسية هناك حوالي 9000-10000 عصابة منظمة للمافيا تشرف على
400.000 مؤسسة من بينها(450) بنكاً وتمثل الأغلبية في هذا القطاع.. وبعد إليكم هذا
المثال عن النهب الفاضح.
*فقد وزعت أهم أجزاء
الملكية على فئة ضيقة من المرتبطين بالسلطة دون ان تطرح في مزايدات علنية، لقد
بيعت ممتلكات الدولة بأسعار بخسة.
وتكفي الاشارة الى:
-إن أضخم مصنع لإنتاج
سيارات لادا بيع بـ(44) مليون دولار!! فيما قدرت قيمته الفعلية بـ(4.1-4.6) مليار
دولار اي بنسبة 1 % على اقل تقدير... هكذا النهب وإلا فلا!!.
-كل ذلك وغيره قادر
في النهاية على زيادة التوتر الاجتماعي وارتفاع أعداد الفئات الهامشية والرثة، حيث
تشكل نسبة الفئات التي تحيا دون حد الفقر أكثر من ثلث عدد السكان تقريباً.
-وكمحصلة نهائية
ازدياد عبئ الديون الخارجية حيث تستهلك خدماتها فقط حالياً أكثر من 30 % من
ميزانية الدولة ومن المتوقع أن ترتفع إلى 70 % في نهاية 2003م.
-والاقتصاد كما هو
معلوم كلٌّ مترابط فقد أدى هبوط موارد الميزانية إلى تنامي العجز في الميزانية
الذي كان مرتفعاً أصلا(1)..
هذا فردوس السوق!!
تأملوا!
*هذا غيض من فيض مما
يمكن أن يكتب أو يقال عن الليبرالية الجديدة وتأثيراتها السلبية المباشرة وغير
المباشرة على التنمية الوطنية الحقيقية للدول النامية وعلى مجمل الحياة الاقتصادية
والثقافية لهذه البلدان.
* ومن الطبيعي أن
يترشح عن عملية الصراع التاريخي بين العولمة وضحاياها ردود أفعال ومبادرات كثيرة،
وهي تحاول توجيه النقد إلى هذا النظام الجديد وما آلت إليه من مشكلات للإنسان
والمجتمع والبيئة، وما يحتمل أن تؤول إن ظلت العولمة تنشغل بإنماء الرأسمالية،
وتعزز مؤسساتها، وزيادة تكديس الثروة لدى فئة صغيرة دون مراعاة لحقوق الإنسان الذي
يجد نفسه مكدوداً تحت وطأتها.
وانتصاراً لتلك
الحقوق ارتفعت أصوات جريئة تشير بالأصابع إلى أن بضعة مئات من الأثرياء بحوزتهم،
بفعل العولمة، ما يقرب من نصف الإنتاج العالمي.
*وهذه إحصائية مثبتة
في كتاب(فخ العولمة) تأليف الالمانيان(هانز بيترمارتن و وهارالدستون) الكتاب صدر
عام 1998م.
الإحصائية تقول: ان(358) مليار ديراً في العالم يمتلكون
ثروة تضاهي مايملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة.. لاحظوا هذه الفوارق الفلكية
الرهيبة!!.
*ونفس المصدر يقول: ان هناك 20 % من دول العالم تستحوذ على
85 % من الناتج الاجمالي العالمي وعلى 84 % من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85
% من مجموع المدخرات العالمية..
*وكأن الكرة الارضية بيد الرأسمالية الامبريالية..”وكالة من
غير بواب كما يقول المثل المصري المشهور” ان العالم المثقل بشرور واوزار هذا
النظام مطالب بالنضال من اجل ايجاد افضل الصيغ والاساليب لبناء نظام دولي جديد
يقوم على اسس العدل والتكافؤ ورعاية حقوق الانسان.
*هذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت اخر داخل كل
دولة حيث تستاثر قلة من السكان بالشطر الاعظم من الدخل الوطني والثروة الوطنية في
حين تعيش اغلبية السكان على الهامش.
*هذا التفاوت الطبقي الشاسع في توزيع الدخل والثروة سواءاً
على الصعيد العالمي او على الصعيد المحلي، لم يعد بالامر المزعج بل بات في رأي منظري
العولمة مطلوباً في حلبة التنافس العالمي الضاري.
*وقد أطلق عدد من
المختصين الاقتصاديين، التوفيقيين تعريفاً جديداً وتسمية جديدة للعولمة- المسار
الثالث- الذي يحاول التوفيق بين الليبرالية المغالى بها، والاشتراكية المقننة،
وبموجب ذلك يكون للدولة دورُ معتدل في توجيه الاقتصاد، مع إبقاء قدر عال من الحرية
للسوق، وراح أولئك المختصون يضعون الفروض حول ما يمكن أن يؤول إليه ذلك المسار على
أساس انه يؤدي إلى تقليص الفجوة بين طبقات المجتمع وينتهي إلى توازن اجتماعي
مقبول. إلى جانب هذا الطرح كان آخرون قد وجدوا في هذه المقولة الأخيرة تكراراً
لنظريات قديمة متآكلة لم يكتب لها القبول.
*وقد ظهرت دعوات
عالمية لمواجهة هذا المد العالمي ومفاهيمه من خلال الدراسات الجادة والبحوث
المستفيضة التي صدرت في كل أنحاء العالم وكذلك المظاهرات الصاخبة والأنشطة
والفعاليات المختلفة التي رافقت اجتماعات ولقاءات ممثلي دول العولمة في كل مكان
اجتمعوا فيه، في سياتل/ 1999م وفي مؤتمر التجارة العالمية، والمنتدى الاقتصادي
العالمي في دافوس في سويسرا في نفس العام ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية
في بانكوك/2000 والمؤتمرات اللاحقة وصولاً الى قمة الثمانية التي عقدت في منتجع أيفيان
الفرنسية في أيار 2003م.
*وأثناء انعقاد مؤتمر
القمة العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبرغ عاصمة جنوب إفريقيا في سبتمبر/
ايلول 2002م، والتي اطلق عليها(قمة الارض الثانية) في ذكرى مرورعشر سنوات على عقد
قمة الارض الاولى في ريودي جانيرو في البرازيل، والتي شارك فيها(65) الف منهم مائة
رئيس دولة.
حيث تواصلت في هذا
المؤتمر الهام المناقشات والمبادرات والنداءات في الوقت الذي انطلقت فيه اكبر
المظاهرات لمناهضة العولمة التي تهدف بالاساس للاحتجاج على حصاد النظام الدولي
الجديد- الفجوة الهائلة بين
الدول الغنية والدول الفقيرة-
*ان ما تشير اليه
وثائق المؤتمر من احصاءات وتقديرات في مجالي البيئة والتنمية يوضح لنا قتامة الوضع
الذي تواجهه الارض وسكانها.
-تضاؤل مصادر المياه
مسؤول عن مآسي كثيرة منها ان اكثر من مليار انسان لايروون عطشهم، والالاف منهم
يعانون سنوياً من الام مصدرها الماء، وان شحة المياه في بعض النقاط الساخنة من
العالم تنذر بتعقد النزاعات فيها، والشرق الاوسط مثال واضح على ذلك.
-نصف سكان العالم يفتقر الى العيش في وضع صحي مناسب،
في وضع تستشري فيه اوبئة فتاكة.
-اكثر من مليار انسان يعيشون تحت خط الفقر
بينما يعيش نحو مليارين دون كهرباء.
-المساحات الخضراء بدأت بالتضاؤل خلال سنوات التسعينات
بمعدل يقترب من الاف الكيلو مترات سنوياً
وما يترتب على ذلك من اضرار على المناخ والحيوان والنبات وأوجه النشاط الاقتصادي
المختلفة.
-نصف انهار العالم تعاني من التلوث
وتتعرض آلاف الأنواع من الحيوانات للانقراض.
-ملايين البشر يموتون سنوياً بسبب مرض(الايدز)
وما يتعلق به، اذ تمكن هذا الوباء من تحويل مناطق في القارة الإفريقية إلى مشهد
للموت والفقر بينما يمد رعبه إلى أجزاء عديدة من العالم لدرجات متفاوتة.. ولا يتلقى
ضحايا هذا الوباء الأدوية والأمصال المضادة إلا النزر اليسير، علماً بأنها متوفرة
وبكميات تجارية في دول العالم الأول!! “المعلومات المثبتة عن(قمة الأرض الثانية)
جوهانسبيرغ/2002 مجلة دراسات اقتصادية/ العدد- 15 /2002، بيت الحكمة - بغداد عن
وثائق المؤتمر المذكور”.
*إن بإمكان المراقب أن
يلاحظ آن التقدم العلمي والتكنولوجي ليس كله ايجابياً خاصة أن مفاتيح هذا التقدم
بيد الأقوى المسيطر، الذي لاتهمه سوى تلبية مصالحه في استغلال أربعة أخماس البشر،
ونتيجة للاستغلال اللاعقلاني يخلق العلم اعباءً جديدة مثل تلويث البيئة والاستنفاذ السريع لعدد من الموارد
الطبيعية، وتنشأ بذلك مخاطر جدية، بعضها يأتي من جانب الطبيعة نفسها التي
تنفعل وترد سلبياً على محاولات تغيير نظامها وان الأرض تكون نظاماً بيئياً عالي
التكامل بحيث أن أي تغيير في عنصر من عناصره يرجح أن تكون له عواقب بعيدة المدى،
وتؤدي إلى اختلال التوازن البيئي مثل ظاهرة الاحتباس الحراري، والفيضانات،
والتغييرات المناخية، والتصحر الذي يجتاح شمال إفريقيا، وكذلك المشرق العربي وما
يحدث للغابات وغيرها.
ومن الانعكاسات
السلبية للعلم في ميدان الصناعة- تحت رحمة قانون الربح- يشيرد. فؤائد مرسي
بكتابه(الرأسمالية تجدد نفسها) انه في الخمسينيات والستينات من القرن الماضي، كان العمر الافتراضي لاي من
المعدات يتراوح من(20) الى (30) سنة، اما في السبعينات فقد نقص الى(10) سنوات
واصبح الان(7) او(8) سنوات.
*ومن مظاهر
الانتقادات الموجهة(للعولمة) على صعيد عالمي أيضا هذا التقرير السنوي الذي قدمه الأمين
العام للامم المتحدة كوفي عنان- المعروف بأفكاره ومواقفة المحافظة- حيث أعلن في
الدورة(53) للجمعية العامة مطالباً بضرورة تصحيح الآثار السلبية للعولمة التي بدأت
تظهر على دول وشعوب العالم الأشد فقراً.
*واعتبر
عنان(العولمة) مسؤولة عن التحديات الهائلة التي وقعت ومازالت أمام الدول الفقيرة، وأوضح
أيضا بأن(قوى السوق) التي استفادت من ظاهرة العولمة كانت وراء الأزمة الاقتصادية الأسيوية
وتفاقم انعكاساتها المتمثلة بفقر متزايد، ومجاعة، وانتهاك حقوق الإنسان، واضطرابات
اجتماعية.
*والعولمة في وجهة
نظر الأمين العام تحد من هامش المناورة لدى الحكومات بل يجعلها عاجزة عن تصحيح
الانعكاسات السلبية في دولهم وتسببت تبعاً لذلك زيادة مطردة في ديون هذه الدول.
وبعد … ألا يحق لنا أن
نتساءل عن الطرفة المثبتة في صدر هذا البحث، هل بإمكاننا أن نرفض دعاوى العولمة،
كما رفض الخروف دعوة الذئب؟ ام ماذا؟.
ام ان شعوب العالم
التي تمردت وثارت طيلة القرن الماضي على سياسية(فَرَّقْ تَسُدْ) سترفع الراية البيضاء امام سياسة الليبرالية
الجديد(وَحَّدْ تَسُدْ) تحت مشيئة قوى السوق التي افرزت الكثير من الكوارث التي
تحدثنا عن جانب منها ضمن هذا الموضوع؟
ان النضال العالمي المتصاعد سيحقق”التفكك والانهيار
والتزامن للإمبراطوريات/وفق جدلية(ابن خلدون) التي قالها قبل اكثر من ستة قرون.. أي
قبل اكتشاف العالم الجديد!!
مارايك في المقال ؟ و
كيف ترى العولمة من وجهة نظرك أنت ؟
موضوع الساعة شكرا على مشاركتنا إياه
RépondreSupprimer