هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج
الأسباب، والآثار، ووسائل العلاج
مما لا شك فيه أن مسألة جذب الاستثمارات الأجنبية وعودة رأس المال الوطني المهاجر إلى خارج البلاد لم يعد خياراً أو أمراً يمكن تأجيل الطرح النظري والواقعي لـه،بل أصبح مطلباً وقراراً وطنياً وضرورة اقتصادية هامة تمليها ظروف العصر الحاضر ومتطلباته .
ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول النامية ومنها بالطبع الدول العربية والإسلامية إلى توفير الموارد المالية اللازمة لعملية التنمية الاقتصادية في بلدانها وتعزيز النمو الاقتصادي بها ، كان حجم الأموال المتدفقة إلى الخارج من قبل القطاع الخاص كبيراً مما تسبب في حرمان بلدانها من الموارد المالية المتاحة .
هذا الأمر لا يعني بأي حال من الأحوال عدم قدرة الاقتصاديات أو فاعليتها في استقطاب الاستثمارات الخارجيـة ومنها بالطبع الأموال المحلية المهاجرة للخارج ، ولكن ينبغي أن يكون ذلك في ضوء معالجة دقيقة للأسباب التي أدت ابتداءً لهجرة تلك الأموال الوطنية ، ومعرفة المسببات التي حدّت من استقطاب الاستثمـارات الأجنبية ، ومن ثمّ العمـل على تهيئة المناخ الملائم لاجتذابها وعودتها .
نظراً لأهمية موضوع هجرة رأس المال في اقتصاديات الدول العربية والتأثير الذي يحدثه فيها ، سنتناول بيان أسباب هجــرة تلك الأموال والآثار المترتبـــة عليها ، ومعرفة الأسباب التي يمكن أن تؤدي لعودتها ، والبحث عن الوسائل لعلاجها ، وبيان أوجه الاستثمار المناسب للأموال المهاجرة في حال عودتها .
رغم أنَّ هجـرة الأمـوال العربـيـة للخـارج لم تكن وليـدة سنـوات قـليلـة مضـت ، إلاَّ أنَّ الكـتابـة حـول هـذا الموضــوع كانت قليلـة ومحدودة نوعـاً ما ، مع ندرتها في الجانب التطبيقي ، واقتصار أغلب الكتابات في ذلك على مقالات سواء في صحف يومية أو على بعض مواقع الشبكة العنكبوتية .
أولاً :أسباب هجرة رأس المال
تتعد أسباب هجرة رأس المال للدول الغربيـة والمتقدمة لأمور كثيرة هامة، وسنستعرض هنا الآراء التي عبر فيها بعض من رجال الأعمال حول وجهة نظرهم في تأثير تلك الأسباب على هجرة رأس المال وفق الآتي :
1 اقتصادية ومالية :
لا بد في بداية الأمر من الإشارة إلى أنَّ سوء المناخ الاستثماري وتواضع مشروعات التنمية وضعف سوق الأوراق المالية في الدول العربيــة عموماً وعدم تنظيمها، والتغيرات الحاصلة في أسعار العملة المحلية واحتمال تخفيضها، وعدم توافر المعلومات الملائمة للمستثمرين عن حجم ونوعيـــــــــــــــــة الفرص الاستثمارية في الدول العربية وعدم وجود معاملة تفضيلية للمستثمر العربي بها ،مع انخفاض الربحية المتحققة للمستثمرين في الدول العربية قياساً بما يمكن أن يتحقق لـه في الدول المتقدمة ، سبباً هاماً من أسباب هجرة رأس المال منها، بل والطاردة للاستثمار الأجنبي إليها .
كما ينبغي الإشارة إلى أنَّ انخفاض الإنفاق الحكومي على المشروعات ، وغياب السوق المالية المتطورة ، وتعدد الرسوم وزيادتها على المستثمرين ، وعدم مواءمـة عدد من السيـاسـات والإجـراءات التشجيعـية مع ما تتطلبه مرحلـة النـمو الحالية والمستقبلية عائقاً في وجه الاستثمار المحلي .
2- تشريعية :
إنَّ لعدم وضوح القواعد القانونية واستقرارها ووحدة مبادئها في مجال الاستثمار ، مع وجود القوانين أو التنظيمات التي تحد من حرية المستثمر في نقل أرباحه الاستثمارية ، أو على خروج رأس مال المستثمر الأجنبي في حال رغبته تصفية مشروعه الاستثماري ، فضلاً عن قيام بعض الدول بتأميم المشاريع الاستثمارية لديها حسب المبادئ الاقتصادية التي تعمل وفقهـا ، كل ذلك وغيره يعد من القوانـين والأنظمـة التي تسهـم إلى حـد كبـير في هـجـرة رأس المال المحلي إلى الـخارج ، وإلى نفـور رأس الـمال الأجنـبي من البـلاد وعـدم استقطـابـه إليها .
3- جمركية :
و يمثل متوسط التقويـم حول الأسباب الجمركية المعيقة للاستثمـار نسبة لا تفل أهمية عن سابقيه، والتي تؤثر في استقرار رأس المال المحلي وبقائه، كارتفاع الرسوم الجمركية ، ويعد هذا سبباً مهماً في هجرة رأس المال المحلي .
4- بيروقراطية الأنظمـة :
يمثل انخفـاض الوعي الإداري للمسئـولين الاقتصاديـين من أصحـاب النهـج الروتيني وبيروقراطـي الأنظمة ،تعقيداً للمشكلات التي تعترض المستثمرين ولا تسهم في حل المشاكل التي تعترض قيام مشروعاتهم الاستثمارية أو تحقق سبل النجاح لها ، فالإجراءات التي يتعين الأخذ بها للحصول على الموافقة لإقامة المشروع ، أو حل تلك المشاكل التي تواجههم ، تعترضها كثرة القيود وتضارب القرارات وتعدد الجهات ، فنراها تمر بلجانٍ منبثقة من لجان أخرى ولمدد طويلة وفي إدارات حكومية عدة ،مما يصيب المستثمر بالملل ويفوت عليه فرصة استثمارية ناجحة ، ويدعوه إلى البحث عن مكان آخر يجد فيه التسهيل الإجرائي لإقامة مشاريعه وتلاشي القيود التي تعترضها . طول إجراءات ومراحل التأسيس للمشروعات ، أو تعدد الجهات الحكومية المطلوب موافقتها لتأسيس المشروع ،مما قد يتسبـب في الإسهـام بهجرة رأس المـال .
5- الاستقرار الأمني :
أهمية الاستقرار الأمني للدولة أو الدول المجاورة في قيام الاستثمـار وما قد يسببه انعدامه في الإسهام بهجرة رأس المال ،
ثانياً : الآثار المترتبة على هجرة رأس المال
لا يخلو الأمر في هجرة رأس المال للدول الغربيـة والمتقدمة من آثار سلبية عدة على اقتصاديات تلك الدول العربية
1- ضعف النمو الاقتصادي :
يمثل رأس المال عنصراً هاماً من عناصر الإنتاج ، ويعتمد عليه الناتج المحلي بشكل كبير في اقتصاديات الدول ، وعليه فإن هجرة رؤوس الأموال ونزوحها يعد فاقـداً للاقتصـاد المحلي وبالتالي انخفـاض مساهمـة رأس المال في الناتـج المحلـي الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي في المجتمعات التي تهاجر منها رؤوس الأموال .
2- ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة :
هناك ارتباط عكسي بين معدل الاستثمارات ومعدل البطالة ، وتكمن هذه العلاقة في أن الاستثمارات في المشاريع الاقتصاديـة تسهـم في إيـجاد فرص توظيف من خلال الطلـب على عنصـر العمـل ، وفي حـال هجـرة رؤوس الأمـوال ينخفـض مستوى الاستثمـارات وبالتالي ينخفـض الطلـب على العمـل مـما يؤدي إلى ارتفـاع معدل البطالة في المجتمع .
3- تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة :
مع هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج ، يتأثر الاقتصاد المحلي بإمكانية استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة في الدولة ، إذ الموارد الاقتصادية في أي بلد تتطلب رؤوس الأموال من أجل تحويلها إلى موارد اقتصادية إنتاجية سواء سلعية أم خدمية ، ولذا كان من آثار هجرة رؤوس الأموال تعطيل الموارد الاقتصادية في المجتمع وعدم استغلالها .
4- استنزاف الاحتياطات النقدية للدولة :
من الآثار السلبية لهجرة رؤوس الأموال ، استنزاف احتياط الدولة من النقد الأجنبي ، وذلك من خلال عرض العملة المحلية لأصحاب رؤوس الأموال المهاجرة طلباً للعملات الأجنبية المتوفرة لدى الدولة ، وهذا يؤثر سلباً على مكانة الدولة الاقتصادية المتمثل في حجم الاحتياطيات النقدية لديها .
5- عدم استقرار العملة المحلية :
تؤثر هجرة رؤوس الأموال سلباً على قيمة العملة المحلية ، حيث أن خروج هذه الأموال يتطلب تحويلها إلى عملات أجنبية ، أي زيادة عرض العملة المحلية أمام العملات الأجنبية الأمر الذي يُفضي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية نتيجة لزيادة عرضها،إضافة لذلك- كما سبق- أنَّ الطلب على العملات الأجنبية نتيجة لهجرة رؤوس الأموال يخفض من احتياط الدولة من هذه العملات مما يضعف قدرتها في التحكم وحماية عملتها إذا ما أصبحت في مستويات لا ترغبها الدولة .
ثالثاً :العلاقة فيما بين الأسباب والآثار لهجرة رأس المال
1- العلاقة بين السبب الاقتصادي والمالي لهجرة رأس المال وآثار هجرته:
حسب استبيان قام به أحد الباحثين وجد أنه :
1-أنَّه لا توجد علاقة بين السبب الاقتصادي والمالي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي ، أو في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة،أو في تـعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة،أو في استنزاف الاحتياطيـات النقديـة للدولـة،حيث لم يتجـاوز معامل الارتباط 21,8%.
2-أنَّ هناك علاقة إيجابية بين السبب الاقتصادي والمالي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في عدم استقرار العملة المحلية ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض بلغ 34,4 % .
2- العلاقة بين السبب التشريعي لهجرة رأس المال وآثار هجرته :
كذلك من خلال الدراسة وجد أنه :
1-أنَّه لا توجد علاقة بين السبب التشريعي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي،أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة، أو في استنزاف الاحتياطيات النقدية للدولة،أو في عدم استقرار العملة المحلية حيث لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.
2- جود علاقة إيجابية بين السبب التشريعي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض جداً بلغ 22,7% .
3- العلاقة بين السبب الجمركي لهجرة رأس المال وآثار هجرته :
اتضح الآتي :
1-عـدم وجود علاقـة بين السبب الجمركي لهجـرة رأس المـال وأثـر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي، أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة، حيث لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.
2-أنَّ هنـاك علاقــة إيجابيـة بين السبب الجمـركي لهجـرة رأس المـال وأثـر ذلك في ضعـف مستـوى التشغـيـل وارتفـاع نسـب البطالـة ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض بلغ 47,6% .
3-وجـود عـلاقــة إيجابـيـة بين السبب الجمركي لهجـرة رأس الـمال وأثـر ذلـك في استنـزاف الاحـتيـاطيـات النقـديـة للـدولـة ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض جداً بلغ 29,1%.
4-أنَّ هناك علاقة إيجابية بين السبب الجمركي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في عدم استقرار العملة المحلية ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة متوسط بلغ 56,9%.
4- العلاقة بين سبب بيروقراطية الأنظمـة في هجرة رأس المال وآثار هجرته:
نجد الآتي :
1-عدم وجود علاقـة بين سبب بـيروقراطـيـة الأنـظمـة في هجـرة رأس الـمال وأثـر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي ، أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصاديــة داخل الدولــة ، أو في استنزاف الاحتياطيــات النقديــة للدولــة حيث لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.
2-أنَّ هنـاك علاقـة إيجابيـة بين سبب بـيروقراطـيـة الأنـظمـة في هجـرة رأس المـال وأثـر ذلك في ضعـف مستوى التشـغيل وارتفـاع نسب البطالـة ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ،وبمستوى علاقة منخفض بلغ 37,6 %.
3-وجود علاقة إيجابية بين سبب بيروقراطية الأنظمـة في هجرة رأس المال وأثـر ذلك في عدم استقرار العملــة المحلية،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة متوسط بلغ 51,3%.
5- العلاقة بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وآثار هجرته :
يتضح لنا الآتي :
1-أنَّه ليس هناك علاقة بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي،أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة،أو في استنزاف الاحتياطيات النقدية للدولة،إذ لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.
2-وجود علاقة ايجابية بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض بلغ 33,5%.
3-أنَّ هناك علاقة ايجابية بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وأثر ذلك في عدم استقرار العملة المحلية ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض بلغ 30,2%.
رابعاً:أسباب عودة رؤوس الأموال المهاجرة
هناك أسباب وعوامل عدة مؤثرة في عودة رؤوس الأموال المحلية المهاجرة لموطنها ، وسنستعرض هنا الآراء التي عبر فيها عدد من رجال الأعمال حول وجهة نظرهم في تأثير تلك الأسباب على عودة رؤوس الأموال المهاجرة وفق الآتي :
1- تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي :
ترتبط هجرة رؤوس الأموال في العادةِ بالبيئة الاقتصادية وفرص الاستثمار المتاحة ، والتي بدورهـا ترتبط بمعدلات نمو الاقتصـاد ، ولعل أحد أسبـاب عـودة رؤوس الأموال المهاجرة ، هو تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي في الآونة الأخيرة نتيجة للأحداث الإرهابية الأخيرة ولعل من أبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية،والتهديدات المستمرة التي أثرت سلباً على التوقعات المستقبلية لاستقرار اقتصاديات الدول المتقدمة .
2- تدني عائد الاستثمار الخارجي :
تمثـل عوائـد الاستثـمار هـدفـاً أساسيـاً لحركة واتجـاه رؤوس الأموال، فكلما انعدمت أو انخفضت عوائد الاستثمارات في بيئة معينـة ، كلمـا أدى ذلك لانخفض تدفق الاستثمارات إليها والبحث عن بيئـة أخرى تتوفـر فيها فـرص استثمارية ذات عوائد أعلى .
3- مخاوف تجميد الأموال في الخارج :
تشكل الأنظمة والقوانين والسياسات الاقتصادية المتشددة التي تفرض على رؤوس الأموال المهاجرة - إلى مختلف دول العالم عمومـاً والمتقدمـة منها على وجه الخصوص - نتيجة لأسبـاب سياسيـة أو اقتصاديـة أو أمنيـة أو خلافـه سبباً لعودتها،لاسيما حين يتنامى لدى أصحاب رؤوس الأموال تلك مخاوف من تجميد استثماراتهم أو تأميمها نتيجة لهذه السياسات الأمر الذي يؤدي إلى عودة رؤوس الأمـوال إلى بلدانهـا أو البحـث عن بيئة اقتصادية تتوفر فيها سياسات اقتصاديـة آمنة ومحفزة للاستثمار .
4- انضمام الدولة لمنظمة التجارة العالمية .:
تهدف منظمة التجارة العالمية (W.T.O) إلى تحقيق مفهوم عولمةٍ اقتصادية وذلك من خلال إزالة أو تخفيف العقبات والقيود التي تفرضها الدول على حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال ، وبالتالي فإن انضمـام الدولـة إلى منظمة التجـارة العالميـة واتفاقياتـها من شأنـه أن يؤدي إلى إيـجاد بيئة استثماريـة جاذبة لرؤوس الأمـوال نتيجة لزوال أو انخفـاض العقبات المفروضة على حركة رؤوس الأموال.
5- تحقق الاستقرار الداخلي اقتصاديا ً وسياسيا ً وأمنيا ً :
لا يعد الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني عوامل رئيسة لعودة رؤوس الأموال الوطنية المهاجرة فقط ، بل الأمر يتعدى لجذب واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية ، إذ تبحث الاستثمارات دائماً عن البيئة الاقتصادية ذات المخاطرة المنخفضة والتي يوفرها الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني، بينما تتجنب البيئة الاقتصادية التي لا يتوفر فيها ذلك لأن الاستثمار في مثل هذه البيئة يتَّسم بمخاطرة عالية .
خامسا ً: وسائـل العـلاج لهجـرة رؤوس الأمـوال للخارج
لعلاج المشاكل والمعوقات التي تعترض سبيل توطين الأموال المحلية وعدم هجرتها ، أو جذب رأس المال الأجنبي للداخل
1- وضـع القوانــين والتشريعــات الاستثماريــة الداخلية وعدم إيجــاد قيود على الاستثمار :
إنَّ لوضع القواعد والأنظمة واللوائـح الاقتصادية والاستثمارية التي تكفل حقوق المستثمر المحلي والأجنبي وتبين العلاقة القانونية بوضوح وجلاء فيما بين المستثمر والدولة وبما يتلائم مع معطيـات النظام الاقتصـادي العالمي الجديـد،الأثر البالغ في توطين رأس المال المحلي وجذب الاستثمارات الخارجية،
2- تطويـر أنظمـة وقوانـين الشركـات المحليـة بإتاحة مـجـالات الاستثمـار لها دون تقييـــد بنشاط معين :
مما ينبغي مراعاته لدعم وتنمية القطاع الاستثماري الداخلي ، العمل بجدية على تطوير كافة الأنظمة الخاصة بالشركات المحلية وبالأخص ما يتعلق بفتح مختلف المجالات الاستثمارية دون تقييد الاستثمار في قطاع ٍ أو نشاط محدد .
3- تعميق الخصصة :
تسهل سياسة الخصخصة ، توظيف مدخرات القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني بدلا ً من توجيهها إلى خارج البلاد،كما يمثل تعميق الخصخصة في القطاع العام و ما تمتلكه الدولة في الشركات المساهمة ، عامل هام في عودة رؤوس الأموال المهاجرة ،ولذا سعت الدولة في المملكة العربية السعودية إلى تحقيق ذلك الهدف ، فعمدت إلى خصخصة بعض القطاعات الخدميـة كقطاع الكهرباء والاتصالات، وطرح أسهمها في الشركات المساهمة بشكل متدرج كما في شركة سابك الصناعية
4- السهولة في التعامل والبعد عن البيروقراطية :
من العوامل الهامـة التي تؤثـر بشكل كبـير في جذب الاستثمار الأجنبي وعودة رؤوس الأموال المهاجرة ،أو عدم هجرتها مستقبلاً ،قيام إدارة اقتصاديـة في الدولـة لها تأثير قوي في إنهاء كافة المشاكل والعقبات التي تعترض سبيل المستثمر والبعد عن البيروقراطية والإجراءات الروتينية في إنجاز المعاملات والمتطلبات اللازمة لمشروعاته الاستثمارية .
5- الوضوح والشفافية في تقديم الصورة الحقيـقيـة لواقع الاستثمار في الداخل للشركات والمصارف الداخلية :
تعد الشفافية والوضـوح لاسيما في السوق الماليـة من أهم العوامل التي توفر الثقة للمستثمر من الداخل أو الخارج ، وبحجم هذا الوضوح وقدره تكون السوق المحلية أكثر جاذبيـة للاستثمارات ، ولن يتأتى ذلك إلاَّ من خلال إلزام الجهات المعنية والمشرفة على الاستثمار في المملكة بإلزام المصارف والشركات المساهمة بتحقيق ذلك .
6- تطوير تكنولوجيــــا المعلومــات في الأنشطـــة الاقتصادية المختلفة :
لا بد لجذب الاستثمارات المحلية والمهاجرة بصفة عامة ، والأجنبية على وجه الخصوص ،من العمل على تطوير تكنولوجيا المعلومات الحالية ، فإن لم تكن متوافرة ،فيجب القيام على تهيئة تقنية معلوماتية متطورة تواكب متطلبات النشاط الاستثماري الحديث في مختلف الأنشطة .
7- وجـود أجهـزة ماليــة ومصرفيـة متطــورة مـع العمل على تطوير صيـغ الاستثمـار في المصــارف الداخلية :
ينبغي لتحقيق نمو استثماري مرتفع،توفر بيئة استثمارية مثلى قادرة على تلبية رغبات المستثمرين ، ومن ذلك إظهار سياسات مالية عامة واضحة المعالم ، وإيجاد أجهزة مالية ونظام مصرفي متطور قادر على استحداث وتطوير صيغ الاستثمار المختلفة .
سادساً : أوجه الاستثمار المناسب للأموال المهاجرة في حال عودتها
للأموال المهاجرة في حال عودتها عدد غير قليل من أوجه الاستثمار المناسب لمجتمعاتها وفق ضوابط وصيغ استثمارية شرعية ، مع توفر ميزات عدة للاستثمار في بلدانهم النامية ، كالانخفاض النسبي لتكلفة عوامل الإنتاج ، والاستفادة من التسهيلات والمزايا والإعفاءات المقدمة لتشجيع قدوم الاستثمارات مما لا يتوفر في البلدان المتقدمة أوجه الاستثمار المناسب للأموال المهاجرة في حال عودتها وفق الآتي :
أولاً: أوجه ومجالات الاستثمار المالي والنقدي:
ومما لاشك فيه أنَّ لوجود مجالات وقنوات استثمارية مالية ونقدية ، أهمية في عودة رؤوس الأموال المهاجرة ، وجذب للاستثمارات الخارجية ، وذلك لما يمثله سوق المال من دور بارز في تسهيل التقاء الوحدات التي تحقق فوائض ممثلة في مدخرات الأسر والأفراد والمؤسسات بوحدات العجز ممثلة في الحكومات و رجال الأعمال .
ثانياً: أوجه ومجالات الاستثمار العيني المباشر:
تتعدد مجالات الاستثمار العيني المباشر وتتنوع أنشطتها،مما يمكِّن من استيعاب الأموال المهاجرة والعائدة لأوطانها ، أو الاستثمارات الأجنبية الوافدة .
- الاستثمار في مشروعات البنية الأساسية :
تعد مشروعات البنية الأساسية التي انتهى أو قرب انتهاء العمر الافتراضي الإنشائي لكثير منها في ظل الخصخصة للقطاعات الخدمية ، مشروعات وفرص استثمارية تحتاج إلى ضخ مبالغ كبيرة جداً للاستثمار فيها، ومن ذلك مشروعات الطرق وإقامة المدن الصناعية ، هذا بالإضافـة إلى الحاجة للاستثمـار في القطاعـات الصحية والتعليمية وقطاع الاتصـالات نظراً لارتفـاع حجم الطلب المتزايد عليها .
- الاستثمار في المشروعات التجارية :
يعتبر النشاط التجاري شريان الحياة لجميع الأنشطة الأخرى لإسهامه في تنمية مصادر الدخل الوطني ، وتوفير متطلبات المواطنين من السلع والخدمات التي يحتاجونها ،وهو بذلك سلة استثمارية قادرة على استيعاب الأموال العائدة للوطن، ومجالاً خصباً للمستثمرين .
- الاستثمار في المشروعات الصناعية :
تعد الصناعة قاعدة أساس في الاستراتيجية الاقتصادية السعودية وركيزة هامة فيه حيث تتميز المملكة بوجود مناخ استثماري ملائم في مجال الصناعة وذلك لما توفره من مواد خام أولية للصناعات الكيماوية والبلاستيكية
- الاستثمار في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني :
تعد سياسة الدعم التي اتبعتها الدولة مع المزارعين ، والتسهيلات الكبيرة التي قدمتها لهم ، سواء بشراء بعض المحاصيل ، أو من خلال تقديم القروض الميسرة الخالية من الفوائد الربوية من صندوق التنمية الزراعي، أو بالتسهيلات الجمركية للمعدات ، مع الحماية الجمركية للمنتجات و غير ذلك ،عاملاً هامـاً في النهضة الزراعية بالمملكة، ولقيام الشركات الزراعية والحيوانية والسمكية ،مما جعل عملية استثمار الأموال العائدة فيها خياراً جيداً .
- الاستثمار في المجال العقاري :
ويمثل قطاع البناء والتشييد بالمملكة،وعاء استثماري كبير ومناسب للأموال العائدة نتيجة للنهضة العمرانية التي تشهدها المملكة بتوسع المدن، وزيادة الكثافة السكانية،والدعم الذي تقدمه الدولة لهذا القطاع من خلال صندوق التنمية العقاري.
- الاستثمار في المجال السياحي :
يكتسب القطاع السياحي أهمية كبرى بكافة الدول ، لكونه مصدر هام من مصادر الدخل الوطني ، إلاَّ أنَّه لم يتم إلى الآن إشباع القطاع السياحي بالمملكة بالاستثمارات المناسبة ، بما يتلائم مع حجم وتنوع الاستثمار السياحي فيها ، رغم قيام الدولة بإعداد كافة التسهيلات الخدمية لقطاع السياحة من مشروعات مياه وطرق وكهرباء وأمن واتصالات .
- الاستثمار في قطاع الطاقة(كهرباء-غاز- نفط) :
تمثل الطاقة بمكوناتها المختلفة- كهرباء ، غاز ، نفط - عصب الحياة الاقتصادية وشريانها ، ويعد النفط المصدر الأساس لإيرادات المملكة العربية السعودية ، ولذا عمدت الدولة إلى تطوير قطاع النفط والاستفادة الكاملة من كافة مكوناته ومشتقاته دون الاقتصار على إنتاج النفط الخام منه .
- إنشاء شركات تأمين تعاوني متعددة :
ويعد هذا القطاع والتوسع المتوقع في إنشاء شركات تأمين تعاونية جديدة نظراً لتوجه الدولة إلى إلزام الجهات العاملة بالتأمين الطبي ، والمواطنين والوافدين بالتأمين الأمني المروري ، مع ازدياد عمليات التأمين على موجودات الشركات والمؤسسات والأفراد ، مجالاً استثمارياً خصباً لاستيعاب جانب كبير من رؤوس الأموال العائدة .
- شراء المشروعات العربيــة والإسلاميــة العامـة التي يتم خصخصتها:
من خلال برامج الخصخصة التي تقوم بها البلدان العربية أو الإسلامية لكثير من مشروعاتها ، يمكن للمستثمر السعودي أن يقوم بالاستثمـار فيما يتم تخصيصيه من تلك المشروعـات ، بالأموال التي يمتلكها في استثماراته المهاجرة بالدول الغربية .
- المشاركـة مع الدول العربيـة والإسلاميـة في صيغ استثمارية مختلفة على أسس إسلامية :
يسهم الأسلوب الاستثماري مع حكومات عربية وإسلامية بصيغ استثمارية شرعية مختلفة من فتح أفقٍ استثماري كبير للأموال العائدة من هجرتها في الدول الغربية ، وذلك في مجالات عدة كمشاريع الطاقة والنقل والطرق والاتصالات والمياه وغير ذلك .
- المشاركة في إنشاء شركات متعددة الجنسيــة عربياً وإسلامياً :
يُمكِّن توجه المستثمر السعودي إلى القيام بإنشاء شركات متعددة الجنسية عربيأ وإسلامياً لإنتاج السلع والخدمات في مجالات مختلفة ، إلى فتح أسواق استثمارية جديدة تستوعب جزءاً كبيراً من رؤوس الأموال المهاجرة في الدول الغربية حال عودتها ، وتحدث تنوعاً في مجال الاستثمار السعودي جغرافياً ، ولكن في دولٍ عربية أو إسلامية .
الخِاتِمَـــــــة
من خلال القراءة في هذا الموضوع والكتابة فيه ظهرت مجموعة من النتائج وتبينت بعض التوصيات لعل أهمها ما يلي :
*هناك أسباب كثيرة لهجرة رؤوس الأموال للدول المتقدمة : كالأسباب الاقتصادية والمالية والتشريعية والجمركية ، بالإضافة لبيروقراطية الأنظمة وعدم الاستقرار الأمني ،.
*يترتب على أسباب هجـرة رؤوس الأمـوال نتـائج وآثار عدة :كضعف النمو الاقتصادي، وضعف مستوى التشـغيـل وارتفاع نسب البطالـة ، و تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة ، و استنزاف الاحتياطيات النقدية للدولة ،وعدم استـقرار العملة المحلية ،
*لعودة رؤوس الأموال المهاجرة لأرض الوطن مسببات : من أبرزها تباطؤ النمو الاقتصادي العالي ، وتدني عائد الاستثمار الخارجي ، ومخاوف المستثمرين من تجميد رؤوس أموالهم ، وكذا اتجاه الدولة للانظمام لمنظمة التجارة العالمية ، وتحقق الاستقرار الداخلي اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ،
*هناك وسائل لعلاج هجرة رؤوس الأموال للخارج أو الحد منها، ومن ذلك : وضع القوانين المنظمة للاستثمار وتطويرها ، وتطوير الأجهزة المالية والمصرفية،وعدم وضع القيود على الاستثمار ،وتعميق برامج الخصخصة والبعد عن التعامل البيروقراطي في إنها الإجراءات الاستثمارية ، والوضوح والشفافية في تقديم الصورة الحقيقية لواقع الاستثمار في البلاد ، مع تطوير تكنولوجيا المعلومات الاقتصادية ،
*تعدد وتنوع مجالات وقنوات الاستثمـار ، والتي يمكن من خلالها استيعاب الأموال المهاجرة العائدة لوطنها ، بالإضافة للاستثمارات الأجنبية ومنها:مجالات الاستثمار المالي والنقدي، ومجالات الاستثمار العيني المباشر العديدة : كالاستثمار في مشروعات البنية الأساسية، والاستثمار التجاري،والصناعي،والعقاري، والسياحي، والإنتاج الزراعي والحيواني، وإنشاء شركات التأمين التعاوني، والمشاركة مع الدول العربية والإسلامية في صيغ استثمارية مختلفة على أسس إسلامية ، وكذا المشاركة في إنشاء شركات متعددة الجنسية عربياً وإسلامياً،
التوصيات :
* ينبغي قيام المصارف المحلية بالبحث عن صيغ استثمارية مختلفة على أسس شرعية لإيجاد منافذ استثمارية جديدة لأصحاب رؤوس الأموال .
*على الدولة الإسراع في إنشاء سوق للأوراق المالية وفق ضوابط تضمن حقوق المتعاملين في السوق .
*استمرار الدولة في سياسة التخصيص لمختلف قطاعات الدولة الخدمية وما تمتلكه من أسهم في الشركات المساهمة ، لتسهم في امتصاص السيولة النقدية من مدخرات المواطنين .
*الدعوة إلى قيام باحثين آخرين بعمل دراسات اقتصادية متخصصة في بعض جزئيات الموضوع ، والتي يتطلب الأمر دراستها بشكلٍ أكثر تعمقاً وتفصيلا ً .
أخي الفاضل .. هذه إستبان معد لبحث علمي يهدف إلى دراسة وتحليل مشكلة هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج ، ويسعى البحـث لمعرفة الأسباب المؤدية لذلك والآثار المترتبـة عليه وسبل علاج المشكلة ، لذا آمل منك أخي الكريم أن تكون أحد المشاركين في تناول جوانب المشكلة من خلال تعبئة هذه الإستبانة ، شاكراً لك سلفاً إسهامك هذا ( الإجابة تكون على خلاف ما ذكر في هذه الورقة ) .
(1) ما هي في رأيك معوقات الاستثمار المحلي وأسباب هجرة رأس المال ؟
(2) ما هي في رأيك الآثار المترتبة على هجرة رأس المال ؟
(3) ما هي في رأيك أسباب عودة رؤوس الأموال المهاجرة
(4) ما هي في رأيك السبل المثلى لعلاج مشكلة هجرة رؤوس الأموال للخارج :
(5) ما هي في رأيك أوجه الاستثمار المناسب للأموال المهاجرة في حال عودتها ؟
6- إذا كان لديك ملاحظات ، فضلاً أكتبه: ..........................................................................................
شكرا لكم على هذه المعلومات القيمة
RépondreSupprimerالتقييم(تقييم الخاص): 9/10
بارك الله فيكم
موضوع شيق و معمق احسنت و جازاك الاه خيرا
RépondreSupprimerلا يوجد فرق بين رأس المال العربي والأجنبي وإنما الفرق في الفرص والظروف التي تتاح لهما.
RépondreSupprimerإذا أردتني أن استثمر في الوطن أعطني الأمان.
استثمردبنارا في بلدك تنقذ اسرة من الفقر
RépondreSupprimer