قواعد المنشأ في ظل التجارة الخارجية
المقدمة
تعتبر قواعد المنشأ من الركائز الأساسية والبالغة الأهمية في الأعمال الجمركية وتزداد أهميتها بازدياد الاتفاقيات الاقتصادية التي تبرمها الدولة مع باقي الدول أو مع الاتحادات الجمركية وتعمل الدول على فرض قيود مختلفة على دخول السلع الشبيهة أو المماثلة الأجنبية إلى السوق الوطنية، كإجراء لحماية السلعة الوطنية من المنافسة الخارجية، وهي لذلك تفرض أنواعا مختلفة من القيود، منها ما يؤدي إلى منع دخول السلع إلا وفق شروط محددة، ومنها ما يؤدي إلى عرقلة دخول تلك السلع بسبب الإجراءات الإدارية والعمال الروتينية، التي تجعل المورد الأجنبي يصرف النظر عن تصدير إلى الدولة التي ترسخ تلك القيود والإجراءات وبالتالي نحن أمام نوعين من القيود:
النوع الأول:يمثل القيود الجمركية المفروضة على السلع المستوردة في المنافذ الجمركية،أما
النوع الثاني: فمن خلال القيود الكمية والقيود الإدارية التي ترافق إجراءات العمليات التجارية، وهذا النوع يستخدم عادة لحماية السلع والصناعات الوطنية غير القادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، وللتحايل على نصوص الاتفاقيات الدولية التي تدعو جميعا إلى تبسيط وتسهيل التجارة الدولية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك نوع ثالث:من القيود ويتعلق بإجراءات إثبات المنشأ الوطني للسلعة، ويستخدم في غالب الأحيان كقيد على حرية التجارة
وبهدف تسهيل وتبسيط الإجراءات التجارية وتحقيق الكفاءة في التجارة على المستوى الدولي، وبغية الحد من التراعات والخلافات الناجمة في سياق التجارة بين الدول بسبب المنشأ الوطني للسلعة تبذل الجهود على المستوى الدولي نحو ترسيخ قواعد وأسس تجارية وفق معايير معينة متفق عليها، الغاية منها زيادة الاتساق والتنميط والتبسيط في مجال الإجراءات التجارية وتبادل السلع.وإيجاد معايير ملائمة ومشتركة على مستوى العالم، في سبيل تحقيق تبادل المنافع بشكل متوازن ومعقول. وتنبع أهمية الدراسة في:
- باتت مسالة قواعد المنشأ تكتسي أهمية بالغة خاصة في السنوات الأخيرة إذ أنها أصبحت أحد مرتكزات النظام التجاري الدولي الأساسية، ويعود السبب في ذلك إلى تعقد وتشابك العلاقات التجارية الدولية بشكل كبير جدا، لدرجة أصبحت معها إحدى الاتفاقيات أثر قواعد المنشأ على التجارة الخارجية للدول . الأساسية في إطار منظمة التجارة العالمية، أو في إطار الاتفاقات التجارية الدولية متعددة الأطراف أو الثنائية، أو بين أي مجموعة من الدول في أي مستوى تكاملي فيما بينها.
- تعتبر قواعد المنشأ من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء ارتفاع التكاليف الادارية وتكاليف المعاملات وتقوية الاندماج التجاري والاقتصادي .
وينقسم هدف الدراسة إلى هدفين أساسيين هما:
- توضيح بعض المصطلحات الأساسية المتعلقة بقواعد المنشأ، بالإضافة إلى إبراز الأثر الذي تحدثه هذه الأخيرة في العلاقات التجارية الدولية، ومن ثم تبيان إمكانية قيام قواعد منشأ موحدة على مستوى العالم.
- تبيان أثر قواعد المنشأ على التجارة الخارجية لدول شمال إفريقيا، وذلك سعيا إلى التعرف على مدى إفادة قواعد المنشأ لاقتصادات هذه الدول أو عكس ذلك إعاقتها لها، في محاولة لتقديم بعض الاقتراحات التي قد تساهم في إيجاد تدابير أمثل لقواعد المنشأ لمواجهة الرهانات والتحديات التي تطرحها هذه القواعد أو الأدوات أمام الاقتصاديات وتتمثل فرضيات البحث في:
- لقواعد المنشأ أهمية كبيرة في العلاقات التجارية الدولية.
- لقواعد المنشأ التي يتم التفاوض بشأنها في إطار منظمة التجارة العالمية دور جوهري في تنشيط التجارة الدولية.
- تعد المعايير المستخدمة لإثبات المنشأ الوطني للسلعة كافية وليس هناك حاجة لابتكار معايير جديدة.
- هناك إمكانية لإيجاد قواعد منشأ موحدة ومنسقة على مستوى العالم.
- تعتبر قواعد المنشأ من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع التكاليف الادارية وتكاليف المعاملات فهي تمثل عائقا أمام زيادة المبادلات التجارية في إطار الاتفاقات التجارية الإقليمية.
أثر قواعد المنشأ على التجارة الخارجية لدول شمال إفريقيا
أولا-قواعد المنشأ ودورها في التجارة الدولية
تتجه العلاقات التجارية الدولية نحو السعي لإيجاد آلية تكون من خلالها المشاكل الناجمة عن قضايا المنشأ الوطني للسلعة في حدها الأدنى، حيث أنه لا يمكن إلغاءها كليا، وإننا لنلاحظ بسهولة أن معظم الصراعات والمشاكل الدولية التي قامت وتقوم، إنما تعود لأسباب ترتكز في جوهرها إلى بعد اقتصادي، يتجلى من خلال سعي كل دولة لتحقيق أعظم ما يمكنها من منافع في سياق علاقاتها التجارية مع دول العالم الأخرى، إن من خلال حماية سلعها الوطنية من السلع القادمة المنافسة بإقامة جدران حول أسواقها الوطنية، أو محاولة فتح أسواق العالم أمام تلك السلع، وفي كلتا الحالتين تحاول قوننة هذا الإجراء ضمن نصوص قانونية دولية معترف بها. إذن تعد هوية السلعة المحور الذي تدور حوله الاتفاقيات التجارية الدولية والناظم الحقيقي لاتجاهاتها، وانطلاقًا من السعي العالمي نحو تبسيط الإجراءات التجارية واستقرارها وتحقيق الكفاءة في التجارة الدولية، مع ضرورة الحفاظ على المصالح الوطنية لكل الأطراف يتجه العمل على المستوى الدولي نحو ترسيخ قواعد وأسس تجارية تهدف إلى زيادة الاتساق والتنميط في مجالات التجارة وتبادل السلع.
إن جملة القواعد والأحكام والأسس التي يتم الاتفاق عليها في إطار الاتفاقيات التجارية والتي تتناول في إطارها العام المنشأ الوطني للسلع هي ما يعرف ب "قواعد المنشأ".
-1 مفهوم قواعد المنشأ، أهميتها والمبادئ التي تقوم عليها
وفق أدبيات منظمة التجارة العالمية م تعرف قواعد المنشأ التجارة العالمية على أنها "مجموعة القوانين والنظم والأحكام الإدارية ذات التطبيق العام، التي يطبقها أي عضو لتحديد بلد منشأ السلعة، على شرط أن تكون "قواعد المنشأ" هذه لا تتعلق بالنظم التجارية التعاقدية أو المستقلة ذاتيًا التي تؤدي إلى منح أفضليات تعريفية تجاوز ما ينتج من تطبيق اتفاقية "الجات" 1994 ".أي أنها مجموعة المعايير والأسس التي يحددها أي عضو لتكتسب السلعة على أساسها صفة "المنشأ الوطني"، و التي يترتب عليها الاستفادة من الإعفاءات الجمركية المنصوص عنها في إطار اتفاقيات التجارة التفضيلية، بشرط أن لا ينتج عن هذه القواعد مزايا وإعفاءات تزيد عن تلك الممنوحة في إطار منظمة التجارة العالمية، وفقا لمبدأ المعاملة الوطنية أو الدولة الأولى بالرعاية، الذي يمنع أي دولة عضو في المنظمة منح إعفاءات أو مزايا لسلع دولة أخرى(سواء كانت عضوًا في المنظمة أم لا) تزيد عن المزايا والإعفاءات الممنوحة لباقي الدول الأعضاء. وقد تبنت هذا التعريف كل الدول بلا استثناء
يتضح من هذا التعريف سعي المنظمة الدولية إلى إيجاد قواعد عامة تلتزم بتطبيقها كل الدول، تؤدي إلى توحيد ممارساتها التجارية، و أن لا تؤدي "قواعد المنشأ" - في حد ذاتها - (باعتبارها أحد البنود أو العناصر الأساسية الهامة التي تؤثر في تلك الممارسات وفي النتائج التي تتمخض عنها) إلى خلق معوقات غير ضرورية (وزائدة: لأن قواعد المنشأ نفسها هي أساسًا من المعوقات غير التعريفية أمام التجارة الدولية)، أو أن تكون سببًا في الحد من انسياب السلع بين الدول بحرية كاملة. وفي سياق سعيها لتحقيق هذا الأمر، فإنها تعمل على توحيد هذه القواعد على المستوى الدولي، وتضع مبادئ وضوابط وأحكامًا وإجراءات محددة تفرض تطبيقها على جميع الدول عند انضوائها تحت اتفاقيات المنظمة والتزامها بما يصدر عنها.
يتضح من هذا التعريف-أيضًا- ارتباط قواعد المنشأ، ارتباطًا عضويًا بعمليات التجارة الدولية؛ تصديرًا أو استيرادًا، وبالتالي، ليس هناك ضرورة لوجود أية "قواعد منشأ" على مستوى التجارة الداخلية في أية دولة، حيث أن السلع الوطنية أو الأجنبية التي تباع في السوق الداخلية هي معفاة أص ً لا من أية رسوم ( حيث تكون السلعة الأجنبية قد ترتب عليها رسوم جمركية عند عبورها للمنافذ الجمركية الوطنية )، وإن كان من المهم والضروري معرفة منشأ السلعة من قبل المستهلك الداخلي، إلا أنه لا يترتب على ذلك أية واجبات أو حقوق مادية، بمعنى آخر، انتفاء الحاجة لوجود "قواعد المنشأ"عند المتاجرة بالسلع المحلية (أو حتى المستوردة) في السوق المحلية، ولا يتم طلب أي إثبات من منتج السلعة أو مستوردها، عندما يطرحها للاستهلاك في السوق الداخلية، إلا لأسباب لا علاقة لها بالترتيبات التجارية المطلوبة أو المتبعة.
أهمية وأهداف قواعد المنشأ:
إن أهمية تحديد قواعد المنشأ، ذات طابع تقني خاص يتعلق بتجارة السلع الخارجية، ويقع على عاتقها تحديد ومطابقة المنتجات القادرة على الاستفادة من الاتفاقيات التجارية التفضيلية والبروتوكولات الملحقة بها، حيث تعد قواعد المنشأ الأساس الذي يتم على أساسه تبادل الإعفاءات والامتيازات بين الدول المرتبطة فيما بينها باتفاقيات تعاون ثنائي أو متعدد الأطراف، إلا أنه ينطوي على أبعاد ومضامين اقتصادية وسياسية تفوق أهميته التقنية بكثير، نظرًا لما تمثله عمليات التجارة الخارجية من أهمية في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي يحول العالم شيئًا فشيئًا إلى سوق واحدة، وعدم قدرة أي بلد من البقاء منفردًا خارج هذه السوق، ويصبح كل بلد محكومًا بالدخول إلى هذه السوق شاء أم أبى، ويبقى التحدي الذي يجب عليه مواجهته هو مقدار التكيف مع هذه ( السوق بأقل ما يمكن من خسائر وتحقيق أعظم ما يمكن من نتائج إيجابية من هذا الدخول
المبادئ التي تقوم عليها قواعد المنشأ:
انطلاقًا من أهداف قواعد المنشأ في تحقيق مزيد من تحرير التجارة العالمية والتوسع فيها، وتعزيز دور"الجات"، والمحافظة على حقوق الأعضاء، وتوفير شفافية للقوانين والنظم والممارسات المتعلقة "بقواعد المنشأ"، وتطبيقها
بطريقة منصفة وعادلة، هناك مجموعة من المبادئ العامة لابد من مراعاتها عند تحديد كل دولة قواعدها الخاصة بها، أو عند تحديد تلك القواعد في إطار اتفاقيات تجارية دولية ثنائية أومتعددة الأطراف أن تكون القواعد بسيطة ومفهومة وموضوعية يمكن التنبؤ بها، وأن تكون شفافة ومتاحة لكل المهتمين، من تجار وصناعيين وغيرهم في أي دولة. أن تطبق بشكل متساو ومن أجل جميع الأغراض، وعلى جميع الأطراف بطريقة متشابهة ومنصفة ومعقولة، بصرف النظر عن الانتماء الوطني لمنتجي السلع.
أن تنص على أن منشأ السلعة هو البلد الذي تحصلت فيه هذه السلعة بالكامل، أوالذي تم فيه آخر تحول جوهري، عندما يشترك أكثر من بلد في إنتاج السلعة، أو حسب المعيار الذي يتم تطبيقه.
أن لا تستخدم هذه القواعد كأدوات لتحقيق أهداف تجارية، وأن لا تفرض شروطًا
تقييدية غير ضرورية، أو أن تتطلب الإيفاء بشرط معين لا يتعلق بعمليات التصنيع أو التجهيز كشرط أساسي لتحديد بلد المنشأ.
أن تقوم على أسس و معايير إيجابية، تؤدي في حد ذاتها إلى تسهيل وتيسير انسياب السلع بين الدول بحرية تامة.
الضوابط التي تحكم تطبيق قواعد المنشأ:
إن إدراك المنظمة صعوبة تنظيم وإيجاد قواعد منشأ موحدة ومنسقة تلتزم بتطبيقها كل الدول الأعضاء في الحال، ونظرًا للأهمية المتزايدة لوجود تلك القواعد في ضبط وتنظيم التجارة على المستوى الدولي، أدى إلى عدم الانتظار إلى حين إنجاز قواعد منشأ تطبق في إطار منظمة التجارة العالمية على جميع الدول بشكل منسق وموحد، بل تم تشكيل لجنة خاصة مهمتها إعداد برنامج عمل يهدف إلى تنسيق قواعد منشأ موحدة و متناسقة على مستوى العالم،تبدأ عملها في الحال على إنجاز هذه القواعد خلال ثلاث سنوات بدءًا من أول عام 1995 (سميت هذه الفترة بالفترة الانتقالية )، وفي الوقت نفسه، تم الاتفاق على إيجاد ضوابط معينة تحكم تطبيق قواعد المنشأ خلال هذه الفترة ، وبالتالي يمكن التمييز بين نوعين من الضوابط ، وهذه الضوابط عبارة عن قواعد وأحكام يجب مراعاتها وتطبيقها.
أ-القواعد والأسس التي تحكم تطبيق قواعد المنشأ خلال الفترة الانتقالية:
ريثما يتم استكمال برنامج العمل لتنسيق "قواعد منشأ" موحدة، يجب على الدول الأعضاء التقيد بالقواعد العامة التالية:
- عند إصدارها أحكامًا إدارية للتطبيق العام، تحدد بوضوح الشروط التي ينبغي استيفاؤها، أو بمعنى آخر، التحديد بدقة - حسب أي معيار معتمد لتحديد المنشأ الوطني للسلعة( تغير التصنيف الجمركي أو القيمة المضافة أو التصنيع)-الحالة-أو استثناءاتها- التي تطبق فيها قاعدة المنشأ، بمعنى أن يتم الإشارة إلى كيفية التعامل مع؛ أو معالجة قاعدة المنشأ المستخدمة:
- في حال استخدام معيار التغير في التصنيف الجمركي، يجب أن توضح قاعدة المنشأ واستثناءاتها، العنوان ( الرئيسي أو الفرعي) الذي يجب أن يتم على أساسه تحديد منشأ السلعة.
- وفي حال استخدام معيار النسبة المئوية( القيمة المضافة أو المحتوى المحلي)، يجب تحديد الطريقة التي تم فيها حساب هذه النسبة، ومقدار هذه النسبة.
- وعندما يستخدم معيار العمليات التصنيعية يجب تحديد العملية التصنيعية التي تكسب السلعة صفة المنشأ الوطني.
- عدم استخدام "قواعد المنشأ" كأدوات السياسة التجارية وأن لا تكون سببًا في خلق آثار تقييدية أو تحريفية أو تأثيرات معوقة أمام التجارة الدولية، أو أن تخلق آثار مشوهة أومعطلة في التجارة العالمية، وأن لا تتطلب استخدام مفرط لتحقيق شروط أو متطلبات صارمة، لا تتعلق بعملية التصنيع كشرط أساسي لتحديد "المنشأ الوطني" للسلعة.
- يجب أن تقوم "قواعد المنشأ" على معايير إيجابية تساعد في تحرير التجارة.
- أن لا يكون هناك تمييز بين "قواعد المنشأ" التي تطبق على واردات وصادرات الدولة وتلك التي تطبق لتحديد ما إذا كانت سلعة ما محلية أم لا، وأن تطبق القواعد بشكل موحد تجاه كل الدول بدون تمييز في المعاملة.
- أن لا يكون "لقواعد المنشأ" الجديدة أو تلك التي جرى عليها تعديلات أو تغييرات أثر رجعي، ويعد أي إجراء إداري يتخذه أحد الأعضاء - فيما يتعلق بتحديد المنشأ قابلا للمراجعة فيه فوراً من قبل محاكم أو إدارات مستقلة عن السلطة التي أصدرت التحديد، ولها سلطة إقرار التعديل أو تغيير التحديد السابق.
- على الدولة أن تنشر قوانينها ونظمها وأحكامها القضائية وقراراتها الإدارية ذات التطبيق العام التي تتعلق بتحديد المنشأ الوطني للسلعة، أو التي تعد قواعد عامة لتحديد متطلبات المنشأ الوطني للسلعة، كما لو كانت خاضعة لأحكام اتفاقية "الجات".
- تعامل جميع المعلومات ذات الطابع السري أو التي تقدم على أساس سري، لغرض تطبيق "قواعد المنشأ"، بسرية تامة من قبل السلطات المعنية ولا يجوز إفشاؤها أو نشرها إلا بموافقة الجهة التي قدمتها، باستثناء ما يكون مطلوبًا إفشاؤه في سياق إجراءات قضائية.
- بناءً على طلب المصدر أو المستورد أو أي شخص لديه سبب مقبول، يصدر التقييم الخاص بالمنشأ الذي للسلعة بأسرع وقت ممكن على أن لا تتجاوز 150 يومًا بعد طلب هذا التقييم، بشرط تقديم جميع العناصر الضرورية، ويمكن قبول طلب التقييم قبل بدء تصدير أواستيراد السلعة، أو في وقت لاحق، ويبقى هذا التقييم صالحًا لمدة ثلاث سنوات في ظل بقاء الوقائع والظروف والشروط، بما فيها قواعد المنشأ التي صدرت بناءً عليها قابلة للمقارنة، بشرط أن لا يكون قد صدر قرارًا مخالفًا بعد المراجعة.
ب-القواعد التي تحكم تطبيق قواعد المنشأ بعد الفترة الانتقالية:
بعد إعداد قواعد منشأ منسقة لن يكون هناك قواعد غير تفضيلية، وعلى الأعضاء أن يحددوا فقط "قواعد منشأ"
لكل الأغراض، تتسم بالشفافية وعدم التحيز والتمييز أثناء تطبيقها على الدول المختلفة، وأن يتم التشاور على القواعد الجديدة قبل إصدارها، ويضاف إلى القواعد السابقة ( المذكورة في الفقرة السابقة)، أن المنشأ الوطني لسلعة معينة، يتحدد، إما على أساس البلد الذي تم الحصول فيه على السلعة بأكملها، أو البلد الذي تم فيه آخر تحول جوهري على السلعة، إذا اشترك في إنتاج السلعة أكثر من بلد.
إجراءات تعديل واستخدام قواعد المنشأ:
تحدد المادة الخامسة من اتفاقية قواعد المنشأ في إطار منظمة التجارة العالمية، الآلية التي يتم من خلالها تعامل كل دولة مع الاتفاقية الجديدة، حيث نصت في الفقرة الأولى على أن يقدم كل عضو في المنظمة، "قواعد المنشأ"
الخاصة به والأحكام القضائية والقرارات الإدارية ذات التطبيق العام المتعلقة بقواعد المنشأ، السارية المفعول في ذلك التاريخ (تاريخ سريان مفعول منظمة التجارة العالمية) إلى الأمانة العامة خلال تسعين يومًا من سريان الاتفاقية، وفي حال نسيان قاعدة ما لم يتم تقديمها خلال تلك الفترة، يقوم العضو المعني بتقديمها فورًا بعد أن تصبح هذه القاعدة معروفة، وتقوم الأمانة العامة بتعميم المعلومات الواردة إليها والمتاحة لديها من الأعضاء على باقي الأعضاء. وفي حال إجراء تعديلات على قواعد المنشأ، أو استخدام قواعد جديدة من قبل أي عضو لم يبلغ الأمانة العامة بذلك، على ذلك العضو أن ينشر ويعمم تلك التعديلات أو القواعد الجديدة، قبل 60 يومًا على الأقل من بدء نفاذ القاعدة، بطريقة تمكن الأطراف الأخرى ( المعنية، من الوقوف على القصد من التعديل أو استخدام القاعدة الجديدة
أنواع قواعد المنشأ ومعايير تحديدها:
معايير تحديد قواعد المنشأ:
إن المفهوم البسيط للمنشأ الوطني يكمن في الإجابة على السؤال التالي: أين صنعت السلعة؟ أو ما هو البلد الذي يعطي السلعة هويتها "صنع في…"؟
إلا أن تعدد مكونات السلعة أوأجزائها واختلاف مصادر هذه المكونات، يجعل عبارة " صنعفي…" غير ذات أهمية، وبالتالي لا بد من وجود معايير أخرى، يمكن اللجوء إليها لتحديد وإثبات "المنشأ الوطني للسلعة"، وهذه المعايير وضعية ومتفق عليها، تخضع لرغبات ومصالح الأطراف المتفاوضة، في إطار أي اتفاق تجاري ثنائي أو متعدد الأطراف، وفق أي مستوى تكاملي بين أية مجموعة من الدول.
وتختلف معايير إثبات "المنشأ الوطني للسلعة"، بطبيعتها وتعقيداتها، وتتراوح من المفهوم الأكثر بساطة للسلعة المنتجة أو المتحصلة بالكامل في بلد ما، أو في دولة عضوًا في اتفاقية تجارية تفضيلية، إلى المفهوم الأكثر تعقيدًا للسلع التي تخضع لتحويلات مادية تؤدي إلى تغيير ما في اسمها أو شكلها أو في استخدامها أو في هويتها، وبالتالي عندما يكون منشأ البضاعة غير محدد بوضوح، يتم تطبيق إجراءات وتدابير معينة للتأكد من منشأ السلعة. وفيما يلي ندرج أهم معايير تحديد قواعد المنشأ:
أ- معايير المنتجات المتحصل عليها بالكامل
وهذا يعني أن تكون السلعة بالكامل من زراعة أو إنتاج أو صنع بلد واحد فقط، وبدون استعمال أي مدخل غير محلي، كمثال: الحيوانات الحية التي ولدت وتربت بذات البلد، الخضار والفواكة المقطوفة في البلد، الأسماك التي تم صيدها من مياه البلد الاقيلمية والمنتجات المعدنية المستخرجة من التربة أو قاع البحر في البلد.
إن الحالات السابقة لا تتضمن إلا عمليات تصنيعية بسيطة، ولا تشكل إلا نسبة قليلة من التجارة الدولية، وبالتالي لا بد من وجود معايير أخرى تتوافق مع وجود سلع تخضع لعمليات تصنيعية، قد تكون في بلد واحد أو في أكثر من بلد.
ب- معايير التحويل الجوهري
وفق هذا المعيار- على أساس عمليات التصنيع التي تخضع لها المادة أو السلعة في بلد ما، وتصبح من خلالها صالحة للاستخدام بشكل مختلف عن استخدامها الأولي، بمعنى آخر تكتسب السلعة صفة المنشأ في البلد الذي يجري عليها فيه آخر عملية تحويل أو تصنيع جوهري، شرط أن يؤدي هذا التصنيع إلى منتج جديد، ويحدد معنى التحويل الجوهري في ( الاتفاقيات الدولية بأي من الحالات التالية(
- إذا تغير تصنيف التعريفة الجمركية للسلعة، عن تصنيف كل من مكوناتها أو أجزائها الأساسية.
- إذا كانت القيمة المضافة تساوي على الأقل( 40 %أو 50 أو 60 ) من قيمة السلعة في أرض المصنع.
- استعمال طريق خاصة أثناء عملية التحويل: ثمة حالات تتيح فيها عملية تحويل معينة، في غياب تغيير الوضعية الجمركية، إضفاء طابع المنشأ.على سلعة ما عند إجراء بعض العمليات التقنية الخاصة بالتصنيع أو التحويل عمليات تتم الإشارة إليها بشكل خاص في القائمة المرفقة بالاتفاق.
وعليه يمكن القول أن هناك ثلاثة معايير رئيسية يعتمد عليها في تحديد عملية التحويل الجوهري هي:
معيار تغيير الوضعية الجمركية
السلع والمنتجات وفق أنظمة الجمارك في كل دولة، وفقًا لأغراض تحصيل الرسوم والضرائب المفروضة على المنتجات في جداول تعريفية بحيث يعطى لكل سلعة أو منتج رقمًا يدل على معدل التعريفة الجمركية المفروضة عليه أثناء تبادله في الأسواق الدولية. ويحدد المنشأ الوطني للسلعة ( 8) – وفق هذا المعيار – على المستوى العالمي اعتمدًا على التغير في تصنيف السلع وفق "نظام التعريفات المنسق"، بحيث تكتسب السلعة صفة المنشأ الوطني في دولة ما عندما يتغير رقم تصنيف هذه السلعة في تلك الدولة، بمعنى أن صفة "المنشأ الوطني للسلعة" تمنح للبلد الذي تم فيه تغيير في الصنف أو البند التعريفي لتلك السلعة نتيجة إجراء عمليات تصنيعية عليها.
على الرغم من أهمية هذا المعيار في تحديد المنشأ الوطني للسلعة إلا أنه ليس كافيًا، ويعاني من نواحي القصور في ضبط وتحديد المنشأ الوطني، لأن هناك بعض العمليات البسيطة (تجميع أو تركيب لأجزاء السلعة) يمكن أن تؤدي إلى تغيير في البند التعريفي(التصنيف الجمركي للسلعة) إلا أنها لا تشكل تحويلات مادية كافية لمنح صفة المنشأ الوطني.
معيار المحتوى الوطني للقيمة
المعيار –على الأرجح –كمعيار مساعد لتحديد "المنشأ الوطني للسلعة" مع أحد المعايير الأخرى، ويشترط لكي تكتسب السلعة صفة المنشأ الوطني، أن تتضمن نسبة مكون محلي معين، عندما تحقق أحد المعايير السابقة ولا يكون كافيًا لإكسابها صفة المنشأ الوطني، ويعني المكون المحلي مجموع المواد الأولية والمواد الأخرى"ذات المنشأ الوطني" أو التي تعد متحصلة بالكامل، والتي تستخدم في صنع تلك السلعة
معيار القيمة المضافة
الوحدات الصناعية التي تساهم في إنتاج سلعة ما على مستوى العالم أو في دول وأقاليم متباعدة جغرافيًا، ويتحدد"المنشأ الوطني للسلعة"- وفق هذا المعيار- على أساس القيمة المضافة التي حصلت للسلعة في بلد ما، بمعنى آخر، قيمة العمليات الصناعية التي تمت على السلعة في بلد ما، وغالبًا ما تحسب القيمة المضافة كنسبة مئوية من قيمة السلعة، وبالتالي تكتسب هذه السلعة صفة "المنشأ الوطني" عندما تساوي هذه القيمة المضافة- أو تفوق- نسبة مئوية محددة من القيمة الإجمالية لها
على الرغم مما يتضمنه هذا المعيار من دقة وموضوعية في إثبات " المنشأ الوطني لسلعة ما"، إلا أنه ينطوي على مشاكل كثيرة من نوع آخر، منها ما يتعلق بطريقة حساب القيمة المضافة نفسها، ومنها ما يتعلق بتحديد نسبتها في إطار الاتفاقيات الثنائية، والبعض الآخر يتعلق بسياسة كل دولة – أو مجموعة إقليمية- التجارية والحمائية، وبكيفية تقييم البضائع والسلع في منافذها الجمركية.
وحيث أن كل منها يخضع لترتيبات واعتبارات مختلفة، تبعًا لقدرة كل دولة وقوتها الاقتصادية والتفاوضية، وبالتالي القدرة على فرض الشروط التي تحقق مصالحها، فإن ذلك يؤدي إلى نشوء نزاعات و خلافات بين الدول في سياق علاقاتها التجارية والاقتصادية، ناشئة عن تطبيق هذا المعيار. وهذا يعكس قصورًا في إثبات " المنشأ الوطني للسلع" وفقًا له. وتوظف المعايير الثلاثة التي سبق ذكرها في معظم الاتفاقات التجارية الإقليمية بدرجات
متفاوتة من أجل تحديد ما إذا كان منتج معين خضع لعملية تحويل جوهري، وهو ما نجده في أكبر اتفاقين تجاريين إقليميين كان لهما أثر كبير على اتفاقات أخرى أبرمت في محيطيهما، ويتعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي واتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية
أنواع قواعد المنشأ:
بالإضافة إلى المعايير السابق ذكرها والمستخدمة في تحديد وإثباتالمنشأ الوطني للسلعة، يمكن التمييز بين أنواع مختلفة من القواعد حسب طبيعتها وأغراضها، وتبعًا لذلك، تختلف آثارها على التجارة الدولية، فمن حيث أغراضها يمكن التمييز بين نوعين من القواعد
أ- قواعد المنشأ التفضيلية: هي القوانين و الأنظمة و القرارات الإدارية ذات التطبيق العام التي تطبقها الدوله لتحديد ما اذا كانت البضائع مؤهلة للحصول على المعاملة التفضيلية بموجب اتفاقية اقتصادية اقتصادية أو بروتوكولات تجارية.... الخ تؤدي لمنح تعريفات تفضيلية مثلا ( رسوم جمركية مخفضة ) لبلد أو بلدان معينة.
ب- قواعد المنشأ غير التفضيلية: وتعني القوانين والأنظمة والقرارات الإدارية ذات التطبيق العام التي تطبقها الدول لتحديد بلد المنشأ للبضائع وتستخدم لغايات تطبيق التعريفة الجمركية إحصائيات التجارية الخارجية لتطبيق القيود الكمية، مكافحة الإغراق، الرسوم التعويضية علامات المنشأ ولغايات المشتريات الحكومية.
وهناك أنواع أخرى من القواعد تتناول تنظيم تجارة السلع التي لا تحتاج إلى إثبات منشئها
أو ذات طبيعة توافقية الهدف منها تسهيل عمليات التجارة الدولية هي
ج-قاعدة التراكم الإقليمي للمنشأ
تحقيقًا لمبدأ التخصص الدولي في الإنتاج، وللفائدة القصوى منه،تم الاتفاق بين الدول التي تقيم فيما بينها اتفاقيات تجارية تفضيلية على اعتبار المواد الأولية والمواد الأخرى ذات المنشأ في أي من البلدان الأطراف، والمستخدمة في إنتاج سلعة ما في أحد هذه البلدان، تعد ذات منشأ إقليمي ولا تخضع للرسوم الجمركية عند تبادلها بين الدول الأطراف، باعتبارها صناعات مغذية، وانطلاقًا من وجود اتفاقيات ثنائية واتفاقيات متعددة الأطراف، أيضًا هناك نوعين للتراكم،تراكم ثنائي، وتراكم متعدد الأطراف، توفر هذه القاعدة للدول وسيلة لتحقيق وفورات ومكاسب لا تتحقق خارج هذا السياق.
د- قاعدة التخفيض لحد الأدنى
تسمح بعض الاتفاقيات التجارية بوجود محتوى غير محلي للمنتجات المتبادلة فيما بينها، واعتبارها منتجات ذات منشأ وطني يكسبها المزايا والإعفاءات المتبادلة، ولكن بشرط أن لا يتجاوز هذا المحتوى نسبة معينة من مكونات السلعة الوطنية. وتستخدم هذه القاعدة بطريقة معقدة أثناء تطبيقها بين الدول الأطراف في اتفاقية تجارية معينة، حيث يشترط البعض ضرورة تغير البند التعريفي للمواد غير ذات المنشأ، والبعض الأخر أن لا تتجاوز نسبة محددة( 7 إلى 9%)، والبعض الثالث أن تكون نسبة المكون المحلي في السلعة يتجاوز أو يساوي 60 % من القيمة النهائية للسلعة.
ه-قاعدة النقل المباشر: حتى تستفيد السلع المتبادلة من معاملات تفضيلية في إطار اتفاقيات تجارية تفضيلية، يجب أن يتحقق شرط النقل المباشر للسلعة من بلد التصدير إلى البلد المستورد مباشرة، إلا لضرورات جغرافية محددة، وفي هذه الحالة يشترط أن تبقى السلعة تحت رقابة الجمارك في بلد العبور وأن لا يجري عليها أي عمليات تصنيعية تكسبها صفة المنشأ في بلد العبور، بل فقط العمليات اللازمة لحفظ السلعة في شروط مناسبةا
-3 أثر قواعد المنشأ في التجارة الدولية: إن آلية إتمام الصفقات التجارية تجعل قواعد المنشأ من أهم العوامل التي تساهم في تسهيل أو إعاقة التجارة الدولية، بسبب ما تتضمنه من إجراءات وما تتطلبه من وثائق وإثباتات لتأكيد المنشأ الوطني للسلعة، فحتى تتأهل تلك السلعة للمعاملة التفضيلية في سياق تبادلها في الأسواق الدولية، قد تتضمن الإجراءات التجارية في المنافذ الجمركية القيام بعمليات تفتيش ومعاينة على السلعة للتأكد من مطابقتها لقواعد الأنظمة ملاحظات التعريفات التفضيلية النظام التفضيلي ؛ منطقة تبادل حر الرسوم التعويضية الرسوم المحصلة من أجل تعويض الإعانات في التصدير رسوم مكافحة الإغراق الحصص الجمركية؛ القيود الكمية إجراءات الحماية تدابير حماية السوق الداخلية وضع علامة المنشأ على سبيل المثال أسماء المنشأ تطبيق التدابير الصحية وتدابير الصحة النباتية مسألة الأمن الصحي الوسم ووضع العلامات "صنع في/ب" الإحصائيات التجارية موجهة إلى البلد المستورد المشتريات تدبير سياسة الاشتراء معاملة الدولة الأكثر رعاية منح مجموع البلدان الشريكة الامتياز المخول لأحدها المنشأ، وهذه بدورها تؤدي إلى تأخير السلعة في المنافذ الجمركية وتحميلها أعباء وتكاليف إضافية قد تعيق إتمام الصفقات التجارية اللاحقة أو حتى تلغيها، خاصة وأن العمليات التجارية تحتاج بطبيعتها إلى سهولة ويسر وسرعة في إتمامها وقد يؤدي أي تأخير إلى خسارة في حصيلة العملية أو إلى ضياع فرص تجارية حقيقية، وبالتالي إعاقة حركة السلع في الأسواق الدولية من جهة أخرى، تعد قواعد المنشأ - بحد ذاتها – معوقات وقيود على حركة السلع في الأسواق الدولية، بسبب ما تتضمنه من أسس ومعايير مقننة في سياق شديد التفصيل تحدد المرتكزات التي تقوم عليها عملية التجارة السلعية يضاف إلى ذلك، التصرفات التي تمارسها الدول المختلفة في سبيل التحايل على صرامة تلك القواعد لتحقيق بعض المكاسب(الإضافية) خارج سياق التفضيلات التي تمنحها تلك القواعد، أو بسبب عدم قدرة الدولة على تحقيق تلك القواعد أو تحقيق مصلحة حقيقية من جراء تطبيقها، وعدم وجود أي معيار دولي أوإمكانية دولية للحد من هذه التصرفات، لأن معظم هذه المخالفات، تقوم بها الدول الفاعلة في النظام الاقتصادي العالمي.
ثانيا:أهمية قواعد المنشأ بالنسبة للدول النامية
تكتسي قواعد المنشأ أهميتها في كونها تتيح وضع سياسة تجارية خارجية وذلك أن الدول تسعى إلى الاندماج في نظام تجاري معولم أكثر فأكثر، حيث ان الوضع يحتم إبرام العديد من الاتفاقات التجارية والإقليمية مع مختلف الشركاء وذلك بهدف تشجيع التجارة، وفي هذا الإطار كان على الدول النامية السعي لتحديد قواعد المنشأ الخاصة بها / والسبب في ذلك يعود إلى أن الدول تميل إلى الانخراط في صنف قواعد المنشأ الخاصة بالاتفاق التجاري الإقليمي الذي تجد مصلحة أكبر في التبادل معه.
وتجدر الإشارة إلى أنه وبالنظر إلى الامتيازات التي يتمخض عنها اكتساب منشأ تفضيلي، في سياق إقليمي يمر بمرحلة انتقالية كما هو الحال لدول شمال إفريقيا، يمكننا القول انه من الضروري تشجيع اتفاقيات الشراكة المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز العلاقات التجارية مع الأعضاء المشاركة. حيث أن الانخراط في الاتفاقيات التجارية والإقليمية يكتسي أهمية بالغة لكونه يتيح الاستفادة من وفرات الإنتاج المهمة التي تتيحها الأسواق المندمجة. وفي هذا السياق يطرح مشكل يكمن في كون دول المنطقة دون الإقليمية لدول شمال إفريقيا منخرطة في اتفاقات تجارية إقليمية أخرى لا تعتمد بالضرورة المبادئ نفسها المعتمدة في الاتحاد الأوروبي، وهذا التعدد في الاتفاقات التجارية الإقليمية غير المنسجمة يؤدي إلى تداخل بين قواعد المنشأ من شأنه أن يحمل دول المنطقة دون الإقليمية تكاليف باهضة في المعاملات، فمن ضمن المشاكل والإشكالات التي يطرحها هذا التداخل بين قواعد المنشأ :
-1 تطبيق قواعد منشأ مختلفة بالنسبة للمنتج الواحد.فعلى سبيل المثال تخضع المنسوجات والألبسة التي تعد ضمن المنتجات الحساسة بالنسبة لبعض الدول لمعالجة وفق ما إذا كان الأمر يتم في إطار السوق الأمريكية حيث قواعد المنشأ أكثر ليبرالية، أم في الإطار الأوروبي حيث يتعين إخضاع المنتج إلى عملية تحويل وفق المعايير الأوروبية.
-2 هناك قطاع أخر تنطوي فيه القواعد على رهانات ومعوقات ويتعلق الأمر بالمنتجات الفلاحية ومشتقاتها التي مصدرها الصناعة الغذائية. ففي هذا القطاع الذي يتسم بالخصوصية والحساسية و تكتسي قواعد المنشأ أهمية بالغة فيما يتعلق بالاتفاقيات التفضيلية ، بحيث يتعين أن يكون منشأ المنتجات قابلا للتحديد بوضوح ليس فقط من اجل ضمان تطبيق التفضيلات التجارية ، بل أيضا من أجل احترام القواعد الصحية والصحية النباتية. وتصبح قواعد المنشأ أكثر أهمية حين يتعلق الأمر بصادرات المواد ذات الأصل الحيواني. فعلى سبيل المثال، تنص معاهدة الاتحاد الأوروبي على مستوى عال من حماية الصحة البشرية، أي صحة المستهلكين، بل وأيضا حماية تراب الاتحاد الأوروبي من دخول الأمراض الحيوانية والمدمرة.ويشكل كل من H5N داء جنون البقر وأنفلونزا الطيور التي ظهرت مؤخرا سببا كافيا لمراقبة منشأ هذه المنتجات. ويعتبر تتبع المنشأ إحدى ركائز سلامة المستهلكين وبوجه اخص السلامة الغذائية فهو مطلوب بالنسبة للمنتجات التي تستفيد من علامة رسمية للجودة أو المنشأ.كما انه يتيح توفير معلومة موثوق بها للمستهلك بشأن مميزات المنتج. وتجدر الإشارة إلى أنه في إطار اتفاقيات الشراكة المبرمة بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا، فإن مقاولات هذه الدول أمامها مهلة تمتد إلى يناير /كانون الثاني 2008 لإحداث أجهزة لتتبع المنشأ، ولن يكون بوسع المقاولات التي لا يتوفر لها تتبع المنشأ أن تصدر منتجاتها إلى أوروبا، مما لا شك فيه أن بعض دول شمال إفريقيا كتونس قد ترسخت لديها ثقافة جيدة لحماية المستهلك غير أن تتبع المنشأ يكاد يكون غائبا. وسعيا للتحسيس بأهمية تتبع المنشأ نظمت الشركة التونسية للترميزشهر ديسمبر/ كانون الأول 2005 حلقة دراسية حول موضوع الترميز والتجارة الالكترونية من أجل اندماج أفضل في دوائر التوزيع الدولية. وقد كانت هذه التظاهرة مناسبة لعرض خلاصات أولى تجارب تتبع المنشأ في شعبة زيت الزيتون، تحت رعاية وزارة الصناعة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة والطاقة
ثالثا- الرهانات والتحديات التي تواجهها دول شمال إفريقيا في مجال تنسيق قواعد المنشأ:
ومما سبق ندرك أن دول شمال إفريقيا تواجه الكثير من الرهانات والتحديات المرتبطة بقواعد المنشأ:
الرهانات المرتبطة بقواعد المنشأ:
- فأما الرهان الأول فداخلي: حيث أن قواعد المنشأ تتيح تميز المنتجات الأجنبية عن المنتجات الوطنية في سبيل تحديد السياسة التجارية التي سيتم تطبيقها رسوم مكافحة الإغراق والرسوم التعويضية، إجراءات الحماية، أنظمة وسم المنشأ أو القيود الكمية التمييزية.
- وأما الرهان الثاني المتعلق بقواعد المنشأ فيتمثل في أن هذه الأخيرة قد تكون مرنة بفضل تراكم المنشأ، حيث يعتبر هذا الأخير آلية تتيح للدول المعنية وضع مبادئ مشتركة، كما تتيح لها إمكانية التحكم في اندماجها في اقتصاد عالمي أكثر ليبرالية. وبالرغم من ذلك على هذه الدول تأخذ في اعتبارها أن التراكم غير ثابت بحيث أنه لا يطبق في كافة دول منطقة ونذكر على سبيل المثال التراكم القطري من الجزائر والمغرب وتونس حيث أن هذا الأخير يخضع هذه الدول الثلاثة إلى شرط مزدوج:
الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي، وكذا الحرص على وضع قواعد مماثلة فيما بينها من أجل الاستفادة بشكل كامل من الامتيازات التي تخولها هذه الاتفاقات، ونتيجة لذلك فإن التراكم القطري يبقى جزئيا، ولا يشمل كافة دول المنطقة المتوسطية، حيث من المنتظر ألا يحصل التراكم القطري الا في أفق 2010
- ويتمثل الرهان الثالث في دراسة النسب التي يمكن أن يشتغلها نظام التراكم الخاص بالمنشأ كإشارة قوية تستهدف المستثمرين الأجانب المباشرين.
التحديات المرتبطة بقواعد المنشأ:
وفي خضم هذه الرهانات تبرز تحديات كبيرة أمام دول المنطقة دون الإقليمية لشمال إفريقيا وتتمثل في:
- تنشيط التجارة الإقليمية وتعزيز تنافسية منتجاتها من خلال تقديم عرض متكامل للاتحاد الأوروبي، يقوم على سوق ذات حجم مهم.
- التدبير الأمثل للتكاليف الإدارية وتكاليف المعاملات المترتبة عن قواعد المنشأ المتعددة، ذلك أنه في الوقت الذي يتم التشديد أكثر فأكثر على تيسير التجارة من خلال تعزيز فعالية
المؤسسات الجمركية وتشجيع التجارة، فمن الأهمية بمكان التوفر على الوسائل الكفيلة بالتصدي لمختلف الآثار السلبية المرتبطة بهذه التكاليف.
- جعل قواعد المنشأ الخاصة بها أكثر مرونة لتكون أداة حقيقية لتشجيع التجارة الإقليمية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
- حيازة منشأ بعض المنتجات الفلاحية التي تحظى باهتمام استراتيجي في اقتصادياتها. ويتعلق الأمر بهذا الشأن على سبيل المثال بزيت أركان بالنسبة للمغرب والرز الأبيض بالنسبة لمصر.
- وضع أنظمة لتتبع المنشأ بغية مواصلة تصدير منتجاتها الغذائية إلى السوق الأوروبية. وهو ما يستلزم وضع برامج لإعادة تأهيل مؤسساتها وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذا وضع برامج للتدريب ودعم الجودة من اجل المطابقة التامة مع القواعد والمعايير الدولية.
- ويتعلق هذا التحد بإشاعة مفاهيم نظام تراكم المنشأ، وتوعية كافة الأطراف المعنية(الموظفون، رجال الأعمال)، الذين يتعين عليهم أن يدركو ويلمو بالرهانات وذلك لانتهاز الفرص التي يوفرها هذا النظام، وأيضا لكي تتوافر لهم القدرة على تقييم أثره على اقتصادياتهم ولو بشكل نسبي، غير انه وعلى ضوء التجارب السابقة لبعض شركاء الاتحاد الأوروبي والتي اعتمدت هذا النظام مقرونة بأهداف وانتظارات القطاعات الإنتاجية بدول شمال إفريقيا يمكن وضع التوجهات والسبل التي يتعين انتهاجها.
رابعا- التعاون الدولي في مجال تنسيق قواعد المنشأ:
تسعى دول شمال إفريقيا إدراكا منها بأهمية قواعد المنشأ إلى تنسيق قواعد المنشأ وبهدف تجاوز النقائص المرتبطة بقواعد المنشأ المتعددة، من الأهمية بمكان أن تضع كل دولة من دول شمال إفريقيا قواعد بسيطة، متينة وقابلة للتوقع تضمن تكاليف منخفضة على مستوى المعاملات بالنسبة للمؤسسات، وخاصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة فكما سبق وأن رأينا أن لاختلاف قواعد المنشأ حسب المنتجات وحسب الاتفاقيات التجارية الإقليمية آثارا سلبية على أنشطة المقاولات الصغرى والمتوسطة واختياراتها الاقتصادية. وعليه، وسعيا إلى تسهيل المبادلات وتوفير حوافز للفاعلين الاقتصاديين، ينبغي تخفيف الطابع التقليدي لقواعد المنشأ، لاسيما من خلال تطبيق قواعد التسامح الدنيا.
وفي هذا السياق وبغية التخفيف من الآثار السلبية المترتبة عن تداخل قواعد المنشأ غير المنسجمة، تم إدخال آلية التراكم في إطار اتفاقات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ويهم الشكل الأصلي للتراكم، المواد غير الآتية من البلد الذي يسعى إلى الاستفادة من معاملة تفضيلية بل من طرف آخر من أطراف الاتفاق التجاري الإقليمي. ويتيح التراكم القطري للمواد القادمة من دول ليست طرفا في اتفاق للتبادل الحر، أن يتم اعتبارها قادمة من إقليم التبادل الحر ويعني التراكم القطري عموما أن المدخلات الوافدة من بلدان النظام يمكن استعمالها بحرية في مسلسل الإنتاج بغية تصديرها مجددا إلى هذه البلدان مع إمكانية إخضاع استراد المنتج الجاهز إلى النظام التفضيل.ففي سوق تعتبر رسوم مدخلات البلدان مرتفعة نسبيا فان امتيازا من هذا القبيل يكفل ليس فقط امتيازا مهما في التكلفة، بل أيضا زيادة إمكانيات السوق مع تنويع اختيارات المورد ويوفر الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي والدول الموقعة على اتفاق أغادير(المغرب) مثالا للتراكم القطري.
وتجدر الإشارة إلى أنه في التراكم الأورومتوسطي، ليس من الضروري أن تخضع المواد الأولية الوافدة من الدول الشريكة في الاتفاق لعملية تزيين كافية. ففي وسعها ألا تحترم قواعد المنشأ حين تدمج في منتج جاهز في بلد من المنطقة.وتتمثل شروط التوسع فيما يلي:
- موافقة جميع الدول المشاركة؛
- اتفاقات التبادل الحر بين البلدان المشاركة، القائمة على قواعد المنشأ المتطابقة؛
- جهاز يهم التراكم القطري في جميع الاتفاقات؛
وفي إطار منظمة التجارة العالمية، يتوخى الاتفاق بشأن قواعد المنشأ وضع قواعد منشأ مشتركة "منسقة" قابلة للتطبيق بين كافة أعضاء منظمة التجارة العالمية، ماعدا ما تعلق ببعض تيارات المبادلات التفضيلية.فعلى سبيل المثال يرخص للدول التي تقيم منطقة للتبادل الحر بتطبيق قواعد منشأ مختلفة على منتجات تدخل في تجارتها المتبادلة. ويضع الاتفاق برنامج عمل يتوخى المواءمة يقوم على مجموعة مبادئ، ولاسيما ضرورة العمل على جعل القواعد موضوعية، وشاملة وقابلة للتوقع. ولقد كان من المفروض أن تنتهي هذه الأعمال في جويلية 1998 ، غير أن الآجال المطروحة ظلت موضع رفض باستمرار. وتقودها حاليا اللجنة المعنية بقواعد المنشأ التابعة لمنظمة التجارة العالمية، ولجنة تقنية تحت رعاية منظمة الجمارك العالمية ببروكسل. وسوف تتمخض عنها مجموعة وحيدة من قواعد المنشأ يتعين على جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية تطبيقها في جميع الظروف، وتحت جميع الشروط التجارية غير التفضيلية.
الخاتمة:
تعد قواعد المنشأ معايير أو مقاييس، تستخدم لتحديد "المنشأ الوطني" للمنتجات، أو المكان الذي صنعت فيه، وتصدر كل دولة القواعد والمعايير التي تتضمن طريقة تحديدها للبلد الذي يعد منشًأ لسلعة معينة. وقد تكون تلك القواعد عامة، تطبق على جميع البلدان وعلى جميع السلع بدون تمييز، أو خاصة يقتصر تطبيقها على بلدان محددة ترتبط باتفاقيات أفضليات تجارية مع تلك الدولة.
وتختلف تلك القواعد من دولة إلى أخرى - أو من مجموعة اقتصادية أو تجارية دولية لأخرى - تبعًا للقوة الاقتصادية والسياسية لكل دولة، أو التزام تلك الدولة بموجب اتفاقيات تجارية تفضيلية.
ومن تعريف قواعد المنشأ ومن المبادئ التي تقوم عليها والتي تمثل شروطًا يجب تحققها، التي تم الاتفاق عليها على المستوى الدولي في المفاوضات التي تتم في إطار منظمة الجارة العالمية، يتضح لنا الأهمية التي تمثلها تلك القواعد في مجالات التجارة الدولية، والدور الذي تلعبه في تنشيط أو كبح التجارة الدولية.
كما يمكننا القول أن تعدد المعايير المستخدمة يدل على عدم كفاية وكفاءة تلك المعايير لإثبات "المنشأ الوطني للسلع"، وأنها جميعًا تعاني من قصور وضعف، وتسبب مشاكل وتعقيدات لا حصر لها أثناء تطبيقها في إطار الاتفاقيات التجارية الدولية، وبالتالي لابد من وجود قواعد عامة بسيطة ومنسجمة وموحدة على مستوى العالم تؤدي إلى الحد قدر الإمكان من الخلافات والتراعات الناشئة بين الدول، وتؤدي إلى ضبط حركة التجارة الدولية والتحكم بالآثار السلبية الناجمة عن تعارض وتناقض بل وتضارب المصالح التجارية لكل دولة، في سياق علاقاتها الاقتصادية ومبادلاتها التجارية مع الدول الأخرى.
وتتجلى أهمية قواعد المنشأ بالنسبة لدول شمال إفريقيا في كونها تسهم في تعزيز حجم تبادلاتها الإجمالية، وكذا قدرتها عل جعلها أداة لتيسير الاندماج التجاري الإقليمي في إطار الاتفاقات التجارية الإقليمية. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الجوانب الايجابية لاتفاقات التجارية للتبادل الحر إلا أن تطبيقها يثير جملة من الأسئلة، ولاسيما بحكم الطابع التقليدي وغير المتجانس لمختلف قواعد المنشأ، ومرد ذلك إلى كونها توضع في الغالب وفقا للسلطة لتقديرية وبشكل أحادي الجانب. وتبذل دول شمال إفريقيا جهود على المستوى ثنائي الأطراف وفي إطار بعض الاتفاقات التجارية الإقليمية في سبيل تنسيق هذه الأدوات عن طريق آلية تراكم المنشأ.
وعلى المستوى متعدد الأطراف، تعتبر متابعة تنسيق قواعد المنشأ غير تفضيلية ، شرطا لا غنى عنه في تيسير التجارة. بالإضافة إلى ذلك فان توافر شفافية أمثل ومزيد من فهم قواعد المنشأ و أثرها يظل أمرا ضروريا.
والملاحظ أن دول شمال إفريقيا باتت أكثر وعيا بالرهان الذي تمثله هذه القواعد ولو في سياق مستقبلي متوائم، وبناءا على ذلك، فمن الحكمة أن تعمل دول شمال إفريقيا على عقلنة قواعد المنشأ الخاصة بها سواء على المستوى ثنائي الأطراف أو على مستوى الاتفاقات التجارية لإقليمية. كما أن اندماج دول شمال إفريقيا في نظام التراكم الأورومتوسطي يتيح لاقتصادياتها فرصة مهمة لكي تصبح تنافسية في سبيل تلبية متطلبات الأسواق الأوروبية والدولية.
منشور مهم مع بعض التحفظات
RépondreSupprimer