تسيير الكفاءات ودورها في بناء الميزة
التنافسية
يتحدد نجاح منظمات الأعمال على أساس قدرتها
على التنافس حول الفرص المستقبلية الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق في ظل ظروف
المنافسة الحالية إلا من خلال قدرتها على امتلاك وحسن تسييرها للكفاءات والمعارف.
إن التفاعل
بين تسيير المعارف وتسيير الكفاءات يتصف بالتعقيد. وقد ظهر اليوم مدخل جديد في تسيير
الموارد البشرية يعتبر الكفاءة والمعرفة المصدر الأساسي في تكوين القيمة.
إن هذه
المداخلة تهدف إلى إعطاء مفهوم لتسيير الكفاءات والمعارف وتحديد المناخ الملائم
الذي يوفر الشروط الأساسية لتمكين إدارة الكفاءات
والمعارف من إنتاج القيمة.
إن تنافسية
الدولة تقوم أساسا على نجاح مؤسساتها، و القدرة على التنافس حول الفرص المستقبلية
هي التي تحدد مدى نجاح منظمات الأعمال وهذا يتحقق من خلال إيجاد طرق سريعة للوصول
إلى الفرص المستقبلية تتمثل في الكفاءات المحورية التي تحقق الريادة للمنظمة.
ونظرا لتزايد الاهتمام بالتنافس على أساس
الكفاءات المحورية، ظهرت نظرية جديدة تفترض أن المعرفة هي المصدر الأساسي بالنسبة
للمنظمة و الدولة
و
تهدف هذه النظرية إلى بناء منظمات متعلمة، يحتل فيها
المورد البشري مكانة أساسية، حيث يمكن
لهذه المنظمات تنمية معارفها من خلال اختيار أفضل العناصر البشرية والحفاظ على
مستوى مرتفع من التعليم و التكوين المستمر لصالحها.
و
لهذا الغرض كان لابد من إيجاد الممارسات التسييرية الأفضل
للموارد البشرية. حيث ظهر منذ التسعينات
مفهوم جديد هو مفهوم إدارة
المعارف والكفاءات.
و
قد تطرق العديد من الباحثين والمفكرين إلى هذا المفهوم في كتاباتهم،
كل من منظوره الخاص. و بذلك نتجت عدة معالجات للموضوع، من وجهة نظر المهتمين
بالموارد البشرية. ينظر هؤلاء إلى رأس المال البشري (
المهارات و الخبرات و التعليم المتراكمة لدى العنصر البشري ) بأنه
الأساس في إكساب المؤسسة الميزة التنافسية ويهتمون بإنتاج المعرفة و إيجاد الوسائل
التي توفر بيئة داعمة ومشجعة للابتكار، وتجعل المنظمة أكثر فعالية وإنتاجية.
فما هو
الجديد الذي يقدمه مدخل إدارة المعارف والكفاءات للمنظمات في ظل بيئة تنافسية حادة
؟ وماذا يمكن أن تكون مساهمة إدارة الموارد البشرية في هذا الصدد ؟
إن
محاولة الإجابة عن هذا التساؤل تمر بالإجابة عن التساؤلات
الفرعية التالية:
·
لماذا الاهتمام بالتعلم
وما هي مظاهره ؟
·
ما هو مفهوم إدارة
الكفاءات والمعارف ؟
·
ما هي مساهمة إدارة
الموارد البشرية في إدارة المعارف والكفاءات ؟
·
وما هي القيمة التي
يمكن أن تنتجها إدارة المعارف والكفاءات لتحقيق الميزة التنافسية ؟ هذه الإجابات سوف
نضمنها في " قسمين " رئيسيين:
-
نحاول
الوصول إلى مفهوم إدارة المعارف والكفاءات من خلال بعض التعاريف للمصطلحات
المتعلقة بالمفهوم، بعد التطرق
إلى دوافع الاهتمام بالتعلم في المنظمات وأهم مظاهر هذا التعلم.
-نحاول
الإجابة عن الإشكال الرئيسي انطلاقا من عرض التطور الذي عرفته إدارة الموارد
البشرية حتى وصلت إلى إدارة المعارف والكفاءات. ثم نتعرف على ممارسات إدارة
الموارد البشرية عند تطبيقها لهذا المفهوم من خلال عرض سيرورة إدارة المعارف
والكفاءات. ونصل في الأخير إلى توضيح دور إدارة المعارف
والكفاءات في تحقيق القيمة والميزة التنافسية للمنظمة،
في مثال تطبيقي.
مفاهيم حول إدارة المعارف و الكفاءات:
انصب
الاهتمام مع بداية السبعينات من القرن الماضي خاصة على تطوير العمليات الإدارية
وتطبيق المفاهيم التسييرية الحديثة مثل: الإدارة بالأهداف وإدارة الجودة الشاملة،
ولذلك لم تعط المنظمات الأهمية اللازمة للعملية التعليمية. إلا أن التطورات
الحاصلة في العالم
قد لفتت انتباه هذه المنظمات إلى ضرورة إعادة تأهيل نفسها وتدعيم خبرات مواردها
البشرية. ومن ثم بدأ الاهتمام بالتعليم لملائمة هذه الخبرات مع الظروف الجديدة،
وظهرت مفاهيم جديدة استجابة لهذا التغير أهمها " إدارة الكفاءات "
و"المنظمات المتعلمة ".
التحولات الحاصلة في المنظمات حاليا؛ نحو منظمات متعلمة :
لماذا الاهتمام بالتعلم ؟
إن الاهتمام المتزايد بمصطلحات "
التعلم التنظيمي " أو " المنظمات المتعلمة " سواء في الوسط
الأكاديمي أو المهني، يمكن تفسيره بثلاثة
عوامل
- التغيرات السريعة أكثر
فأكثر والمفروضة من المحيط، حيث تضطر
المنظمات إلى إعادة النظر في ممارساتها الإدارية وتتساءل عن وسائل الحصول على طرق
جديدة للتعلم.
-
المكانة التي حازت عليها الكفاءات والموارد الداخلية لتفسير تنافسية المنظمات،
قادت هذه الأخيرة إلى تعميق آليات تخليق، نشر
والاحتفاظ بمعارفها ومهاراتها.
-
سياسات التوقيف الجماعي عن العمل) والتي كانت
نتيجتها غير المتوقعة هي فقدان كفاءات اكتسبها العاملون مع مرور السنوات. مما أوجد
وعيا بالطابع غير الملموس لبعض الكفاءات وبضرورة الاهتمام بكيفية الاحتفاظ
بها.
وقد أجريت
العديد من الدراسات حول أهمية التعلم ودوره في تحسين أداء المنظمة منها دراسة
أمريكية أجريت على 300 منظمة في القطاع الخاص والحكومي، لتحديد
تأثير العملية التعليمية على الإنتاجية. وقد كانت النتيجة أن زيادة الاستثمار في
التعليم بنسبة 10 % قد أدت إلى
زيادة في إنتاجية المنظمات الحكومية قدرها 11 % مقارنة بزيادة قدرها 5.6 % ، 3.4 % في
الإنتاجية ناجمة عن زيادة عدد ساعات العمل ورأس المال بنسبة 10% على الترتيب. وبالتالي تأكد أن الاستثمار في التعليم هو الأفضل في زيادة
الإنتاجية.
كما أجرت
وزارة العمل الأمريكية دراسة أخرى حول مواقع العمل ذات الأداء المرتفع في محاولة لإيجاد نقاط مميزة لهذه المواقع .
فوجدت أن من بين المعايير يوجد معيار تنمية المهارات
والمعلومات من خلال التدريب والتعلم المستمر وكذا التشارك في المعلومات؛
التدريب و التعليم المستمر: لوحظ أن
الاستثمار في التدريب وتنمية العاملين يمثل نسبة أعلى في كشف الأجور مقارنة مع
المنافسين. كما أن البرامج التدريبية محددة وفعالة وتوجد من بينها برامج لدعم
التعليم المستمر، مثل التناوب الوظيفي، وتدريب الفرق ذات
الوظائف المتداخلة.
التشارك في المعلومات: لوحظ أن
العاملين يحصلون على معلومات عن النتائج التشغيلية وعن مدى تحقيق الأهداف المالية
ومستوى الأداء التنظيمي، ويدربون على كيفية استخدام هذه المعلومات للاستفادة منها.
ونظرا
لأن المنظمات الحديثة قد أدركت أهمية التعلم في ظل بيئة سريعة التغير فقد دخلت في
عصر جديد هو "عصر المنظمات المتعلمة "، الذي يضعها
في موضع تعلم دائم من أجل البقاء والاستمرار، ويفرض
عليها تبني مفاهيم حديثة من بينها مفهوم " إدارة المعارف و الكفاءات ".
مظاهر الاهتمام بالتعلم:
يمكننا
ملاحظة أهم التحولات الحاصلة في المفاهيم والممارسات في هذا
السياق، من خلال الجدول التالي:
جدول رقم (1-1 ): أهم التحولات الحاصلة في المنظمات من أجل التعلم
أمس / اليوم
|
اليوم / غدا
|
- قواعد البيانات أقل ملائمة لتخزين الخبرات
|
- شبكات و قواعد
بيانات جديدة ملائمة لتخزين الخبرة
|
- المعارف التشغيلية توجد في أذهان الأفراد
|
- المزيد من المعارف التشغيلية تخزن في قواعد البيانات
|
- آجال نقل
المعرفة (الرسمية) في انخفاض
|
- انتشار عالمي و
فوري للمعرفة الشكلية عبر الشبكات
|
- الإستراتيجيات
تبنى أساسا على العلاقات مع المحيط (العملاء،
الموردون، المنافسون...
|
الإستراتيجيات الواقعية تبنى على المحيط و الموارد و منها: المعارف الفنية في المنظمة.
|
- الاقتصاد مبني على المنتجات و الخدمات
|
- الاقتصاد يقوم
أكثر فأكثر على الإنتاج غير الملموس،
المعلومات و المعارف
|
- بقاء المؤسسة مرتبط بالأسواق و الإستراتيجية
|
- بقاء المؤسسة
مرتبط بقدرتها على أن تكون "شابة" من خلال التعلم
|
- الخبير أقل أهمية من المسير
|
- الخبير و المسير مهم،
لكن الخبير أحيانا يشكل مورد أكثر ندرة
|
- ذاكرة المؤسسة
موجودة في أذهان الإطارات الإدارة الوسطى و التقنيين
|
- ذاكرة المؤسسة
موجودة في ذهن كل فرد عامل و لكن أيضا لدى الموردين،
الشركاء و العملاء و في قواعد البيانات
|
كل فرد يحتفظ لنفسه بمعلوماته،
معارفه و خبراته باعتبارها مصدر السلطة و الحفاظ على المناصب
|
- كل فرد يجتهد
لنقل, ترسيم ووضع معارفه في قواعد البيانات و الشبكات.
و يكافأ على ذلك بشكل كبير، كما يعاقب على منعه لها
|
- التكوين موجه
بشكل تفضيلي إلى أولئك الذين أجروا دراساتهم دون صعوبات كبيرة
|
- المؤسسة تتعلم
كيف تتعلم، و توجه التكوين للجميع
|
- التكوين يقدمه
المكونون ( المدربون )
|
- التكوين يتم من خلال العمل ذاته و يقدمه العديد من
الأشخاص، القنوات،
و الوسائل منها المكونون وكل الهيراركية تصبح
مكونة
|
- التكوين يتم في
فترات محددة من الحياة: خلال التمدرس، الدورات التكوينية... الخ
|
- التعلم يجب أن
يتم باستمرار، و التوقف عن التعلم يصبح قاتلا
|
- التكوين هوتصرف( Acte ) فردي
|
- اللغة والقيم المشتركة تماسك
المنظمة والأمة وتنتج عن التكوين الجماعي
|
- يوحد الكثير من
مديري نظم المعلومات و القليل من مديري المعرفة
|
- وجود الكثير من
مديري المعرفة
|
- مفهوم
الممارسات الفردية.
|
- مفهوم "
جماعات الممارسة "
|
- عدم تثمين
التقليد
|
- تثمين التقليد لأفضل
الممارسات في التسيير (Best
practices) كنتيجة لمفهوم "المقارنة المرجعية" Benchmarking) (
|
- الكفاءة = المعارف
|
- الكفاءات =
المعارف الفنية (Savoir-faire) )تتضمن المعارف و المعرفة
العلاقاتية Savoir -être )
|
- المتابعة (Veille ) هي نشاط ثانوي
|
- المتابعة التقنية،
التجارية و الإستراتيجية تصبح مهمة
|
- التعلم في المنظمة هو عملية تكيف مع التغيير
|
- التعلم في
المنظمة ناتج أيضا عن تخليق المعارف الذي تمارسه في الداخل
|
كل هذه
التحولات سالفة الذكر تترجم في الواقع من خلال تزايد عدد
المنظمات التي تستثمر في التعليم ومشاريع إدارة المعارف والكفاءات.
ففي عام 1997 نشرت مجموعة Delphi Group Inc."
" تقريرا مفاده
أن 28 % من الشركات التي شملتها
الدراسة استثمرت في مشاريع إدارة المعرفة. ثلاث سنوات من بعد، وجدت دراسات " KPGM
"
أن 80 % من الشركات الكبرى في العالم دخلت في مسعى لإدارة
المعرفة
فالتطور التكنولوجي الكبير قد أدى إذن إلى
" انفجار" المعارف المتخصصة أكثر، ونتج عن
ذلك، منذ التسعينات، أشكال
تنظيمية جديدة خاصة منظمات متعلمة وتطور مفهوم الكفاءة ليحتل مكانة بارزة في
الممارسات التسييرية.
تعاريف أساسية :
من أكبر المفكرين في إشكالية المعارف في المؤسسة « Ikujiro
Nonaka » و «Hirotaka
Takeuchi»، اللذان ألفا معا كتاب « The
knowledge creating company » حيث تولي أطروحات « Nonaka » أهمية كبيرة للجانب الإنساني على الجانب التكنولوجي،
الذي اهتم به مفكرون آخرون أمثال: « Jean
François Ballay »
و « Arie de Geus ». ولهذا السبب نجد أن
مفهوم إدارة الكفاءات والمعارف يعالج في الأدبيات من وجهات نظر مختلفة مما يحتم
ضرورة التفرقة بين بعض المصطلحات قبل إعطاء المفهوم.
البيانات، المعلومات والمعارف: كثيرا ما
تستخدم هذه المصطلحات بدل بعضها البعض دون تمييز، وعليه لا بد من توضيح الفرق بين
هذه المفاهيم الثلاث
البيانات: هي أجزاء
غير مرتبة من المعلومات، يمكن
الحصول عليها من مصادر أولية مباشرة عن طريق أجهزة القياس أو الأفراد،
أو من مصادر ثانوية داخلية أو خارجية بالنسبة للمنظمة.
المعلومات: هي ما ينتج
عن إدماج وترتيب البيانات لإعطائها معنى، وهي قد لا
تكون ذات قيمة..
المعرفة: هي معلومة مقبولة وذات
قيمة، تشمل في آن واحد البيانات،
الوقائع والمعلومات وأحيانا الفرضيات. وهي تتطلب وجود شخص يقوم بفرز،
جمع و تفسير المعلومات.
و
يمكن إدراك الفرق بين المعلومة والمعرفة، إذا علمنا
أن
المعلومة تجيب عن الأسئلة: من؟ ماذا؟ متى؟ وأين؟
المعرفة تجيب عن الأسئلة: كيف؟ و لماذا؟
ثم إن عدم تجانس
المعلومات مع محدودية قدرات الأفراد المعرفية، يجعل من معالجة البيانات مسبقا، أمرا ضروريا.
المعرفة الفنية:
"التوازن
الجيد بين المعرفة والتصرف، أي مجموع المعارف التي تستخدم عندما نكون بصدد
التصرف... سواء كان ذلك لأجل الإنتاج، التصميم، التصليح، الاتصال، البيع، التخطيط، الإدارة
والتوجيه، كل هذه المهام والأنشطة تتطلب معرفة فنية".
إذن
المعرفة الفنية تتضمن "جزءا
شخصيا" يمكن أن يختلف من شخص لآخر، "جزءا
بديهيا" لا يحتاج الفرد للتصريح به لأنه مشترك بين الجميع،
و "معرفة قارة" بالإضافة إلى مفاهيم ناتجة عن التجربة والخبرة التي هي
في طور الاكتساب، والمعرفة قد يكون لها
مصدران :
مصدر معرفي يشمل كل ما يمكن تعلمه
عن طريق العروض, القراءة والتصور, أي المعرفة المبنية على المعلومات و بالتالي على
البيانات.
مصدر تجريبي ( خبراتي) و يشمل ما
ينتج عن التجارب المعاشة من قبل الفرد.
وغالبا ما يميز أيضا بين:
المعرفة الصريحة: أو الرسمية والقابلة للانتقال بدون صعوبات
كبيرة، يمكن تجسيدها عن طريق النصوص،
الرسوم، الصور أو الرموز.
المعرفة الضمنية: شخصية أكثر، تعتمد على
الحدس، هي ثمرة الخبرة الشخصية وغير مهيكلة كلية بحيث
يمكن نقلها من خلال اللغة أو الصورة، إلى حد
الآن.
الكفاءات:
إن مفهوم
الكفاءات يطرح أشكال تعريفها والكفاءة لا يمكن أن تكون مهمة إذا لم تكن
مكونا أساسيا للأداء، إلى جانب محيط العمل
والدافعية. إضافة إلى ذلك فهي من خصوصيات الفرد عندما يقوم بتحريك الموارد.
الكفاءة حسب مواصفة ISO 9000 : 2000 هي "
القدرة التي يظهرها الفرد في وضع معارفه حيز التنفيذ) (Samy M.,la qualite en question iso 9001/2000
ويعرف
ropert
,Boye "الكفاءة على
أنها القدرة على التحرك (العمل) في محيط
مهني معطى، و تتمثل في المقاربة (Convergence) بين مهارات
متحكم فيها، قدرات فردية كامنة وتنظيم العمل الذي يمنح
شرعية ممارسة معرفة معينة. وهي خاصية
مرتبطة بالفرد أكثر من ارتباطها بتنظيم العمل
كما تعرف "
الكفاءة على أنها سيرورة (Processus).
العامل الكفء هو ذلك القادر على تحريك ووضع مختلف وظائف نظام معين حيز التنفيذ
وبصورة فعالة، حيث تتدخل موارد أكثر تنوعا من عمليات
الاستدلال (Raisonnement )
المعارف، تنشيط الذاكرة، التقديرات،
القدرات العلاقاتية أو الأشكال السلوكية"
الكفاءة
هي القدرات على إنجاز مجموعة من المهام المحددة الواضحة والقابلة للقياس في إطار
النشاط .
ويعرف Montmolin ,1984,246 الكفاءة وفقا لمفهومها الضيق على أنها القدرة على انجاز مجموعة من المهام المحددة
قابلة للملاحظة والقياس. وبمفهومها الواسع، الكفاءة المهنية هي الحالة التي يمكن
فيها تعبئة وتنسيق وتوظيف الموارد ، فهي لا تظهر إلا خلال ممارسة العمل.
الكفاءات هي مجموعة من
المعارف والمعارف الفنية، السلوكات النموذجية
والإجراءات النمطية أنماط الأحكام التي يمكن أن توضع موضع التنفيذ بدون تعلم جديد.
فالكفاءات إذن يمكن أن نعبر عنها بأنها التوليف الديناميكي لمختلف العناصر:
المعارف النظرية
الإجراءات
المعارف الفنية
التجربة غير الممنهجة.
ومن وجهة النظر المنهجية يجب التمييز بين الكفاءة la
competence
والاستعداد )القابلية( attitude والكفاءة والأهلية La Qualification فمفهوم القابلية يشير إلى وجود اختلافات ثابتة بين الأفراد فطرية
أكثر مما هي مكتسبة.ومفهوم القابلية يكون ذو معنى أكبر في حال مناصب العمل
المستقرة.
أما
الأهلية فتعرف بصورة عامة بأنها كل الخصائص التي تستخدم في العمل الضرورية للإنتاج
مثل الخبرة والمبادرة ..
·
Michel Ledru: " الكفاءة هي القدرة على حل المشاكل المتخصصة في سياق معطى). حيث يمكن
التمييز بين:
كفاءات من المستوى الأول:
* كفاءات تشغيلية ( عملياتية) أي القدرة
على إنجاز المهام...
*
كفاءات علاقاتية (Savoir-être).
كفاءات من المستوى الثاني:
الكفاءات المعرفية ( الذهنية).
ورغم اختلاف
تعار يف الكفاءة في الأدبيات، إلا أنها
تشترك في النقاط التالية:
-
تنمية المفاهيم،
المهارات و الاتجاهات ( التكوين)،
-
القدرة،
-
ممارسات العمل و القدرة
على تحريك الموارد،
-
البحث عن أداء أفضل،
-
البحث أو التساؤل
الدائم ( البعد
الديناميكي للكفاءة)،
-
العلاقة مع الأفراد
الآخرين (
التفاعل).
و يجب أن نعلم أنه من الصعب تحديد
الكفاءات وتقييمها، وهي تثرى مع الوقت من
خلال تجارب مكونة)، بالإضافة إلى الدافعية التي تنتج عن اعتراف الآخرين بامتلاك
الفرد لكفاءات أكثر. إذن هي عملية بناء اجتماعي، لا يكفي
لإيجادها مجرد قرار أو مرسوم إداري، بل لا بد
من أن تكون نتيجة خيار تنظيمي
إدارة المعارف والكفاءات: التعريف، الأهمية والأهداف:
اليوم، لم تعد
أنشطة العمل تتوقف عند المنصب فقط، بل تتعداه
إلى معايير أخرى( النوعية، الاتصالات،
العلاقات مع الزبائن والموردين...)،
ومن ثم فإن العمل الموصوف يختلف عن العمل الفعلي، حيث في الواقع
كل فرد يتصور العمل الذي يكلف به بطريقته الخاصة، وكذلك
الأهداف التي يسعى لبلوغها، الاتصالات
والمبادلات التي يجب القيام بها.
و بالتالي
لا بد من أن يتضمن وصف الوظيفة إضافة إلى المهام والخصائص، مجموعة
مرجعية من الكفاءات المطلوبة لشغلها، كما يجب أن
يتغير تنظيم العمل بحيث يسمح بتنمية الكفاءات الفردية الجماعية. وهذا
ما يمكن أن تحققه إدارة المعارف والكفاءات.
مصطلح " الإدارة" يشمل تحديد الأهداف،
اتخاذ القرارات والتصرفات لتحقيق هدف معين ( مثل النمو،
الاستقرار... ).
وفي الواقع كل مؤسسة تتخذ قرارات تتعلق بكفاءات أفرادها، تتصرف
وتقيم النتائج.
يعرف « D.Thierry » و « C.Sauret » إدارة الكفاءات بأنها تصميم ( وضع)،
تنفيذ ومتابعة خطط عمل متجانسة بهدف تقليص الفروق بين الاحتياجات والموارد البشرية
للمؤسسة، بشكل مسبق ( من حيث
الكفاءات والحجم) تبعا لخطتها الإستراتيجية ( أو على
الأقل تبعا لأهدافها على المدى المتوسط)،
مع تضمين العاملين في إطار مشروع تطوير وظيفي.
كما يمكن القول أن إدارة الكفاءات هي عملية
تفاعلية، تتضمن ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: يهتم بمنطق
الكفاءة كإجراء تسييري تتخذه إدارة
الموارد البشرية خدمة لإستراتيجيات التكيف مع المحيط، في
المؤسسة.
المستوى الثاني: يتعلق
بتجسيد الأهداف.
المستوى الثالث: يهتم
بالكفاءات نفسها وشروط نقلها ( انتشارها).
إذن إدارة
الكفاءات تشمل:
-
تحولا من مفهوم الوظيفة والمهام إلى مفهوم الكفاءة،
-
مجموعة من العمليات والممارسات الإدارية التي تلبي احتياجات المنظمة من الموارد
البشرية كما ونوعا،
خدمة للأهداف متوسطة وطويلة الأجل،
-
تضمين الأفراد العاملين في سيرورة تعلم استجابة لتوقعاتهم ولاحتياجات المنظمة،
-
إيجاد الأساليب والوسائل المساعدة على
تحديد، نقل والحفاظ على الكفاءات.
وبالتالي
يمكن التمييز بين المنظمات التي تعتمد إدارة المهام والوظائف وتلك التي تعتمد
إدارة المعارف والكفاءات كما يلي:
الجدول رقم (2-1): الفرق بين إدارة
المهام و إدارة المعارف
النموذج أ: إدارة المهام
|
النموذج ب: إدارة المعارف
|
العاملون
(Opérateurs)
|
الفاعلون
(Acteurs)
|
تنفيذ
العمل الموصوف
|
تجاوز
ما هو موصوف
|
تنفيذ
العمليات
|
القيام
بتصرفات و ردود أفعال
|
تبني
سلوك معين
|
اختيار
مسار ( توجه) معين
|
الإدارة
من خلال الرقابة
|
الإدارة
من خلال القيادة
|
الغاية
هي الوظيفة (Emploi)
|
الغاية
هي قابلية التوظيف (Employabilité)
|
تسمح إدارة الكفاءات للمنظمة بتحديد
كفاءات مواردها البشرية وتكييفها مع أهدافها وتوقعات العاملين. ومن ثم لا بد من
توضيح أهداف العملية التسييرية، أي تحديد
المجالات التي تتوقع المنظمة أن عملية إدارة الكفاءات سوف تحقق فيها قيمة إضافية
معتبرة مقارنة بالممارسات الحالية، عند تنفيذ
الإستراتيجية.
و
قد أثبتت التجارب في الدول المتقدمة أن توفر الأدوات ( مثل: التوصيف النموذجي
للوظائف، فهرس
الكفاءات... ) لا يكفي وحده، و إنما يجب
أن تساعد هذه الأدوات الفاعلين على حل المشاكل التي لا تسمح الممارسات الحالية
بحلها.
و
عموما ، تهدف إدارة الكفاءات إلى تحقيق سبعة أهداف رئيسية:
- تقدير أفضل للكفاءات الملائمة للوظائف،
- تحكم أفضل في نتائج التغيرات التكنولوجية
والاقتصادية،
- الجمع بين عوامل: الكفاءة،
المنظمة " المؤهلة"، وتنمية
كفاءات العاملين بشكل أفضل،
- الحفاظ على
قابلية التوظيف للجميع،
- إدارة المسارات
الوظيفية بشكل أفضل (Carrières)،
- تقليل
المخاطر والتكاليف
الناجمة عن الإختلالات،
- اختيار
وبرمجة مخططات التصحيح الضرورية بشكل أفضل. فإدارة
الكفاءات والمعارف تقضي على النظام التقليدي للتصنيفات الذي يقوم على محتوى الوظيفة
( منصب العمل). فهي تقوم
بدلا من ذلك على المـعارف والخصــائص المهنية ( بما فيها
السلوكية) الضرورية
لشغل المنصب. وتهتم بكفاءات الفرد جميعها سواء كان يستخدمها في منصبه الحالي أم لا،
بمعنى أنها جهد إداري هادف إلى تثمين كفاءات الأفراد العاملين لتحقيق أهداف
المنظمة.
إن
المنظمات الحديثة في سعيها لأن تكون منظمات متعلمة، لابد أن تركز اهتمامها على
التنمية المستمرة لقدرات العاملين وإكسابهم قدرا من المرونة في التفكير بما ينشر
بينهم الدافع و الطموح لابتكار نماذج وطرق حديثة
لإنجاز النتائج المرغوبة للمنظمة.
وفي بيئة يسودها التعلم أيضا، يصبح من الضروري أن يتشارك الأفراد في وجهات النظر،
المعارف، المعتقدات، والأهداف من أجل أن تتعلم المنظمة وينمو البعد الاٍجتماعي.
وهنا يكمن دور إدارة الموارد البشرية في تحويل هذه الكفاءات إلى ممارسات تساهم في
تحقيق أداء أفضل وتجعل المنظمة أكثر تنافسية.
إدارة الموارد
البشرية من خلال الكفاءات لتحقيق القيمة:
إن الحاجة إلى
المرونة قد غيرت مكانة الموارد البشرية في المنظمات. فبعد أن كانت
الوظيفة هي المعيار المعتمد في تحليل العمل، أصبحت
اليوم غير ملائمة وحل محلها مفهوم الكفاءة الفردية.
في
نفس الوقت، فإن إدارة الموارد البشرية عليها أن تتغير أيضا
من حيث طبيعتها، فالمدير عليه أن يفكر أكثر في مسائل مثل "
كيف نوظف، ندرب و نكون، نحفز
الأفراد الحاملين لمعارف وكفاءات متنوعة؟ " أو " ما هو التصميم التنظيمي
الذي يخدم الدافعية نحو الابتكار والتعلم؟ ". الإجابة على هذه الإشكاليات
تمكن المنظمة من تحقيق القيمة والميزة التنافسية.
" إدارة الموارد البشرية من إدارة
الأفراد إلى إدارة الكفاءات:
تشير الكتابات
إلى
أن الشركات تسعى لتحقيق مشاركة أكثر فعالية من جانب العاملين فيها بغرض تحسين
قدرتها التنافسية. وهذه المشاركة المرجوة
تتطلب ظروف عمل أفضل تتطلب التنمية والتدريب،
وخصوصا طريقة جديدة للتفكير في الأفراد داخل المنظمة.
باختصار،
المنظمات بحاجة إلى إعادة التفكير حول مواردها البشرية وإلى تنمية كفاءاتهم والملاحظ لبيئة الأعمال،
يرى بوضوح أن إدارة الموارد البشرية قد تطورت مع تعقد البيئة وقد أصبحت هناك أربع
نماذج أساسية في تسيير الموارد البشرية وهذه النماذج يجب النظر إليها على أنها
مكملة لبعضها وهي انعكاس للانشغالات التي سادت كل مرحلة من المراحل التي مرت وتمر
بها المؤسسة، انطلاقا من هذا فإن تسيير الموارد البشرية لا ينظر إليها نظرة
تاريخية فقط بل نظرة وظيفية أيضا، وهذه النماذج يمكن أن تتواجد إلى جانب بعضها
البعض في نفس المؤسسة.فالنموذج الأول يستند إلى مبادئ " التايلورية" فهو
يقوم على التنبؤ والكفاءة والأفراد ما هم إلا عوامل إنتاج يجب تقليص تكاليفهم.
مكانة الفرد في المؤسسة تعتمد على التقسيم الأفقي والرأسي للعمل، فهذه الرؤية
الرقابة تلعب دورا أساسيا في تحقيق كفاءة المنظمة والأفراد إذن يمكن استبدالهم.
النموذج الثاني يقوم على مبادئ حركة
العلاقات الإنسانية في ظل هذا النموذج
يعتبر |أفراد بالمؤسسة موردا يختلف عن باقي الموارد الأخرى،حيث أن الكفاءة
لا يمكن التعامل معها بصورة منفصلة عن الموارد البشرية إذ لا بد من الأخذ بنظر
الاعتبار حاجات الأفراد فمن المهم جدا أن نحقق التوافق على مستوى المؤسسة بين
الحاجات التقنية والحاجات النفسية للموارد البشرية.
والاعتراف
بهذا المنطق أدى إلى تطور التسيير الإداري البسيط للأفراد وإثرائه بوظائف الاتصال،
التنمية و التدريب والعلاقات الاجتماعية.
النموذج
الثالث يقودنا إلى تسيير أكثر حداثة لتسيير الموارد البشرية، الأفراد يشكلون موارد
المؤسسة ويجب إعطاء المكانة المركزية لهذا المورد في المنظمة فإلى جانب الحاجة إلى
العدالة والكفاءة تضاف الفعالية فالأجير
يجب أن يدرك مساهمته في عمل المؤسسة وتطورها، وتسيير الموارد البشرية يجب أن يمكن
من استخدام القوة الإبداعية لكل أجير وبالتالي فإن الأجراء يلعبون دورا مهما في
نمو المؤسسة في إطار البيئة التي تتواجد بها، فبموجب قدرة الأجير على التجديد
والرقابة الذاتية والمبادرة واتخاذ القرارات يتمكن من بناء وتطوير المنظمة، هدف
الإدارة إذن يتمثل تحريك الموارد البشرية في المؤسسة. وبهذا نمر إذن من منطق
الرقابة إلى منطق المساهمة. النموذج الرابع يتضمن ضرورة فهم سلوك المتعاملين في
المؤسسة حيث أن تسيير الموارد البشرية لا يتعلق فقط بالكفاءة والعدالة والفعالية
يجب أن نأخذ أيضا في الحسبان الأهداف التي يسعى الأفراد إلى تحقيقها فالهدف يتمثل
في تحقيق نوع من التوحيد بين أهداف المؤسسة وأهداف الأفراد ، التعاون أصبح إذن
عنصر أساسي وهذا النموذج أكثر تكاملا من النماذج السابقة.
بناء تسيير الموارد البشرية باعتماد عدة نماذج
ويعتبر أصحاب هذا الاتجاه أن النظرة
للأفراد كمورد بشري لا تؤدي إلى استخدام هؤلاء لكل إمكانياتهم الفكرية. فالمورد
يسحب منه لتلبية الاحتياجات وتتحكم فيه المنظمة. وهذا ما يقلل من قيمة العنصر
البشري القادر على النمو والتفكير بشكل أفضل، وعلى إدارة
نفسه. ومن ثم لا بد من تحسين النظرة إلى العنصر البشري، واعتباره
شريكا يمكنه دعم المنظمة لتحقيق أهدافها، من خلال
قدراته الفكرية القابلة للتنمية.
ثم إن هذا
الاتجاه تدعمه التطورات الحاصلة في مستويات التعليم والمعيشة. مما يفتح المجال
لمفهوم إبراز واستخدام الاستعدادات المستقبلية للأفراد باعتبارهم شركاء.
فالفرد
لديه الاستعداد والإمكانيات لأن يتصرف ويبادر، ويتحمل
المسؤولية عن القرارات التي يتخذها، إذا وجد
محيطا مشجعا.
حيث
أشارت إحدى الدراسات أن الأفراد المعرفيين يميلون إلى تنمية استعداداتهم الكامنة
إذا توفرت العوامل الدافعة التالية: النمو الشخصي، ثم
الاستقلالية، فإنجاز المهام، و أخيرا
المكافآت المادية.
فالشركات
الناجحة مستقبلا هي تلك التي ستحفز الأفراد على تعظيم استخدامهم لقدراتهم
ومعارفهم. أي تلك التي ستطور وتتبنى مداخل جديدة لتنمية الأفراد المعرفيين.وهذا ما
يفرض الاهتمام أكثر بالمعارف المتخصصة، المهارات
والقدرات أو بتعبير آخر الكفاءات التي تساعد الأفراد على النمو في تخصصاتهم،
و ضرورة إتاحة الفرصة لهؤلاء حتى يستخدموا استعداداتهم الكامنة،
من خلال التحفيز الدائم.
إذن سوف
ننتقل إلى إدارة الإمكانيات المحتملة للأفراد أو إدارة الكفاءات التي هي سيرورة
متكاملة ومستمرة لتدعيم الطاقات البشرية، تقوم أساسا
على:
·
التركيز على الإدارة
الذاتية للأفراد بدلا من استخدامهم كمورد،
·
إدراك الإمكانيات
المحتملة أو الكفاءات لدى الأفراد والتعرف عليها لمساعدتهم على استخدامها وتنميتها.
·
التوجه بالنمو المستمر ( الاستمرارية)
·
العمل على تحقيق توقعات
الأفراد ومصالحهم من خلال تنمية كفاءاتهم ومن ثم تحقيق مصالح المنظمة،
لأن ذلك ينمي لديهم حس المسؤولية والولاء.
·
العمل على تحديث وتطوير
السياسات والهياكل التنظيمية باستمرار استجابة لحركية البيئة وبشكل يمكن الأفراد
من إبراز كفاءاتهم وقدراتهم الكامنة، للمساهمة
بفعالية في المنظمة.
و هذا التجديد في إدارة الموارد البشرية،
يضعها أمام التحديات التالية:
التحدي الأول: يتمثل في
المشاكل المتعلقة برصد المعارف الضرورية الصريحة والضمنية والتي تعد ضرورية لعملية
اتخاذ القرار ولسير العمليات الأساسية للمنظمة، ثم وصفها
وتقدير قيمتها الاقتصادية.
التحدي الثاني: يتعلق
بمشاكل الاحتفاظ بهذه المعارف، حيث لا بد
من تحصيلها من حامليها، تحريكها،
ترسيمها ( إعطائها
شكلا محددا) و الاحتفاظ
بها.
التحدي الثالث: يتمثل في
مشاكل تثمين المعارف، حيث يجب وضعها في خدمة
تطور المنظمة من خلال جعلها في متناول الأفراد من خلال ضمان سهولة الوصول إليها
إشراك الآخرين فيها استغلالها وتكوين معارف جديدة.
التحدي الرابع: يتمثل في المشاكل المتعلقة بتحيين المعارف) أي جعلها مواكبة للتطورات، فلا بد من تقييمها،
" تجديدها"، وإثرائها من خلال
التجربة، تخليق معارف جديدة، وجلب معارف
خارجية.
التحدي الخامس: يتعلق
بالتفاعل بين المشاكل السابقة. وهنا تتموقع إدارة الأنشطة والعمليات الموجهة
لزيادة استخدام وتخليق المعارف في المنظمات.
وهذا
يغطي جميع أنشطة إدارة الموارد البشرية الهادفة إلى ملاءمة إدارة المعرفة
والكفاءات مع التوجهات الإستراتيجية للمنظمة: تحريك جميع الفاعلين في المنظمة،
تحسيسهم، تدريبهم تشجيعهم وتحفيزهم، لاستخدام
معارفهم ومشاركتها مع الآخرين. ثم تقييم
النتائج لتصحيح ما هو غير ملائم.
وكما يوضح « B.
Henriet »
في كتابه « DRH, c’est
déjà demain »
فإن المحاور الإستراتيجية لإدارة الموارد البشرية هي : الاستقلالية
(Autonomie)
،
التضمين (Implication) ، التماسك
(Cohésion) والكفاءة (..(Compétence).
حيث
ستضطلع إدارة الموارد البشرية بإدارة الأفراد وفقا
لكفاءاتهم.
سيرورة إدارة الكفاءات وعلاقتها بالأنشطة
الأخرى للموارد البشرية:
إن حجم
وأهمية التطورات التكنولوجية والحاجة إلى إجراء دورات تكوينية متكررة قد أدى إلى
تغير عميق في التفكير حول التدريب، تقييم
الأفراد وتوصيف الوظائف.
هذا
النشاط الأخير لم يعد كافيا للاستجابة لعدم الاستقرار المعاصر في ظروف العمل
وتميزها بالجماعية وسيادة السلوكيات. مما يفرض على المنظمات وضع إدارة تقديرية
للوظائف والكفاءات).
قبل
البدء في تطبيق إدارة الكفاءات، لا بد أولا
من الإجابة على التساؤلات التالية:
لماذا
تريد المنظمة السير في هذا المسار ( المسعى)؟
ما
مدى أهمية البيئة؟ وهل ستكون قيدا أم دعما للتغيير المطلوب؟
ثم
تأتي مرحلة طويلة من التحليل تشمل ما يلي:
-تقييم
كفاءات كل فرد بصورة مفصلة ( الإمكانياتت الحالية،
الكامنة، الخصائص السلوكية...)،
-تحليل
مناصب العمل لتحديد الكفاءات المطلوبة لشغلها،
-محاولة تحديد الكفاءات
التي تحتاجها المنظمة في المستقبل.
و سوف تشكل نتائج التحليل أداة مرجعية
لإدارة الموارد البشرية في جميع أنشطتها من التوظيف، المكافآت...
و الإدارة التقديرية للوظائف والكفاءات.
و على هذا فإن سيرورة الإدارة التقديرية
للوظائف والكفاءات تتضمن المراحل الأساسية التالية) ، كما هو موضح في الشكل (1-2):
الشكل (1-2): تمثيل لسيرورة
الإدارة التقديرية للوظائف والكفاءات
تحليل الوضعية الحالية للمنظمة : من الجانب
الكمي (هرم الأعمار،
توزيع التكوين حسب المستويات، تحليل
التدفقات، مستوى المكافآت) وإذا أمكن،
مقارنته مع المنافسين.
بالإضافة
إلى الجانب النوعي للموارد، وهذا لوضع
فهرس أو مرجعية للكفاءات في المنظمة، ومرجعية
كفاءات لكل منصب عمل.
مثال عن
مرجعية الكفاءات المطلوبة لشغل منصب قيادي): إقامة علاقات من خلال العمل
تنمية الآخرين، الفهم المتبادل، الثقة
بالنفس، الرقابة الذاتية، المبادرة،
الخبرة المهنية ، التفكير بأسلوب تحليلي،
العمل ضمن الفريق والتعاون، التوجه
بالعملاء، القدرة على توجيه الآخرين،
التصرف بمرونة، ... الخ.
كما
يشمل التحليل، تحليل البيئة الداخلية والخارجية التي يمكنها
تغيير محتوى الوظيفة مثل: التقنيات الجديدة، المنافسة،
متطلبات العملاء... الخ.
التنبؤ بالوظائف المستقبلية وتقييم
الانحرافات : تتطلب هذه المرحلة وضوح الرؤية والإستراتيجية
بشكل كافي حتى تتم ترجمتها إلى احتياجات من الكفاءات، وتوضع
قائمة الوظائف المستهدفة بالكفاءات المطلوبة، والوظائف
الأكثر حساسية، ثم تستنتج الانحرافات بين الكفاءات
الموجودة والمطلوبة مستقبلا.
اتخاذ الإجراءات التصحيحية : يتم وضع
خطط العمل حيز التنفيذ لتحقيق أهداف إدارة الكفاءات. وتتمثل هذه الخطط أساسا في"::
التوظيف:
حتى
تكتسب المنظمة كل الكفاءات التي تحتاجها، فإنها تكون
مخيرة بين:
توظيف الأفراد الذين يمتلكون هذه الكفاءات،
من خارج المنظمة، أو تكوين الأفراد
العاملين في المنظمة. وعندما تعتمد على التوظيف الخارجي سوف تتحمل نفقات إضافية
وتقلل من إمكانية الترقية داخليا والتي قد تعمل كحافز للعاملين الحاليين لو تمت.
النقل الوظيفي:
إن مزايا انتقال
الأفراد بين المناصب والوحدات التنظيمية واضحة خاصة إذا تعلق الأمر بالترقية أو
بتحضير وتهيئة الأفراد للمناصب العليا. ولهذا الغرض يتم إنشاء بعض المناصب تسمى "وظائف الاٍنتظار"مثل المكلف بالدراسات،
وهذه الوظائف تعد ممونا أساسيا بالكفاءات التي تساعد الأفراد على شغل مناصب
المسؤولية.
وفي الواقع، يصعب تنظيم هذه العملية وتحقيقها، لأن
الأفراد ورؤساءهم قد لا يرغبون في التغيير. مما يتطلب ربط المكافآت ومسار الفرد في
تحصيل الكفاءات الجديدة أو التكميلية بالتغيير في المناصب.
التدريب (
التكوين):
إن
الكفاءة تكتسب وتؤكد من خلال التدريب المتواصل الذي يشكل وسيلة هامة وممتازة
لتنمية الكفاءات المطلوبة لتنفيذ الإستراتيجية وبالتالي سد الفجوة في الكفاءات.
مثلا قامت شركة" "IBM، فرع كندا بتخصيص 40 مليون دولار للتكوين والرسكلة عام 1990. و كان الجزء الأكبر من هذا الاستثمار موجها لتنمية قدرات الأفراد
العاملين، وتحسين خدماتها للزبائن .
و
يحتاج التدريب المتعلق بإدارة الكفاءات إلى الجمع بين تكييف الأفراد مع أنماط
التسيير الجديدة وتحضيرهم للمستقبل.
المكافآت:
في
إدارة الكفاءات لا بد من ربط المكافأة بمجموعة من الكفاءات لدى الأفراد العاملين،
حسب طبيعتها، وتنوعها و/أو درجة التحكم فيها،
من أجل دفعهم إلى تدعيم كفاءاتهم الحالية واكتساب كفاءات جديدة تحتاج إليها
المنظمة، ومشاركتها مع زملائهم لتكوين
كفاءات جماعية ) ومن أجل
الحفاظ على الأفراد الأكفاء حتى لا يتحولوا إلى المنظمات المنافسة.
بالإضافة
إلى هذه الأنشطة، فإن إدارة الموارد
البشرية من خلال الكفاءات، ترتبط
بتقييم الأداء لغرض تحديد الاحتياجات، بالتضمين
والتمكين الذي يحتاج إلى تعليم الأفراد أولا ثم فتح المجال أمامهم ليكونوا شركاء
في المنظمة ويعملوا على تحقيق القيمة لها.
إدارة الكفاءات لتحقيق القيمة و الميزة
التنافسية: مثال تطبيقي
إن تحقيق
تنافسية المنظمة لا ينحصر فقط في تخفيض التكاليف وإنما يمتد أيضا إلى تخليق ( توليد) القيمة،
بمعنى منتجات تعادل قيمة أكبر لدى
العميل بفضل نوعيتها وأدائها.
ونحن
اليوم في اقتصاد تتحدد فيه قيمة المنتوج بالمعارف التي تدخل فيه والكفاءات التي
تحرك لإنتاجه.
و القيمة التي تنتجها المنظمة مرتبطة بأصولها
غير المادية تماما كارتباطها بالأصول المادية. و حتى يتم توليد القيمة فإن المنظمة
تحتاج أيضا إلى تضمين العاملين في إدارة هذه الأصول غير المادية وقبولهم بتحريك
وتنمية الكفاءات الضرورية لذلك. و هنا تبرز أهمية المورد البشري ودور الوظيفة
المكلفة به.
إن دور
المورد البشري في تخليق القيمة يتعلق بالقدرة على بناء كفاءات الموارد البشرية
بجذب ودمج الأشخاص المتميزين (de
qualité)
،
بتنمية الخبرات وتسهيل انتشار الكفاءات الجديدة ( التعلم
الفردي والجماعي). كما يتعلق
بالقدرة على إدارة هذه الكفاءات في إطار تنظيمي محدد ( ثقافة،
هياكل، أنظمة...) وبطريقة
ملائمة. وأخيرا فهو يتعلق بالقدرة على التعاون من خلال التشارك في المعلومات
والتجارب، وإقامة شبكة من العلاقات ونشر
رؤية جماعية مشتركة ( ثقافة المنظمة).
و الكفاءة
الفردية ليس لها أهمية في توليد القيمة إلا إذا سمحت بكفاءة جماعية،
وهذه الأخيرة تتطلب شروط أساسية:)
-أن
تكون لغة الخطاب موحدة (Langage)،
ويتم التشارك في المعارف والمفاهيم،
-التعلم
من التجارب، جماعيا،
-المعرفة بأصول العمل
الجماعي، القدرة على والرغبة في ذلك،
لإنجاح الفريق.
المثال التطبيقي:
أجريت دراسة
شملت سبعة مؤسسات منظمة في شبكة (Réseau)، و هي من
الحجم المتوسط والصغير، وتنشط في
إنتاج التكنولوجيا الراقية بفرنسا.
حيث
تم إنشاء الشبكة عام 1997 بتشجيع من السلطات العمومية بهدف نشر التكنولوجيا الراقية
الفرنسية في الصين ورفع رقم الأعمال هناك.
و
اعتمدت هذه المؤسسات مدخل إدارة المعارف والكفاءات لتحقيق هذا الهدف.
حيث اختار
الشركاء أن تتم إدارة المعارف والكفاءات التسييرية والتجارية المتعلقة بالسوق
الصينية إدارة شاملة في الشبكة ( عن النظام السياسي،
التكنولوجيا، التشريعات... تقييم كفاءات الشركاء الصينيين،
إنشاء العقود... )
أما
إدارة المعارف والكفاءات الأخرى خاصة التقنية والصناعية فبقيت على مستوى كل مؤسسة،
في استقلال عن الشبكة.
تحديد المعارف والكفاءات الأساسية:
قامت الشبكة على وجود شبكة من المعارف والكفاءات
المتعلقة بالأعمال مع الصينيين. حيث يتم تحديدها ميدانيا عند مواجهة صعوبات البيئة
الصينية وحلها من قبل الشبكة.
إثراء قاعدة الكفاءات من خلال الانفتاح
على الخارج: تقود الخطوة السابقة إلى:
-
وضع سيرورة تعلم من
خلال التبادل المنتظم والتوسع في العمل مع شركاء من خارج الشبكة.
-
تغيير التصورات للحفاظ على
مستوى مرتفع من المعارف حول الصين، بحيث يتم
إثراء هذه المعارف بإدماج كفاءات جديدة. وهكذا مرت الشبكة من 7 مؤسسات إلى 10 مؤسسات، ثم 12 مؤسسة عام 2002،
و أصبح لديها مكتب في "بكين".
الحفاظ عل المعارف و نقلها: إدارة رجوع الخبرة:
في البداية تم الاحتفاظ بالمعارف حول الصين في شبكة داخلية (Intranet)، لكن ظهر بسرعة أن مركز
النشاط يقوم على كفاءات سلوكية وعلاقاتية ومعارف ضمنية يصعب التعبير عنها بأنظمة الإعلام
الآلي.
و
في الواقع، نقل المعارف يتم من خلال التفاعل بين الأفراد
وهذا يضمن الحفاظ عليها جزئيا. إلا أن الطابع الضمني يمنح الشبكة معرفة يصعب
تقليدها.
إدارة الكفاءات في إطار من المبادئ: وجدت
الدراسة أن هناك 6 مبادئ ( محاور) تدعم إدارة
المعارف والكفاءات،
هي: المرونة، الرؤية المشتركة والتقارب الثقافي،
الإستراتيجية المشتركة، الثقة
والتبادل القوي للمعلومات، تكامل
المؤسسات و تقاربها الجغرافي، و أخيرا
وجود نواة إستراتيجية من الإطارات الكفأة.
و النتيجة
كانت انتقال رقم الأعمال من 1 مليون فرنك عام1997 إلى15 مليون فرنك عام 2000، في السوق الصينية فقط.
مع تحسن متوسط رقم الأعمال السنوي لكل شريك بنسبة 40 %، هذا عن القيمة المنتجة من الناحية المالية.
بالإضافة إلى أن الشبكة حققت وتحقق هدفها في ترقية التكنولوجيا الفرنسية في الصين.
أما
القيمة المنتجة في إدارة الموارد البشرية فتبدو نوعية وواقعية أكثر. هذه
القيمة يمكن قياسها جزئيا بالانخفاض الكبير في معدل ترك العمل. فرغم أن الشبكة تضم مهندسين
وباحثين من مستوى عالي، إلا أنها
لم تواجه صعوبات ترك العمل إلا نادرا.
هذه
النتيجة الاٍيجابية ناجمة عن إدارة الكفاءات والتي أدت إلى ثلاثة تطورات:إثراء الكفاءات الفردية على
المستوى التقني و العلاقاتي،تثمين الكفاءات الفردية من خلال إنجاز المشاريع
المعقدة أكثر،توسيع مجال المسؤوليات نتيجة نمو محفظة المشاريع. هذه هي النقاط الأساسية لتوليد القيمة في إدارة
الموارد البشرية من خلال الكفاءات.إذن بإمكان المنظمات الراغبة في الاستفادة من
أصولها المعرفية وتحقيق غايتها في توليد القيمة، أن تعتمد مدخلا جديدا هو مدخل
إدارة المعارف والكفاءات، الذي يعتبر مدخلا إنسانيا تساهم فيه التكنولوجيا بعد
ذلك.ففي اقتصاد القرن
الواحد والعشرين، سوف تكون كفاءة المورد البشري مفتاح الكفاءة المميزة للمنظمة.
وإدارة الموارد البشرية سوف تتولى مهمة بناء الكفاءات الفردية والجماعية اللازمة
لتحقيق قيمة مستدامة.
خاتمــة
يعد العاملون في المنظمة المورد الأساسي لإستراتيجيتها التنافسية. فكفاءة
الموارد البشرية تحقق للمنظمة النجاح والتميز في بيئة شديدة التنافس. ومن ثم سيكون
أساس الميزة التنافسية مستقبلا هو قدرة القيادة على صنع هيكل اجتماعي يستطيع توليد
القيمة. بحيث يجب أن تعرف المنظمة بأنها محفظة من الموارد والكفاءات التي يجب
تثمينها. فمع الوقت تتراكم لديها كفاءات فردية وجماعية، كلما أبقتها ضمن خصوصياتها
كلما كانت مصدرا للميزة التنافسية الدائمة.
ورغم الطابع المفاهيمي لموضوع الكفاءات
والتعلم في المنظمات بالتعقيد، إلا أن هناك عددا متزايدا من المنظمات التي تهتم به
وتجربه، والدافع هو أثر التحكم في الكفاءات على تنافسيتها مستقبلا.
فإدارة
المعرفة والكفاءات كونها ممارسة تسييرية تهدف إلى تكييف المنظمة مع محيطها لها هدف
آخر هو تحسين الأداء التنظيمي وتثمين الموارد البشرية، من خلال تحويل سلوكات
الفاعلين لصالح المنظمة.
إن
مدخل إدارة المعارف والكفاءات يقترح النظر للأفراد على أنهم مختلفون في قيمتهم
بالنسبة للمنظمة، ويحتاجون لطرق متباينة لتوجيههم وإدارتهم، حسب قدرتهم على تحقيق
القيمة للمنظمة.
إذ
على هذه الأخيرة أن تكون قادرة باستمرار على الإصغاء إليهم، الاتصال بهم وإرساء
ثقافة جماعية تعاونية وإشباع حاجياتهم. وهنا تلعب إدارة الموارد البشرية دورا هاما
من خلال كونها مستشارا داخليا تصمم الطرق، تكون المشاركين، تنظم وتنشط الفرق
القائدة... ) وكونها متخصصة في المورد البشري أي تحفز الأفراد على المشاركة في
سيرورة إدارة المعارف والكفاءات المهمة... ) حتى تساعد الإدارات التنفيذية على نشر
العملية. إذا نجحت إدارة الموارد البشرية في لعب هذا الدور فإنها سوف تساهم في
تحقيق القيمة من خلال إدارة الكفاءات والمعارف.لكن هل هذا المدخل سهل التطبيق؟
فعادة يكون هناك فرق بين النظرية والواقع، والتحدي هو وضعه موضع التطبيق، فإذا كان
يبدو اليوم غير أساسي فإنه مع التغير السريع للمحيط سوف يصبح ضرورة ملحة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
شركنا برايك ووجهة نظرك