انضموا معنا

انضموا معنا
نفيــــــــــــد و نستفيـــــــــــد
E-currencies exchanger
E-currencies exchanger

lundi 29 avril 2013

تأثير حماية حقوق الملكية الفكرية على القرارات الإستراتيجية لمنظمات الأعمال الدولية

-->
تأثير حماية حقوق الملكية الفكرية على القرارات الإستراتيجية لمنظمات الأعمال الدولية
 
    
 
   اجتازت دول العالم بوابة القرن الواحد والعشرين وهي على يقين بتعاظم أهمية المعرفة في الاقتصاد وترسخ لديها اعتقاد جازم بأن التكنولوجيا تمثل عنصرا لا غنى عنه في العملية الإنتاجية وأنها قوام التفوق وعماد المنافسة القوية، وأصبحت وظيفة البحث والتطوير تشكل أحد أهم الوظائف الرئيسية في منظمات الأعمال بعد أن كانت فيما مضى حكرا على مراكز البحث التابعة للدولة أو مخابر ووحدات البحث في الجامعات، فغدا الإبداع والسباق التكنولوجي السمة اللصيقة بالشركات العالمية  
        لقد أصبحت المعرفة تشكل نسبة لا يستهان بها من مدخلات الإنتاج وتحولت في الوقت نفسه إلى سلعة للمنافسة. ولما كانت السلعة المعرفية تنتج مرة واحدة وتباع آلاف المرات – محققة أرباحا خيالية- ولما كانت منظمات الأعمال تسعى لاستدامة هذه الأرباح واستدامة التفوق في إنتاج المعرفة، كان لابد من وجود آلية تحمي الإبداع وتحافظ على سرية المعلومة. وهو ما يفسر احتلال براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية الحيز الأكبر من اهتمامات منظمات الأعمال التي تواجه كل يوم شبح القرصنة. فاستنساخ المعرفة وتقليدها لا يتطلب ذات التكاليف التي يستوجبها إنتاج المعرفة، فلا يكاد يمر يوم دون أن يسمع أو يقرأ المتتبعون للأحداث عن منازعات حول انتهاك لحقوق الملكية الفكرية أو سرقة لبراءة اختراع.
        إن هذه الوضعية تدعو إلى كبح الإبداع وتدفع منظمات الأعمال الدولية إلى التردد ألف مرة قبل اتخاذ أي قرار بشأن تدويل الإنتاج أو منح ترخيص أو تصدير سلعة أو ممارسة البحث والتطوير خارج مواطنها الأصلية، سيما وأن الأصعب من وجود قوانين لحماية الملكية الفكرية هو حمايتها فعلا. ومن هذه التصورات سيتم من خلال الورقة تناول المحاور الآتية:

      -  ماهية حقوق الملكية الفكرية والغرض من حمايتها؛

- وظيفة البحث والتطوير والقرارات الإستراتيجية لمنظمة الأعمال الدولية؛
- علاقة حقوق الملكية الفكرية بالقرارات الإستراتيجية للمنظمة.   
مفهوم حقوق الملكية الفكرية والغاية من حمايتها:
تعتبر حقوق الملكية الفكرية من الظواهر التي شغلت اهتمام عدد كبير من الدول في العالم، سيما المتقدمة منها. ومرد ذلك كون هذه الأخيرة تستحوذ على حصة الأسد من مثل هذه الحقوق. ومن أجل الوقوف على خلفية هذا الانشغال سيتم إلقاء نظرة سريعة على التطور التاريخي لهذه الظاهرة.
الخلفية التاريخية لحقوق الملكية الفكرية:
منذ عقود خلت وتحديدا في سنة 1873 طفت على السطح فكرة حماية حقوق الملكية الفكرية عندما رفض المبدعون والمخترعون المشاركة في المعرض الدولي للاختراعات بفيينا خوفا من سرقة أفكارهم واستغلالها تجاريا من طرف أشخاص آخرين
بيد أن بعض الدراسات تشير إلى أن المحاولات لوضع اللبنات الأولى لحماية الملكية الفكرية ظهرت في البندقية بإيطاليا سنة 1474 عندما صدر قانون يتضمن حماية الاختراعات ويمنح حقا استئثاريا للفرد. وثمة من يرى بأن أول نظام لحماية حق المؤلف تزامن مع اختراع الأحرف المطبعية المنفصلة والآلة الطابعة التي يعود الفضل فيها إلى يوهانس غوتنبرغ Johannes Gutenburg  حوالي 1440
وإذا ما تتبع المرء تاريخ التراث العربي سيلحظ بأن الاهتمام بحقوق المؤلف لم يكن حكرا على الغربيين وحسب وإنما طال الفكر العربي أيضا. وفي هذا السياق يشير الدكتور جورج جبور في كتابه عن حقوق المؤلف أن المتنبي أول من أشار إلى حقوق المؤلف المادية في خطابه لسيف الدولة
أجزي إذا أنشدت شعرا وإنما           بشعري أتاك المادحون مرددا
كما استدل على اهتمام العرب بحقوق المؤلف في أبيات عدد من الشعراء منهم ابن الحملي حين قال:
  ما أرانا نقول إلا معادا             أو معادا من قولنا مكرورا

     وهنا إشارة واضحة إلى السرقات التي يتعرض لها الشعراء فيما بينهم. وفضلا عن ذلك فقد قدم المحامي اللبناني عبد الله لحود بحثا مستفيضا عن ربط المفاهيم القانونية المعاصرة بالتراث العربي في حقوق المؤلف عندما تحدث عن تخصيص العديد من النقاد العرب أبوابا وفصولا من مؤلفاتهم عن السرقات الشعرية، ومن هؤلاء الجرجاني والعسكري وابن رشيق وابن الأثير
ومنذ الثورة الصناعية التي عرفتها أوروبا في القرن الثامن عشر أخذت الابتكارات في المجال الصناعي منحى جديدا اتسم بالسرعة المذهلة تزامنت مع سرعة اتساع شبكة الاتصالات والمواصلات وانتقال رؤوس الأموال ونمو التجارة بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية. وأمام هذه التغيرات ازدادت الحاجة إلى بلورة نظام محكم لحماية حقوق الملكية الفكرية على المستوى الدولي. وتجسيدا لهذا المسعى ظهرت أول معاهدة لحماية الملكية الصناعية سنة 1883، عرفت باتفاقية باريس التي دخلت حيز التنفيذ سنة 1884 بعد التوقيع عليها من طرف أربعة عشر دولة. وبعد ثلاث سنوات(1886) تم التوقيع على اتفاقية أخرى هي اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية. وفي سنة 1893 أدمجت الاتفاقيتان في منظمة دولية واحدة أطلق عليها "المكاتب الدولية المتحدة لحماية الملكية الفكرية"(BIRPI)  التي حلت محلها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) سنة 1970. غير أن هذه الأخيرة سرعان ما تحولت إلى إحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة منذ سنة 1974. ومنذ هذا التاريخ عملت هذه المنظمة على تحسيس المجتمع الدولي بأهمية مسعاها بمواكبة التغيرات التكنولوجية عن طريق تحديث الاتفاقيات التي تشرف على تنفيذها.
والملاحظ أن مفهوم الملكية الفكرية بقي ولفترة طويلة من الزمن مفهوما قانونيا محضا، إلى أن توصل الباحثون في علم الاقتصاد أمثال بول رومر Paul Romer  إلى الربط بين النمو السريع الذي تعرفه بعض الاقتصاديات والمعارف والابتكارات كأحد العوامل المؤدية إلى ذاك النمو. وليس من الغريب القول أن سبب تخلف الاقتصاديات الأخرى (وتحديدا الدول النامية) يكمن في غياب سياسات واضحة المعالم للبحث والتطويرResearch & Development الذي يساهم في دفع عجلة التنمية إلى الأمام.
وبعد تبني اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية ذات العلاقة بالتجارة الدولية (TRIPS) من طرف منظمة التجارة العالمية World Trade Organization، تتويجا لجهود أولئك الباحثين، تجسدت بوضوح العلاقة بين التجارة وحماية الملكية الفكرية. وفيما يلي سيتم استعراض هذا المفهوم ومختلف جوانبه.
تعريف حقوق الملكية الفكرية:
تتضمن عبارة "الملكية الفكرية" كل ما له علاقة بإبداعات العقل كالاختراعات والأعمال الأدبية والفنية والأسماء والرسوم المستخدمة في التجارة. كما تنص بعض التعاريف على كل من برمجيات الكمبيوتر، عروض السينما وأنواع الشاشات والتوزيعات الموسيقية المكتوبة والتركيبات الكيميائية الخاصة بعقار(دواء) جديد.
 أما عبارة "حقوق الملكية الفكرية" فتعني السماح للمبدع أو المالك لبراءة الاختراع أو علامة أو أي عمل محمي بحقوق المؤلف أن يستفيد من عمله أو استثماره. وقد تم الاعتراف بهذه الحقوق في المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يستأثر الفرد بحماية نتائج أعماله المادية أو المعنوية التي تدخل في أي عملية إنتاج علمي أو أدبي أو فني يكون هو مصدره.
وللملكية الفكرية أصناف حددت الويبو لكل صنف تعريفا، غير أنه يمكن القول أنها مقسمة إلى نوعين: حقوق الملكية الصناعية وحقوق المؤلف.
أ. براءة الاختراع(Patent):
 وهي "حق استئثاري يمنح لاختراع هو منتَج أو طريقة صنع جديدة لفعل شيء ما أو إتاحة حل جديد لمشكلة تقنية، وتوفر البراءة حماية الاختراع لمالكها طوال مدة محدودة تصل إلى 20 سنة".وفي الولايات المتحدة الأمريكية ينص قانونها على أن الذي "يخترع أو يكتشف أية عملية جيدة ومفيدة، أو آلة أو سلعة مصنوعة، أو تركيبا لمادة، أو أي تحسين جديد ومفيد من ذاك القبيل يمنح امتيازا".  ومفاد ذلك أن هذا القانون يمنح المخترع الحق في منع الغير من تقليد العمل نفسه أو استخدامه لأغراض تجارية(استيرادا أو تصديرا) أو أي غرض آخر دون الحصول على ترخيص من صاحب الاختراع
بـ. العلامة التجارية(Trademark):
 إن العلامة التجارية أو الاسم التجاري هو بمثابة إشارة مميزة توضع على بعض السلع أو الخدمات للدلالة على أن شخصا محددا أو شركة ما ينتجها. وتتغير مدة حماية العلامة التجارية ولكن يمكن تمديدها إلى مالا نهاية.
ومن هذه التصورات يمكن القول أن العلامة التجارية تتمثل في تمييز منتجات مؤسسة عن منتجات المؤسسات الأخرى. فضلا عن ذلك فليس من الضروري أن تكون العلامة اسما بل يمكن أن تكون حرفا أو عددا أو شكلا أو مجموعة ألوان  أو مجموعة أرقام منفصلة أو متلاصقة أو رمزا ثلاثي الأبعاد، أو رمزا صوتيا أو حتى رائحة مميزة. وليس بالضرورة أن تكون العلامة التجارية خاصة بشركة أو فرد بل قد تكون جماعية تابعة لفئة معينة كجمعية المحاسبين أو المحامين أو المهندسين. ومن المهام الأساسية للعلامة التجارية هي أنها توضح منشأ السلعة أو الخدمة
ج. الرسم أو النموذج الصناعي:
 ويتمثل في "الجانب الزخرفي أو الجمالي من السلعة المنتجة صناعيا أو يدويا. ويوفر التسجيل وإعادة التسجيل الحماية لمدة تصل إلى 15 سنة في معظم الحالات". ويتخذ التصميم الصناعي شكل عناصر ثلاثية الأبعاد تبين التركيب المميز للمنتج أو ثنائية الأبعاد كالخطوط والألوان. ومن الطبيعي أن تطبق هذه النماذج في الصناعة والحرف اليدوية كصناعة الأجهزة التقنية والساعات والآلات والأجهزة المنزلية والكهربائية والسيارات والرسوم الموضوعة على الأقمشة
د. حقوق المؤلف والحقوق المجاورة(Copyrights):
 يعد حق المؤلف مدلولا قانونيا يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين من أجل أعمالهم الأدبية والفنية ويندرج في ذلك برامج الحاسوب. أما الحقوق المجاورة فتمنح لفناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية ومؤسسات الإذاعة والتلفزيون فيما يقدم من برامج على الأثير
وتتمتع الأعمال الفنية والأدبية بالحماية مهما كان أسلوب التعبير عنها على أن تكون تلك الأعمال فريدة من نوعها بمعنى أنها أصيلة. وتشمل الأعمال المحمية ما يلي:
 حقوق النسخ: إعادة استنساخ العمل؛
-         حقوق الأداء: أداء العمل أمام الجمهور كالمسرحيات والحفلات الموسيقية؛
-         حقوق التسجيل: التسجيل الصوتي مثل أسطوانات الغراموفون Gramophone والفونوغراف Phonograph؛
-         حقوق الأشرطة السينمائية؛
-         حقوق البث الإذاعي؛
-         حقوق الترجمة والاقتباس.
وبالرجوع إلى اتفاقية بيرن 1886 فقد تم حصر حق المؤلف في المصنفات الأدبية والفنية المتمثلة في الروايات والقصص قصائد الشعر والتمثيليات بأنواعها، والأغاني والقطع الموسيقية واللوحات الزيتية والمنحوتات. وللإشارة فإن الحماية تتعلق بالمادة الملموسة(أي النص) وليس الفكرة التي جاء بها أو جاء من أجلها النص لسهولة تحديد كاتب النص وصعوبة تحديد صاحب الفكرة.
هـ. البيان الجغرافي:
وهو بمثابة إشارة تستخدم على السلع ذات الأصل الجغرافي المتميز وغالبا ما تكون لها خصائص أو سمات ترتبط بمكان منشئها. ولم تعرف الدلالات والبيانات الجغرافية في الولايات المتحدة الأمريكية إلا بعد أن تعود الأوربيون على وضع بطاقة لاصقة على منتجاتهم تبين المنطقة الجغرافية التي يعود إليها أصل ظهور ذلك المنتوج.
و. الأسرار التجارية:
 وهي المعلومات المكتومة أي التي لم يكشف عنها. وهذه المعلومات محمية لا يعرفها كافة الأشخاص الذين يتعاملون مع هذا النوع من المعلومات أو لا يمكن الحصول عليها بسهولة ولها قيمة تجارية وهذا هو سبب سريتها.
وقد تم تناول هذا الجانب من الملكية الفكرية في اتفاقية TRIPS  في باب التنافس غير المنصف تحت اسم "التنافس المناقض لممارسات العمل الشريف في الأمور الصناعية والتجارية" وبذلك فهي تهتم بكل المعلومات السرية المسروقة ذات العلاقة بالملكية أو المعلومات المدلى بها لدى الجهات المعنية في الأجهزة الحكومية
ز. المعارف التقليدية والفولكلور:
وقد كانت من القضايا التي طواها النسيان إذ لم يلتفت إليها المهتمون بالملكية الفكرية إلا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين. ويتضمن هذا النوع من المعارف "الابتكارات والإبداعات النابعة من التقاليد والمتشعبة عن النشاط الفكري في المجالات الصناعية والعلمية والأدبية والفنية
ح. الدارات المتكاملة(Integrated Circuits):
يحظى هذا الحق باتفاق دولي خاص يتمثل في معاهدة الملكية الفكرية بالنسبة للدارسات المتكاملة(IPIC)  سنة 1989. وبمقتضى هذا الحق يسمح لكل دولة عضو تطبيق قوانين الملكية الخاصة بها، وهي القوانين نفسها المطبقة على أنصاف الموصلات. وقد أدرجت معظم الدول هذا الحق في حقوق النشر والتأليف أو براءات الاختراع.
ومما سبق يتضح أن إبداع الفرد، على مر العصور، ساهم في تذليل الصعوبات التي كانت وما تزال تواجه الإنسان، وتمكن من إيجاد حلول لمعضلات مطروحة. غير أن هذه الجهود استوجب حماية أصحابها من المبدعين والمستعملين للأفكار الجديدة. ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى ظهور حقوق الملكية الفكرية التي اقتصر دورها في بداية الأمر على حماية الملكية الصناعية والمصنفات الأدبية ليتسع في نهاية المطاف ويشمل كل ما جادت به الإنسانية في مختلف المجالات التكنولوجيا والفكرية تحفيزا لهم ولغيرهم على استمرارية جهودهم خدمة لهم وللأجيال الحاضرة والمستقبلية.
الغرض من حماية حقوق الملكية الفكرية:
بالرجوع إلى ما سبق يتضح أن البوادر الأولى للتخوف كانت من احتمال استخدام الاختراع لأغراض تجارية من طرف أشخاص آخرين مما يفوت الفرصة على صاحب الإبداع في جني ثمار جهده. ويمكن أن يتصور المرء كيف تؤثر هذه الوضعية على السلوك الإبداعي للفرد. ومن البديهي أن تظهر دوافع الإقبال على حماية حقوق الملكية الفكرية وذلك بمنح حق استئثاري للمبدع لقطع الطريق أمام قراصنة الأفكار.
وتتحدث العديد من الدراسات عن الآثار الايجابية لحماية حقوق الملكية الفكرية على مستوى الاقتصاد الكلي، فهي تؤدي إلى دفع النمو الاقتصادي وخلق مناصب شغل وإنشاء فروع جديدة من النشاط الاقتصادي، كما تساهم في تحسين المستوى المعيشي، سيما إذا كان نظام الحماية فعالا وعادلا يسمح بالاستغلال الأمثل للطاقات الكامنة ويساهم في إرساء جو من التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع.
ومن أهم أنواع الملكية الفكرية في عصر الإنتاج المعرفي والتي فرضت نفسها على الساحة الدولية هي البراءات لذا يستوجب تخصيصها بقدر من الاهتمام طالما أن حمايتها تؤدي إلى ما يلي:
. حماية المبدع، استمرارية الابداع وتدعيم التنافس:
 في البداية كان الهدف من منح البراءات يتمثل في استئثار المبدع بحق معين لفترة محددة جزاء العمل المفيد الذي قام به، وبذلك يمكن أن ينتفع من نتيجة جهده بواسطة حصوله على إتاوة(Royalty) يدفعها المستخدمون للابتكار طيلة فترة الحماية، ويتبوأ خلالها المخترع مركزا احتكاريا. وبذلك يحصل صاحب البراءة على ميزة تقيه من منافسيه المحتملين ومن الأشخاص الذين قد يتوصلون إلى الفكرة أو المعلومة بطرق ملتوية للاستفادة منها.
وفي حقيقة الأمر فإن الحماية التي يتلقاها المبدع تجعله يحس بأهمية العمل الذي قام أو يقوم بإنجازه، وبأن هناك هيئات تقدر هذا الجهد المبذول وبأنه يمكن أن يحصل على مردود مادي مقابل ذلك مما يدفعه إلى الاستمرارية في البحث ويحفزه على رفع قدراته الإبداعية وإنتاج أفكار جديدة، وبذلك تتحسن حياة الفرد المبدع  وحياة المحيطين به لأن القدرة على الإبداع في المجالات التقنية والثقافية تعد مقياسا للرفاهية.
وثمة رؤى جديدة مفادها أن المستخدم للمعلومة المحمية بترخيص من صاحبها يمكنه أيضا أن يطورها ويحسنها للوصول إلى فكرة جديدة، ومن ثم الحصول على براءة خاصة به. وهكذا تزداد المنافسة التكنولوجية وتستمر سلسلة الابتكارات ويستفيد المبدع والإنسانية جمعاء.
البحث و التطوير في المراكز المتخصصة والجامعات:
إن حصول مراكز البحث على براءات الاختراع وعلى إيرادات مقابل استخدام النتائج التي تم الوصول إليها يعني ببساطة فتح مصدر جديد من مصادر تمويل العمليات البحثية في المستقبل وتمويل العملية التعليمية أيضا متى تعلق الأمر بالجامعات. وفضلا عن ذلك فإن مثل هذه النتائج ستحول دون هجرة الأدمغة Drain Brainالتي تعاني منها الدول النامية بشكل خاص نتيجة ضعف دعم عمليات البحث والتطوير حينا وعدم ملاءمة أوضاعها الداخلية أحيانا أخرى.
وتساهم براءات الاختراع أيضا في تسهيل نقل التكنولوجيا وفي إقامة مشاريع استثمارية جديدة وفي استخدامها كورقة  رابحة عند التفاوض بشأن منح التراخيص. وكل هذه القضايا سيتم عرضها في العناوين التالية من هذه الورقة.
ويوضح الشكل أدناه مدى التأثير الايجابي لبراءات الاختراع على دفع التعاون بين الجامعات وقطاع الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية.
الشكل رقم 1
أثر قانون بايه- دول (Bayh-Dole)  لسنة 1980على نقل التكنولوجيا من الجامعات الأمريكية إلى قطاع الصناعات.



يتضح من خلال الشكل السابق أن حماية الاختراعات من خلال التسجيل عملت على نقل مستوى النشاط البحثي في الجامعات بكيفية ملحوظة. فبفضل التسهيلات التي توفرها الحكومة الأمريكية ارتفع عدد البراءات الممنوحة للجامعات والتراخيص الصادرة عنها من حوالي 250 و175 على التوالي سنة 1980 إلى حوالي 1700  براءة و2250 ترخيصا سنة 1996. وقد سجلت هذه الأخيرة تفوقا على عدد البراءات، وهذا دليل على اطمئنان الباحثين في الجامعات لإجراءات الحماية وعلى أهميتها في دفع وتشجيع الابتكار.

وظيفة البحث والتطوير والقرارات الإستراتيجية في منظمة الأعمال الدولية:

يندرج البحث والتطوير ضمن القرارات الإستراتيجية التي تواجهها المنظمة، وعادة ما يتم الفصل في اتخاذ القرار عن طريق المفاضلة بين تكاليف البحث ودرجة السرية والخطورة عند اتخاذ أي قرار يتعلق بالقيام بالبحث من عدمه، والقيام به داخل المنظمة أو خارجها. وليس من الغرابة القول أن هذا القرار في ظل اقتصاد المعرفة لم يعد اختيارا بل واقعا يفرض نفسه في عالم اليوم.
عندما تقوم المنظمة بنشاط البحث والتطوير فهي تعرب عن إدراكها لما يجري من تحولات على الساحة الدولية، وباتخاذها لهذا القرار يجب أن تتمتع بروح المثابرة والإصرار على الاستمرارية وتوظيف الإطارات الكفؤة التي بواستطها تستطيع أن تنهض بهذا النشاط والاستعداد في كل الأوقات لتوفير التمويل اللازم للدراسات حتى لا تتعطل عملية البحث، لأن التوقف لبعض الوقت ولو كان قصيرا من الممكن أن يكلفها الكثير فقد تفاجأ المنظمة في أي لحظة بأن أحد المنافسين العاملين في المجال ذاته حقق النـتائج التي كانت تأمل تجسيدها. وعندما توفر المنظمة كل الجوانب المادية المتعلقة بالبحث، هنا يستوجب تهيئة المناخ المناسب والمشجع على العمل.
ومتى تم اتخاذ قرار البحث والتطوير ينـتاب المنظمة إحساس بأن لها كيانها المستقل عن الجهات الأخرى دون أن تنـتظر تقادم التكنولوجيا التي تؤول للغير لتكون آخر من يحصل عليها بعد أن تصبح خارج إطار المنافسة. والمؤكد أن المنافسة في المجال المعرفي تعتمد أساسا على ابتكار معارف جديدة لها قيمتها بدلا من اعتماد معارف موجودة فعلا أو أنها نمطية.
يعتبر اتخاذ القرار المرجع الرئيسي الذي تتوقف عليه كل صغيرة وكبيرة في إدارة المنظمة. ولذا فإن صناعة القرار تمثل منعرجا خطيرا وتحديا صعبا يضع منظمة الأعمال الدولية أمام اختبار صعب. ويمكن القول أن الشروع في تنفيذ القرار يعد الحد الفاصل بين حاضر المنظمة ومستقبلها. كما أن اتخاذ القرار الاستراتيجي وتنفيذه قد يساهم في استقرار المنظمة أو في تحقيق أهدافها بأن تزداد قوة في مواجهة منافسيها، وإما أن يؤدي بها إلى وضع غير مريح فتصبح من الماضي تاركة المجال لمنظمات أخرى التي تسن قراراتها بالحكمة ومن ثم تتمكن من الوصول إلى أهدافها المخططة.
والملاحظ أن عملية اتخاذ القرار تزداد صعوبة من يوم لآخر من حيث قدرتها على التكيف مع التغيرات السريعة في الساحة الدولية، ومن حيث تعودها على الاستجابة في الوقت وبالكيفية المناسبة تجاه الفرص المتاحة والمحفزة للمنظمة والتهديدات التي تواجهها. وهنا تلتجئ المنظمة إلى اتخاذ قرار هجومي لتستفيد من الفرص، أو تتبنى موقفا دفاعيا لتفادي ما أمكن من التهديدات أو على الأقل التقليل من آثارها السلبية.
إن القرارات الإستراتيجية المختلفة التي تتخذها المنظمة تتكامل فيما بينها لأنها في حقيقة الأمر تخدم الأهداف نفسها. وتتباين القرارات الواجب اتخاذها كما تتباين مستوياتها. وفي الوقت ذاته يزداد عددها تشعبا تبعا للأنشطة التي تمارسها المنظمة، فهي تتنوع بين الاكتشاف والمتابعة لكل جديد في الإنتاج والتسويق والتمويل والتدريب وغيرها. ومتى كان قرار التوسع في النشاط دوليا من الأهداف السامية لمنظمات الأعمال فذاك مرده سببان:
إن التوسع في النشاط يتيح الدخول إلى أسواق جديدة وإمكانية الاستحواذ عليها مما يضمن استمرار المنظمة وتمكينها من تعويض الخسائر التي قد تتكبدها في سوق معينة بالأرباح التي قد تحققها في سوق آخر؛
أن السلوك الطبيعي للرأس المال يتمثل في الزيادة والتراكم، ومن ثم يفتح التوسع في النشاط مواقع جديدة لتوظيف الأموال المجمدة لدى المنظمة مما يزيد من أرباحها لتستمر عملية الإنتاج والنمو.
و يتخذ التوسع في النشاط على المستوى الدولي عدة صور منها التصدير والاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار الأجنبي غير المباشر. وفيما يلي لمحة موجزة عن تلك الصور.
عقود التصدير ( عقد الوكالة) Exporting Contracts:
    يعتبر التصدير من أولى الحلول التي تهتدي إليها معظم منظمات الأعمال عندما تفكر في اقتحام الأسواق الدولية باعتبار أن الحلول الأخرى في غالب الأحيان تكون صالحة للمنظمات التي تحاول الحفاظ على الأسواق التي تم الدخول إليها. وعندما تتخذ المنظمة قرارا ببيع منـتجاتها في الأسواق الدولية، فبإمكانها أن تسلك إحدى الطريقتين:
أ. أن تسند البيع مباشرة لتجار الجملة أو التجزئة. وتعكس هذه الطريقة عملية التصدير المباشر حيث يكون المصدر مسئولا عن مجمل العملية من تحديد العميل إلى تحصيل النقود؛
بـ.إيجاد وكيل في سوق الدولة المستهدفة: تفرض بعض القوانين في الدول المستوردة على المصدر الأجنبي التعامل معها من خلال وكيل محلي في إطار ما يسمى بعقد الوكالة. ويعرف هذا الأخير على أنها: اتفاقية يتم توقيعها بين طرفين يكون فيها الطرف الأول هو المنتج أو المصدر إلى الطرف الثاني في بلد أجنبي أو منظمة أخرى محلية. وبموجب هذا العقد يفوض الطرف الأول الطرف الثاني (الوكيل) ببيع أو عقد الاتفاقيات ببيع سلع أو خدمات الطرف الأول إلى طرف ثالث وهو المستهلك أو المستخدم للسلعة أو الخدمة على أن يستفيد الوكيل من عمولة. وهذا يعنى أن حقوق الوكيل، بموجب العقد، تقتصر على العمولة المتفق عليها، أما ما سوى ذلك من الحقوق كالعلامة التجارية فتبقى للمصدر سيما إن كان هو منتج السلعة محل العقد.
وثمة تمايز بين الوكيل التجاري والوكيل بالعمولة، إذ تتوفر في الأخير الخصائص المشار إليها آنفا ( الحقوق،  الالتزامات)، بينما يمكن الوكيل التجاري أن يشتري البضاعة المتفق عليها لحسابه، ويكون عندئذ حرا في التصرف في كيفية البيع والسعر، كما أن الوكيل التجاري يكون وحيدا في البلد الذي ينتمي إليه.


الاستثمارات المشتركة Joint Venture :
في هذا النوع من الاستثمار تتخذ المنظمة قرارا مختلفا عن التصدير إذ توقع على الاتفاقية مع منظمة محلية النشاط أو منظمات أعمال أخرى دولية لإنجاز مشروع في بلد ثالث ينتمي إليه أحد الشركاء بهدف ترقية اهتماماتهم المشتركة ويتم التفاهم بين طرفي أو أطراف المشروع على حصة كل منهم. وقد تكون هذه الحصة متساوية التكاليف والأرباح، أو قد تغيب الحصص عندما يساهم أحد الأطراف بالخبرة الفنية بدل الرأس المال. ووفقا لهذا النوع من المشاركة يستفيد البلد المضيف للاستثمار أو المشروع من التكنولوجيا والخبرات الفنية والمعارف العلمية والتدريب. وهذه كلها يمنحها الشركاء الأجانب. أما الشريك المحلي فيقدم المعلومات اللازمة عن السوق.
. التراخيص Licensing:
غالبا ما تلجأ منظمات الأعمال الصغيرة الحجم والتي تفتقر إلى الخبرة حول العمل في الساحة الدولية أو تلك التي تكون مواردها محدودة، أو عندما تخشى هذه المنظمات من التغيرات في المحيط الدولي، في مثل هذه الحالات تفضل هذه المنظمات التراخيص لكون هذه الطريقة أقل خطرا وتكلفة. ولعقود التراخيص أشكال يمكن حصرها فيما يلي:
أ- الترخيص الرئيسي:
ومن خلاله يستطيع حامل الترخيص Licensee) (  أن يستخدم أحد حقوق الطرف المانح للترخيص (Licensor) كالتكنولوجيا، براءة الاختراع، الاسم التجاري أو العلامة التجارية، وذلك مقابل مبلغ يدفعه الطرف المحلي. ومن أشهر منظمات الأعمال المانحة للتراخيص الرئيسية هي كوكاكولا، وسلسلة فنادق هيلتون وشيراتون.
بـ- العقود الإدارية Management Contracts :
 ويستنبط من الاسم أن إدارة المشروع في هذه الحالة أهم من المشروع نفسه، إذ يتولى الطرف الأجنبي بعد إنجاز المشروع وتشغيله مهمة تدريب الموارد البشرية المحلية على إدارته قبل استلامه بصفة نهائية، وذلك مقابل أجر يتفق عليه يستلمه الطرف الأجنبي
ج- حقوق الامتياز  Franchising:
 ينفرد عقد الامتياز بخاصية تتمثل في إعطاء الحق للطرف المرخص  بمراقبة المرخَص له عند استخدام الامتياز لإجباره على الخضوع لقوانينه. وتتعلق هذه الرقابة بالتدخل في إستراتيجية التسيير وفي كيفية التعامل مع الزبائن وفي قضايا أخرى يتم الاتفاق عليها. وبموجب هذا النوع من العقود تدفع الشركة التي استفادت من الامتياز Franchisee أجرا للطرف المانح له Franchisor  لتقوم ببيع سلعة أو خدمة هذا الأخير مع استخدام العلامة التجارية أو الاسم التجاري للشركة الأجنبية، ويكون الطرف صاحب الامتياز مَصنعا أو تاجر تجزئة أو تاجر جملة أو مالك علامة تجارية
. عقود تسليم المفتاح Turn-Key Contracts:
إن عقود تسليم المفتاح هي عملية تصدير من نوع خاص لا يكون موضوع التصدير فيها سلعا ملموسة وإنما إنشاء مشاريع. وتبرم هذه العقود من طرف المنظمات المتخصصة في التصاميم والبناء وهي معروفة بشكل خاص في مجال الكيمياء والصيدلة ومحطات تكرير النفط وتصفية المعادن وكل أنواع الصناعات التي تحتاج إلى تكنولوجيا مكلفة ومعقدة. ويعد قرار التوسع بهذه الطريقة لا غنى عنه في غابة من الأهمية بالنسبة للدول التي تمتلك اليد العاملة المؤهلة القادرة على إدارة المشروع بعد الانتهاء منه وتسليمه سيما في الدول التي كانت ذات يوم تنظر إلى الاستثمار الأجنبي المباشر بشيء من الخوف وكثير من التردد،  أو تلك التي تتعرض لأزمات اقتصادية أو عدم الاستقرار السياسي
وتلتزم منظمات الأعمال الدولية التي توقع على هذا النوع من العقود بمسؤولية تسليم المشروع وكل ما يتعلق به إلى الطرف الثاني في العقد وتشغيله مقابل مبلغ متفق عليه. غير أنه يمكن أن يمتد الاتفاق إلى التزويد بالآلات والمعدات. وتتميز عقود تسليم المفتاح باستمرار خدمات ما بعد التسليم كالصيانة والإدارة والتدريب ولكن عن طريق عقود مستقلة عن العقد الأساسي الذي أنجز بموجبه المشروع
وقد تصبح عقود تسليم المفتاح نقمة على مانحها عندما يصبح البلد المضيف نفسه مُصدرا للتقنية التي استوردها، فتخلق المنظمة المانحة لنفسها منافسا جديدا محتملا. وقد حدث هذا مع المنظمات الغربية التي صدرت للسعودية والكويت وبعض دول الخليج تكنولوجيا تكرير البترول
. عقود التصنيع  Manufacturing Contracts:
في بعض الحالات يتم اتخاذ قرار عقد التصنيع حيث تتفق منظمة الأعمال الدولية مع منظمة محلية على أن تصنع احداهما سلعة معينة نيابة عن المنظمة الأخرى لفترة من الزمن عادة ما تكون طويلة. وهنا يستطيع أن يستعمل المنـتَج علامة أحد الطرفين قبل أن تصل إلى الطرف الثاني للعقد ومثال ذلك إنتاج أجزاء الكومبيوتر أو قطع غيار السيارة في بلد لفائدة بلد أو شركة أخرى. ويمكن أن تبرم عقود التصنيع بين ثلاثة أطراف: الطرف الذي يؤول إليه المنـتَج، والطرف الممول والطرف الذي يتم فيه التصنيع.
وبالتأمل قليلا في الصور الخمس السالفة الذكر، يمكن القول أن كلا منها تكتسي أهمية متميزة، وقد تكون أكثر ملائمة لطرف مقارنة بالطرف الآخر. وتعني في مجملها التحويل التكنولوجي أو أي تقنية من تقنيات التسيير والإنتاج وغيرها. كما أن إنتاج أي سلعة أو خدمة أو اكتشاف فكرة لم تنزل من السماء، وإنما كانت محصلة للجهود التي بذلها الباحثون وأنفقت عليها المنظمة مبالغ ضخمة. ولذا لا تكاد تخلو قائمة إنفاق منظمات الأعمال الدولية من البند المتعلق بتمويل البحث والتطوير سواء تمت العملية داخل المنظمة أو خارجها وذلك بتمويل البحث العلمي في المراكز الخاصة به أو في مخابر الجامعات التي تتابع أعمالا تتوافق وأنشطة المنظمة الممولة. ومن هنا فإن تسليط الأضواء على وظيفة البحث والتطوير يعد أمرا في غاية من الأهمية.

علاقة حقوق الملكية الفكرية بالقرارات الإستراتيجية لمنظمة الأعمال الدولية:

إن أي منظمة حديثة العهد بالسوق الدولية سيما في ظل اقتصاد المعرفة لا تدرج ضمن اهتماماتها القيام بأنشطة البحث والتطوير هي منظمة آيلة للزوال. وتنطبق هذه الفكرة أيضا على المنظمات التي تمارس أنشطتها على المستوى الوطني. وبالمقابل فإن قيام أي منظمة بالبحث يعد دليلا على حيويتها وإمكانية استمرارية وجودها.
غير أن وجود هيئة للبحث والتطوير داخل المنظمة لا يكفي، إذ قد يصبح بقاؤها مهددا في ظل عدم وجود مصادر دائمة لتمويل هذه العملية وضمان استمرارها. وكما سبق الإشارة إليه فإن المبالغ التي تنفق على البحث والتطوير غالبا ما تكون ضخمة، وليس المنظمات الصغيرة الحجم هي التي تواجه عبء تحملها فحسب وإنما ينطلي ذلك أيضا على منظمات الأعمال الكبرى مما يدفعها في بعض الأحيان إلى تحالفات إستراتيجية مع منظمات تضاهيها في حجمها أو أكبر منها وقد تكون منافسة لها. وفي حالة حدوث مثل هذا الاندماج تتدعم القدرات التكنولوجيا المشتركة إضافة إلى تحمل تكاليف البحث والتطوير وتقاسم المخاطر المحتملة. وتشير الدراسات إلى أن الحصول على عائد من استغلال الابتكار وتغطية تكاليفه الثابتة تأخذ وقتا طويلا. وعلى سبيل المثال يبلغ متوسط تكاليف البحث والتطوير في الصناعات الدوائية 100مليون دولار وتستغرق المنظمة مدة  12 سنة لاختراع عقار(دواء) جديد.
والملاحظ أن وطأة المبالغ التي تنفق على البحث والتطوير تزداد عندما لا يتم الوصول إلى نتيجة أو أن النتائج المتوصل إليها مستحيلة التجسيد في أوانها، أو عندما لا يتوفر العدد الكافي من الراغبين في الفكرة أو في السلعة المستحدثة. وقد يكون الوضع أسوأ من هذا عندما يسطو أحد القراصنة المحنكين ليستولي على النتائج المتوصل إليها قبل أن تتمكن المنظمة من استرجاع ولو قدر يسير مما أنفقته من أموال.
ويتصف اقتصاد المعرفة بأنه اقتصاد يجسد الانفتاح وتزول معه الحدود ليصبح العالم حينئذ كيانا واحدا تنساب فيه المعلومة بسهولة دون رقابة أو حواجز من أي نوع كانت. ومن البديهي القول أن الحاجة الملحة لإيجاد نظم متكاملة للخبرة والتعلم تشكل منطلقات لا غنى عنها لاتخاذ القرارات السليمة في المنظمة
وبالرجوع ثانية إلى العنصر الثاني من هذه الورقة فقد تم التوصل إلى أن كل القرارات الإستراتيجية التي تتخذها المنظمة بالنسبة للتوسع تكون مرتبطة إما بنقل التكنولوجيا أو تقنية معينة أو أسلوب للتدريب وهي كلها أمور تحتاج إلى نظام للحماية. وفي هذا الوضع تضطر المنظمة إلى اتخاذ كل الاحتياطات قبل وضع أي قرار يتعلق بالتصدير أو إقامة استثمار جديد أو منح ترخيص. وقد تمكنت منظمات الأعمال من إيجاد ضالتها في توفير الحماية اللازمة في حقوق الملكية الفكرية لتتأكد بذلك العلاقة الوثيقة بين هذه الأخيرة والقرارات الإستراتيجية لمنظمة أعمال دولية النشاط.
ومتى تعلق الأمر بقرار إقامة استثمار جديد في دولة أجنبية، تجد المنظمة نفسها تفاضل بين الدول التي تحترم حقوق الملكية الفكرية وتلك التي لا تعترف بها. ومن هذا المنطلق فإن العديد من الباحثين في موضوع الاستثمار الأجنبي المباشر يعتبرون وجود قوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية أحد المحفزات الأساسية للاستثمار. وفي كثير من الحالات تحجم المنظمات عن الاستثمار في الدول التي لا تتضمن قوانينها حماية الملكية الفكرية، وإذا ما وجدت بأن مصلحتها تدفعها إلى الاستثمار في تلك الدول فهنا تتخذ إجراءات تحفظية سيما في قضية نقل التكنولوجيا الحديثة.
وقد ورد في تقرير الاونكتاد UNCTAD أن الدخول إلى الأسواق التي تشترط الاستثمار المشترك يدفع المستثمرين الأجانب إلى تفضيل استخدام تكنولوجيا قديمة في مشاريعهم التي تكون صلتها بالاقتصاد المحلي للبلد المضيف ضعيفة،فما عسى أن يكون الأمر إذا كان البلد لا يحترم حقوق الملكية الفكرية.
أما الشركات التي لا تملك البراءات وترغب في القيام بمشروعات مشتركة فغالبا ما تبحث في البيانات المتوفرة عبر شبكة الانترنيت عن شركاء يحوزون على براءات غير مستغلة يمكن الاستفادة منها. وبالفعل توجد هذه الحالات إذ أن 67 % من الشركات الأمريكية لديها أصول تكنولوجيا خامدة تتراوح قيمتها بين 115 مليار دولار أمريكي  وتريليون دولار تنتظر أن يتم الاتفاق على إقامة المشروع في بلد يحترم حقوق الملكية الفكرية.
وقد لجأت شركة PFIZER    إإلى هذه الطريقة عندما تحصلت على ترخيص من شركة PLIVA (كرواتيا) يتعلق بالمضاد الحيوي AZITHROMYCINE   الأكثر مبيعا في العالم بعد أن تحصلت هذه الأخيرة على براءة لهذا الدواء دون استغلالها، وقد سوقته PFIZER  تحت اسم THROMAX وحقت مبيعات هامة سنة 2001 قدرت بـ 1.5 مليار دولار
أما التراخيص، فإن بعض الشركات تمنحها دون أن تتأكد من أن المرخص له لن يأخذ المعرفة ويبيعها إلى طرف آخر بأثمان اقل مما يفوت الفرصة على الشركة الأصلية للاستفادة من الترخيص بمنحه لجهات أخرى.
وبالنسبة لقرار البحث والتطوير فقد عبر العديد من المسئولين في الاقتصاديات الناشئة عن النـتائج المذهلة التي أحدثها التزامها بقوانين حقوق الملكية الفكرية في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وفي تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في البحث والتطوير. وعلى سبيل المثال يلاحظ أن الهند ومنذ إصلاحها لنظام البراءة والعلامات التجارية في أوائل التسعينيات شهد الاستثمار الأجنبي المباشر زيادة ثابتة. كما أن البرازيل وبعد تطبيقها لقانون الملكية الصناعية سنة 1996، ارتفع مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر فيها من 4.4 مليار دولار سنة 1995 إلى 32.8 مليار دولار سنة 2000. وهذه قفزة نوعية  ما كانت لتحدث لو لم يلتزم هذان البلدان باحترام حقوق الملكية الفكرية.
وتفيد دراسة قام بهاJeffery L.Getler   حول الشركات الأجنبية العاملة في الصين بأنها تتردد دائما في القيام بالبحث والتطوير في هذا البلد، وأنها في وقت غير بعيد كانت تنـقل إلى الصين تكنولوجيا مر على ظهورها في البلد الأصلي ما لا يقل عن خمس سنوات ولم تعد محلا للمنافسة، مما يـبقي الفجوة التكنولوجيا بين الصين والدول المتقدمة الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة. وتدل مثل هذه الأمثلة على حرص منظمات الأعمال الدولية على حماية اختراعاتها على المستوى العالمي كلما رغبت في التوسع أكثر سيما عن طريق الاستثمار الأجنبي المباشر. وفيما يلي شكل يبين مستوى الطلبات على البرءات في عينة مختارة من الدول النامية.



الشكل رقم 2
إجمالي طلبات البراءات المودعة لدى المكاتب المتخصصة في عينة من الدول النامية خلال الفترة 1994- 2000.


من خلال هذا الشكل يمكن استنتاج أن التفاوت في طلبات براءات الاختراع في العينة التي تم اختيارها يعكس أيضا التفاوت في مستوى حماية حقوق الملكية الفكرية وفي درجة استقطاب المستثمرين الأجانب في الدول الواردة في العينة. 
وهناك أمثلة توضح رفض العديد من الشركات متعددة الجنسيات الإدلاء للسلطات الصينية ببعض المعلومات المتعلقة ببرمجيات الحاسوب بسبب رفض الصين المتواصل لتنظيم قوانين حقوق المؤلف وذلك قبل انضمامها إلى المنظمة العالمية للتجارة سنة 2001.
    وقد أصبحت الأصول الفكرية تستحوذ على قسم لا يستهان به من أصول منظمات الأعمال وعلى سبيل المثال تجد الشركات الأمريكية التي كانت أصولها المادية  في 1982 تحتل نسبة 62% أصبحت في سنة 2000 لا تتعدى 30% لتتأرجح الكفة لصالح الأصول المعنوية الفكرية. وصارت الأصول الفكرية تأخذ حظها من الاهتمام شيئا فشيئا في اتخاذ القرار. ومثلما كان رجال الأعمال يهتمون بمحافظ أوراقهم المالية من أسهم وسندات صاروا أيضا يحرصون على تنويع حافظة أصولهم من الملكية الفكرية (من براءات أو علامات تجارية) عند الإقبال على التفاوض بشان منح ترخيص أو عقد امتياز أو اتفاقية تعاون على البحث أو اتفاقيات التصنيع أو التصدير. كما أن معظم هذه الأشكال تقترن باستخدام الاسم التجاري أو العلامة التجارية وهي أسهل من حيث قابليتها للتزوير والتقليد والاستغلال، سيما في ظل عدم احترام حقوق الملكية الفكرية.  ويستطيع القاريء أن يتصور مدى التأثير السلبي على الاسم التجاري الأصلي أو العلامة الأصلية إذا كانت المنتجات المقلدة التي تحمل الأسماء ذاتها متدنية الجودة، لأن المقلد لا يبحث عن الارتقاء بمستوى الجودة بقدر ما يبحث عن بيع أكبر كمية ممكنة وفي فترة وجيزة وبأسعار منخفضة.
ولولا احترام الولايات المتحدة لحقوق الملكية الفكرية، مثلا، لما استطاعت شركة ناندوز NANDO’S (جنوب افريقيا) السيطرة على عملية القرصنة التي تعرض لها اسمها التجاري من طرف شخص يقيم في كاليفورنيا. إضافة إلى ذلك، لولا التسجيل والحماية الدوليين لمشروب "تيكيلا" (المكسيك) لتمكن أي شخص من استخدام الرسوم الجغرافية البارزة على زجاجة المشروب بحجة أنها رسوم تدل على منطقة معروفة في المكسيك ومن حق أي أحد أن يستخدمها. يحدث هذا في الوقت الذي تبقى غالبية الدول النامية تتردد عن سن قوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية على اعتبار أنها لا تتوافق وأهدافها الاقتصادية سيما في المجالات الإستراتيجية كالصناعات الدوائية وبرمجيات الحاسوب والصناعات الالكترونية. وبهذا التصرف تجعل المستثمرين الأجانب يتحفظون في التعامل معها لأنهم لا يستطيعون الحصول على ذات الحماية التي يتمتعون بها في مواطنهم الأصلية وهو ما ينطبق على كل من الصين وإندونيسيا وماليزيا ومصر على سبيل المثال.
وبالنظر إلى التكاليف التي تتطلبها عملية تسجيل اختراع والحصول على البراءة، يمكن القول أنه إذا كانت التكنولوجيا المستخدمة محدودة الاستعمال وقد لاتصل مدة الاستفادة منها حتى مدة الحماية فلن تكون هناك حاجة للتسجيل باعتبار أن التكاليف ستفوق العوائد.
وعلى الرغم من التحفظات التي تم التطرق إليها أعلاه، فإن نهايتها-ربما- ستكون قريبة مع الاتجاه العام للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة التي تبنت اتفاقية تريبس التي تتمتع بإلزامية التطبيق على كافة الدول المنظمة ولن تطرح بعدها إلا مسألة تكلفة حماية أحد حقوق الملكية الفكرية.

خاتمة
  من خلال هذه الورقة يتضح أن محيط الأعمال الدولية يتسم بالتغير والتجديد الدائمين، مما يطرح أمام منظمات الأعمال تحديات جديدة تفضي إلى كفاءة المنظمة أو فشلها. ولعل أهم التحديات التي تواجهها  المنظمات الدولية تتجلى في اقتصاد المعرفة، وهو اقتصاد من نوع خاص يحمل في طياته ثلاث حقائق رئيسية:
الحقيقة الأولى، وتتمثل في أن القرار الاستراتيجي السليم في ظل اقتصاد المعرفة لا يقتصر على العمل فحسب وإنما يتضمن شبكة معقدة من الأنظمة المتكاملة، وفي الوقت ذاته يعد بمثابة حلقة وصل في تفاعل العوامل الخارجية المحيطة بالمنظمة والمعطيات الداخلية في المنظمة.
الحقيقة الثانية، وهي أن القرار الاستراتيجي يستوحي محدداته من واقعه الذي يتجسد في اقتصاد المعرفة، حيث تكون وظيفة الإبداع والبحث والتطوير من الضرورات التي يمليها  الواقع الدولي الراهن، وعلى المنظمة أن تأخذ ذلك في الحسبان. والواقع أن المنافسة بين منظمات الأعمال تبنت منحى جديدا واتخذت المعرفة موضوعا لها، حيث أصبحت هذه الأخيرة تمثل أحد المدخلات المهمة التي يمكن الاعتماد عليها في توليد قيمة اقتصادية جديدة، وفي الوقت نفسه سلعة مطلوبة تحقق  منفعة من نوع خاص.
أما الحقيقة الثالثة فهي أن  استمرار حياة منظمات الأعمال الدولية ترتبط باستمرار سلسلة الإبداع، وهذه الأخيرة تتوقف على وفرة العناصر المحفزة على ذلك على المستوى الدولي. وتعد حماية حقوق الملكية الفكرية من أهم تلك المحفزات في الوقت الراهن، وهي التي تعنى بقضايا الإبداع بشكل مباشر طالما أنها توفر الحماية للمخترعين وتضمن لهم إيرادات مادية تتوافق والجهود المبذولة من طرفهم، سواء أكان هؤلاء المبدعون أفرادا أو مجموعات بحث تابعة لمنظمة من منظمات الأعمال. وهكذا تشكل العناصر الثلاثة: القرار الاستراتيجي، الإبداع والملكية الفكرية منظومة متكاملة تعمل على إثبات وجود المنظمة.  








Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

شركنا برايك ووجهة نظرك