انضموا معنا

انضموا معنا
نفيــــــــــــد و نستفيـــــــــــد
E-currencies exchanger
E-currencies exchanger

lundi 29 avril 2013

دور الجامعة في إنتاج الرأسمال البشري في ظل اقتصاد المعرفة.


دور الجامعة في إنتاج الرأسمال البشري في ظل اقتصاد المعرفة.
                                                          
        لعل من بين أهم نتائج المنافسة الشرسة التي أضحت تميز المعترك الاقتصادي العالمي، في مطلع القرن الواحد والعشرين، زيادة اهتمـام مختلف الفاعلين فيـه، لاسيـما كبريات المؤسسات الاقتصادية، بالرأسمال البشري، باعتباره المورد الأكثر تأثيرا في فعالية آدائها، وفي إكسابها ميزة تنافسية، تمنحها الريادة في مجال تخصصها.
        لقد تحولت المنافسة بين مختلف المنظمات في العالم من منافسة لامتلاك الموارد المادية الملموسة إلى منافسة لامتلاك الرأسمال البشري الكفؤ، المبدع والخلاق، بعبارة أخرى، إلى منافسة لامتلاك المعرفة المتراكمة في عقول الموارد البشرية واستعمالها أمثل استعمال، مما أدى إلى بروز فرع اقتصادي جديد هو اقتصاد المعرفة، تعد فيه هذه الأخيرة الركيزة الأساسية لعمل مختلف المنظمات.
        في هذا المجال، للتعليم العالي، عموما، والتعليم الجامعي، خصوصا، دورا بالغ الأهمية والتميز في منظومة إنتاج المعرفة، وبالتالي في إمداد القطاع الاقتصادي والاجتماعي بالرأسمال الكفؤ والضروري لتسيير مختلف المنظمات والهيئات والمنشآت.
        الجامعة من بين أهم منظمات إنتاج المعرفة وتكوين القيادات الفكرية والكفاءات العالية في التخصصات المختلفة، وقد شهدت تطورات مختلفة ومتشعبة، لاسيما في مفهومها ووظائفها، وسنحاول من خلال هده المداخلة إلقاء الضوء على دورها في إنتاج الرأسمال البشري، وعلى كيفية تحولها من مؤسسة تربوية تقدم تعليما دينيا أو فلسفيا، في بداية بروزها، إلى مؤسسة منتجة للمعرفة، في مطلع القرن الواحد والعشرين، وذلك من خلال التطرق للنقاط الآتية:
1. الجامعة: لماذا لم يتم الاتفاق على تعريف واحد لها ؟
2. التطور التاريخي للجامعة.
3. تطور دور الجامعة: من نقل المعرفة إلى انتاج الرأسمال البشري.
الجامعة : لماذا لم يتم الاتفاق على تعريف واحد لها ؟

        يعود أصل مصطلح "جامعة"  ( University) إلى اللغـة اللاتينية، وهو مشتق من مصطلح (Universitas)، الذي يعني الإتحاد والتجـمع، وقد تم استعماله إبتداء من القرن الرابع عشر ميلادي للدلالة على الجامـعة بمعناها الحالي، حسب أما قبل ذلك فتشير الكتابات إلى أن هذا المصطلح استعمل لأول مرة في القرن الثالث عشر، نحو سنة 1218م وكان يعني الإتحاد (Communauté)، أي كل مجموعــة منظمـة، ، فأساس فكرة الجامعة هو الإتحاد، الذي يعني التنظيم في جماعة معينة؛ وفي العربية يعد المصطلح ترجمة حقيقية لمصطلح (University).
        "يرى علماء التنظيم التربوي أنه لا يوجد تعريف قائم بذاته أو تحديد شخصي وعالمي لمفهوم الجامعة")، نظـرا لارتباطها بالأهـداف التي أنشئت لأجلها، والتي تختلف من دولة لأخرى، فكل مجتمع يؤسس "جامعته بناء على مشاكله الخاصة وتطلعاته واتجاهاته السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، ومن ثمة تصبح الجامعة مؤسسة تكوين، لا تحدد أهدافها واتجاهاتها من جانب واحد، من داخل جهازها، بل تتلقى هذه الأهداف من المجتمع، الذي تقوم على أساسـه، والذي يعطيها هو وحده حياة ومعنى ووجود"،) وبالتالي فكل جامعة تعكس فلسفة المجتمع الذي توجد فيه.
        نستطيع إيعاز صعوبة إعطاء تعريف موحد للجامعة، كذلك، إلى تعدد الزوايا التي يمكن النظر من خلالها إلى هذه المؤسسة، فعند علماء التربية هي مؤسسة تعليمية، تعرض التعليم العالي، وفي نظر علماء الاجتماع هي مؤسسة اجتماعية، نشاطها موجه لتلبية الطلب الاجتماعي على التكوين العالي والمساهمة في التنمية الاجتماعية للمجتمع، أما عند الباحثين في مجال الاقتصاد فهي منشأة، هدفها إعداد الرأسمال البشري الضروري لقيادة التنمية الاقتصادية في بلد ما، بأقل التكاليف الممكنة.
رغم ذلك، إلا أن الرجوع إلى المصطلح في حد ذاته، يسمح باستنتاج أنها تحمل بين ثناياها معنى الإتحاد والتجمع، كما أشرنا سابقا، وهو ما يؤكده التعريف الذي يعتبرها "مجموعة أشخاص يجمعهم نظام ونسق خاصين، تستعمل وسائل للتنسيق بين مهام مختلفة، للوصول بطريقة ما إلى المعرفــة العليا" (R.M. MANCO) وهو تعريف عام، يربـط وجود الجامعة بالجماعة، وبهدف تحقيق المعرفة العليا، كمنتوج نهائي مقدم من قبلها.
        استنادا إلى   "الجامعة عبارة عن جماعة من الناس، يبذلون جهدا مشتركا في البحث عن الحقيقة، والسعي لاكتساب الحياة الفاضلة للأفراد والمجتمعات"، والقراءة التمعنية لهذا التعريف، تبين أنه ربط، بدوره، الجامعة بالجماعة، وأن منطلقه هو الهدف الذي تسعى هذه المؤسسة إلى تحقيقه، ألا وهو البحث عن الحقيقة، والسعي للحياة الفاضلة، الأمر الذي كانت تسعى إليه جامعات أوروبا، خاصة، في القرون الوسطى.
        بالانطلاق من نفس الزاوية (الهدف)، الجامعة مؤسسة تقوم "بصورة رئيسية، على توفير تعليم متقدم لأشخاص على درجة من النضج، ويتصفون بالقدرة العقلية، والاستعداد النفسي، على متابعة دراسات متخصصة في مجال، أو أكثر من مجالات المعرفة"  وهذا يعني أن الدراسة قي الجامعة تتطلب، من جـهة، التمـتع بالقـدرات العقلية والفكـرية اللازمـة، ومن جهة أخرى، التخصص في مجال علمي معين أو أكثر، هذه المـيزة الأخيرة (التخصص)، أصبحت، مع التطورات المعرفية والعلمية، تطرح إشكالا، نتيجة التداخل بين التخصصات العلمية، وبروز تخصصات حديثة موسعة.
من خلال ما سبق دراسته، إذا ربطنا تعريف الجامعة بالهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، يمكن اعتبارها مؤسسة تعرض تعليما عال، وتساهم في تحقـيق التنـمية البشرية، عن طـريق تطويرها للعـلوم والمعـرفة، وإجرائها للأبحاث، كما تساهم في تلبية حاجات المجتمع الآنية والمستقبلية.
        من زاوية أخرى، تعرف الجامعة، حسبعلى أنها "نظام اجتماعي، إداري، مفتوح، فريد من نوعه "، فهي:
أولا: نظام، بمعنى مجموعة أجهزة، وهياكل تعمل معا في تنسيق، من أجل تحقيق هدف مشترك.
ثانيا: اجتماعي، كونه نظام يتكون من مجموعة أفراد (أساتذة، طلبة، عمال)، ذووا خلفيات، وثقافات وقيم وأعراف متباينة، تتفاعل فيما بينها، من جهة، وتسعى إلى تحقيق أهداف اجتماعية، من جهة أخرى.
ثالثا: إداري، كونه يحتوي على هيكل إداري، يوضح اختصاصات، وصلاحيات متخذي القرارات فيه.
رابعا: مفتوح، كون الجامعة تتفاعل مع البيئة التي توجد فيها ، إذ تستقـبل مدخلاتهـا من البيئـة (الأهداف، القيم، الطاقات)، لتخضعها للمعالجة، ينتج عنها مخرجات، تقدم إلى البيئة مرة أخرى (إنجازات علمية، خدمات، إطارات) .
خامسا: فريد من نوعه، بمعنى أنه نظام يختلف عن الأجهزة البيروقراطية الأخرى، نظرا لطبيعة هدفه ومكوناته.
        ساهمت التحولات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية الدولية، التي شهدها العالم في مطلع القرن الواحد والعشرين، في تطور مفهوم الجامعة، فبعد أن كانت نظاما اجتماعيا وإداريا أصبحت منشأة ( نظام اقتصادي )، تعرض التعليم العالي في فروع علمية متشعبة وتخصصات مختلفة، وتساهم في تحقيق التنمية الشاملة، وتبحث عن المردودية الاقتصادية، وذلك من خلال تبنيها العمل وفق مبدأ المتاجرة. 
لقد أصبحت الجامعة اليوم "منظـومة ديناميكيـة، تحقق التوازن والتكامل مع المجتمع للتنمية" ، فالمجتمع هو منطلقها، ونهايتها، والتنمية الشاملة هي هدفها والشكل رقم (01) يوضح الجامعة كمنظومة متكاملة، لها علاقات متشعبة مع محيطها، أما الشكل رقم (02)، فيعطي صورة عن الجامعة كمنظمة معرفة، تعمل على تزويد المجتمع بمختلف المعارف والإطارات الضرورية لتحقيق التنمية الإنسانية.



شكل رقم (01 ): الجامعة كمنظومة متكاملة. 



                         

 الشكل رقم 02 الجامعة منظومة معرفة 


        بينت الدراسات المتعلقة بقضايا اقتصاديات التعليم، أن تطور الفكر الاقتصادي وزيادة اهتمام المؤسسات الاقتصادية بالمورد البشري، خلال النصف الثاني من القرن العشرين ميلادي، أدى إلى بروز اقتصاد المعرفة، كفرع علمي جديد، كما أشرنا سابقا، تؤدي فيه  منظمات المعرفة [Knowledge Organisation]، ومنها الجامـعة، دورا حيويا في إنتـاج العلوم، والتي أصبح ينظر إليها كسلعة، تحتاج إلى تسويق، سواء محليا أو دوليا، الأمر الذي جعل الجامعة، في مطلع القرن الواحد والعشرين، أمام تحديين رئيسيين هما: ضـرورة تحقيـق الجودة في الإنتاج المعرفي، من جهـة، وضرورة التحكم في تكاليف الإنتاج، من جهة أخرى.
        "في هذا السياق يثور التساؤل، اليوم، في البلدان المصنعة حول هوية الجامعة ذاتها، بل حول مبرر إطلاق لفظة (الجامعة) على هذه المؤسسة التي تتخلق حاليا، إذ يعد دخول السوق نطاق اكتساب المعرفة بهذا الشكل، تعبير عن نقلة جوهرية في ثقافة العلم، فمن الدور التحريري للعلم- المعرفة، إلى سيادة قيم السوق والمتاجرة في نطاق المعرفة كسلعة"، حسب لعل التعمق أكثر في دراسة الجامعة، كمنظمة معرفة، يدفعنا إلى طرح التساؤل الآتي: إذا كان هذا هو حال الجامعة في مطلع القـرن الواحـد والعشرين، فكيف برزت وتطورت هذه المؤسسة؟
التطور التاريخي للجامعة
        مرت الجامعة خلال سيرورة تطورها، بمرحلتين أساسيتيـن، تفصل بينهما نقطة تحول، تتمثل في ظهور الجامعة بمفهومها الحديث
المرحلة الأولى (مرحلة النشأة والتأسيس)
        يعود ظهور أول شكل من أشكال التعليم العالي إلى القرن الخامس قبـل الميـلاد، أين كان منظما في مدارس للسفسطائيين، وعلماء البلاغة.
        تبين الدراسات المتخصصة في البحث في التعليم، أن الحضارات القديمة ساهمت في تطور هذا الأخير (التعليم بصفة عامة، والجامعة، بصفة خاصة، فأقدم جامعة عرفتها مصر القديمة، وهي جامعة أون بعين شمس، تلاها إنشاء جامعة الإسكندرية، ومجموعة من الأديرة، كان يمارس فيها التعليـم (الكرنك، تل العمارنة)، والذي تميز، في تلك الفترة، بالتركيز على التدريب المهني، وتعليم الكتابة وتوجيه السلوك، أما في الهند القديمة (1500 سنة قبل الميلاد)، فقد قام الشاعر الهندي (طاغور) بإنشاء جامعة (سانتيكان) في البنغال، لتدريس التراث الهندي، حيث كان التعليم حكرا على الكهنة، أما في الصيـن القديمة، فقد أنشئت مؤسسات التعليم العالي في المدن الرئيسية، ومراكـز الأقاليم، وتعتبر بيوت الحكمة أهم إنجازات الصينين، وبرزت في اليونان، أول أكاديمية، هي تلك التي أنشأها أفلاطون في أثينا (387 سنة قبل الميلاد)، كما أسس أرسطو مؤسسة للتعليم الجامعي هي "الليكيوم"، وبرزت مدرسة "زينون" (340 قبل الميلاد- 150 قبل الميلاد)،  ومدرســة أبيفـور (341 قبل الميلاد- 270 قبل الميلاد)، لتبرز في الأخير جامعة أثينا، مكونة من مجموع هذه المدارس.
      تعد الجامعات اليونانية أساس الجامعات الحديثة، حيث استفاد منها الرومان في تأسيس جامعـة روما، التي اهتمت بالدراسات القانونية، كما استفاد الشرق الأوسط منها، و من تطور التعليم في مصر في تأسيس عدد من الجامعات، نذكر منها: مدرسة جنديسابور الطبية الفارسيـة (القرن الثاني ميلادي)، و برزت أولى مراحل التعليم الجامعي في الحضارة المسيحية سنة (524م)، مهتمة بالتعليم الديني، ونشـر المسيحية، وبعد تأسيس الحضارة العـربية الإسلامية، طور العرب، إبتداء مـن القـرن التـاسع ميلادي التعلـيم الجامعي، حيث كان المسجد هـو المؤسسـة المتكفلـة بذلك.
        رغم هذا التطور في التعليم الجامعي، إلا أن الدراسات بينت أن الجامعة بمفهومها الحديث برزت خلال القرون الوسطى في أروبا.
المرحلة الثانية (مرحلة التطور والعطاء)
        بداية بروز الجامعة، كقطب هـام في الهيكـل التعليمي، كانت في القـرن الثالث عشر ميلادي في أوروبا، حيث كانت تعرف على أنها "جمعية أساتذة وتلاميذ".
ساهم تطور العلوم والآداب، وتطور المدن وزيادة الإقبال على التعليم، واتصال الأوروبيين بالعرب، في بروز الجامعات الحديثة في أوروبا، خاصة، وانتقالها إلى كافة أنحاء العالم بعد ذلك ، لكن رغم ذلك تبقى الظروف الخاصة لكل بلد، أهم عامل لإنشاء جامعة، لذا من الصعب أن نجد في العالم بروز جامعتين متجانستين عبر التاريخ.
        يمكن تقسيم هذه المرحلة إلى مرحلتين فرعيتين، الأولى انطلقت من بداية القرن الثالث عشر ميلادي، إلى نهاية القرن التاسع عشر ميلادي، تميـزت في بدايتها بسيطرة التعليم الديني والكنيسة على الجامـعة، حتى بـداية القـرن السادس عشر ميلادي، ثم انعزال هـذه الأخيـرة عـن المجتمـع، وتوجهها للبحث عن الحقيقة الفاضلة، وإبتعادها عن الواقع، وعن "مجالات المعرفة الصانعة للمستقبل حتى نهاية القرن التاسع عشر، ومن هنا عرفت الجامعة "إنبعاثا جديدا " بخروجها من عزلتها، وتوجهها، من جديد، إلى المجتـمع لقيادة التنمية فـيه ، بجـميع جوانـبها، وهي المـرحلة الثانـية" .
        تعطي هذه النظرة الخاطفة عن تطور الجامعة في العالم فكــرة واضحة عن تطــور دورها، وسنحاول في النقطة الموالية من هذه المداخلة التعمـق أكثـر في دراسة دور هـذه المؤسسة، لاسيما وأنها أضحت، اليوم، تطرح تساؤلات واستفهامات كثيرة عن جدوى وجودها وعن وظائفها.

تطور دور الجامعة: من نقل المعرفة إلى إنتاج الرأسمال البشري
دور الجامعة: نقل المعرفة، البحث العلمي وخدمة المجتمع
        ارتبط تعريف الجامعة، كما أشرنا سابقا، بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، والتي عرفت تطورا عبر الزمن، رافقه تطور في مفهوم الجامعة، من جهة، و في وظائفها، من جهة أخرى، الأمـر الذي أدى إلى بروز نماذج متنوعة الفلسفة من الجامعات.
        انحصر دور الجامعات الأولى في عرض التعليم، من أجـل إعـداد الطلبـة لمهـن القـانون، اللاهوت والتدريس الجامعي، حسب وهي بالتالي اتسمت بعدم حملها لفكرة الجامعة، المبنية على مبدأ البحث العلمي وإعداد الباحثين.
        مرت الجامعات الغربية في أوروبا، خلال فترة النهضة إلى غاية العصر الحديث، بأزمة تمثلت في ابتعادها عن المجتمـع، وانحصارها في أداء وظيفة التدريس، من جهـة، وعدم تكيفها بسـهولة مع المتغيرات الفكرية والاجتماعية، التي ميزت العصور الوسطى في أوروبا، من جهة أخرى، لكن في الأخير، أدت هذه التغـيرات بالجامعة إلى تغـيير فلسفتها، وتوجهت بذلك إلى أداء دورين جديدين، هما: البحث العلمي، وخدمة المجتمع.
        يمكن القول أن الجامعة استقرت في بداية القرن العشرين على أداء ثلاث أدوار رئيسية، هي: التعليم أو نقل المعرفة، البحث العلمي وانتاج المعرفة، وخدمة المجتمع.
التعليم:
هو أول اهتمام للجامعة، مثلما بينته الدراسات، بدءا من بيوت الحكمة الصينية إلى غاية العصر الحديث في أوروبا، وقد تميزت الجامعة، في تلك الفترة، بسيطرة التعليم الديني، والابتعاد عـن المجتمع، والسعي من أجل الوصول إلى الحقيقة الفاضلة.
يعد التعليم الطريق الأمثل لنشر المعرفة ونقلها من جيل لآخر، " ويؤدي ذلك إلى إعداد وتنمية طلاب الجامعة وتهيئتهم لأعمال ونشاطات متعددة لمجالات العمل المختلفة، ولقد أشار هاربيسون وماير (HARBISON et MAYER) إلى أهمية هذه الوظيفة وخصوصا من جانب الجامعة بقولهما (أن المجتمع الذي لا يكون قادرا على تنمية موارده البشرية لا يكون قادرا بالتالي على بناء أي شيئ )"
البحث العلمي وانتاج المعرفة:
تعد الجامعات الألمانية، في نهاية القرن الثامن عشر ميلادي وبداية القرن التاسع عشر ميلادي، أولى الجامعات التي اهتمت بالبحث العلمي.
يعتر البحث العلمي الآداة الرئيسية لإنتاج المعرفة وزيادتها، فهو تعمق فيها؛ وتعد الجامعات المؤسسات الأكثر قدرة على تحقيق ذلك، بحكم ضمها لكفاءات علمية عالية ومتخصصة، فهي تولي له عناية خاصة.
" إن الأبحاث التي قامت بها الجامعات عبر التاريخ كان لها بالغ الأثر في مجالات الصناعة والزراعة ومختلف جوانب الحياة، وعلى الرغم من أن عددا كبيرا من مراكز الأبحاث قد أنشئ بصفـة مستقلة عن الجامعة، لكن أبحاث الجامعة مازالت إلى حـد كبير أكثر أهمية وأكثـر دقة من غيرها من الأبحاث"، حسب .
خدمة المجتمع وفكرة الجامعة المنتجة:
تعمل الجامعات، في مطلع القرن الواحد والعشرين، على تقديم خدمات نموذجية عملية مباشرة للمجتمع في مختلف مجالات الحياة، فهي تسعى لحل مشكلاته وإنمائه وتزويده بالطاقات البشرية القادرة على قيادته.
من هذا المنطلق برزت إلى الوجود فكرة الجامعة المنتجة والتي تحمل فلسفة تختلف عن فلسـفة الجامـعة بمفهومـها التقليـدي، إذ أن هـدفها، حسب  "هو التأثير الإيجابي في حركة المجتمع، وتحقيق الاستيعاب الكامـل لمنجزات التطـور التقني الحديثة، من خلال تحسين استغلالها للموارد المتاحة لها وتحقيق انتاجية عالية ".
الجامعة المنتجة هي المؤسسة التعليمية التي تعمل على أن تكون أكثر قربا من المجتمع، الذي تنشط فيه، وعلى أن تكون المؤثر الإيجابي في حياته، وهي من أجل ذلك تمارس جملـة مـن الأدوار، نذكر منها، حسب ، ما يأتي:
1.    المشاركة المباشرة في التطوير والابتكار.
2.    توسيع برنامج التعليم المستمر والتدريب.
3.    فسح المجال للإستفادة من وسائل الدراسات العليا في معالجة مشاكل العمل، واقتراح الحلول المناسبة لها.
مما سبق دراسته، يمكن ان نخلص إلى أن عمل الجامعة المنتجة يرتبط، إضافة إلى التعليم والبحث، بالدور المحدد الذي تؤديه في المجتمع، الأمر الذي خلق لها، كما أشرنا سابقا، فلسفة جديدة ترتكز على التعليم المستمر لمواكبة كل التغيرات التي تحصل في المحيط، وكذا القيام بالبحوث، سواء على المستوى الأكاديمي، أو التطبيقي.
زيادة على ذلك، تعتمد الجامـعة المنتجة في عملـها على مبـدأ المتاجـرة، حيث يتكون سوق عرضها من التكـوين المتخصص، البحـوث، والاستشارات، التي تقـدمها، وتحصل بموجب ذلك على أموال، تستغلها في تمويل نفسها، مما جعلها تبدو كالمنشأة، تسعى إلى تحقيق الربح، والشكل الآتي يوضح نموذجها:

 شكل رقم (03): نموذج الجامعة المنتجة



   

     بالموازاة مع تطور دور الجامعة، برزت ثلاث نماذج متمايزة من الجامعات في العـالم، وهي نماذج مبنية، بالدرجة الأولى، على التوجه الوظيفي للمؤسسـة الجامعية (تعليم، بحث علمي، خدمة المجتمع)، ويمكن تلخيصها في الجدول الأتي:



جدول رقم (01): نماذج الجامعات
النموذج الألماني
(جامعة البحث العلمي)
النموذج الأنجليزي
(جامعة التكوين)
النموذج اللاتيني
(جامعة مهنية)
مطبق في: ألمانيا النمسا، المجر، الدول الإسكندفانية، دول البلطيق.


هدفها: البحث العلمي بالدرجة الأولى
مطبق في: جامعـة أوكسفـورد خاصـة، إيرلندا، سكوتلندا، لكنه في هذين الأخيرين ينجذب نوعا ما نحو النموذج الألماني واللاتيني، وساد كذلك الجامعات الأمريكية الجديدة.

هدفها: تقديم ثقافة عامة وتعليم عالي للطلبة في مجالات الحياة المختلفة وكذا في مجالات المعرفة المجردة وهذا عن طريق ربط الاهتمام بالقيم الثقافية وليس بالقيم العلمية.
مطبق في: فرنسا، بلجيكا إيطاليا، البرتغال، إسبانيا، وإن كانت هذه الأخيرة قد حاولت الجمع بين النماذج الثلاثة.


هدفها: التكوين المهني.
        يمكن أن نخلص، من خلال هذا التصنيف، إلى أن النمـوذج الألماني منح للبحث العلمـي الأولوية، أما النموذج الإنجليزي فقد ارتبط بالجانب التكويني للأفراد خدمة للمجتمع، في حين منح النموذج الفرنسي الأهمية والأولوية لتكوين الطلبة تكوينا مهنيا.
        نعتقد أنه بـدلا مـن الفصـل بين الأهـداف الثلاثة للجامعة، الأجـدر بنا أن نتحدث عن جامعة تسـعى إلى تحقـيق الـتوازن بيـن هاته الأهداف، بطريقة تفضيلية، وبشكل يسمح لها بتزويد المجتمع بصنف أكثر رقيا من الرأسمال البشري.

الجامعة: مركز لإنتاج الرأسمال البشري
الاستثمار البشري: التحدي التنافسي للاقتصاديات
        يشير مصطلح الرأسمال البشري إلى مجموع المعارف والمهارات والخبرات وكل القدرات التي تمكن من زيادة إنتاجية العمل لدى فرد أو جماعة معينة (والاستثمار في هذا الرأسمال يعني الاتجاه نحو تحسين نوعيته وزيادة كفاءته، وذلك عن طريق التكوين الأساسي التكوين المستمر والمعارف المكتسبة أثناء العمل وغيرها، إذ ينتظر من وراء ذلك تحقيق إيرادات تفوق تكاليف الاستثمار.
        رغم أن اهتمام الاقتصاديين بالتكوين الجامعي، ومؤسساته، ومحاولة فك رموزه، وربطه بالتنمية الاقتصادية، انطلق في بداية الستينات، بعد انفجار نظرية الرأس المال البشري () إلا أن هناك مـن المفكرين من عمـل، قبل ذلك، على إبراز أهـمية تكوين العنصـر البشري، لجعله يساهم في تحقيق أهـداف المنشأة على المستوى الجزئي، وفي قيادة التنمية الاقتصادية للـدول على المستـوى الكلي، من بينـهم الكاتب الإنجلـيزي W. PETTY (1623-1687)، والذي حلـل رأس المال البشـري، ودرس مساهمته في الدخل الوطني، رفقـة عوامل الإنتاج الأخـرى، وكـذا A. Smith  الذي جعل التربية والتكوين من بين مكونات الرأسمال الثابت، مطلقا عليها تسمية القابليات العلمية، والفنية للأفراد.
        تبين الدراسات المتعلقة بقضايا التخلف والتقدم في العالم، أن هذه الأخيرة أصبحت ، في مطلع القرن الواحد والعشرين، تربط بمدى توفر الدول على الكفاءات المؤهلة ذات التكوين العالي، والتي بإمكانها رسم السياسة التنموية لأي بلد، والعمل على تنفيذها، "فالتقـدم والرقي الذي عرفته وتعرفه البلـدان المتقدمة، كما بينه عدد من المفكرين، نذكر منهم: Shultz, Becker, Adisson ،يعود إلى الثروة البشرية التي تتوفـر عليها هـذه الأمـم، وهي ثـروة خـلاقة ومنتجـة في مختلـف المجـالات"، حسب ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي، بين Adisson أن (1/3) من الزيادة في الإنتاجية المحققة، في تلك الفترة، تعود إلى مساهمة التعليم، فقد كانت هذه الأخيرة ضعف مساهمة الرأسمال المادي، فالتعليم هو العنصر المتبقي الذي فسر هذه الزيادة، هذا ما يؤدي، حسب  "إلى الحديث عن مردودية الاستثمار في الإنسان، والمعدلات الممكن تحقيـقها، مقارنة مع الاستـثمار في المجالات المادية الأخرى، فانطلاقا من معطيات مرتبطة باقتصاد عدة بلدان، ذات ظروف، وحقائق مختلفة، ومتميزة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، الهند ، المكسيك، أعطت دراسات أن معدلات المردودية في الاستثمارات البشرية، تساوي عادة معدل المردودية في الاستثمارات المادية".
        العنصر البشري، إذن، هو محرك التنمية، وهو هدفهـا الأسمى، لذا يعد تكـوينه، في اعتقادنا، عاملا أساسيا في جعله يقدم المساهمة اللازمة لتحقيق التنمـية المنشودة، ومنه يبرز دور التعليم، بصفة عامة، والتعليم الجامعي، بصفة خاصة، كونه تعليم متخصص، في زيادة فعالية الأداء لدى الفرد، من خلال تلقينه المعارف المتخصصة والمختلفة، فإذا كانت أربع سنوات من التعليم الإبتدائي يمكنها أن تزيد مـن فعالية العمـل الإنساني بنسـبة لاتقل عن 44 % ، حسـب شـروميلين، فما بالنا بالتعليم الجامعي المتخصص في مجالات دقيقة؟
        نعتقد أنه، مهما تعددت نماذج الجامعات في العالم، إلا أنها تبقى مركز تكوين رأس المال  البشري، القادر على قيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلده، فالفرق بين دول العالم المتقدم ودول العالم المتخلف، في نظرنا، لا يكمن في الغنى والفقر، بقدر ما يكمن في الفرق بين مستوى المعرفة لدى الأفراد فيها، وبعبارة أخرى، يبقى الإنسان، كما أشرنا سابقا، هو محـرك التنمية وهدفها وهو مقر التخلف، وتبقى الجامـعة هي المسؤولة عن تكويـنه، وهي بذلك تساهم بشكل بارز في بناء المجتمعات الإنسانية الأكثر رقيا.
        يكاد، إذن، يقع على عاتق الجامعة، باعتبارها قمة السلم التعليمي، العبء الأكبر في بناء وتطوير المورد البشري، أي في بناء وتكوين الطاقة المحركة والقوة الدافعة لعملية تطور المجتمع وتقدمه، فالجامعة لها مسؤولية إعداد الرأسمال البشري المتكامل وتزويده بالعلم والمعرفة والقيم الروحية، الأخلاقية، النفسية والاجتماعية لأن يكون موردا خلاقا للثروة وقائدا مبدعا للتنمية.
        إن العائد الاقتصادي الذي يمكن للمجتمعات تحقيقه بفضل التعليم الجامعي يفوق بكثير ما تقوله الحسابات الاقتصادية، فالتعليم العالي، عموما، أضحى يساهم في "تكوين رأس المال المجتمعي، وتكاد مؤسساته، خاصة الجامعات، تتحمل العبء الأساس في حيوية الفكر، أي تطوير الرأس مال الفكري، وفي الحفاظ على ثقافة الأمة، وتجديدها، أي بناء رأس المال الثقافي، من خلال البحث وأعمال الفكر".
        لكي تتمكن الجامعة من تأدية رسالتها في إنتاج الرأسمال البشري الكفؤ بأكبر فعالية ممكنة لابد لها أن تتوفر على مقومات تحقيق ذلك، وسنحاول في النقطة الآتية دراسة، بشيء من الاختصار، هذه المقومات.
مقومات الانتاج الفعال للرأسمال البشري في الجامعة:
        تتمثل في مجموع المرتكزات التي تتوقف عليها فعالية إنتاج الرأسمال البشري في الجامعة، وهي:
الأستاذ الجامعي ( عضو هيئة التدريس ):
        يعد الأستاذ الجامعي الحجر الأساس في العملية التكوينية في الجامعة، كونه المشرف المباشر على إيصال المعرفة للطلبة، وبالتالي هو العنصر المزود للرأسمال البشري بالمعلومات والمعارف والأفكار،  فإدا "كان الطلاب أهم مدخلات الجامعة فإن الأستاذ أهم مقوماتها، فالجامعة تحتاج لنوعية متميزة من هيئة التدريس، ذلك لأن الجامعة بأساتذتها لا بمبانيها، والجامعة بفكر هؤلاء الأساتذة وعملهم وخبرتهم وبحوثهم قبل أي شيء"
        يتوقف نجاح الجامعة في آداء وظيفتها في إنتاج الرأسمال البشري الكفؤ على اختيار عضو هيئة التدريس وتطوير آدائه علميا ومهنيا من وقت لآخر، حتى تكون له القدرة اللازمة لوظيف وصول الأستاذ الجامعي إلى البناء الفعال للرأسمال البشري يتطلب منه ما يأتي: * ضرورة الاهتمام بتوفير التوجيه الإرشادي والأكاديمي.
* الاهتمام بالكشف عن ميول واهتمامات الطلاب وتنميتها، مبتعدا عن التلقين الكلاسيكي للمعارف فالأستاذ الجامعي في موقع يسمح له باكتشاف قدرات طلبته وتوجيهها بما يخدم المجتمع.
* الاعتماد على برامج ومقررات تعليمية مرنة، تحترم ميولات واهتمامات ورغبات الطالب.
         إن الجامعة، في عصر المعرفة والمعلوماتية، تحتاج إلى هيئة تدريس من نوع متميز، على دراية واسعة بمختلف التطورات الحاصلة في العلم، ولها القدرة الكاملة على استعمال أحدث تقنيات التعليم والبحث، وتلقينها للطلبة بغية بناء رأسمال بشري تطوري قادر على الإبداع.
مناهج ومقررات الدراسة:
        تكوين الرأسمال البشري يعني تزويده بمختلف المعارف القادرة على منحه صفتا التميز والابداع، ولن يتأت له ذلك إلا إذا استفاد من مقررات ومناهج دراسية جامعية لها ميزات خاصة، تربط بين النظري والتطبيقي، وتمنح للمتكون ما يلزمه من معلومات.
فالمناهج من المقررات من بين أهم مقومات نجاح الجامعة في إعداد الرأسمال البشري المبدع والخلاق، والذي تحتاجه مختلف مؤسسات المجتمع، لذا عليها في اعتقادنا أن تتسم بما يأتي:
* التجدد والتطور.
* الارتباط الوطيد بمتطلبات التنمية الشاملة.
* الاهتمام بالدراسات التطبيقية.
* الاعتماد على مناهج تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات التركيبة الذهنية والفكرية لأفراد كل مجتمع،ة وعدم الذوبان عشوائيا في عولمة المناهج.
أساليب التدريس:
أسلوب التدريس من المقومات الهامة المساعدة على تحقيق إنتاج ذا نوعية جيدة من الرأسمال البشري.
يتسم التكوين في الجامعة بتعدد أساليبه، نظرا لتعدد مواده " فمنها ما يحتاج إلى الحفظ والاستظهار، ومنها ما يحتاج إلى قدرات الخلق والإبداع، ومنها ما يحتاج إلى الممارسة العملية والتجربة الميدانية"
إن أسلوب التدريس التقليدي، المعتمد لاسيما في الدول النامية، والمبني على الإلقاء، لا يسمح في واقع الأمر بتنمية قدرات الإبداع لدى الطلبة، كونه أسلوب حشو للمعلومات والمعارف، " وقد بين بوفلجة غياث ( 1994) أن طرائق التدريس التقليدية تقلص دور الطالب في العملية التكوينية، وتجعله محصورا في تلقي المعارف والمعلومات وتخزينها إستعدادا للامتحانات، ومن جهة أخرى فهي تزيد درجة اعتماده على غيره في العملية التربوية"  وهذا من شأنه إنتاج إطارات لا تتوفر على مناهج التفكير الاستراتيجي، مما يؤثر سلبا على مسار التنمية الشاملة لأي بلد.
تحتاج التنمية الشاملة لأي بلد إلى إطارات كفؤة قادرة على تحمل المسؤوليات وأخذ المبادرة، وهو أمر يستلزم الاعتماد على أساليب حديثة في تزويدهم بالمعارف الضرورية، أساليب تخلق الإحساس بالمسؤولية والقدرة على التحليل والاستقراء، وتنمي روح المشاركة والمبادءة، وهذا ما يفسر توجه الجامعات في العالم المتقدم إلى تبني أساليب حديثة، نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر حسب): أسلوب المشروع (Boterf, 1984)،  أسلوب المشكلات، التعليم المبرمج،التكوين على المواقف الحقيقية...وغيرها.
الهيكل التنظيمي والإداري للجامعة:
الهيكل التنظيمي للجامعة هو الخريطة التي تصف تنظيمها في لحظة إستقرار، تتكون من هيكلة رسمية، مرتبطة بتوزيع الوظائف والأدوار وتحديد المسؤوليات وخطوط السلطة والعلاقات التنظيمية، وهيكلة غير رسمية مبنية على مجموع العلاقات الشخصية بين الأفراد داخل المؤسسة الجامعية.
يعد الإطار التنظيمي والإداري العام، الذي تتم فيه العملية التكوينية في الجامعة عاملا أساسيا ومحددا لفعالية هذه الأخيرة، فمجموع المكونات البشرية والمادية، ومجموع الممارسات التنظيمية التي تتم على مستوى الجامعة تؤثر بصفة مباشرة على نوعية الرأسمال البشري المنتج.
" إن من أهم عوامل نجاح المؤسسة الجامعية هو تكوين الإطار الإداري المتخصص، وبناء الهيكل التنظيمي المرن بدون الإخلال بالوحدة العضوية بين الجهازين الإداري والتنظمي التربوي، اللذان يساهمان معا، ولكن بطرق مختلفة، في تحسين المردود ورفع الإنتاجية في المؤسسة الجامعية. ويطرح التعاون بين هذين الجهازين مشكلات كثيرة تعاني منها حتى بعض الجامعات العريقة في القدم، فقد حذر باركنسون (Parkinson) من الإنهاك البيروقراطي للجهاز التعليمي الذي "يهدد بتحويل الجامعة إلى مركز خدمات أولية" أشبه بإدارة أو بآلة تدور حول نفسها.
في الدولة الحديثة، تسعى الجامعة لدعم جهازها التنظيمي بإداريين يتميزون بالخصائص التالية:
1. الإلمام بشؤون التسيير والمعرفة بطبيعة العمل في المعاهد والكليات، والخبرة الفنية في كل ما يتعلق بالجوانب المالية والتنظيمية والقدرة على معالجة المشكلات المادية التي تعترض الأساتذة والطلاب.
2. وبما أن الجامعات أصبحت تكتظ بالمئات بل بالآلاف من الطلاب والمدرسين، فإن تجديد الجهاز الإداري وتدعيمه وتدريبه وإعطائه مجالا للمبادرة، أصبح أمرا ضروريا، لأن الإدارة تميل بطبيعتها إلى التجمد والنمطية في آداء عملها، فإن لم تحركها الحوافز والجزاءات عجزت عن آداء وظيفتها، وتحولت إلى جهاز هامشي يعرقل العملية التربوية نفسها.
أن يعمل الإداريون الخاصون بالتعليم العالي، وفق نظام يصلهم مباشرة بالأجهزة الأخرى المشتركة في العملية التعليمية."


الخاتمة
يمكن أن نخلص من خلال ما تم عرضه في هذه الورقة إلى أن للجامعة، في مطلع القرن الواحد والعشرين، دورا متميزا وبارزا في إنتاج المعرفة، وفي إعـداد القـوى البشـرية المتخصصة، المبدعة والقادرة على بناء وقيادة السياسات التنموية للمجتمع، لاسيما مع التوجهات الحديثة للاقتصاد العالمي، وانتقاله من اقتصاد مبني على الموارد المادية إلى اقتصاد مبني على المعرفة.
        يرتبط نجاح المؤسسة الجامعية في إمداد المجتمع بالرأسمال البشري الكفؤ بضرورة توفر مجموعة متناسقة من المقومات والركائز، تتمثل أساسا في: الأستاذ الجامعي، مناهج ومقررات الدراسة، أساليب التدريس والهيكل التنظيمي المرن والفعال.
        رغـم الدور المتميز للجامعة، اليـوم، إلا أنها ،أصبحت تمر بأزمة مناقضة تماما للأزمة التي عرفتها في أوربا، خلال القرون الوسطى، فبدلا من أن يكون منطلق تعريف مهامها هو النقد البناء للمجتمع وتوجـيهه، أضحت خاضعة له، مما أدى بها إلى إهمال أدوارها الأخرى، ومن هنا أصبحت تطرح إشكالية هويتها، فما هو نمط الجامعة الذي يجب أن يتوفر عليه العالم في هذا القرن؟، لا سيما، وأن كبريات الشركات في العالم، وفي خضم العولمة الاقتصادية والمنافسة الشرسة بينها، توجهت إلى إنشاء مراكز بحث وتطوير، مبتعدة عن الاعتمـاد على الجامعـة في ذلك، بل إن كبريات المنشآت أصبحت، من خلال مراكزها هاته، تقدم شهادات ماجستير ودكتوراه، فأي هوية باتت تحمل الجامعة؟







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

شركنا برايك ووجهة نظرك