نحو تسيير
استراتيجي للمعرفة والميزة التنافسية
للمؤسسة
الاقتصادية
يقتضي الاندماج في
الاقتصاد العالمي المبني على المعرفة ضرورة سعي المؤسسات الاقتصادية إلى تثمين
مواردها الداخلية، وكفاءاتها الاستراتيجية، ورصد المعرفة الكامنة لدى الموارد
البشرية كمورد استراتيجي يضمن للمؤسسة ديمومة ميزتها التنافسية، اذ تجمع أغلب
الدراسات الحديثة على الأهمية الاستراتيجية للمعرفة بإعتبارها مؤشرا لخلق القيمة،
ومصدرا للميزة التنافسية، كما تعد أحد اهم الموارد الداخلية الاستراتيجية غير
الملموسة المساهمة في حصول المؤسسة على ميزة تنافسية مستدامة . ذلك أن تحديد مفهوم
المعرفة كمورد استراتيجي أدى إلى التأكيد على إمكانية تسييرها استراتيجيا على
المدى الطويل، وتفعيل الدور الذي أصبحت تحتله ضمن الحقل التسييري للمؤسسات
المندمجة في اقتصاد المعرفة، أو التي ترغب
في تعظيم مزاياها التنافسية من خلال التراكم المعرفي والاستخدام الذكي للموارد
الداخلية .
وسنتناول ضمن هذه المداخلة المعرفة كمصدر للميزة التنافسية، وكمورد داخلي استراتيجي للمؤسسة
الاقتصادية مع تناول الخصائص الرئيسة للمؤسسة المسيرة بالمعرفة، بالاضافة الىتحليل
خطوات تثمين المعرفة واستراتيجيات تسييرها بما يؤدي الى امتلاك المؤسسة الاقتصادية
للميزة التنافسية .
اولا: المعرفة كمصدر للميزة التنافسية
1- مفهوم الميزة التنافسية:
يرى "بورتر" أن الميزة
التنافسية لا تختص بالدولة وإنما بالمؤسسة، "فالميزة التنافسية تنشأ أساسا من
القيمة التي استطاعت مؤسسة ما أن تخلقها لزبائنها بحيث يمكن أن تأخذ شكل أسعار أقل
بالنسبة لأسعار المنافسين بمنافع متساوية، أو بتقديم منافع متفردة في المنتج تعوض
بشكل واع الزيادة السعرية المفروضة
كما ينظر للميزة التنافسية
على أنها " قدرة المؤسسة على تحقيق حاجات المستهلك، أو القيمة التي يتمنى
الحصول عليها من المنتج، مثل الجودة العالية "(، وبالتالي فهي
استثمار لمجموعة الأصول المالية، والبشرية، والتكنولوجية بهدف إنتاج قيمة للعملاء
تلبي احتياجاتهم. وهو ما يؤكده "السلمي" في تعريفه للميزة التنافسية على
أنها "مجموعة المهارات والتكنولوجيات والقدرات التي تستطيع الإدارة تنسيقها
واستثمارها بهدف إنتاج قيم ومنافع للعملاء أعلى مما يحققه المنافسون، وتأكيد حالة
من التميّز والاختلاف فيما بين المؤسسة ومنافسيها".
وتشير الميزة التنافسية إلى المجالات
التي يمكن للمؤسسة أن تنافس غيرها بطريقة أكثر فعالية، وبهذا فهي تمثل نقطة قوة
تتسم بها المؤسسة دون منافسيها في أحد أنشطتها الإنتاجية أو التسويقية أو
التمويلية، أو فيما يتعلق بمواردها وكفاءاتها البشرية. فالميزة التنافسية تعتمد
على نتائج فحص وتحليل كل من نقاط القوة والضعف الداخلية إضافة إلى الفرص والمخاطر
المحيطة والسائدة في بيئة المؤسسة مقارنة بمنافسيها.
إذا فالميزة التنافسية هي ذلك المفهوم
الإستراتيجي الذي يعكس الوضع التنافسي النسبي الجيد والمستمر لمؤسسة ما إزاء
منافسيها، بحيث يتجلى في شكل تقديم منتجات ذات خصائص متفردة يكون معها العميل مستعدا
لدفع أكثر أو تقديم منتجات لا تقل قيمة عن منتجات المنافسين وبأسعار أقـل. وبهذا
المعنى تعتبر تطوير الميزة التنافسية هدفا استراتيجيا تسعى لتحقيق المؤسسة
الاقتصادية من خلال الاداء المتميز للموارد الداخلية، والكفاءات الاستراتيجية ذات المعرفة الكامنة، ضمن مختلف
انظمة، واستراتيجيات، وانشطة، وعمليات المؤسسة، بما يؤدي الى تخفيض التكاليف
وتحسين الجودة، ، وريادة السوق، وتعظيم الربحية على المدى الطويل.
2: مصادر الميزة
التنافسية:
هناك مصدرين أساسيين للميزة التنافسية
يتمثلان في المهارات المتميزة (كالمعرفة الفنية، القدرات والذكاء) والموارد
المتميزة (كالموارد المالية، طاقة إنتاجية ممتازة...الخ). إن محاولات تفسير الميزة
التنافسية للكثير من المؤسسات بينت أن مصدرها لا يرتبط بالتموقع الجيد في مواجهة
ظروف البيئة الخارجية بل بقدرة تلك المؤسسات على استغلال مواردها الداخلية، التي
تعد الكفاءات والمعرفة والجودة أحد عناصرها الأساسية.
ويمكن من خلال توفير هذين المصدرين
واستغلالهما بفاعلية الحصول على المصادر النهائية التالية:
1- الكفاءة:
تتجسد الكفاءة في الاستغلال الامثل
للموارد المتاحة، وتقاس بكمية المدخلات المستخدمة لإنتاج مخرجات محددة، باعتبار
المؤسسة أداة لتحويل المدخلات إلى مخرجات، فكلما ارتفع معدل كفاءة المؤسسة كلما
قلت المدخلات المطلوبة لإنتاج مخرجات معينة، فالمؤسسة تتميز تكاليفها بالانخفاض
إذا كانت تستحوذ على كفاءة إنتاجية عالية مقارنة بمنافسيها، مما يسمح لها ببناء
مزايا تنافسية.
2- الجودة:
نتيجة
للتغيرات السريعة والتطورات المتعاقبة، زاد اهتمام المؤسسات بتلبية رغبات
المستهلكين والحرص على رضاهم إذ لم يعد السعر العامل المحرك لسلوك المستهلك، بل
أصبحت الجودة هي الاهتمام الأول له والقيمة التي يسعى للحصول عليها، هذا ما أوجب
على المؤسسات التي ترغب في البقاء في المنافسة أن تصنع منتجات ذات جودة عالية.
3- المعرفة:
تعد الأصول الفكرية ركيزة
أساسية لاستمرار نشاط المؤسسة في البيئة التنافسية المرتكزة على المعلومات
والمعرفة، فلقد زاد اهتمام تلك المؤسسات المعتمدة على الأصول الفكرية القابلة
للقياس كالمعرفة، باعتبارها شرطا أساسيا ضمن سياساتها الاستثمارية، كما أصبح قياس
القيمة الحقيقة للمعرفة أمرا ضروريا للمؤسسات ذات المعاملات الخاصة، وبراءات
الاختراع، والعلامات التجارية المتميزة..
فالمؤسسات
الناجحة هي التي تستثمر في ما تعرفه، بحيث تنقل تلك المعرفة عبر قنواتها التنظيمية
للاستفادة منها في عمليات إنتاج السلع والخدمات أو في تطوير الهياكل والوظائف
والعمليات.
ثانيا:المعرفة كمورد داخلي
استراتيجي للمؤسسة الاقتصادية
1- المعرفة كمورد استراتيجي للمؤسسة الاقتصادية
إن محاولات تفسير الميزة التنافسية للكثير من
المؤسسات بينت أن مصدرها لا يرتبط بالتموقع الجيد في مواجهة ظروف البيئة الخارجية،
بل بقدرة تلك المؤسسات على استغلال مواردها الداخلية التي تعد الكفاءات والمعرفة،
والجودة أحد عناصرها الأساسية). وبالتالي تعتبر الموارد مدخلا أساسيا
للميزة التنافسية، فهي تتضمن الأصول، والامكانات، والعمليات التنظيمية، والخصائص
المتعلقة بالمؤسسات، والمعلومات، والمعرفة، والكفاءات المحورية. كما أن مدخل
الموارد يركز على تحويل موارد المؤسسة إلى قدرات وكفاءات محورية، والتي تعد بدورها
مصدرا هاما لتحقيق الميزة التنافسية للمؤسسة.
لكي تساهم
كل الموارد في تحقيق الميزة التنافسية المستدامة يجب أن تتميز بمايلي
-
يجب أن يساهم المورد في خلق القيمة للمؤسسة،
-
يجب أن يكون المورد نادرا، أو فريدا، أو مميزا عن ما يمتلكه المنافسون الحاليون أو
المحتملون للمؤسسة؛
- يجب ألا يكون المورد
قابلا للتقليد بشكل كامل وبسهولة من قبل المؤسسات المنافسة التي لا تمتلكه؛
- عدم إمكانية استبداله
بمورد مماثل له في إطار الاستراتيجية المعتمدة من قبل المؤسسة.
يبين
كل من" tsoukas ladimirou, " أن المعرفة ذات صفة شخصية، وأن الكفاءات الفردية هي التي تحوز بشكل
دائم على المعرفة، وقدرة
تطبيقها، وترجمتها.
كما أن
اعتبار المعرفة والقدرة على التعلم، ومعالجة
المعلومات موارد تساهم في خلق القيمة لا يعد أمرا جديدا، بل إن صيانة،
واستخدام، وتطوير تلك الموارد الاستراتيجية بما يؤدي إلى
خلق ميزة تنافسية مستدامة، أصبح أحد أهم مجالات التحليل الاستراتيجي
التنافسي.
كما يؤدي تحديد
مفهوم المعرفة كمورد استراتيجي إلى التأكيد على إمكانية تسييرها،
واستعمالها، وتخزينها
بسهولة، علما أن تكنولوجيات الإعلام والاتصال ما
زالت تقدم حلولا متجددة لإشكالية تخزين ونشر المعطيات،
غيرأن
المعالجة المادية للمعرفة قد حصرتها في دائرة المعلومات المضغوطة، والمهيكلة (formatées) والمجمعة، وضمن
هذا الإطار يرى " Ruggles " أنه
يجب على المؤسسات توظيف
بشكل
مختلف الأدوات والتقنيات المساعدة على اتخاذ
القرارات كإنشاء الأنترانيت، وقاعدة معالجة المعطيات.
2- نحو تسيير استراتيجي للمعرفة بالمؤسسة
يعرف
تسيير المعرفة بأنه عملية نظامية موجهة لتبين المعرفة
التي تملكها الكفاءات
الفردية،
بحيث تفيد بقية العاملين من داخل المؤسسة الأمر الذي يفرض ضرورة وضع مسار لتسييرها، كما أنه العملية
المنهجية التي ترصد المعرفة
وتعمل على تحقيق رافعتها في المؤسسة، فهو يشير
بهذا المعنى إلى معرفة أداء الأعمال بفاعلية
وكفاءة تعجز المؤسسات المنافسة على تقليدها أو
إستنساخها لتكون مصدرا رئيسيا
للربح وللميزة التنافسية.
يعرف تسيير المعرفة بأنه" العملية المنهجية المنظمة للإستخدام الخلاق للمعرفة
وإنشائها، وهذا هو ما عبر
عنه
"نوناكا" (I.Nonaka) بحلزونية المعرفة عام 1991 ونموذج حلقة تحويل المعرفة (SECI Model ) عام 1998، وهو
التعريف الذي يمكن التركيز عليه ليس
في ما يتعلق بإستخدام
المعرفة بفاعلية، وإنما للتأكيد
على أن هدف تسيير المعرفة يتمثل
في
إنشاء المعرفة الجديدة بإعتبارها مصدرا
للميزة التنافسية، فهذا التعريف يعبر عن
المستوى الأدنى لتسيير المعرفة، كونه يعمل
على إستخدام الرصيد المعرفي (قاعدة المعرفة الصريحة) وتحقيق رافعته المتمثلة في
تعدد حالات أو مجالات إستخدام المعرفة المتاحة.
وبالتالي يعد تسيير المعرفة مدخلا لإضافة أو
إنشاء القيمة من خلال المزج أو التركيب بين عناصر المعرفة بهدف
إيجاد توليفات معرفية أفضل مما هي عليه، كالبيانات،
أو المعلومات، أو المعارف
المنفردة،
وبالتالي يعد
هذا المدخل الأقرب إلى عملية
التحسين المستمر.
إن تسيير
المعرفة عبارة عن وظيفة تسييرية تتضمن
التوجيه، والتنظيم، والتنسيق،
ومراقبة الأنشطة والإجراءات الموجهة لتوزيع، واستعمال،
وخلق، وتكوين
المعرفة ضمن حقل المؤسسة، وعليه فهو يحتاج إلى وجود
تكنولوجيا تساعد على نشر، وتخزين ، واستعمال،
وتحويل المعارف في المؤسسة وسهولة الوصول إليها عند الحاجة، معرفة مجسدة في شكل رأس مال فكري وتجربة محصلة من طرف الأفراد أو الخبراء في مجال ما، وبالتالي
على المؤسسة تثمين معارفها المتمثلة في المعلومات
والخبرات الكامنة لدى كفاءاتها ومواردها البشرية بغية تنمية الإبداع والابتكار،
لأن
المعرفة أصبحت وسيلة للتغيير والتجديد،
وللتكوين والتحفيز
الدائم والمتميز والمستمر، من أجل
تنمية روح المبادرة والتعاون بين أفراد المؤسسة بهدف تنمية كفاءاتهم بما
يحقق ميزة تنافسية
مستدامة، وبتحليلنا لهذا التعريف فإنه يمكننا استخلاص أن تسيير المعرفة:
-
لا
يختص فقط بالمعرفة الظاهرة، بل
يتعدى أيضا إلى المعرفة الضمنية، ومنه إلى الكفاءات؛
-
يعتبر
نظاما هادفا يستجيب للأهداف الاستراتيجية
لمؤسسة معينة؛
-
يعد
نظاما تسييريا يرتكز على معطيات مجسدة في شكل رأس مال فكري ذو قيمة معينة؛
-
يولد هذا النظام المعرفة الجماعية المؤثرة على الإبداع
والتجديد داخل المؤسسة.
وحسب
"J.L.
Ermime" أن تسيير المعرفة فرض نفسه
بشكل مفاجئ في واقع المؤسسة، فالمعرفة
تمثل رأس مال
فكري
ذو قيمة اقتصادية، ومصدرا استراتيجيا
لتحسين الميزة التنافسية، وعامل
لاستقرار
وبقاء المؤسسة
في مناخ يتميز بالمنافسة الشديدة، حيث يتم نقل،
ونشر، وإيصال المعلومات باستعمال التكنولوجيات الجديدة،كما أنه برنامج طويل المدى أساسه التسيير
الاستراتيجي
الذي يعمل على تقييم المعرفة المتاحة بالمؤسسة.
وبالتالي فإن تسيير المعرفة
يشجع المسيرين
إلى تحديد الأهداف الاستراتيجية ذات الصلة بالإبداع
والتجديد من أجل البقاء، والانتقال من المعرفة
الفردية المبنية علىالذكاء إلى المعرفة
الجماعية من خلال تبادل وتثمين للمعرفة
. بحيث يرى "J.L. Ermime" أن تسيير المعرفة يسمح بعملية رسملة
أو تثمين المعرفة في المؤسسة بهدف(
-
الحفاظ على المعرفة (تحصيلها،
ونمذجتها،
وتشغيلها)،
وإعادة استعمالها (الدخول إليها
ونشرها)؛
-
التكوين
الفعال للمعرفة الفردية ودمجها في
المستوى الجماعي بالتفاعل
مع شبكة العمل وإقتسام الخبرة.
3- اختلاف تسيير المعرفة عن تسيير
الموارد المادية
ويختلف تسيير المعرفة كونه تسيير غير المادي (Intangibles ) عن تسيير الموارد المادية في العديد من الجوانب
الأساسية التالية:
1- أن
المعرفة المقدمة كمعلومة عادة ما تكون أقل مما يستطيع أن يقدمه
صاحب المعرفة (الفرد أو المجموعة
أو المؤسسة)، فما يقدم هو المعلومات أو المعرفة الصريحة في حين ما يتبقى هو المعرفة الضمنية والكامنة(.
أو المؤسسة)، فما يقدم هو المعلومات أو المعرفة الصريحة في حين ما يتبقى هو المعرفة الضمنية والكامنة(.
2- أن
المعرفة بوصفها من الأصول الفكرية لا تشبه
الأصول المادية، فهي لا تستهلك عند الإستخدام، إذ تستطيع المؤسسات أن تتحصل على القيمة من
إستخدامها في العديد من العمليات وفق قانون تزايد العوائد الذي يطبق على الأصول الرقمية
والمعرفية، في مقابل قانون تناقص العوائد السائد في
الأصول المادية، إلا أن الأمر الذي يحد من قدرة تسيير
المعرفة على استدامة تحصيل تلك القيمة هو
سهولة
نقل، واستنساخ، وتقليد
المعرفة التي تقدمها المؤسسة لأول مرة.
3- أن
الاستثمار في
تسيير
الموارد المادية عادة ما يتحول إلى
أصول مادية ثابتة وملموسة تبقى داخل
المؤسسة،
بينما الاستثمار في تسيير المعرفة يتحول في العادة إلى أصول معنوية مجسدة في رأس مال فكري أو معرفي.
بينما الاستثمار في تسيير المعرفة يتحول في العادة إلى أصول معنوية مجسدة في رأس مال فكري أو معرفي.
4- عادة ما
ترتبط المعرفة بالأفراد مما يصعّب من امكانية
فصلهم عنها،
فإذا كانت المعرفة الصريحة هي ما يتم تحويله إلى قاعدة المعرفة القياسية في المؤسسة، فإن المتبقي من المعرفة الضمنية والكامنة هي ما يبقى في
علاقات وسلوكيات
وقيم
مخزنة في عقول الأفراد، والتي تظل تعمل لصالح المؤسسة
ما دام الأفراد يعملون فيها ،
5- إن
تسيير الموارد المادية تعامل
في السابق مع المعرفة كأصل ملموس وفق معيار المردود الإقتصادي غير المادي الذي
تملكه المؤسسة، الذي يقدم قيمة مادية قابلة
للقياس كما هو الحال في البراءات، والامتيازات،
والسمعة أو الشهرة، الأمر الذي يجعل من الممكن
تقدير قيمته محاسبيا. إلا أنه ومع تسيير
المعرفة فإن مفهوم المعرفة كأصل غير ملموس أصبح أوسع بكثير
من ذلك، فهي تضم أيضا الخبرات والقدرات الفكرية
للعاملين، وعلاقاتهم ضمن البيئة التنظيمية والبيئة التنافسية.
ثالثا: الخصائص الرئيسة للمؤسسة المسيرة بالمعرفة
تتميز المؤسسة المسيرة معرفيا -مقارنة بغيرها المسيرة بنظم التسيير
التقليدي- بجملة خصائص أهمها:
-
اعتماد البحث العلمي
وطرق التفكير المنظومي كأساس في التفكير والتخطيط واتخاذ القرارات من خلال التعرف
على المشكلة وتحديد أسبابها، واقتراح الحلول المناسبة لمعالجتها.في حين أنه في نظم
التسيير التقليدي غالبا ما يتم اتخاذ القرار على أساس الخبرة والرؤية الشخصية
للمدير؛
-
حرص المؤسسة على تنمية
التراكم المعرفي من المصادر الداخلية والخارجية بدل التراكم المالي والمادي؛
-
التحديث المتواصل
للمعرفة المتاحة، والاتصال الايجابي بمصادر المعرفة الأهم بالنسبة لنشاطات
المؤسسة؛
-
الاستخدام الواعي
والذكي للمعرفة المتاحة في تحديد الأهداف، وتخطيط البـرامج والتوجهات المستقبلية،
-
تصميم الأنشطة وتحديد
التقنيات المناسبة لتنفيذ المهام على جميع المستويات، ثم متابعة وتقويم الأداء؛
-
تحتل الكفاءات ذات المعرفة
النسبة الغالبة من وظائف المؤسسة بسبب تمتعها بمستويات عالية من العلم، والخبرة،
والتقنيات، والقدرة على الابتكار ، والإبداع وتوظيفهم للتقنيات من أجل حل مشكلات
العمل وتحديثه؛
العمل وتحديثه؛
-
ضمن نظام تسيير المعرفة
حيث يعد رأس المال الفكري الأصل الحقيقي والاستثمار الأفضل والاستراتيجي بالنسبة
للمؤسسة، كما أن مصدر القيمة المضافة يتمثل في الأنشطة المعرفية بعكس التسيير
التقليدي حيث تعد الأصول المالية والمادية الثروة الحقيقية للمؤسسة، وهي
الاستثمارات الأكثر جدوى كما أن مصدر القيمة المضافة يتمثل في الأنشطة التقليدية (
الانتاجية و التسويقية).
جدول رقم(01) : المقارنة بين معايير تسيير المعرفة و معايير نظم التسيير التقليدي.
المؤشر
|
التسيير قبل المعرفة
|
التسيير بالمعرفة
|
· اتخاذ القرار
|
-على أساس الخبرة والرؤية الشخصية للمدير
|
- على أساس المنهج العملي
|
· تخطيط
وتسيير العمليات
|
- على أساس
التجربة والخطأ
|
- على أساس البحث والتطوير
|
· الثروة
الحقيقية
|
- هي
الأموال وما تشتريه من أصول مادية
|
- هي رأس المال الفكري
|
· أفضل
الاستثمارات
|
- بناء
القدرات و الأصول المادية للمؤسسة
|
- بناء وتنمية القدرات والأصول
المعرفية
|
· تقويم
الأفراد
|
- على أساس المهارات
و القدرات العلمية
|
- على أساس المعرفة
|
· نجاح
المؤسسة
|
- مظهره التراكم
الرأسمالي
|
- مظهره التراكم المعرفي
|
· مصدر
السلطة
|
- الموقع التنظيمي
|
- المعرفة
|
· أصحاب
السلطة
|
- شاغلي
المناصب العليا
|
- أصحاب المعرفة
|
· أساس
التنظيم
|
- المهام،العلاقات الوظيفية،طبيعية العمليات
|
- مصادر و استخدامات
المعرفة
|
· العاملين
|
- هم ذوي القدرات و المهارات العلمية.
|
- هم من ذوي المعرفة.
|
· القيمة
المضافة
|
- مصدرها الأنشطة الإنتاجية التقليدية.
|
- مصدرها الأنشطة
المعرفية.
|
· بناء القدرات التنافسية
|
- على اساس تخفيض
التكاليف.
|
- على اساس الابتكارات
|
-
بناء القدرات التنافسية
يتم على أساس الابتكارات والاختراعات، ومنتجات البحوث والتطوير؛
-
تزايد أهمية الأنشطة
المعرفية ذات القيمة المضافة، التي تستثمر في تنمية القدرات المحورية المستثمرة؛
-
تحديد مواقع العاملين في
هيكل السلطة بالمؤسسة بناءا على ما يتمتعون به من معرفة تناسب الصلاحيات
والإمكانيات المتاحة،كما ترتبط أشكال الحوافز المختلفة بطبيعة طاقاتهم المعرفية،
بينما نجد العاملين ضمن نظم التسيير
التقليدي يستمدون مصدر سلطتهم من مناصبهم التنظيمية؛
-
تزايد فرص إنتاج وتنمية
المعرفة داخلياً، كفاءاة عمليات تبادل ، تداول المعرفة بين قطاعات ومستويات المؤسسة
المختلفة ، اختفاء أو تدني الحواجز التقليدية المانعة من التعامل بشفافية مع أشكال
المعرفة المختلفة؛
-
الحرص على نشر المعرفة
المتاحة بالمؤسسة واستثمارها واعتبارها مصدراً متميزا للقيمة المضافة.
-
الابتعاد عن أنماط
التنظيم المركزية وبناء هياكل تنظيمية تقل فيها
المستويات التنظيمية؛
-
جعل
المعرفة
مؤشر على نتائج اداء وخبرة الآخرين،
مما يشجع العاملين على اكتساب
المعرفة الجديدة وتمثيلها في بناءهم المعرفي الذاتي، حنى تنعكس على أنماط ومستويات
الأداء من أجل
التحسين والتطوير؛
-
ارتفاع معدل وسرعة
عمليات الإبداع، والابتكار، وتطوير
المنتجات، والخدمات واتجاه العاملين إلى المشاركة الفعالة
بتقديم مقترحاتهم ومبتكراتهم مما يزيد من القدرة التنافسية للمؤسسة؛
-
زيادة قدرة المؤسسة على التعامل مع المتغيرات وتحمل الصدمات وبقائها في حالة تيقظ مستمر.
رابعا: استراتيجيات تسيير
المعرفة:
إن
الاهتمام بتسيير المعرفة تركز على الاختيار الأمثل بين استراتيجية الترميز (Codification) واستراتيجية النشر(Diffusion) داخلي/خارجي في المؤسسة،
مما دفع إلى بلورة مفهوم إستراتيجية التعلم والمميزة بين:
1-
استراتيجية
استخلاص وترميز المعرفة:
وهي تخص غالبا المؤسسات التي تقوم باستخلاص
وترميزالمعرفة التي تمت تنميتها وتوزيعها بسرعة، مع وضع حواجز لتحصين معرفتها
ومنع انتشارها إلى الخارج.
2-
إستراتيجية
تبادل المعرفة مع الخارج:
تخص هذه الاستراتيجية المؤسسات
التي يتم فيها تبادل المعرفة مع الخارج دون عوائق بغية تسهيل الانتشار السريع
لسير
الإبداع والتطور التكنولوجي،
مما يجعلها منتشرة كثيرا في المؤسسات
الناشطة في القطاعات الابداعية أو الابتكاريه المتقدمة(
واعتمادا
على نموذج"نوناكا" ظهرت
اسهامات قيمة التي تربط تسيير المعرفة بسياسات
المؤسسة أهمها:
-
سياسات نمطية:
-
فالمؤسسة تحافظ، وتنشر،
وتستخدم المعرفة دون إدراك لذلك، وللمخاطر المحتملة، وبالتالي هذه
السياسة مرتبطة
بسياق الإنتاج وغير نابعة
من رغبة المسيرين في
الاهتمام
بتسيير المعرفة.
-
سياسات رسمية:
-
حيث نجد أن المسيرين يهيئون بيئة المؤسسة عبر
مجموعة من العمليات بغية تحقيق إستراتيجية تهدف
إلى تسيير الميراث المعرفي المتاح.
-
سياسات إندماجية:
-
إن ادراك المسير لأهمية المعرفة يجعله يقوم
بتسييرها بشكل فعال، هذه
السياسة تعد
الأكثر انتشارا في المؤسسات اليابانية التي كانت محل دراسات "نوناكا"، حيث لا يتوقف
تسيير المعرفة على مستوى معين بل يتعداه ليشمل تنظيم المؤسسة كدليل علىضرورة التعلم
والتحسين المستمر للمنتجات.
خامسا: خطوات تثمين وتسيير المعرفة بالمؤسسة الاقتصادية
يتطلب تسيير المعرفة كمورد استراتيجي رسم خطوات يتم من خلالها الوصول إلى
مصادر المعرفة وجمعها، ثم محاولة توظيفها وتثمينها بما يؤدي إلى حصول المؤسسة على
قيمة مضافة وميزة تنافسية، وأخيرا تقييمها ومراجعتها. ويتحقق تسيير المعرفة داخل
المؤسسة عبر خطوات ومراحل هامة هي:
1- خلق المعارف:
تتمثل
عملية خلق
المعرفة في
تبيان وكشف المعرفة التي يحتفظ بها
العاملون والتي اكتسبوها من خلال الأنشطة التي يقومون بها، لهذا يجب الاهتمام
وتشجيع الموارد البشرية من أجل خلق المعارف، بحيث يرى""Leonard Bartu, 95 أنه من
الضروري تشجيع
وتوجيه اكتساب المعرفة التي تجلب للمؤسسة ميزة تنافسية، لذا يجب
تحديد الأهداف، وتنظيمها، وانتقاء
المعرفة المنتجة والضرورية
للمؤسسة.
2- جمع وتحصيل وتخزين المعرفة:
حيث يتم استقطاب المعرفة
الموجودة خارج المؤسسة سواء عند العملاء أو الزبائن في شكل
علاقات استراتيجية
بين المؤسسة وحلفائها، أو عن طريق الإنتاج وابتكار المعرفة الجديدة من طرف الموارد البشرية والكفاءات، إذ يتطلب أن تقوم المؤسسة بالعمليات الاستثمارية في مجال الرأس المال غير مادي من خلال تنمية الكفاءات الداخلية التي تكون قادرة على انتاج المعارف وإيجاد طرق التحفيز للمحافظة على الكفاءات الاستراتيجية، وتنمية، وتشجيع النشاط التكويني، والتأهيل عن طريق نشر المعرفة. ويتم تخزينها بطريقة منظمة ومهيكلة، وبوسائل حديثة سهلة الاستعمال والاستغلال.
بين المؤسسة وحلفائها، أو عن طريق الإنتاج وابتكار المعرفة الجديدة من طرف الموارد البشرية والكفاءات، إذ يتطلب أن تقوم المؤسسة بالعمليات الاستثمارية في مجال الرأس المال غير مادي من خلال تنمية الكفاءات الداخلية التي تكون قادرة على انتاج المعارف وإيجاد طرق التحفيز للمحافظة على الكفاءات الاستراتيجية، وتنمية، وتشجيع النشاط التكويني، والتأهيل عن طريق نشر المعرفة. ويتم تخزينها بطريقة منظمة ومهيكلة، وبوسائل حديثة سهلة الاستعمال والاستغلال.
كما تتم
عملية خلق المعرفة في ذهن
الإنسان من خلال التغيير الثقافي
والاتجاه نحو تشجيع الاتصال والتبادل والتجديد والتعليم، وبالاضافة إلى التشجيع على اكتساب واستنباط أفكار جديدة وكسر العوائق
النفسية، لا بد أن يكون لدى
الفرد القدرة على التغيير،
لذا يجب تشجيع العمال على
محاولة
ابتكار أفكار جديدة مع التعلم المستمر لتحقيق التحسين المستمر في الانشطة والعمليات، والسلع والمنتوجات، كما يمكن
الاستعانة ببعض الأدوات الشكلية كنماذج
أساليب التخطيط أو الوسائل التي
تسمح تنظيم نشاط خلق المعرفة والتي من أهمها ما يلي:
- أدوات
تسمح بتحديد وتعريف المشكلة
من
خلال جمع المعطيات وتحليلها بالنظام
المعلوماتي؛
الشكل رقم (01): مسار تسيير المعرفة بالمؤسسة
- أدوات عصف الأفكار وابتكار الأفكار الجديدة
أو اللجوء إلى
الاقتراحات
الفردية، بإخراج ما هو في الذهن وتحويله إلى معرفة
أصلية، كما تقوم بتصنيف الاقتراحات،
وهيكلة المعرفة، وتثبيتها، والقيام
بتوزيعها؛
- أدوات
التبادل والاقتسام التي تسمح بنشر المعرفة المختلفة.
3- تثمين المعرفة وتقييمها:
يتمثل تثمين
في توثيق، وحفظ (تخزين)
الأنشطة المنجزة بطريقة تسمح أن تكون المعرفة متاحة
للجميع، يجدها من يريد الاطلاع عليها، ويمكن
تثمينها من خلال نشرها
واستغلالها
وإعادة إنتاجها،
وإيداع معارف
جديدة ومتطورة. إن القدرة على تثمين معارف
المؤسسة تكون من خلال عدة أساليب كبرامج المعلومات,(d’information logiciels).بينها يتمثل تقييم المعرفة في القيام
بعملية المراجعة الدائمة للمعلومات المخزنة من
أجل
تدعيمها بمعلومات جديدة أو إثرائها.
لقد تبلورت
مفاهيم تسيير المعرفة
لتشكيل
منهجية تسييرية متميزة تعتمدها كثير من
المؤسسات التي تتوفر بها ثروات
معرفية، والتي تسمح بتحقيق أهداف المؤسسة وتتمثل هذه المنهجية فيما يلي:
- الرصد
المنتظم والمستمر للرصيد المعرفي والمدخلات المعرفية المتجددة سواء من مصادر
داخلية أوخارجية؛
- تقويم مستوى
المعرفة المتاح بالمقارنة مع المؤسسات المتميزة،
والمستويات العلمية، والتقنية المتميزة؛
- حصر الفجوة المعرفية التي تفصل المؤسسة
عن المنافسين، والمؤسسات الأفضل؛
- التخطيط لتنمية الرصيد المعرفي،
وتطوير وسد الفجوة المعرفية، ومتابعة
تجديد المعرفة التنظيمية وتحديثها؛
- استثمار المعرفة المتاحة بتوظيفها في عمليات المؤسسة
ومنتجاتها، وتطوير
أساليب العمل، وأنماط التنظيم والعلاقات داخل المؤسسة
ومع أطراف المناخ التنافسي، إضافة إلى خلق ما ترشد إليه المعرفة التنظيمية المتجددة؛
- إدماج المعرفة التنظيمية في سياسات،
واستراتجيات، وخطط
المؤسسة، وتضمينها في قواعد اتخاذ القرارات؛
- الاسترشاد بالحصيلة المعرفية المتجددة،
واستثمار التفوق المعرفي في تحقيق قيمة مضافة أعلى.
خاتمة
لقد كان من
دوافع الاندماج والدخول في اقتصاد المعرفة الإدراك المتزايد للمؤسسات بان المعرفة
تعد موردا أساسيا لخلق القيمة، والتالي يجب استغلالها بشكل جيد وتسييرها استراتيجيا وبشكل واضح وفعال، إن مفهوم
المعرفة كموردا استراتيجي يؤكد على إمكانية تسييرها واستعمالها وتخزينها بسهولة،
فالمؤسسات الهادفة إلى تحقيق ميزة تنافسية لا تهمها المعرفة بحد ذاتها، بل قدرة
وإمكانية توظيفها وتسييرها استراجيا كاحد اهم الموارد
الداخلية المسؤلة في الاقتصاد الجديد عن تنمية المزية التنافسية للمؤسسة
الاقتصادية. ذلك الامر دفع بالمؤسسات الى تبني مجموعة من الأدوات والاستراتيجيات والنماذج
التي تختص بتسيير المعرفة، بحيث أصبحت تشكل مرحلة جديدة في التحول الضروري
للمؤسسات في مواجهة محيط تنافسي يتسم بالإبداع والجودة والتطوير، وهي
جملة عناصر تأتي ضمن ضروريات التنافسية وتعكس المعرفة والكفاءة التي يصعب نقلها أو
الحصول عليها، إذ تعتبر عامل تميز
ومتغيرا اساسي ضمن استراتيجية المؤسسة.
بارك الله فيكم
RépondreSupprimer