الجــريمــة المنظمــة
إن التطور التكنولوجي و التقني في مختلف المجالات و نمو التجارة الدولية و نمو الاقتصاد الدولي و توسيع مناطق التبادل الحر، و فتح الأسواق العالمية أمام التجارة، و كذلك ظهور العولمة التي جعلت العالم كالقرية الكبيرة تتفاعل فيه جميع المكونات من أشخاص القانون الدولي، و التي ساهمت في إزالة الحدود بين الدول، فهذه الظاهرة أدت إلى عولمة الاقتصاد و عولمة الثقافة ، و كذلك نتج عنها عولمة الجريمة، بحيث انطلقت من النطاق الداخلي للدولة إلى النطاق الدولي و لذلك أطلق على هذا النوع من الجريمة مصطلح الجريمة المنظمة العابرة للحدود أو الجريمة المنظمة عبر الدول، و قد أدى هذا إلى ظهور منظمات إجرامية خطيرة تعمل على المستوى الدولي من خلال الاعتماد على إستراتيجية معينة، و هي إستراتيجية التحالفات بين المنظمات الإجرامية الوطنية بهدف فرض هيمنتها و كذلك السيطرة على الدول مما جعل الجريمة المنظمة من أكبر التحديات التي تواجه الدول بدون تمييز بين الدول المتقدمة و الدول المتخلفة.
الجريمة المنظمة - الاتحادات الإجرامية أو " التنظيمات الإجرامية كما هي كلها تسميات لظاهرة واحدة و مهما كانت التسمية فالمسمى واحد والنتيجة أيضا واحدة اقتصاد متدهور مشوه ، مجتمع منحل، فساد إداري، سمعة البلد الذي يعاني من هذه الآفة سيئة ،إلى درجة يمكن القول معها إن الدولة تواجه خطرا محققا يعصف بسيادتها وقد يتعدى إلى كيانها أيضا.
إن الجريمة المنظمة مثلما أشرنا لم تعد محلية فقط حيث هناك الجريمة المنظمة المحدودة التي تحدث على الصعيد الوطني أو الإقليمي المحدود ، والجريمة المنظمة غير المحدودة أي العالمية التي تتجاوز الحدود الوطنية والإقليمية ، لتشمل الفضاء العالمي ، ولذلك يسميها بعض علماء الإجرام الجريمة المنظمة عبر الوطنية أو العابرة للحدود والأوطان.
تشمل الجريمة المنظمة مجالات عديدة لا يمكن حصرها منها على سبيل المثال المتاجرة في السلاح ، المتاجرة في المخدرات ، المتاجرة في الرقيق الأبيض ، المتاجرة في الأطفال ، المتاجرة في التحف والآثار ، المتاجرة في الممتلكات الثقافية والفكرية ، تهريب المهاجرين ، رمي النفايات النووية في الدول النامية، تبييض الأموال ، تزوير العملة ،استغلال ظاهرة الهجرة غير الشرعية ، سرقة السيارات ، تزوير بطاقات الائتمان ، وجرائم الإعلام الآلي .
ومع تنامي أنواع و معدلات الجريمة المنظمة خاصة في ظل عصر العولمة أصبح المجتمع الدولي, يشعر بوجوب تعاون الدول على محاربة الجريمة المنظمة, وهذا بعدما تعددت العصابات, وتوسع نشاطها الغير مشروع, نتيجة تطور وسائل النقل والاتصال, مما سمح للمنظمات الإجرامية استغلالها بالشكل الأوسع (وبعض التقديرات تشير إلى أنّ التجارة العالمية في المخدرات أهم من التجارة العالمية في النفط إذ قد تصل إلى 500 بليون دولار في السنة) ، وأصبح يستحيل على أية دولة التصدي بمفردها لهجماتها الشرسة, مما قاد إلى وجوب التعاون الدولي في هذا المجال, والوقوف أمام خطر المنظمات التي تمارس الجريمة المنظمة، و ذلك نظرا لمخلفاتها السلبية وتأثيرها على مختلف المجالات خاصة منها الاقتصادية والأمنية ومساسها بسلم القيم الاجتماعية و البحث عن وسائل أخرى للقضاء على تداعياتها ومخلفاتها .
تعريف الجريمة المنظمة:
أهم تعريف ما أقرته اتفاقية الأمم المتحدة :
يقصد بتعبير جماعة إجرامية منظمة : جماعة ذات هيكل تنظيمي ، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى .
التعاون الدولي لمواجهة الجريمة المنظمة:
معالجة الجريمة المنظمة ليست وليدة اليوم و على سبيل الذكر لا الحصر نذكر مايلي :
- الاتفاقية الدولية لمكافحة التزوير عام 1929 يمكنك زيارة الرابط
- اتفاقية اليونسكو التجارة غير المشروعة أو سرقة الأعمال الثقافية عام 1970.( http://vb.arabsgate.com/showthread.php?t=484951&page=2
- مؤتمر المخدرات وتبيض الأموال تم عقده في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1987 في ميامي ، حيث دارت اعمله حول قضيتي غسيل الأموال على أساس أنها قضية عالمية وقضية العالم المصرفي.
- اتفاقية حماية المواد النووية عام 1980.
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار المخدرات والمؤثرات العقلية 1988 .
- توصيات بازل لسنة 1988، والصادر عن ما عرف عن مجموعة العشرة (10) وهي البنوك المركزية وبعض المؤسسات المالية، التي اجتمعت في بازل في سويسرا عام 1988 وتضمنت هذه التوصيات العديد من المبادئ التي يتعين على المصرفيين إتباعها لكي يتم السيطرة على ظاهرة غسيل الأموال بل ومنع استخدام البنوك كوسيلة لتستهل إخفاء أو تنظيف الأموال.
- في سنة 1989؛ قررت مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) والتي أصبحت فيما بعد تعرف بمجموعة الثماني بعد انضمام روسيا لها (G8)؛ تشكيل هيئة لمكافحة تبييض الأموال الذي بات يهدد اقتصادياتها، فتأسست مجموعة العمل المالي الدولية لمكافحة تبييض الأموال أو ما يعرف بالفرنسية (GAFI) .
- المؤتمر الوزاري العالمي لمكافحة الجريمة المنظمة: والذي انعقد في سنة 1994 بنابولي الايطالية ودعي إلى ضرورة وضع خطة لمنع عمليات تبيض الأموال واستخدامها في عمليات إجرامية غير مشروعة إلى جانب إلزام الدول إلى ضرورة القيام بإجراءات تشريعية لمصادرة العائدات غير المشروعة إضافة إلى اتخاذ إجراءات الحد من السرية المصرفية من اجل فرض رقابة ناجعة على الأموال غير المشروعة أو المشكوك فيها .
- المؤتمر الدولي التاسع لمنع الجريمة عقد في القاهرة المصرية سنة 1995 وكان جدول أعمالها الأهم دراسة مجال محاربة الجريمة المنظمة في إطار جريمة غسيل الأموال
- الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ،الموقعة في القاهرة في ابريل 1998.
- الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب في ديسمبر 1999 .
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة :أعلنت الهيئة الأممية رسميا الحرب على أقطاب الجريمة المنظمة في العالم أثناء مؤتمر باليرمو ايطاليا في ديسمبر 2000 ، والذي استهدف الاتجار في المخدرات والسلاح على مستوى العالمي وعمليات الاتجار في البشر والتي تعد إحدى أسرع أنشطة المافيا الدولية نموا ، ويبرز عزم الأمم المتحدة على مكافحة الجريمة المنظمة من خلال الحضور المكثف لرؤساء الدول والحكومات لهذا المؤتمر الأممي وإبداء رغبتهم في تحقيق التنسيق بين مختلف أجهزة مكافحة الجريمة المنظمة والتصدي لعمليات غسيل الأموال وتسليم المطلوبين للعدالة وكذا إحداث تغيير حقيقي يقوض قدرة المجرمين الدوليين ويشل نشاطهم .
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003.
- المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الأنتربول)
أنشئت منظمة الشرطة الجنائية الدولية ( الأنتربول) ، عام 1923 ومقرها مدينة ليون بفرنسا ، ولهذه المنظمة مكاتب وفروع في كل دولة من الدول الأعضاء وتتألف من 188 دولة عضو سنة 1988، للانضمام إلى منظمة الأنتربول نصت المادة الرابعة من ميثاقها أن العضوية مفتوحة لجميع الدول.
أهداف منظمة الأنتربول:
نصت المادة الثانية من القانون الأساسي للمنظمة على تأمين و تنمية التعاضد على أوسع نطاق بين كافة سلطات الشرطة الجنائية في إطار الأنظمة القائمة في مختلف الدول و البيان العالمي لحقوق الإنسان ، كما تهدف المنظمة إلى إنشاء و تنمية كافة المؤسسات القادرة على المساهمة الفاعلة في الوقاية من جرائم القانون العام .
و قد أوضحت المادة الثالثة من القانون الأساسي أنها تحظر على المنظمة أي نشاط يتعلق بالقضايا ذات الطابع السياسي أو العسكري أو الديني أو العنصري.
و من أهم الجرائم التي تعنى بها المنظمة جرائم الإرهاب و جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات ، الاغتيالات ، تهريب البضائع ، السرقة ، الاتجار في الرقيق ، سرقة الأعمال الفنية و الأثرية ، التزييف و الجرائم المالية ، و تتمثل المهام الرئيسية للمنظمة في هذا المجال في جمع المعلومات و البيانات عن الجريمة و المجرمين في مختلف الدول و التعاون مع الأجهزة الأمنية في مختلف البلدان لتعقب المجرمين الفارين و القبض عليهم سواء كانت الجرائم داخل إقليم دولة واحدة أو عابرة للحدود في إحدى مراحلها كالتخطيط أو التحريض أو هروب الجناة من دولة إلى أخرى.
الآليات المستعملة من طرف الأنتربول لمكافحة الجريمة المنظمة:
1- منظــومــة اتصـالات الأنتــربول العــالميــة:
مع الضعف المتزايد لمعنى الحدود الوطنية بالنسبة للمجرمين تزايدت أهمية الاتصالات الشرطية الفعالة عبر الحدود أكثر من أي وقت مضى و تتمثل إحدى مهام الأنتربول الأساسية في تمكين أجهزة الشرطة في العالم من تبادل المعلومات بشكل مأمون و فعال ، و قد طور الأنتربول منظومة الاتصالات الشرطية العالمية " 7/24-i " لوصل أجهزة إنفاذ القانون في البلدان الأعضاء ، الأمر الذي يتيح للمستخدمين المرخص لهم تبادل البيانات الشرطية الهامة فيما بينهم و الوصول إلى قواعد بيانات المنظمة و خدماتها على مدار الساعة ، تتضمن معلومات عن المجرمين ووثائق السفر و المركبات المسروقة و البصمات و الأعمال الفنية المسروقة ...الخ.
و قد أصبحت كندا بتاريخ 20 جانفي 2003 أول بلد يتم وصله بهذه المنظومة ، والى حد الآن تم وصل جميع البلدان الأعضاء .
2- النشـــرات
تتمثل إحدى المهام الأساسية للانتربول في مساعدة أجهزة الشرطة في بلدانه الأعضاء أل 186 على تبادل المعلومات الهامة المتعلقة بالإجرام المنظم باستخدام منظومة نشرات الأنتربول الدولية ، والمعلومات المتبادلة تخص أشخاصا مطلوبين لارتكابهم جرائم خطرة كما تخص المفقودين و الجثث التي يراد تبيينها و التهديدات المحتملة و الأساليب الجريمة ، وتنقسم النشرات إلى أنواع :
- 1النشرة الحمراء : لطلب توقيف شخص يجري البحث عنه أو احتجازه بشكل مؤقت تمهيدا لتسليمه استنادا إلى مذكرة توقيف .
- 2النشرة الزرقاء : لجمع معلومات إضافية عن هوية شخص أو نشاطاته غير المشروعة في سياق قضية جنائية .
- 3النشرة الخضراء : للتزويد بالتحذيرات بشأن أشخاص ارتكبوا جرائم جنائية و يرجح ارتكابهم جرائم مماثلة في بلدان أخرى .
- 4النشرة الصفراء : للمساعدة على تحديد مكان أشخاص مفقودين لاسيما القاصرين أو على تبيين هوية أشخاص عاجزين عن التعريف بأنفسهم .
- 5النشرة السوداء : للحصول على معلومات عن جثث مجهولة الهوية .
- 6النشرة الخاصة للانتربول : لتنبيه الشرطة إلى مجموعات وأشخاص خاضعين إلى الجزاءات التي تفرضها الأمم المتحدة على تنظيم القاعدة .
- 7النشرة البرتقالية : لتحذير الشرطة و الهيئات العامة و المنظمات الدولية من مواد خطرة أو أحداث أو أعمال إجرامية يمكن أن تمثل خطرا على الجمهور .
و تتضمن النشرات نوعين رئيسيين من المعلومات :
· تفاصيل الهوية الكاملة و الأوصاف البدنية و الصورة ، وبصمة الأصابع و المهنة
· معلومات قضائية مثل التهمة الموجهة للشخص و القانون الذي ذكرت فيه التهمة .
و تنشر هذه النشرات في المنظومة الخاصة بها ، ويمكن نشرها في الموقع العام للانتربول للحصول على معلومات حول الشخص من طرف الجمهور .
و نجد انه في عام 2006 أصدرت المنظمة حوالي 4556 نشرة و هو ما يمثل زيادة بنسبة 60 بالمائة تقريبا مقارنة بعام 2005 ، الشيء الذي يدل على تزايد حجم الإجرام المنظم في المجتمع الدولي .
خـــاتمـــة :
إن دراسة الجريمة المنظمة أصبح من المواضيع التي يعطى لها اهتمام بالغ بالنظر للخطورة التي تشكلها على مستقبل الشعوب زيادة على تطور أساليبه بالنظر إلى تطور وسائل الاتصال والمواصلات وزيادة في حجم حركة السلع و الأموال إلى جانب توسع التنظيمات الإجرامية ليشمل جماعات لا يقتصر نشاطها على المستوى الإقليمي فقط و إنما يمتد إلى الحدود الدولية .
وفي خضم انشغال العالم بترسيخ دعائم النظام العالمي الجديد وفرضه لقواعد ومصطلحات مستحدثة مثل العالمية وما تبعها بالضرورة من إقرار قواعد سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف جميعا إلى ترسيخ حرية الانتقال الإفراد والسلع ، لم يعر العالم الاهتمام الكافي إلى احتمالية أن يكون هو الضحية الأولى لتلك القواعد فقد استغلت الجماعات الإجرامية الجريمة المنظمة وبمعنى أدق أساءت استغلال الأجواء العالمية الجديدة من اجل توسيع أعمالها غير مشروعة حتى صارت الجريمة المنظمة تهدد استقرار المجتمع الدولي كافة بالنظر لتشعبها وتعددها وامتدادها عبر الحدود الوطنية .
لذلك اجتمعت كل الجهود الوطنية والدولية ومن اجل إقرار أساليب متعددة قد يكون لها الدور الريادي في مجال مكافحة هذا السرطان الجديد ، وان تعدت على كل المستويات الداخلية الوطنية عن طريق القيام بسن التشريعات والنصوص القانونية المجرمة لكل أشكال الجريمة المنظمة إلى جانب المضي قدما إلى تفعيل الاتفاقيات العالمية بما يتفق والتزامات الدول الدولية من خلال تكثيف الجهود للقضاء على الجريمة المنظمة إلى غير ذلك من الأدوات القانونية ، في إطار لعب المنظمات الدولية أو الإقليمية أو المؤتمرات الدور الإضافي في السعي للقضاء على الظاهرة ، إلا أننا في هذا الصدد نميز العديد من الملاحظات بالنظر إلى قصور أو نقص التشريعات أو بطء في مسالة التعاون الدولي وتعقيدات إجراءاته.
وفي الأخير نجد أن الجريمة المنظمة هي اليوم من بين التحديات التي تواجه المجتمع الدولي وتهدد بطغيان عالم موازي تجد فيه المنظمات الإجرامية الدولية مرتعا لممارسة نشاطاتها غير مشروعة على نطاق واسع بهدف جني أموال طائلة ، وبتالي فهي تهدد الاقتصاديات الوطنية والاقتصاد العالمي بالانهيار وكذا الأمن والسلم العالميين ، وهي الحقيقة التي تجعل من المختصين في هذا المجال يقولون بان الصراع ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود هي رهان القرن الجديد.
دعوة خير لصاحبكم
جزاكم لله خيرا
RépondreSupprimerشكرا
RépondreSupprimer