الهجــــرة الســـــــــرية
الهجرة السرية ، قوارب الموت ، الهجرة غير الشرعية ، كلها تسميات لظاهرة باتت مستفحلة لدى شريحة كبيرة ، إن لم نقل السواد الأعظم ، خاصة بدول الجنوب ، شباب في مقتبل عمرهم يهجرون أهلهم و ذويهم ، يبيعون ممتلكاتهم من أجل تحقيق حلم و هدف واحد الضفة الأخرى ، و غالبا ما تكون نتيجته تحطمه على صخرة الساحل لدول الشمال ، لتضع تلك القوارب نهاية مأساوية لحياتهم ، و في أحسن الحالات الوقوع في يد حراس السواحل و ما يتبعه بعد ذلك ، ناهيك عن الذين فضلوا الموت على العودة إلى جحيم بلدانهم ، دون أن ننسى أنه تحت هذه الظروف كلها و العلم بمخاطر هذه التجربة و نتائجها المختلفة ، من موت ، سجن ، مافيا التنصير ، شبكات الدعارة و المتاجرة بالأعضاء ، المخدرات و حتى استغلالهم في ظل ظروفهم غير القانونية و غياب حقوقهم المدنية ، يتناسى المقبلين عليها مشاعر الألم و الاغتراب و فراق الأهل و الوطن ، و لمن تكتب لهم النجاة من الغرق في مقبرة البحر المتوسط و يصلون سالمين لا غانمين إلى شواطئ أوربا يهرعون إلى حرق أوراق الهوية أملا في اكتساب هوية جديدة وطن جديد ( ألهذه الدرجة أصبحت أوطانهم جحيم ) ، و أيضا صعوبة في المواءمة بين الحفاظ على النقاء العرقي والثقافي والحضاري مع ثقافة و حضارة البلدان المستقبلة لهذه الفئة .
إن حجم الظاهرة تبرزه بشكل واضح وسائل الإعلام التي نالت حظها منها سواء المقروءة أو المرئية ، فقد وجدتها مادة إعلامية دسمة ، و لم تعد هناك أخبار تخلو منها فتارة هلاك العشرات و تارة أخرى اعتقال المئات تضم فئات و شرائح مختلفة شباب أطفال نساء و حتى الشيوخ ، أطباء و محامين و تارة أخرى عدد المفقدين غير معروف ممن حاولوا المرور للضفة الأخرى .
إن هذه الظاهرة اليوم و شدة استفحالها و انتشارها ، أصبح لها فنون يسهر على تنفيذها أناس مختصين يعملون في إطار مافيات كبيرة ، و التي تسعى في الغالب للمال ، حيث لم يعد الأسلوب المعتمد قوارب الموت فقط ، بل هنـاك عقــود العمــل المـــزورة ، الــزواج الأبيـــض ، الاختبـــاء في الحــافلات و السيارات مثلما يحدث في المغرب ، فضلا عن السفر القانوني من اجل السياحة ، العمل أو المشاركة في النشاطات الرياضية بدون رجعة ، و ما زاد من درجة استفحال الظاهرة أيضا جدلية الرفض القانوني والطلب الاقتصادي التي أدت إلى ظهور شبكات تنظيم وتوظيف هذه الهجرة عبر مناطق مرور المهاجرين السريين مقابل مبالغ مالية باهظة وهو ما يعرف بالتجارة بالأوهام ، كما يتم أيضا استغلال اللجوء على نطــاق واســع منذ التسعينـــات لتبــرير ظــاهرة الهجــرة السرية وحتى تلك القانونية في إطار زخم ثقافة حقوق الإنسان حتى أصبح هذا الثنائي يقترن في جدلية اللاجئين ومبدأ الإنسانية لفرض حمايتهم من منظور القانون الدولي .
لم تعد ظاهرة الهجرة السرية تقتصر على الدخول بشتى الطرق الملتوية إلى التراب الوطني من طرف الأجانب الوافدين من اتجاهات متعددة كما سبقت الإشارة إليه بخصوص تعدد أروقة الدخول وإنما أصبحت هذه الظاهرة توظف وتستغل في ميادين مختلفة وعلى مستويات متباينة من قبل المهاجرين السريين أنفسهم وكذلك من طرف شبكة التهريب بأنواعه نظرا لما يدره هذا النشاط من أرباح خيالية وفي زمن قصير وبتكاليف جد محدودة :
أ- على المستوى الوطني وفي ميدان الجريمة المنظمة يتم توظيف الظاهرة في المجالات التالية:
- التهريب بجميع أنواعه ( تهريب المواد الاستهلاكية، الأدوية، الوقود، الحيوانات، العملات الصعبة).
- التزوير بكل أنواعه (تزوير العملات خاصة العملة الوطنية، الأوراق الإدارية: شهادة الميلاد، الجنسية، بطاقة التعريف، جواز السفر).
-المتاجر ة بالمخدرات والمشروبات الكحولية، والفاحشة.
-تنظيم شبكات تهريب الأشخاص وتلك تجارة مربحة لارتباطها بالهدف المنشود لدى المهاجرين السريين الذين يدفعون في سبيله الغالي والنفيس بما في ذلك حياتهم.
-الإرهاب: يستخدم الإرهاب الهجرة السرية لتحقيق الأغراض التالية من خلال ابتزاز جماعات المهاجرين السريين الذين هم في ظروف التيه خاصة على مستوى الحدود الشرقية والشمالية الشرقية:
التجنيد. /الاستعلام.،.تأسيس معسكرات التدريب.
فبعد أن كانت الهجرة وسيلة لتلاقي الحضارات و الثقافات ، و امتزاجها لتكوين حضارة إنسانية ، و بعد إرساء المواثيق الدولية للهجرة الشرعية التي كانت في مضمونها تدعوا لاحترام حقوق الإنسان الأساسية و ضمان لكرامته التي تجسدت في عدة مناسبات ، هاهي اليوم دول العالم أمام معضلة جديدة متمثلة في الهجرة السرية ، و التي تعتبر تحديا جديدا للمجتمع الدولي خصوصا مع تعاظم الشبكات المختصة في هذا العمل ، فهي حاليا تصنف في المرتبة الثالثة تبعا لخطورتها الإجرامية بعد المتاجرة بالمخدرات و الأسلحة ، كما أنها تعتبر عاملا مهددا للأمن القومي ، نتيجة تطور الإجرام العابر للقارات ، و جرائم الإرهاب ، و المتاجرة بالرقيق الأبيض و تنامي شبكات الدعارة ، فهي حسب القانون جريمة يعاقب عليها القانون ، و يخول المشرع في جل الدول خاصة الأوربية للمؤسسات المختصة الصلاحيات الواسعة لمحاربة الظاهرة بكل الوسائل المتاحة .
و حتى يكون الطرح موضوعي فيجب النظر و البحث فيه من عدة جوانب و التي نختصرها بالأسئلة التالية :
ماهية الهجرة غير الشرعية ؟ ماهي أسباب الظاهرة و انتشارها ؟ كيف ترى كل من الدول المصدرة للظاهرة و الدول الجاذبة لها ؟ و أيهم يتحمل المسؤولية تجاه الظاهرة ؟ ماهي الإجراءات المتخذة في ذلك ؟ و ما هي أهم المقترحات للتصدي لهذه الظاهرة ؟
هل صدقت مقولة بن خلدون عندما أقر بان المغلوب دائما مولع بالإقتداء بالغالب في كل شيء ؟
لقد تعددت النظريات و الآراء و الزوايا التي تناولت الظاهرة ، فهناك من يعتبرها امتداد لظواهر كانت موجودة أصلا مثل تجارة المخدرات و تجارة الأعضاء و الرقيق الأبيض و شبكات الدعارة و ما إلى ذلك من الأنشطة غير القانونية التي تتم عن طريق تنظيم دولي مدروس بدقة متناهية و التي مازلت لحد اليوم منتشرة بوتيرة متزايدة ، ما الهجرة السرية إلا معطى جديد يضاف لهذه المجموعة كشكل و نوع جديد من التجارة غير الشرعية .
و هناك من يرى أن العولمة و مفاهيمها هي التي أفرزت هذه الظاهرة ، فالانفتاح الذي يشهده العالم هو السبب الرئيسي و خاصة مع تطور وسائل الإعلام و انتشارها بشكل رهيب و التي تعتبر أداة هامة في تكوين الرأي العام و بلورة ثقافة تكون في مجملها منصهرة مع بعضها .
و هناك من يرى أن الظاهرة بقدر ما هي متعلقة بشخصية الأفراد أساسا ، فهي تخضع لآليتين مسببتان لهاته الظاهرة ، و التي تعتبر أهم تحليل معتمد ، حيث تنطلق من إن هناك عوامل طرد و عوامل جذب هي التي تحدد و تفسر الظاهرة ، مع الإشارة أن الهجرة السرية في اغلبها تتم بصورة عمودية من الجنوب إلى الشمال أكثر منها في الاتجاهات الأخرى .
فأما بالنسبة لعوامل الطرد فهي في الأساس متعلقة بالدول المصدرة للظاهرة و ظروفها ( دول الجنوب ) و التي يمكن ذكر بعض منها على سبيل الإشارة لا الحصر:
- ارتفاع معدل النمو السكاني في دول الجنوب، مع غياب برامج تنموية ناجحة، و الذي بدوره ساهم في ارتفاع معدلات البطالة، و تدني فرص العمل و انخفاض معدل الأجور.
- البطالة و التهميش ، التوزيع غير العادل للثروات ، الرشوة ، الفساد الإداري ، البيروقراطية كلها عوامل تؤدي إلى فقدان الاعتزاز بالانتماء .
- سلطة بعيدة عن الشعب و ضعف التأطير الثقافي و السياسي و غياب دور هيئات المجتمع المدني .
- تغير المفاهيم و المصطلحات ، فالعلاقات الاجتماعية اليوم أصبحت ترتبط بثلاث نقاط أساسية مال ، منصب و مصلحة أي سيطرة النزعة المادية كنتيجة لمفهوم العولمة و اقتصاد السوق .
- العولمة و فلسفتها في القضاء على الهوية الوطنية بالبلدان و محاولة جعل العالم يسير وفق الانتماء للوطن ، و غياب الأمن و الأمان و التضامن الاجتماعي .
- تشتت المجتمع في ظل تنامي و تفشي الظواهر السلبية و الآفات الاجتماعية و انحراف أخلاقي كانتشار الإجرام و المخدرات و كذا صعوبة تحقيق الذات و الوجود .
- كما لا ننسى دور الموقع فهو عنصر محفز لاستفحال الظاهرة فالجزائر مثلا تعتبر بلد عبور إلى معظم دول أوربا و أيضا المغرب بالتوجه نحو اسبانيا .
- ناهيك عن بائعي الأوهام على الضفة الأخرى، و المتمثلين في شبكات التهريب و ازدياد عددها، و التي في الغالب تهدف للحصول على المال دون أدنى وعي بما يفعلونه و النتائج المترتبة عن ذلك .
- غياب التوازن الاقتصادي على المستوى الدولي، و بطريقة آلية الدول الغنية تصبح أقطاب جاذبة للهجرة بكل أنواعها و الدول الفقيرة تصبح دول مصدرة و طاردة لها .
إن هذه الظروف و غيرها كثيرة تهيأ الفرد نفسيا للهجرة السرية لان ظروف الطرد متوفرة ، أما فيما يخص عوامل الجذب بالنسبة لدول الشمال فهي بلا شك متعددة و كون أن أسباب الطرد بشكل غير مباشر هي نفسها عوامل الجذب مع إضافة فقط نقاط مهمة نوجزها فيمايلي :
- الحقيقة الواضحة التي لا ينكرها أحد شساعة المسافة بين الجنوب و الشمال من حيث الاقتصاد و غنى الشمال وفرق الجنوب و المسافة تقاس بالسنوات الضوئية للتعبير عن ذلك .
- دور وسائل الإعلام و الترويج للثقافة الغربية و ثقافة التحرر .
- عامل الشيخوخة الذي يزحف نحو دول الشمال .
- الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الأمني مقارنة بدول الجنوب .
- العولمة و سياسة إزالة الحدود و الحواجز بين البلدان .
-
عن الأكيد أن الأسباب تتعدد ، لكن الثابت أن الهدف واحد ، الوصول للضفة الأخرى و كسياسة احتياطية لدول الشمال فقد انتهجت سبل و إجراءات عديدة للحد من الظاهرة منها ما يعرف بتطبيق سياسة الستار الحديدي ، و بالرغم من الأموال التي تصرف في إطار تقويمها و تدعيمها فإن سيولة الهجرة السرية مستمرة في التدفق نحو الشمال ، و مافياتها مستمرة في ابتداع الطرق الكفيلة بتخطي كل السياسات المتبعة ، فتجارة الأجساد تجارة باقية و لن تبور طالما الدوافع باقية في الجنوب و الشمال ، وهذا ما جعل الساسة الأوربيين ينتبهون مؤخرا لضرورة انتهاج أسلوب مختلف فالتعامل مع الظاهرة أسلوب يقوم على المفارقة الشاسعة بين الخطاب و الممارسة .
فدول الشمال التي لا تتردد في التغني باحترام حقوق الإنسان و ضرورة تكريسها واقعيا و كونيا ، هي ذاتها التي تجهز على الحق في التنقل الذي تنادي به المواثيق الدولية و هي التي تنتهك الحقوق المدنية الاجتماعية و السياسية للمهاجرين السريين و الشرعيين المتواجدين بأراضيها ، وهي التي تجعلهم في أسفل طبقات المجتمع ، بامتهان كرامتهم و تمريغها و حل التمييز العنصري محل كل القيم الإنسانية ، هناك تناقض واضح في الخطاب المشبع بثقافة حقوق الإنسان و هناك التوجه العام نحو حل معضلة المهاجرين و تمكينهم من شروط العيش و العمل الكريم ، و هناك الاستثمار السياسي لورقة الهجرة السرية في كل حدث عن الشراكة الأورو متوسطية ، و في المقابل كل هذا هناك ممارسات لا إنسانية التي لا تخفى على احد . إن الهجرة السرية كانت ولازالت تستخدم من قبل الدول الغريب ومن منظور جيوسياسي ويتجلى ذلك في الاستغلال القذر لهذه الظاهرة من طرف صانعي القرار هناك
فالسياسة الأوربية و ازدواجية الخطاب تنفضح حيال الظاهرة باللجوء غير المبرر لخدمات الأجهزة الأمنية و تعزيز و تقوية سياسة الستار الحديد لمجابهة الجنوبيين على أراضييها ، كإسبانيا التي حصنت مضيق جبل طارق باستعمال أكثر التكنولوجيا تقدما ، من رادارات حرارية ، و أجهزة ليلية تعمل بالأشعة فوق الحمراء ، كما تم وضع شروط تعجيزية للتنقل بين الدول الأوربية خصوصا بعد إصدار تأشيرة شنغن التي تسمح بالتنقل داخل الإتحاد الأوربي ، ناهيك عن المساعدات المالية المقدمة بشرط استثمارها في تدعيم نشاطات المراقبة لمنافذ الهجرة ، كذلك استثمار الآلة الإعلامية كلما تعلق الأمر بتدفق جديد للمهاجرين السريين ، أو كلما حان موعد انتخابي مادامت الهجرة ورقة رابحة على المستوى السياسي داخليا و خارجيا .
و الأكيد أن دول الشمال سياستها تتجه نحو تشجيع الكوادر و الأدمغة و الكفاءات و توفير كل التبسيطات اللازمة لذلك ، و استخدام دول الشمال لمصطلح الهجرة الانتقائية وهو ما أصبح يعرف اليوم بقوانين الصفوة التي يفرضها توسيع مجال المنافسة مع دول العالم الأول الاستحواذ على الثروات البشرية النوعية.فالولايات المتحدة الأمريكية وحدها تستقطب حاليا 54 % من العمال ذوي الكفاءات العالية في حين تستقطب أوربا 80 % من العمالة البسيطة عالميا و التي تتمثل في الغالب استنزاف مستمر للموارد البشرية لدول الجنوب لمصلحة دول الشمال ، و الذي يعني ذلك مزيدا من التقدم و الرقي لأوربا و تدني اقتصادي و اجتماعي و ثقافي لدول الجنوب إن النتائج المترتبة عن صيغة هجرة الأدمغة أو الهجرة الانتقائية لهي أخطر بكثير مما يترتب عن ظاهرة الهجرة السرية من تداعيات وانعكاسات بالنسبة للدول النامية ، مع ممارسة الضغوط عليها عند الحديث عن الهجرة السرية ، كارتفاع نسبة النساء المهاجرات وارتفاع نسبة التجنس و ارتفاع نسبة الأطفال في المؤسسات التعليمية و الصخب الإعلامي حول الدين و الخمار و ما إلى ذلك من عناصر التمييز ، من ناحية أخرى فان فئة الأشخاص الذين هاجروا وطلبوا حق اللجوء السياسي في بلد الاستقبال يتم استخدامهم كورقة ضغط سياسي كلما دعت الضرورة إلى ذلك اتجاه بلدانهم الأصلية حيث تسخر لهم المنابر الإعلامية هناك في إطار حرية الإعلام والتعبير وحقوق الإنسان وضرورة ممارسة الديمقراطية، هذا الزخم كله لا يعدو كونه وسيلة للمناورة السياسية لفرض توجه معين يسمح بالتحكم في توجيه سياسة هذا البلد في إحدى مناطق النفوذ الإستراتيجية بالنسبة لدول الاستقبال التي أوت أولئك الأشخاص أو الجماعات التي كانت بالأمس القريب مجرد مهاجرين سريين فقط.
و هنا يمكننا أن نطرح السؤال التالي : هل أصبح هناك تقسيم جديد للبشر بصنف قابل للهرة و صنف ممنوع ؟ و هل الحل الأمني كفيل بمعالجة الظاهرة و القضاء عليها ؟
إن ظاهرة الهجرة السرية ظاهرة عالمية و التحدي المطروح لا يكمن في محاولة وقف الهجرة السرية ، بل في حسن إدارتها و بتعاون كل الأطراف المعنية ، و ذلك باعتماد مقاربة مندمجة و شمولية تساهم فيها جميع الإطراف المعنية بالموضوع ، كما تستلزم رؤية نوعية تستحضر مبادئ و قيم الحوار و التعاون المشترك في إطار حوار حضاري لشعوب الضفتين .
و هذا ما حاولت وثيقة لاهاي حول الهجرة السرية المطروحة هذه السنة 2010 توضيحه فالإضافة لتطرقها لعدة جوانب ذات صلة بالموضوع نلخصها كمايلي :
1- السياسة الأوربية إزاء الهجرة السرية بين المعالجتين الأمنية و التنموية .
2- أسباب الهجرة السرية من الضفة الجنوبية إلى الضفة الشمالية للمتوسط .
3- الهجرة السرية و منظمات حقوق الإنسان .
4- دور منظمات المهاجرين في محاربة الهجرة السرية و المنظمات غير الحكومية في عمليات التوعية و التحسيس .
5- الهجرة في وسائل الإعلام العربية و الغربية .
و كأهم ما يهمنا جملة التوصيات و الاقتراحات التي تم تقديمها :
*- إن سياسة تشييد الأسوار حول الحدود الدولية و تكثيف دوريات الحراسة على السواحل الأوربية و تحويل الدول الأوربية إلى ما يشبه الحصن و القلعة ، سياسة غير موفقة في وضع حلول حقيقة و جذرية لظاهرة الهجرة السرية .
*- عن النظرة السائدة في أوربا للمهاجرين السريين باعتبارهم مجرمين و توجيه التشريعات الأوربية و الوطنية في اتجاه تكريس هذه النظرية السلبية لشريحة من البرش ، يعد مخالفا لمواثيق حقوق الإنسان الدولية و المحلية ، كما أنه يساعد على توفير بيئة خصبة لتنامي الأفكار و المشاعر العنصرية و المتطرفة لدى الجانبين ، و يعطل مشاريع الحوار بين الثقافات و الحضارات .
*- إن السبب الرئيسي في تنامي ظاهرة الهجرة السرية هو حالة الإفلاس الذي وصلت إليه غالبية دول الضفة الجنوبية للمتوسط ، و أن العلاج الحقيقي و الفعال للظاهرة لن يكون إلا من نفس طينة الداء ، حيث لا مجال لإيقاف سيل القوارب المتجهة شمالا ، إلا بإيجاد حل حقيقي و فعال لمعضلة التنمية في الدول المصدرة للهجرة .
*- عن وقوع دول الضفة الجنوبية للمتوسط تحت هيمنة أنظمة ديكتاتورية حتى و لو كان ظاهرها أنها ديمقراطية ، و ارتكاز السلطة في يد مجموعة من السياسيين و فساد الأجهزة الإدارية و السياسية المتبعة تعتبر معوقات كبرى في وجه التنمية ، و تعد أهم سبب للهجرة ، و إن استمرار الحالة السياسية على ماهي عليه في هذه الدول يعني المزيد من الهجرة .
*- دعوة وسائل الإعلام الأورمتوسطية إلى إنشاء آلية للتنسيق و الحوار فيما بينها حول الكيفية المثلى لتناول قضية الهجرة السرية ، و كذا مركز أور ومتوسطي للتوثيق متخصص في قضايا الهجرة .
*- الالتزام الأوربي تجاه الديمقراطية و حقوق الإنسان لا يجب أن يقل مصداقية عن الالتزام الأوربي حيال مشاريع التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ، فظاهرة الهجرة السرية تتطلب شركاء ملتزمين بنفس التوجهات التنموية الشاملة التي تربط الديمقراطية و التنمية ، لإيجاد حل جذري لها ، فعندما يجد شباب الجنوب فرصا للعيش الكريم في بلدانهم في ظل أنظمة سياسية تعترف بحقوقهم كمواطنين أسوياء و شركاء في الوطن ، لن يفكروا حينها في المغامرة بأرواحهم و تعريض أنفسهم و بلدانهم لمآسي إنسانية عميقو
*- إن الدول الأوربية مطالبة بالتزام المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ، مطالبة كذلك باحترام الحقوق الأساسية للمهاجرين السريين و أبنائهم و حقهم في السكن و التعلم و العلاج و التأهيل ، فضلا عن دعوة الإتحاد الأوربي لإنشاء لجنة تقصي للحقائق حول الهجرة السرية ، و دعوة مجلس حقوق الإنسان لتكوين لجنة تعني بحقوق المهاجرين في مراكز الاعتقال الإداري .
*- الدول الأوربية مطالبة بتسوية الأوضاع القانونية لكل مهاجر سري مر على وجوده في أوربا 05 سنوات و مراجعة قوانين منح التأشيرة و الإقامة.
*- الدول المصدرة للظاهرة مدعوة لتوفير الرعاية القنصلية و الحقوقية لمواطنيها من المهاجرين السريين و عدم التخلي عن حقوقهم ، و التعهد بحفظ كرامتهم و صيانتها ، و في حالة الوفاة التكفل بنقلها على نفقة الدولة إلى بلدانهم الأصلية مثل تونس التي انتهجت هذا النهج .
*- إن دول ضفتي المتوسط مدعوة إلى مكافحة مافيات الهجرة السرية و تجار البشر و الجريمة المنظمة و التفريق بين المهاجرين السريين و عصابات المهربين و المجرمين ، كما هي مدعوة للتعاون من منظمات المهاجرين و مؤسسات المجتمع المدني و الهيئات الحقوقية من أجل خلق آليات و خلايا تفكير و حوار حول ظاهرة الهجرة السرية من أجل الحلول اللازمة .
- تكثيف الحملات التوعوية حول مخاطر الهجرة السرية ، و غرس ثقافة حب الوطن و استعمال كل الوسائل المتاحة لإيصال الرسالة من أعمال و تنمية اقتصادية إلى أعمال فنية و سينمائية .
- التأكيد على أن مخالفة القانون لا تسقط حق المهاجرين في معاملة إنسانية .
يمكن إضافة بعض النطاق من أجل مكافحة هذه الظاهرة و تقليل حدتها نوجزها كمايلي :
1- الجانب الوقائي :
* مراجعة جذرية لجميع المنظومة القانونية المتعلقة بالهجرة السرية وسد كل الثغرات الحالية لوضع قوانين جد صارمة أخذت بعين الاعتبار هذه الظاهرة في جميع أبعادها.
* إعطاء عناية خاصة للاستعلام النشط والمستمر حول الظاهرة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي.
* تفعيل دوريات وحدات الحدود ونقاط المراقبة والتفتيش في العمق وفي المناطق التي يمكن أن تكونه مظنة لتواجد هؤلاء خاصة في أوساط الصيد البحري والنهري.
* إعطاء عناية خاصة للتحقيق والتأكد من الهويات في عمق البلاد مشارف المدن الكبرى وخاصة في مداخل المدن والقرى المحاذية للحدود.
* تبادل المعلومات بين الهيئات الأمنية بشان شبكات الأشخاص والفترات الزمنية المتعددة لذلك النشاط والطر ق والمسالك المستخدمة من قبل هؤلاء لتحقيق أهدافهم .
* وضع آليات رقابة يقظة دائمة على القائمين على الحالة المدنية لمنع تزوير الأوراق المدنية من شأنها مساعدة هؤلاء على الدخول أو الإقامة أو حتى اكتساب الجنسية.
* التعبئة العامة هذه العملية مسؤولية الجهات التي يجب أن تلعب فيها أدوارا ريادية بحكم موقعها واتصالها اليومي بالرأي العام وهذه الجهات هي:
- المرجعيات الدينية، المجتمع المدني، رجال الأعمال، ووسائل الإعلام.
2- الجانب القمعي:
* التطبيق الصارم وبدون أي تساهل للقانون بشأن الجرائم المرتكبة في هذا المجال سواء بالنسبة للمواطنين أو الأجانب .
* نصب الكمائن في الطرق والمسالك وفي المناطق التي يمكن أن يمر منها هؤلاء.
* القبض على كل الأشخاص المشتبه فيهم بشأن ضلوعهم في خرق القوانين المتعلقة بالهجرة وتقديمهم للعدالة عند الاقتضاء.
* ترحيل كل الأشخاص الذين لم يتمكنوا من إثبات شرعية إقامتهم أو الذين لهم سوابق في هذا الخصوص.
* نظرا إلى أن ظاهرة الهجر ة الغير شرعية أصبحت ظاهرة عالمية فانه أضحى
حتميا أن تأخذ من بين الأولويات على مستوى علاقات التعاون الثنائي والإقليمي والدولي.
إن كان مطلوب من الدول المستقبلة للهجرة احترام حقوق الإنسان و استبعاد كل معالجة أمنية في التعاطي مع المهاجرين السريين و الشرعيين ، فإنه مطلوب كذلك و بإلحاح تشديد من الدول المصدرة للهجرة أن تنتبه لعطبها الداخلي الذي يستدعي إصلاح الهياكل و المؤسسات و البرامج و المخططات بخلق مناخ اجتماعي و سياسي جديد وذلك أن الحل الداخلي يظل الأكثر فعالية عبر إعادة الاعتبار للشأن الاجتماعي بواسطة إنعاش فرص الشغل و تنشيط الاستثمار و تقليص التفاوتات الطبقية و الاهتمام بالعالم القروي و إعطاء جرعات كثيرة من الصدق و النجاعة للعمل السياسي .
و دول الشمال يتوجب عليها الانتهاء من سياسة الستار الحديد و القطع مع الازدواجية الخطابية في السياسة تجاه الظاهرة ، ما لم تتضافر الجهود فغن مقبرة المتوسط ستستمر في إيواء المزيد من الأفراد الذين يعتبرون خسارة للبشرية قبل أن يكونوا خسارة للوطن فالأولى الاستثمار فيهم على دفعهم للموت .
و كخلاصة ندرج مجموعة من الأسئلة و نجيب عليها بلغة الأرقام :
- لماذا اشتغل هؤلاء المهربون بعمل كهذا؟ كيف تمكنوا من جمع مبالغ مالية بهذا الحجم؟ لماذا وصلت درجة الإحساس بضرورة الهجرة بهذه الأعداد الكبيرة من الناس إلى هذا الحد؟ لماذا لم تعد الهجرة الشرعية كافية ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة بلغة الأرقام قد تكون أكثر جدوى ما دامت الإشكالية تطرح من منظور تجاري بحت.
فالعالم الأول – عالم الأغنياء – يتكون من 40 دولة في منتهى الازدهار حيث الدخل الفردي السنوي يزيد على 5000 دولار، إن النسبة المئوية لهذه الدول من الناحية الديمغرافية لا تتجاوز 20% من سكان المعمورة أي 1/6 من مجوع السكان في العالم، هذه القلة المتناهية تستحوذ على نسبة 80% من الثروات المستغلة سنويا.
أما العالم الثاني – عالم الفقراء – فهو يتكون من 120 دولة تضم 80% من سكان العالم أي 5/6 من سكان العالم وهذه الأغلبية لا تتوفر إلا على 20% من الناتج السنوي العالمي.
نظرا لهذا التناسب العكسي فان عدد الفقراء في تزايد متنامي وبالتالي فان عدد المرشحين للهجرة السرية يتضاعف و سيبقى ما بقيت هذه الفوارق
الردود المشجعة ، أتمنى لكم الإستفادة من هذا العمل المتواضع .
RépondreSupprimer