المواطنــة
المواطنة حالة معنوية يعيشها الأفراد ، و تعبر عن درجة عالية من الانتماء إلى دولة بذاتها كبديل عن الانتماء التقليدي للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو الملة ، و يرتب ذلك الانتماء مجموعة من الحقوق و الواجبات على من يتمتع بهذه الصفة ، و لقد مر المفهوم بتطورات عميقة على مدار التاريخ ، واكتسب شكله الحديث على إثر اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789 ، و انتشر في أعقاب الحركات القومية الأوربية ، كما شهدت عناصر هذا المفهوم اتساعا متناميا بعد الحرب العالمية الثانية ، و صدور القوانين التي كرست لتحقيق المساواة بين الأفراد .
و حديثا أي في الحقبة المعاصرة اكتسب هذا المفهوم اهتماما متزايدا في الفكر القانوني و الدستوري المعاصر كما تزايد الحديث العام عنه ، لا سيما في الآونة الأخيرة نتيجة اتساع مفهوم العولمة ، و تضاءل الفجوة بين الأمم و الشعوب ، و زيادة المؤثرات الثقافية من الخارج ، و التي يرى البعض أنها قد تضعف المواطنة و تقلل من إحساس الإنسان خاصة بين الشباب ، و كما أشرنا للموطنة فهي عقد اجتماعي بين الإنسان ووطنه ، و كلما كان هذا العقد عادلا و متوازنا ، و يتمتع الإنسان بموجبه الإنسان فعليا بحقوقه و بالاحترام الواجب لحرياته و أدى في نفس الوقت ما عليه من واجبات يزداد إحساس الفرد بمواطنته ، و يقوي ارتباطه بوطنه و رغبته للتفاني في خدمته ، بعبارة أخرى " المواطنة لا ينبغي أن تختزل في مجرد التوفر الشكلي على بطاقة تعريف أو جواز سفر ، و إنما يجب أن تجسد في الغيرة على الوطن و الاعتزاز بالانتماء إليه ، و المشاركة الفاعلة في مختلف جوانب التنمية التي تكون وطنية جهوية أو محلية و توسيعها خارج حدودها الإقليمية " .
و على هذا الأساس نتناول المواطنة بأبعاده و ارتباطاتها المختلفة.
إن المواطنة مفهوم متعدد الأبعاد و المكونات ، فهو على المستوى القانوني يتضمن منظومة من الحقوق و الواجبات و المسؤوليات ، و على المستوى الثقافي يتضمن مفهوم المواطنة انساقا من القيم و السلوكيات المعبرة عن الانتماء الوطني تعد المواطنة أساسا لتطوير الحياة السياسية و تجديد مقوماتها الأساسية ، كما تعد المواطنة حجر الأساس لتنمية و تعزيز الانتماء الوطني و الوحدة بين أبناء الوطن الواحد على قاعدة المساواة بينهم من جهة و المشاركة في الشأن العام من جهة أخرى .
يقوم مفهوم المواطنة أيضا على القيم و المثل العليا الثلاث الأساسية التي تدعوا إليها التنمية السياسية و هي المساواة الحرية و العدالة ، و التي تفترض في مجملها توافر مناخ يكفل المشاركة السياسية و الديمقراطية التي تعني بمفهومها البسيط مجموعة ممارسات سلوكية سياسية من خلال مشاركة أغلبية الشعب بعمليات الممارسات الديمقراطية كالترشح و الانتخاب و الاحتجاج التظاهرات و الاستفتاء التصويت و التعبير عن الرأي بشكل حر و الوصول إلى المراكز الإدارية و السياسية و الديمقراطية من هذا المنظور و المنطلق تقترن بالمواطنة لأنها تعني أن الشعب يحكم نفسه بنفسه ، لان الديمقراطية تمنح المواطن حق المشاركة في ممارسات العمل السيـــاسي و اختيار ممثليه في البرلمان و الحكومة .
فالمواطنة على أساس ما تم ذكره حقوق وواجبات ، و هي أداة لبناء موطن قادر على العيش بسلام و تسامح مع غيره على أساس المساواة و التكافؤ في الفرص و العدل ، قصد المساهمة في بناء و تنمية الوطن و الحفاظ على العيش المشترك فيه ، و يمكن بكل بساطة ترجمة أبعاد المواطنة في النقاط التالية :
* بعد قانوني يتطلب تنظيم العلاقة بين الحكام و المحكومين استنادا إلى عقد اجتماعي يوازن بين مصالح الفرد و المجتمع .
* بعد اقتصادي اجتماعي يستهدف إشباع الحاجيات المادية الأساسية للبشر و يحرص على توفير الحد الأدنى اللازم منها ليحفظ كرامتهم و إنسانيتهم .
* بعد ثقافي حضاري يعني بالجوانب الروحية و النفسية و المعنوية للأفراد و الجماعات على أساس احترام خصوصية الهوية الثقافية و الحضارية و يرفض مجالات الاستبعاد و التهميش و التنميط .
المواطنة ليست مفهوما سياسيا أو قانونيا مجردا ، و ليست كلمات تتردد دون وعي بمضمونها و جوهرها ، و إنما هي ارتباط معنوي و شعور بالحاجة إلى رابطة بمكان يجد فيه الإنسان ذاته و يشعر بناءا على ذلك بأنه يدافع عن هذا المكان ، و يلبي متطلباته و احتياجاته ، و لذلك فإن الفرد يحرص على كل ما فيه خير للوطن و إعلاء للمصلحة العامة على المصالح الشخصية أو العائلية الضيقة ، و لكي يترسخ الشعور بالمواطنة في نفوس الأفراد لا بد أن يتمتعوا بالاحترام الواجب لحقوقهم و حرياتهم الأساسية ليس فقط السياسية و لكن أيضا الاقتصادية و الاجتماعية ، و ذلك في إطار مناخ عام يتسم بالعدالة كمبدأ عام حاكم لحركة الدولة و المجتمع ، و لتوزيع ثرواته و موارده ، لذلك فغن المواطنة و إن كانت تولد مع الفرد فهي تنمو و تتجذر تدريجيا مع إدراكه لما تبذله الدولة من جهد لخدمة مواطنيها و رعايتهم ، و بقدر ما يتمتع الفرد باحترام لحرياته و حقوقه الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ليس فقط من جانب و رموزها و على رأسها الأجهزة الأمنية ، و لكن من جانب غيره من المواطنين بقدر ارتباطه بوطنه وولاءه له فالشعور بالكرامة و الاحترام و الحرية هي الضمانة الأساسية لموطنة حقيقية و فعالة ، لأنه في خضم هذه الحركة تنسج العلاقات و تتبادل المنافع وتخلق الحاجات و تبرز الحقوق و تتجلى الواجبات و المسؤوليات ، ومن تفاعل كل هذه العناصر يتولد موروث مشترك من المبادئ و القيم و العادات و السلوكيات بينهم في تشكيل شخصية المواطن و يمنحها خصائص تميزها عن غيرها ، و بهذا يصبح الموروث المشترك حماية و أمانا للوطن و المواطن .
و عليه يمكن اعتبار المواطنة مجموعة من القيم لتدبير الفضاء العمومي المشترك و يمكن تحديد أهم تجليات المواطنة في أربعة نقاط :
* الانتماء : أي شعور الإنسان بالانتماء إلى مجموعة بشرية ما و في مكان ما ( الوطن ) على اختلاف تنوعه العرقي و الديني و المذهبي ، مما يجعل الإنسان يتمثل و يتبنى و يندمج مع خصوصيات و قيم هذه المجموعة .
* الحقوق : التمتع بحقوق المواطنة الخاصة و العامة كالحق في الأمن و السلامة و الصحة و التعليم و العمل و الخدمات الأساسية العمومية و حرية التنقل و التعبير و المشاركة السياسية .
* الواجبات : باحترام النظام العام و الحفاظ على الممتلكات العمومية و الدفاع عن الوطن و التكافل و الوحدة مع المواطنين و المساهمة في بناء و ازدهار الوطن .
* المشاركة في الفضاء العام : المشاركة في كل ما يهم تدبير و مصير الوطن .
إن هذه القيم تظهر العلاقة بين المواطنة المواطن و الوطن حيث أنها العلاقة لا تقتصر في الاشتقاق اللغوي ، و إنما يمتد إلى الارتباط الوثيق في المضامين ، فلا مجال لتجسيد مفهوم المواطنة بما يعنيه من مشاركة مباشرة أو غير مباشرة في تدبير الشأن العام و مسؤوليته تجاه الوطن ، دون وجود مواطن يدرك بوعي حقوقه وواجباته ، في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ن و يشعر بأنه معني بما يجري داخل الفضاء الذي يسمى الوطن ، فلا مواطنة بدون مواطن ولا موطن بدون ولاء للوطن و تفاعل إيجابي مع قضاياه و انخراط حقيقي في شؤونه .
كما أن المواطنة ليست وضعية جاهزة يمكن جلبها بصورة آلية عندما تتحقق الرغبة في ذلك ، و إنما هي سيرورة تاريخية و سلوك يكتسب عندما تتهيأ له الظروف الملائمة ، وهي ممارسة في ظل مجموعة من المبادئ و القواعد في إطار مؤسسات و آليات تضمن ترجمة مفهوم المواطنة على أرض الواقع .
مقومات المواطنة الأساسية :
1- المساواة و تكافؤ الفرص :
لا تتحقق المواطنة إلا بتساوي جميع المواطنين و المواطنات في الحقوق و الواجبات .
2- المشاركة في الحياة العامة :
لا يكفي ضمان المساواة و التكافؤ في القوانين المسطرة و الأنظمة المتبعة في الممارسة لكي يتجلى مبدأ المواطنة ، و غنما لا بد من المشاركة الفعلية للمواطنين و المواطنات في الحياة العامة ، و الأمر الذي يتطلب توفر استعدادات حقيقية لدى كل المشاركين في الانتماء للوطن .
3- الولاء لوطن :
يعني الولاء للوطن أن الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه تسمو عن العلاقات القبلية و العشائرية و الحزبية ولا خضوع فيها إلا لسيادة القانون ، و أن هذه الرابطة لا تنحصر في مجرد الشعور بالانتماء ، و إنما تتجلى إلى جانب الارتباط الوجداني في إدراك و اعتقاد المواطن بان هناك التزامات وواجبات نحو الوطن حيث لا تتحقق المواطنة دون التقيد الطوعي بها .
التربية على المواطنة :
من مزايا التربية على المواطنة أنها تعيد التوازن بين ما هو محلي و ما هو كوني للتخفيف من وطأة قيم العولمة و ما ترتب عنها من انهيار للحدود بين الثقافات المحلية و العالمية و ما صاحب ذلك من آثار سلبية ، وذلك للمحافظة على الهوية الوطنية و الخصوصية الثقافية بشكل يضمن الانتماء الذاتي و الحضاري للمواطن ، و تتجلى أهمية التربية أكثر على المواطنة في كونها ترسخ الهوية في وجدان المواطن ،كما ترسخ حب المواطن و التمسك بمقدساته و تعزيز الرغبة في خدمته و في تقوية قيم التسامح و التطوع و التعاون و التكافل الاجتماعي التي تشكل الدعامة الأساسية للنهوض بالمشروع التنموي للمجتمع و الوطن .
يمكن حصر أهداف التربية على المواطنة في النقاط التالية :
* احترام مقدسات الوطن و التعامل مع قضاياه بقيم إيجابية و بروح المسؤولية .
* الاندماج مع الجماعة بروح من التضامن و الإخاء
* التحلي بالسلوك الديمقراطي و قبول التعدد
* حب العمل و التفاني فيه أملا في رفع مردودية المجتمع و إنتاجاته الاقتصادية و الثقافية .
فالتربية مهمتها و هدفها تعريف الأفراد بالخصوصيات الحضارية التاريخية و الوطنية مع الانفتاح المرن على كل الثقافات الأخرى ، أن يشعر الفرد بالموروث المشترك من المبتدئ و القيم و السلوك و العادات ، أن نحفزه على العطاء و الإخلاص و التضحية لهذا الوطن ، أن نساعده على بناء القدرات و المهارات الكافية في كل المجالات حتى يصبح قادرا على الإبداع و التميز من اجل تنمية وطنه ، فلا يحتاج بعد ذلك أن يحلم بمستقبل خارج حدوده .
إن نمو الإحساس بالمواطنة و الانتماء إلى الوطن يكون عن طريق السعي الحثيث إلى اكتشاف المواطن لذاته و محيطه أولا ،ثم عن طريق المعرفة و المعايشة و القرب ثانيا ، ومن خلال هذا الاكتشاف تتشكل لديه الاقتناعات و التطورات المرتبطة بوجوده و الوعي بمختلف الأبعاد الحقوقية و الاجتماعية و الثقافية ن وهذا ما يساعده بعد ذلك على المواقف و الاتجاهات و مناقشتها في ضوء القيم السامية للمواطنة كما يساعده على بناء القدرات و المهارات التي تمكن من الإبداع و الابتكار و التميز من اجل تطوير مسيرة الوطن و تغذيتها بكل أساليب التشجيع و التحفيز .
و في هذا الصدد نذكر بان المكتب الدولي للتربية (BIE) يحدد أربعة أبعاد للتربية على المواطنة :
1- حقوق الإنسان : كونية حقوق الإنسان و المساواة في الكرامة و الانتماء إلى المجتمع .
2- الديمقراطية : إعداد الفرد للحياة السياسية و المدنية
3- التنمية : اكتساب اليافعين و الشباب الكفاءات و المؤهلات الضرورية لمواكبة التغيرات الاجتماعية و الاقتصادية و التكنولوجية لمحيطهم و مقومات التنمية المستدامة .
4- السلام : كنتيجة سيرورة المواطنة المستمدة من حقوق الإنسان الهادفة للتنمية المستدامة .
عن التربية و علاقتها بالمواطنة يهدف إلى تشكيل نوع من الثقافة الخاصة بالمواطنة و التي ترتكز على النقاط التالية :
* تعزيز الارتباط العاطفي بالوطن و بالمجتمع الذي ينتمي إليه المواطن و غرس التفاني من اجل الوطن و سمو الولاء للوطن على ما عداه من الولاءات .
* تطوير و تنمية الشفافية السياسية لحقوق الإنسان و تعزيز قيم المساواة و العدل و تكافؤ الفرص و الحرية بين أبناء الوطن .
* تأكيد احترام المواطن لذاته و تعظيم قيم الكرامة الإنسانية .
* قيم التعايش من الآخر و التضامن و العمل المشترك في مواجهة التحديات و الأخطاء المشتركة تأكيدا على الولاء للوطن .
دور وسائل الإعلام :
إذا كان الوعي بالمواطنة هو نقطة البدء ، فغن المشاركة تبقى المرحلة الوسيطة للشعور بالانتماء للوطن و تحقيق المساواة ، و بالتالي تظل المواطنة كقيمة عليا مرهونة بقدرة البناء السياسي على الاستجابة للبناء الاجتماعي و الاقتصادي ، ومن ثم يتوافر للإنسان القدرة على ممارستها و للبناء الإعلامي دور هام في هذا السياق ن حيث يرتبط الوعي و المشاركة و الممارسة ثم تحول المجتمعات نحو الحداثة و الديمقراطية ، بقدرة الإعلام على الاقتراب من قضايا المجتمع و تمثيلها من وجهة نظر الجماهير ن و لهذا السبب صار الإعلام بوسائله المتعددة جزءا من الحياة المعاصرة ،من خلال التعبير عن المواطنين و قضاياهم ن و بإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن ذواتهم و طموحاتهم و القيام بتوسيع مجال النقاش و تبادل الآراء ، وفي إطار حرية التعبير ، ودفع الحوار الفعال بين مختلف الفئات في المجتمع و المؤسسات المكونة للدولة.
دعوة خير لصاحبكم
في إنتظار ردودكم لكم مني السلام
RépondreSupprimerموضوع جيد شكرا لك اخي على المجهودات وربييعطيك واش تتمنا في حياتك
RépondreSupprimerآمين يا رب
شكرا على مرورك اخي الكريم وفقني الله و أياكم لما فيه الخير
RépondreSupprimerبارك الله فيك اخي على هذا الموضع القيم
RépondreSupprimerجزاك الله كل خير
و فيكم بارك الله الموضوع نفيد و نستفيد من بعضنا أرائكم مقترحاتكم نقدكم كلها امور مطلوبة
RépondreSupprimerالمطلوب من الجميع التفاعل لتعم الفائدة أكثر
في انتظار المزيد و الأفضل لكم مني السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اشكر كل من ساهم ولو بالقليل لتعم الفائدة على الجميع وانا متاكد من ان اي شخص دخل على هذا الموقع استفاد كثيرا وانا منهم شكرا مرة اخرى وارجو ان يكون هناك المزيد
RépondreSupprimerشكراً أخي الكريم موضوع قيم
RépondreSupprimerشكرا على المرور الطيب للجميع
RépondreSupprimerنفيد و نستفيد من بعضنا من له أفكار و مواصيع لنعالجها فلا يبخل علينا
تعدد الآراء و الأفكار يعني الإلمام بالموضوع من كل جوانبه
لا إله إلا الله محمد رسول الله
شكرا لك والله يجازيك بالخير
RépondreSupprimerشكرا لك والله يجازيك بالخير
RépondreSupprimerموضوع مهم جدا
RépondreSupprimerبارك الله فيكم
RépondreSupprimer