حق
العودة والتعويض في ميزان القانون الدولي
لم
تكن وثيقة جنيف وبالشكل الذي تم الترويج لها به في أكثر من عاصمة ، وما سبقها
وواكبها من أفكار لهذا النفر أو ذاك ، هي السبب الوحيد في بروز موضوعة حق العودة
إلى الواجهة. فيما بدا فعل وصوت الحالة السياسية الفلسطينية التي تأخذ على عاتقها
التصدي للحل السياسي مع الكيان الصهيوني خافتاً وملتبساً إلى حد كبير ، فيما يتعلق
بموضوع اللاجئين وحق العودة .
الأمر
الذي أعاد إلى الذهن جملة الأطروحات ، التي ما انفك أصحابها يختزلون موضوع الصراع
مع هذا الكيان الغاصب في قطعة أرض يرفع عليها العلم ، ونشيد وجواز سفر وعودة بضعة
آلاف من ملايين اللاجئين إلى الوطن.
وهو
ما وضع الداعون والمروجون والمبشرون بذلك في خانة التساوق إن لم يكن أكثر مع
الادعاءات الصهيونية ، عن عدم واقعية حق العودة . وهي والحال كذلك ليست مجرد وجهة
نظر في موضوع يحتمل ذلك ، بل إنها في الأساس تطال حقاً أصيلاً من حقوق كل فرد في
هذا الشعب ، إضافة إلى كونه حقاً جمعياً لمجموع الشعب الفلسطيني ، يجري التعامل
معه بخفة سياسية وفكرية تتجاوز حدود الاجتهاد إلى تخوم التفريط .
وإلا
ما معنى أن يغّيب اللاجئ الفلسطيني صاحب الحق الثابت وغير القابل للتصرف ، فيما
يحضر المستوطن الروسي أو الأثيوبي أو غيريهما . ومن ثم يجري الحديث عن
"المصالحة التاريخية " فمن يصالح من ؟ هنا يبدو حديث المصالحة بين
الكيان الغاصب للحقوق والشعب الفلسطيني صاحب الحق ، مفارق للمنطق والقانون ، ولكل
الأعراف التي أفرزتها التجربة الإنسانية ، وحركة التاريخ . لأن أي " مصالحة
تاريخية " إذا جاز القول بذلك لابد أن تكون نتاج " حل تاريخي " يعيد
لأشياء إلى أصلها وفق أحد أهم مفردات القانون الدولي ، أي إعادة الشيء إلى أصله
حق العودة يحميه القانون الدولي والشرعية
الدولية :
والأصل
أن الشعب الفلسطيني، هو صاحب الأرض منذ آلاف السنين، وما الوجود الصهيوني إلا وجود
طارئ ، فرضته ظروف دولية ظالمة ، لا يد ولا علاقة للشعب الفلسطيني بها. بل إن
الشعب الفلسطيني كله كان ضحية صراع القوى الاستعمارية على أرضه، والتي أرادت أن
تقدم المكافآت للغير من حساب الأمة العربية والشعب الفلسطيني تحديداً، وهو ما يدفع
فاتورته الشعب الفلسطيني حتى الآن .
فالاحتلال والاستيلاء على أراضي الغير لا
يمنح حقاً ولا يعطي أو يوجب سيادة على الأرض ، كما تنص أحد أهم
مبادئ القانون الدولي وذلك بسبب من عدم مشروعية الاحتلال أو جوازه ، كما أن لا
الاحتلال ولا السيادة للمحتل يلغيان الحق في الملكية الفردية ، التي تبقى حقاً
شخصياً لكل مواطن فالمواطنون الفلسطينيون استمرت ملكيتهم لأراضيهم رغم تنازل
الدولة العثمانية عن سيادتها في فلسطين للبريطانيين عام 1920 م،فقد استمرت حكومة
الانتداب البريطاني في احترام حقوق الملكية الخاصة لأبناء الشعب الفلسطيني.
و كذلك فإن الحق بالعودة يقوم على أسس
قانونية متينة ، ففي البدء لا يمكن اعتبار وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا
الاستعمارية الذي قطعه للحركة الصهيونية عام 1917 ، ولا قرار التقسيم الذي أوصت به
الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 ، ملزماً للفلسطينيين ، لأنهم في الأساس لم
يكونوا أحد مكوناتهما . ومن ثم فإن أياً منهما لا يرتب أو يعطي للفلسطينيين حقوقاً
جديدة أو يحرمهم من أي حق من حقوقهم.
و
هذا هو ما استقرت عليه قواعد القانون الدولي ، وأكده ميثاق الأمم المتحدة في
ديباجته ومادته الأولى فقد جاء في ديباجة الميثاق ، " نؤكد من جديد إيماننا
بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره " و هو ما ينافي الاحتلال وكل
أشكال القهر المادي و المعنوي و بالتالي حق الجميع في المساواة في الحقوق وبذلك
تحدثت المادة الأولى من الميثاق " احترام المبدأ الذي يقضي بالتساوي في
الحقوق بين الشعوب ، وبأن يكون لكل منهما تقرير مصيرهما .
ورغم
مجافاة بعض القرارات الدولية لمبادئ العدالة و الإنصاف ، فإنها أكدت بما لا يقبل
الشك حق الشعب الفلسطيني في وطنه وممتلكاته ، رغم توصية الجمعية العامة بالتقسيم
الذي رفضه الشعب الفلسطيني في حينه . وهذا ما حاول الكونت برنادوت الوسيط الأممي
في الأراضي الفلسطينية عام1948 قوله حول ما لحق بالفلسطينيين من جور وظلم من
المجتمع الدولي المحكوم بشرط المصلحة الإمبريالية حينذاك بتقريره إلى الجمعية
العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة في 1948 /9/16 قائلاً " إن أي تسوية لا يمكن أن
تكون عادلة وكاملة ما لم يتم الاعتراف بحق اللاجئ العربي في أن يعود إلى المنزل
الذي طرد منه ، نتيجة النزاع المسلح بين العرب و اليهود في فلسطين من أخطار
. لقد جاءت الأكثرية الساحقة من اللاجئين العرب من مناطق تقع وفقاً لقرار التقسيم
في29 / 11/ 1947 من الدولة اليهودية ، وإنه لخرق فاضح لأبسط مبادئ العدالة ، أن
ينكر على الضحايا البريئة حق العودة إلى منازلها في حين يتدفق المهاجرون اليهود
إلى فلسطين ويشكلون في الواقع خطر استبدال دائم للاجئين العرب الذين لهم جذور في
الأرض منذ قرون " . ويضيف التقرير" إن مسؤولية الحكومة الإسرائيلية
المؤقتة في إعادة الممتلكات الخاصة لمالكيها العرب وفي التعويض على أولئك المالكين
عن الممتلكات التي دمرت عمداً ، مسؤولية واضحة تماماً بصرف النظر عن التعويضات
التي تطالب بها إسرائيل الدول العربية .
و أمام فداحة الجريمة التي تجاوزت كل حد ، لم يستطع المجتمع الدولي أن يغض الطرف أكثر عما يجري من عملية اقتلاع لشعب بكامله وبشكل وضع المنظمة الأممية الوليدة أمام امتحان جدي . الأمر الذي أسفر عن القرار رقم 194 على خلفية تقرير الكونت برنادوت الذي اغتالته عصابات الإرهاب الصهيوني نتيجة ذلك الموقف . حيث جاءت الفقرة الحادية عشر من القرار لتقول " تقرر وجوب السماح بالعودة للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم ، والعيش بسلام مع جيرانهم ، ووجوب دفع التعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم ، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر ، عندما يكون الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف أن تعوض ذلك الفقدان أو الضرر الحكومات والسلطات المسؤولة.
وإذا
كان قرار الجمعية العامة رقم 273 بتاريخ 1949/5/11 ، بقبول دولة الاحتلال غير
مشروع من الناحية لقانونية والسياسية والأخلاقية ، فإن ذلك القبول قد اقترن بشرط
تنفيذ القرارات السابقة ، بشأن التقسيم واللاجئين ، فجاء نص القرار : " إن
الجمعية العامة ، إذ تأخذ علماً بالتصريح الذي تقبل فيه إسرائيل دون تحفظ الالتزامات
الناجمة عن ميثاق الأمم المتحدة ، وتتعهد باحترامها منذ اليوم الأول الذي تصبح فيه
عضواً في الأمم المتحدة ، وإذ تذكر بقراريها الصادرين في 1949/11/29 ( قرار
التقسيم ) ، وفي 1948/12/11 (قرار عودة اللاجئين والتعويض ) ، وتأخذ علماً
بالتصريحات والإيضاحات التي قدمها ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة
بشأن تطبيق القرارين المذكورين … " "" تقرر أن إسرائيل دولة محبة
للسلام تقبل بالتزامات الميثاق ، وأهل للقيام به ومستعدة لتنفيذها وتقرر قبول
إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة "
فحق العودة والتعويض وفق القرار 194 من
الحقوق التي لا تقبل الانتقاص ، والتي اقرها المجتمع الدولي ، وهو يتفق
وقواعد القانون الدولي ، ومع أنه صادر عن الجمعية العامة وليس مجلس الأمن ، فهذا
لا يعني أنه غير ملزم لإطراف العلاقة ، فهو يؤكد حقاً ويوجب التزاماً، لأن شرط
قبول الكيان الصهيوني مرتبط شرطياً بتنفيذ ذلك القرار أولاً ولأن المجتمع الدولي
قد أكد على هذا القرار 110 مرات خلال خمسة عقود ثانياً . وهو إجماع يرقى إلى مرتبة
الالتزام والواجب الذي يحتمه القانون الدولي. في مقابل حق العودة الذي يمثل مصلحة
للفرد والجماعة الفلسطينية يحميها القانون الدولي .) فالتزامات الدولة العبرية بتنفيذ
قرار حق العودة ، التزام أصيل ، وقانوني وثابت لا يسقط بمرور الزمن ، أو التقادم ،
لأنه لا يحق لأي قوة أن تطرد شعباً آخر من أرضه التي استقر فيها بشكل دائم وثابت
لآلاف السنين ، لمجرد إدعاء بالحق ليس له أساس قانوني أو تاريخي، وقد حرمت كل
المواثيق والعهود الطرد والإبعاد والتهجير. فقد أكد العهد
الأعظم " الماجنا كارتا "عام 1215 م أن حق الإنسان في العودة حق مبدئي .
وبذلك قال مؤتمر جنيف المدني لعام 1949 الذي أكد على تحريم " التهجير القسري
للأشخاص أو المجموعات … بغض النظر عن الدوافع " .
واستقرار
حق العودة في القانون الدولي أكده أيضاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جاء
فيه " يحق لكل فرد أن يغادر البلاد بما فيها بلده، كما يحق له العودة إليها
" . وهذا بالطبع في حالة المغادرة الطوعية ، أما في حالة الكيان
الصهيوني فإن إحلال آخرين محل السكان الأصليين وطردهم خارج ديارهم ، يمثل جريمة
مركبة تستحق أن يقف المجتمع الدولي أمامها .
العودة والتعويض .. سوابق قانونية :
وعلى
مدار سنوات طويلة رفض الكيان الصهيوني تنفيذ الالتزام بالقرار194 ، الذي يوجب عودة
الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم ، وللرد على التعنت الإسرائيلي المدعوم أمريكياً
حول ثبات الحق ووجوبه ، عملت الأمم المتحدة من خلال الدائرة القانونية في الأمانة
العامة على مدار الفترة الممتدة ما بين 1949 ـ 1950 على وضع ست دراسات حول تفسير
الفقرة 11 من القرار 194 وتطبيقها وفق ما استقر من سوابق في القانون والعرف
الدوليين، وذلك لمساعدة لجنة التوفيق التي أنشأها ذات القرار من أجل السعي لتحقيق
السلام في فلسطين .
وجعلت
الأمم المتحدة تطبيق الفقرة 11 من بين المهام الرئيسية للجنة التوفيق ، فقد نصت
تتمة الفقرة على ما يلي : وتصدر الجمعية العامة تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل
إعادة اللاجئين وتوطينهم ، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي ، وكذلك دفع
التعويضات . ويؤكد نص الفقرة ، حق اللاجئين في العودة إلى منازلهم وحقهم في
التعويض مصنفاً إلى صنفين :
التعويض
على اللاجئين الذين خسروا ممتلكاتهم ولحقت بهم أضرار .
التعويض على اللاجئين الذين لا يرغبون في
العودة .
وجميع
هذه الحقوق كما تنص الفقرة 11 يجب أن تطبق وفقاً لمبادئ القانون الدولي أو العدالة .
وقد عالجت إحدى هذه الدراسات مبادئ العودة والتعويض والسوابق والشواهد التاريخية بإسهاب ، قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها ، موضحة معنى ذلك القرار ، فأشارت إلى ما تم سنّه وتنفيذه في دول المحور السابقة والدول التي كانت محتلة من قبل دول المحور ( فرنسا ، ورومانيا ، وإيطاليا ، وبلغاريا ، وتشيكوسلوفاكيا ، وهولندا ، ويوغسلافيا ) من قوانين بين تشرين الثاني 1944 وأيار 1945 ، بشأن التعويض على اللاجئين ، وإعادة ملكيتهم إليهم . وفي المنطقة الخاضعة للاحتلال الأمريكي من ألمانيا قانون عام بدفع التعويضات لضحايا النازية ، الذين عانوا من أضرار الحياة أو لحقهم أذى في صحتهم أو حريتهم أو أملاكهم أو ممتلكاتهم أو تقدمهم الاقتصادي .
وقد عالجت إحدى هذه الدراسات مبادئ العودة والتعويض والسوابق والشواهد التاريخية بإسهاب ، قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها ، موضحة معنى ذلك القرار ، فأشارت إلى ما تم سنّه وتنفيذه في دول المحور السابقة والدول التي كانت محتلة من قبل دول المحور ( فرنسا ، ورومانيا ، وإيطاليا ، وبلغاريا ، وتشيكوسلوفاكيا ، وهولندا ، ويوغسلافيا ) من قوانين بين تشرين الثاني 1944 وأيار 1945 ، بشأن التعويض على اللاجئين ، وإعادة ملكيتهم إليهم . وفي المنطقة الخاضعة للاحتلال الأمريكي من ألمانيا قانون عام بدفع التعويضات لضحايا النازية ، الذين عانوا من أضرار الحياة أو لحقهم أذى في صحتهم أو حريتهم أو أملاكهم أو ممتلكاتهم أو تقدمهم الاقتصادي .
ويرتبط حق التعويض بحق العودة لأنة ناتج
عن طرد صاحب الحق من أرضه ، ذلك الطرد الذي يرتب نتائج على من تسبب فيها ،
بإزالتها وجبر الضرر ، لأن إحلال آخرين محل صاحب الحق . لا يعطي المحتل الشرعية
والقانونية لما استملك ، حتى لو كانت السيادة له ، في ظل غياب قسري لصاحب الأرض . وعلى
ذلك فإن أراضي اللاجئين وممتلكاتهم التي استحوذت عليها الدولة العبرية والتي
تديرها الآن ما يسمى ب " إدارة إسرائيل للأراضي "تبقى حقاً ثابتاً لهم
بغض النظر عمن يمتلك السيادة عليها الآن ، أو مضى على ذلك الغياب القسري من زمن .
بما يعني تمتع الفلسطينيون بالحق في العودة كاملاً إلى ديارهم ، وممتلكاتهم والتعويض عن السنوات التي عاشها
اللاجئ في المهاجر وأرضه وممتلكاته تستغل من قبل الآخرين . وحسب خبراء القانون
الدولي ، فإن القرار 194 يتطابق مع قواعد القانون الدولي ، وهناك 40 حالة دولية
مشابهة ، تم فيها دفع التعويضات دون شروط . لأن التعويض ، حق قائم بذاته وهو حق
يقوم على مبدأ أن من تسبب في ضرر للغير ملزم بإزالة الضرر ، وقد تم إدراج هذا الحق
في القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي تمت المصادقة عليه من أغلبية دول العالم .
كما أنه أدرج في مؤتمر القانون الدولي لتعويض اللاجئين الذي عقد في القاهرة 1992 ،
وصدر عنه " إعلان مبادئ القانون الدولي لتعويض اللاجئين " حيث جاء في الإعلان أنه إذا طردت
دولة مواطنيها مباشرة أو بشكل غير مباشر، فإن لهم حق العودة و التعويض مجتمعين .
وعلى الرغم من تذرع الدولة العبرية بأن اللاجئين الفلسطينيين لم يكونوا مواطنين في دولة إسرائيل ، ومن ثم فإن القاعدة القانونية السابقة لا تنطبق عليهم ، إلا أن رجال القانون يردون بالقول إن الفلسطينيين كانوا مواطنين على الأرض التي قام عليها الكيان الصهيوني ، والقانون الدولي يلزم الدولة التي تعلن السيادة على الأرض بواجباتها تجاه من يعيشون على تلك الأرض ، وأول هذه الواجبات منحهم حق المواطنة ، الأمر الذي يرتب الحق بالتعويض .
وعلى الرغم من تذرع الدولة العبرية بأن اللاجئين الفلسطينيين لم يكونوا مواطنين في دولة إسرائيل ، ومن ثم فإن القاعدة القانونية السابقة لا تنطبق عليهم ، إلا أن رجال القانون يردون بالقول إن الفلسطينيين كانوا مواطنين على الأرض التي قام عليها الكيان الصهيوني ، والقانون الدولي يلزم الدولة التي تعلن السيادة على الأرض بواجباتها تجاه من يعيشون على تلك الأرض ، وأول هذه الواجبات منحهم حق المواطنة ، الأمر الذي يرتب الحق بالتعويض .
وفي الحالة الفلسطينية التي تتنكر فيها
الدولة العبرية ، لكل المواثيق والأعراف ، فإن القانون الدولي يرتب على الدولة
المحتلة ، حق التعويض للاجئ الفلسطيني عن سلبه المواطنة، والحق في استرجاع
المواطنة
، ويقول البروفيسور جون كويجل خبير القانون الدولي ، إن عدم حيازة اللاجئ
الفلسطيني لحق المواطنة في دولة إسرائيل لا يحرمه حق التعويض ومن حق العودة إلى
بيته ،ويستشهد بواقعة التتار في جزيرة القرم .
فالتتار
تم طردهم من جزيرة القرم عام 1944 ، وكانوا يحملون جنسية الاتحاد الروسي، ولم
يحملوا أبداً جنسية الدولة الأوكرانية إلا أن أوكرانيا قد أعادت التتار إلى موطنهم
عند بسط سيادتها على جزيرة القرم عام 1953 . فالقاعدة أن المواطن مرتبط بموطنه بغض
النظر عمن يبسط السيادة عليه .
ومن الشواهد الحديثة على ثبات واستقرار حق العودة والتعويض في القانون الدولي ، الحكم الذي أصدرته المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في 1998/7/28 ، في قضية رفعتها سيدة قبرصية ( من أصل يوناني ) ضد تركيا ، طالبت فيها بحقها في استعادة ملكها في قبرص التركية والتعويض عن حق الانتفاع به طوال مدة السيطرة التركية ، فحكمت المحكمة بالتعويض والاستعادة . وليس بعيداً عن ذلك عودة اللاجئين البوسنيين إلى ديارهم التي هجّروا منها ، طبقاً لاتفاق دايتون .
ويؤكد خبراء القانون الدولي ، أن حق
اللاجئ الفلسطيني في مقاضاة إسرائيل ومطالبتها بالتعويض لا يسقط بتوقيع أي
اتفاقية، فهو حق فردي مطلق وليس له حد زمني ، وهو كذلك لا ينحصر في اللاجئين
أنفسهم ، بل يشمل الدول المجاورة التي استقبلت اللاجئين بطلب التعويض من الدولة
التي طردتهم مقابل الأعباء التي تحملوها .
المجتمع الدولي ـ إقرار بالحقوق الثابتة
للفلسطينيين :
وفيما تمر السنوات واللاجئ لا زال يعيش
التشرد عن وطنه ، فيما يدير الكيان الصهيوني الغاصب الظهر لكل القرارات الدولية ،
ليكون بامتياز الدولة الخارجة على القانون الدولي والشرعية الدولية ، يزداد صوت
المجتمع الدولي ارتفاعاً في مواجهة التعنت الإسرائيلي المدعوم بشكل مطلق من قبل
الإدارات الأمريكية المتعاقبة . حيث أكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير
وحق اللاجئ في العودة والتعويض ، عبر العديد من القرارات الهامة ، وقد مثّل اجتماع
الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 29 لعام 1974 محطة هامة في التأكيد مجدداً
على حق الشعب الفلسطيني الثابت في وطنه وحقه في تقرير المصير أسوةً بكل شعوب
العالم التي تحررت من نير الاستعمار .
فأصدرت
الجمعية العامة القرار رقم 3236 لعام 1974 الذي جاء فيه :
إن
الجمعية العامة :
تؤكد من جديد حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة
وخاصة :
الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي .
الحق في الاستقلال والسيادة الوطنية .
وتؤكد من جديد حق الفلسطينيين الثابت في
العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ، التي شرّدوا عنها واقتلعوا
منها ، وتطالب بإعادتهم "
وتشدّد على الاحترام الكلي لحقوق الشعب
الفلسطيني الثابتة هذه ، وإحقاق هذه الحقوق ، أمران لا غنى عنهما لحل قضية فلسطين
"
.
ورغم
أن هناك العشرات من القرارات الدولية التي تعالج القضية الفلسطينية قابلها الكيان
الصهيوني المدعوم أمريكياً بالرفض والتنكر لتلك الحقوق ،إلا أن الشعب الفلسطيني لم
يفقد الأمل ولا القناعة أو اليقين بحتمية نيل حقوقه الثابتة رغم كل الضغوط وفي
أحيان كثيرة الخيبات التي عاشها ويعيشها منذ النكبة وحتى الآن ، بل ازداد تشبثاً
بحقه وهو مصر على استعادته رغم قسوة الواقع ،وإلا لما أمكنه أن يتصدى منذ عام 1948
وحتى الآن لكل مشاريع التوطين التي ساهمت في طرحها والترويج لها العديد من الأطراف
الدولية بدعوى حل المسألة الإنسانية للاجئين .
ومع
أن الشعب الفلسطيني اللاجئ ، قد قال كلمته منذ البواكير الأولى للتهجير عندما رفع
شعار " لا إسكان ولا
توطين " في مواجهة مشرع توطين اللاجئين في شمال سيناء عام 1955 ،إلا
أن تلك الدعوات إلى التهجير والتوطين لم تتوقف وإن كانت تخفت تارة وتعلو تارة أخرى
، ليدخل مؤخراً البرلمان الأوربي جوقة الداعين إلى التوطين ، بمطالبته توطين
اللاجئين حيث هم . ليعبر بذلك عن رؤية صهيونية استيطانية ، وكأن الأوربيين قد
تناسوا أنهم السبب الأول في تمكين الحركة الصهيونية من الاستيلاء على الأرض
الفلسطينية .
وإذا
كان هذا هو موقف الأوربيين ذوي الإرث الاستعماري البغيض يمكن قراءته في سياق
الارتباط العضوي بين الكيان الصهيوني وأوربا على اعتبار أن الحركة الصهيونية قد
تشكلت في رحم أوربا الاستعمارية. إلا أن الذي لا يمكن قراءته ضمن أي سياق هو تبرع
البعض منا ، بطرح أفكار تصب وفق كل القراءات في خدمة الكيان الصهيوني ، وعلى حساب
الحق الفلسطيني الثابت .
وتنطلق تلك الأفكار من أن احتلال فلسطين وطرد اللاجئين قد مر عليه عدة عقود وأن هناك متغيرات ديمغرافية قد تمت على الأرض ، لذا فمن غير الواقعي الحديث الآن عن عودة خمسة ملايين لاجئ إلى فلسطين التاريخية ، مبررين ذلك بمقولة " الحق الواقعي " الذي رتبه استمرار الاحتلال للأرض الفلسطينية ووجود اللاجئين خارج ديارهم لما يزيد عن خمسة عقود، وهزائم العرب المتتالية والضعف الذي تعيشه الأمة العربية راهناً .
وتنطلق تلك الأفكار من أن احتلال فلسطين وطرد اللاجئين قد مر عليه عدة عقود وأن هناك متغيرات ديمغرافية قد تمت على الأرض ، لذا فمن غير الواقعي الحديث الآن عن عودة خمسة ملايين لاجئ إلى فلسطين التاريخية ، مبررين ذلك بمقولة " الحق الواقعي " الذي رتبه استمرار الاحتلال للأرض الفلسطينية ووجود اللاجئين خارج ديارهم لما يزيد عن خمسة عقود، وهزائم العرب المتتالية والضعف الذي تعيشه الأمة العربية راهناً .
وبالضرورة
فإن من يطرح تلك " الترّهات " إنما يلتقي مع ما يطرحه سدنة الحركة
الصهيونية ، الذين ينكرون أي حق للفلسطينيين ، بدعوى الواقعية ، وتشريع الاحتلال
الذي لم يتجاوز عقده السادس ، فيما ينفون حقاً جذوره ممتدة عبر آلاف السنين ، وهم
في ذلك إنما يفكرون نيابة عن الدولة العبرية ، وكأن على الفلسطيني أن يقدم الذرائع
للمجرم للتغطية على جريمة طرده ملايين الفلسطينيين من ديارهم. مغلفين تلك الدعوات
المشبوهة بغلاف إنساني ، تحت شعار رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني وإيجاد حل
لمشكلة اللاجئين ، وهو حل لا يدفع من جيب المغتصب ، بل ويبارك جريمته .
العودة إمكانية عملية وواقعية
:
اللاجئين
إلى ديارهم غير ممكنة، ارتباطاً بجملة المبررات ولعل السؤال الأهم بعد ذلك هو، ما
مدى موضوعية وعلمية ما يطرحه هؤلاء في الواقع ؟ وهل فعلاً عودة التي تدّعيها
الدولة العبرية ؟ والتي تنطلق من مقولة أن القرى والبلدات الفلسطينية قد دمرت ولم
تعد موجودة ، وأن العودة في الأساس ستؤثر على البنية الديمغرافية داخل الكيان
الصهيوني ، وأخذاً بتلك الادعاءات " تبنى البعض عدم واقعية موضوع العودة
" ، ونحن هنا نعيد طرح السؤال إذا كانت العودة غير ممكنة وفق مفهوم من يروج
لها ؟ فعليه أن يقدم لنا لماذا فرضية عدم الواقعية؟ أو الإمكانية ؟ وهل هي استنادا
لحقائق علمية وموضوعية؟ وما مدى مشروعية ما يطرح ارتباطاً بقواعد القانون الدولي
وقرارات الشرعية الدولية ؟.
إن حق العودة خارج نطاق الاجتهاد أو التفسير ، وفق ما قرره القانون الدولي الذي يلزم من يوجه له القرار بضرورة التقيد بالتنفيذ، ووفق كل الشواهد وتجربة العقود الماضية فمن غير المعقول أن يترك للدولة العبرية أمر تنفيذ تلك القرارات طوعياً وبإرادة خالصة منها ، بل يجب أن يكون التنفيذ جبرياً ، وذلك بإكراه من يوجه له الخطاب التقيد بالتنفيذ ارتباطاً بإرادة المجتمع الدولي .
إن حق العودة خارج نطاق الاجتهاد أو التفسير ، وفق ما قرره القانون الدولي الذي يلزم من يوجه له القرار بضرورة التقيد بالتنفيذ، ووفق كل الشواهد وتجربة العقود الماضية فمن غير المعقول أن يترك للدولة العبرية أمر تنفيذ تلك القرارات طوعياً وبإرادة خالصة منها ، بل يجب أن يكون التنفيذ جبرياً ، وذلك بإكراه من يوجه له الخطاب التقيد بالتنفيذ ارتباطاً بإرادة المجتمع الدولي .
وإذا
كان من الممكن القول أن ما يسمى " بالحق الواقعي " و " نظرية مكر
التاريخ " التي تتكئ على مقولة الدولة ثنائية القومية ،التي يتم ترويجهما من
قبل أطراف عربية ، لمصادرة حق اللاجئين في العودة وسلبهم حقوقهم الأصلية الثابتة ،
يتلاقى مع الطروحات الصهيونية التي يتحدث بها ويروجها مؤلفين ومفكرين غربيين
متعاطفين مع إسرائيل ، فإننا نحيلهم بالمقابل إلى الدراسات العلمية التي تستند إلى
معطيات البحث العلمي لا "الخرافة "ـ حتى إذا ما تركنا ثبات الحق جانباً
ـ تؤكد الإمكانية العملية والواقعية لحق العودة التي يتشبث الفلسطينيون بتحقيقه ،
وإلا لما كان لهذا اللاجئ أن يرفض وعلى مدى خمسون عاماً أكثر من 36 مشروعاً
للتوطين ، لأنها تصادر حقه في العودة .
الخرافة
تبدأ عندما يعرف من يتصدى للقول بعدم واقعية العودة، أن الكتلة الرئيسية للسكان في
الكيان الصهيوني تتركز داخل مساحة الأراضي التي كان يمتلكها اليهود قبل عام 1948
أو حولها ، كما يظهر التحليل السكاني في الدولة العبرية ، فيما لا تزال الأراضي
التي امتلكها الفلسطينيون فارغة في الغالب ، فحوالي 68 في المائة من السكان اليهود
والمقدر عددهم 2924000 حسب إحصائيات 1994 يقيمون تقريباً في المناطق التي أقام
فيها اليهود قبل عام 1948 في مساحة لا تتجاوز 1682 كيلو متر مربع والتي تقدر
نسبتها ب 8 في المائة من مساحة الأراضي التي سيطر عليها الكيان الصهيوني في عام
النكبة ، والتي تبلغ 20325 كيلومتر مربع .
بينما
يقيم 10 في المائة من اليهود و20 في المائة من الفلسطينيين الذين بقوا في ديارهم
في مساحة من الأرض تبلغ 11318 كيلو متر مربع . وهي تقريباً مساحة الأرض التي يمتلكها
الفلسطينيون الذين بقوا في المناطق التي احتلها الصهاينة ، وتقارب نسبتها 57 في
المائة من مساحة الكيان الصهيوني ، فيما يبقى حوالي 7325 كيلو متر مربع ، هي أراضي
اللاجئين الفلسطينيين ، وباستثناء بعض المدن الفلسطينية التي يقطنها بعض اليهود ،
فإن هذه الأرض لا يسيطر عليها سوى 154000 مستوطن .
ومن ثم فإن أي قراءة علمية منصفة لهذه الأرقام ستبين بشكل لا يقبل النقاش أن عودة اللاجئين إمكانية واقعية وممكنة ، ولن تساهم في مغادرة أعداد كبيرة من المستوطنين اليهود أماكن وجودهم الحالي مع أنهم في الأساس محتلون وغزاة .
ومن ثم فإن أي قراءة علمية منصفة لهذه الأرقام ستبين بشكل لا يقبل النقاش أن عودة اللاجئين إمكانية واقعية وممكنة ، ولن تساهم في مغادرة أعداد كبيرة من المستوطنين اليهود أماكن وجودهم الحالي مع أنهم في الأساس محتلون وغزاة .
وفي
معرض دحضها لمقولة " اختلال البنية الديمغرافية الصهيونية " تؤكد
الدراسات العلمية أن الزيادة في السكان في حالة عودة لاجئ لبنان إلى المناطق
الشمالية من فلسطين ، وعودة لاجئ قطاع غزة إلى المناطق الجنوبية عموماً ، ستبقي
اليهود في تلك المناطق أغلبية ، وبما يزيد عن 50 في المائة . وتصبح المقارنة في
هذا الجانب أكثر من ضرورية ، إذا ما حسبنا الكثافة السكانية في القطاع والبالغة
2500 شخص في الكيلومتر المربع الواحد على مساحة القطاع كله والمقدرة 365 كيلو متر
مربع ، والتي تتضاعف لتصل إلى 4200 شخص في الكيلو متر المربع الواحد، إذا ما أخذنا
صافي مساحة القطاع فقط، مع ما يسيطر عليه 32000 مستوطن صهيوني في المنطقة الجنوبية
والتي تبلغ مساحتها 14320 كيلو متر مربع ، من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948
، لتبينا كم هي واقعية العودة .
وبالتأكيد فإن أي ادعاءات تحاول إضفاء عدم الواقعية على حق العودة لن تكون لها مصداقية أو حظ من الموضوعية وفق كل المعطيات العلمية والعملية ،وهي بالضرورة لن تشكل أي انتهاك جسيم لمجال حياة اليهود ، مع أنهم هم من قام بتدمير حياة وبنية الأكثرية من الفلسطينيين عبر احتلال أرضهم وطردهم من منازلهم منذ ستة وخمسون عاماً حيث لا زال 88 في المائة من الفلسطينيين يعيشون في حدود فلسطين الانتدابية ، وفي شريط حولها لا يتجاوز المائة ميل بانتظار عودتهم إلى ديارهم التي اقتلعوا منها. على مرأى ومسمع من العالم الذي تواطأ مع المعتدي ضد صاحب الحق .
الحل بدون عودة يساوي صراعاً مفتوحاً:
إن
التقدم باتجاه إيجاد حل لموضوع الصراع العربي ـ الصهيوني في فلسطين ، سيبقى وهما
ًوسراباً، مادامت قضية اللاجئين وتعويضهم لم يحلا . لأن الشعب الفلسطيني الذي يعيش
على تخوم فلسطين التاريخية وفي المناطق المحتلة عام 1967 ، والذي لا زال يحافظ على
وحدته ونسيجه الاجتماعي في وجه كل محاولات الطمس والتذويب منذ النكبة وحتى الآن ،
لا يمكن له أن يجعل من كل هذا الصمود والصبر دون معنى ، والمعنى الوحيد الذي
بإمكانه أن يفهمه هو حقه في العودة إلى دياره التي هجّر منها .
و ما من شك أن هذا الشعب الذي يمتلك كل هذا الجلد والصبر وقوة الإرادة ، بإمكانه أن يواجه كل من يستهدف النيل من حقه في العودة والتعويض عن معاناة سنوات التهجير القسري وعذابات الغربة . فما من هوية مهما عظمت من الممكن أن تعوض أو تحل محل هويته الفلسطينية ، ففلسطين في البدء وفي كل الأوقات ، والحل يبدأ وينتهي عند تحقيق حق العودة ، وإلا فإن الصراع سيبقى مفتوحاً ما دام هناك لاجئ لم يمارس حقه في العودة إلى دياره .
و ما من شك أن هذا الشعب الذي يمتلك كل هذا الجلد والصبر وقوة الإرادة ، بإمكانه أن يواجه كل من يستهدف النيل من حقه في العودة والتعويض عن معاناة سنوات التهجير القسري وعذابات الغربة . فما من هوية مهما عظمت من الممكن أن تعوض أو تحل محل هويته الفلسطينية ، ففلسطين في البدء وفي كل الأوقات ، والحل يبدأ وينتهي عند تحقيق حق العودة ، وإلا فإن الصراع سيبقى مفتوحاً ما دام هناك لاجئ لم يمارس حقه في العودة إلى دياره .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
شركنا برايك ووجهة نظرك