انضموا معنا

انضموا معنا
نفيــــــــــــد و نستفيـــــــــــد
E-currencies exchanger
E-currencies exchanger

jeudi 24 janvier 2013

شرعية التدخل لأغراض إنسانية بوسائل عسكرية

-->

شرعية التدخل لأغراض إنسانية بوسائل عسكرية

شكلت الأحداث الدولية والإنسانية الكبرى على امتداد التاريخ البشري المعاصر محطات حاسمة في تأريخ مراحل من تطور العلاقات الدولية, كما هو الشأن بالنسبة للحربين العالميتين: الأولى والثانية وانهيار الاتحاد السوفييتي..، وذلك بالنظر إلى آثارها الكبرى في إعادة ترتيب الأوضاع في الساحة الدولية.  وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد شكلت مرحلة حاسمة في إعادة صياغة الأوضاع الدولية عبر بناء نظام يسمح بالمحافظة على مصالح الدول المنتصرة في هذه الحرب, فإن نهاية الحرب الباردة إثر سقوط الاتحاد السوفييتي وما تلاها من متغيرات دولية متعددة و متسارعة أسهم بشكل كبير في بروز مفاهيم وقضايا وأولويات دولية لم تكن معهودة في السابق, وهو الأمر الذي جعل القانون الدولي يوضع محل تساؤل, بعدما راكمت الممارسة الدولية مجموعة من السوابق التي تصب في مجملها اتجاه خرق العديد من مبادئه وتشير إلى بلورة مفاهيم جديدة تشكل في مجملها ثورة على العديد من المفاهيم والضوابط التقليدية.
ومن ضمن أهم المبادئ التي تأثرت بفعل هذه الظروف: هناك مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول, الذي شكل ركيزة أساسية لحماية شخصية وسيادة الدول من كل تهديد أو اعتداء خارجيين وهو ضمن المبادئ الأساسية للقانون الدولي والتي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة ومعظم مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية.
و يبدو أن مسار الممارسة في حقل العلاقات الدولية منذ تأسيس الأمم المتحدة اعتراه مد وجزر تراوح ما بين الانضباط لهذا المبدأ من جهة أو انتهاكه من جهة ثانية, غير أن المتأمل في هذا المسار يجد أن الخرق انتقل من استثناءات كانت تقابل خلال فترة الحرب الباردة برفض وتنديد شديدين من قبل معظم دول العالم, عندما كان هذا التدخل يعتمد على الميثاق ذاته من خلال تأويلات منحرفة أو إقدام بعض الدول على إنصاف نفسها بنفسها خارج إطار المنظمة الدولية إثر شلل مجلس الأمن جراء الإقدام على استخدام حق الفيتو بشكل مكثف, إلى ما يشبه القاعدة العامة بعد الانتقال مباشرة لإعمال هذه التدخلات دون إعطاء الفرص الكافية لإعمال خيارات وبدائل ودية ودبلوماسية أخرى, وذلك أمام الصمت الدولي المريب الذي يرافق مختلف أشكال هذه التدخلات المتزايدة في الساحة الدولية, بالشكل الذي يوحي بتراجع وزوال المبدأ التقليدي وينذر ببلورة مبدأ جديد للتدخل مع انتهاء الحرب الباردة, فزيادة على أشكال التدخل المعهودة في السابق, ظهرت ممارسات تدخلية جديدة تركزت بالأساس في استغلال الأمم المتحدة بشكل منحرف وتعسفي في إعمال هذه التدخلات من خلال إضفاء الطابع الشرعي عليها.
وإذا كان القانون لا يحتمل الخلود والقداسة مطلقا, بحيث يفترض فيه أنه مجموعة من الضوابط, التي يفرضها واقع اجتماعي معين، فإن الحاجة الدولية أصبحت في حاجة ماسة إلى ضبط هذه التدخلات من خلال تطوير القانون الدولي نفسه وآليات تطبيقه أيضا تماشيا مع المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة 
  
مبد أ عدم التدخل ضمن الضوابط الدولية التقليدية
لقد تنبه العديد من الفقهاء والباحثين إلى الغموض الذي اعتور العديد من مبادئ القانون الدولي التي أكد عليها ميثاق الأمم المتحدة, وهو الأمر الذي جعل الممارسة الدولية تحفل منذ نهاية الحرب الباردة بخروقات سافرة للعديد من هذه المبادئ من خلال إقدام بعض الدول على إجراء تكييفات وتفسيرات منحرفة لهذا الميثاق, حيث أن ظروف الحرب الباردة أسهمت إلى حد كبير في تعطيل إعمال مقتضيات القانون الدولي تجاه العديد من المنازعات, بالشكل الذي ظلت معه الأمم المتحدة عاجزة عن التعامل مع مختلف المشاكل الخطيرة التي كان من المفروض أن تعالجها بناء على مقتضيات ميثاقها.
لقد نص الميثاق الأممي في الفقرة السابعة من المادة الثانية صراحة على عدم جواز التدخل في الشؤون التي تعد من صميم السلطان الداخلي للدول, ونظرا لأهمية هذا المبدأ فقد تم تضمينه في مختلف مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية، و هو يتمحور حول حظر كل الأعمال والسلوكيات والتصريحات التي تصدرها أو تقوم بها جهات أجنبية(دول, منظمات دولية..) بشأن قضايا ومشاكل تندرج ضمن الاختصاص الداخلي لدولة أخرى ذات سيادة, وتتزايد خطورة ذلك عندما يتعلق الأمر بتدخل عسكري، والجدير بالذكر أن مبدأ عدم التدخل لا يستبعد فقط استعمال القوة وإنما يمتد إلى كل شكل من أشكال الضغط والتدخل أو التوجه الذي يمس بشخصية الدولة أو بأحد عناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية, وكما هو الشأن بالنسبة للعديد من الاصطلاحات المهمة والخطيرة في نفس الآن الواردة في الميثاق الأممي ( السلم والأمن الدوليين, العدوان, تهديد السلم..), ورد اصطلاح الاختصاص الداخلي مبهما وغامضا, وهو الأمر الذي أدى إلى بروز خلافات حادة داخل الأمم المتحدة حول الجهة التي من حقها تحديد مجال هذا الاختصاص, ومن أين يبتدئ وأين ينتهي؟ ففي الوقت الذي أكدت فيه العديد من الدول أحقية محكمة العدل الدولية في هذا المجال باعتبارها هيئة قضائية دولية, فضلت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الرجوع إلى مجلس الأمن في هذا الخصوص، ولعل تخوف الدول الضعيفة من إمكانية استثمار الدول الكبرى لإمكانياتها داخل المجلس والإقدام على التوسع في تكييف استثناءات التدخل المرتبطة بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن النفس بموجب المادة 51 من الميثاق وتحريك آليات نظام الأمن الجماعي بموجب المادتين 41 و 42 منه, دفعها نحو تكثيف جهودها لإصدار العديد من القرارات التي تعزز سيادتها من داخل الجمعية العامة, ونذكر في هذا الخصوص: * القرار 2131 /1965 المرتبط برفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادته
* ا والقرار 2625/1970 المرتبط بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول
* والقرار الصادر بتاريخ 14-12-1960 المرتبط بحق تقرير المصير
* والقرار الصادر بتاريخ 14-12-1962 المرتبط بالسيادة الدائمة على الموارد الطبيعية..
هذا بالإضافة إلى العديد من القرارات التي أصدرتها مختلف المنظمات الإقليمية كحركة عدم الانحياز والجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية والتي تصب في نفس الاتجاه.
كما أن محكمة العدل الدولية بدورها أثرت القانون الدولي بالعديد من الاجتهادات التي تعزز وتؤمن سيادة الدول وتحرص على منع التدخل بكل أشكاله, ونذكر في هذا الخصوص قضية كورفو (1949) وقضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا( 1986)...
سيادة الدول في عالم متحول
أسهم انتهاء الحرب الباردة بشكل كبير في دفع أطراف المجتمع الدولي إلى الالتفات إلى قضايا ومشاكل دولية جديدة لا تخلو من أهمية وخطورة في نفس الآن, كالمشاكل الناجمة عن التحولات الديمقراطية أو خرق حقوق الإنسان أو الصراعات العرقية والإثنية والمشاكل البيئية والإرهاب والهجرة وتهريب الأسلحة والمخدرات والجريمة المنظمة والأمراض الفتاكة..التي تجاوزت مخاطرها وتداعياتها حدود الدول, مما أدى إلى بروز مدلول جديد وواسع للسلم والأمن الدوليين الذي لم يعد يعني بكل تأكيد الأمن العسكري فقط.
وأمام هذا الزخم الكبير من المتغيرات ساد شعور قوي في الأوساط الدولية بعدم قدرة الدول بمفردها على التغلب هذه المشاكل والتحديات, وبالتالي الإقرار بضرورة بلورة أشكال تنسيقية جماعية لمواجهة هذه الأمور التي تجاوزت بعض تداعياتها مخاطر الحرب الباردة ذاتها, وهكذا برزت المؤتمرات الدولية كآلية لاحتواء هذه المخاطر من خلال سبل التنسيق والتعاون.
ومن ناحية أخرى تسارعت وثيرة زحف العولمة التي اكتسحت مهام ووظائف عديدة كانت إلى حين تعد من ضمن الوظائف الأساسية للدولة, وهكذا كثفت الدول تنسيقاتها في مختلف المجالات, وهو الأمر الذي كلفها التنازل عن قسط مهم من سيادتها في سبيل مواجهة التحديات الراهنة.وإذا كان دور بعض المنابر والمنظمات الإقليمية والدولية الحكومية قد شهد تراجعا وخفوتا كبيرين إثر انتهاء فترة الحرب الباردة, كما هو الشأن بالنسبة للجمعية العامة للأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز والجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية.. أمام التطور الهائل الذي عرفته التنظيمات الإقليمية في دول الشمال, فقد تنامى دور المنظمات الدولية غير الحكومية على اختلاف أنواعها, حيث أصبحت في معظمها تجسد بشجاعة موقف الرأي العام الدولي تجاه قضايا دولية معينة أفرزتها العولمة, رغم التضييقات التي تمارسها في حقها العديد من الدول في زمن دخلت فيه القوى العظمى في علاقات تواطئية مع مختلف الأنظمة لدول الجنوب نحو تكريس قيم وسلوكات لا تعرف إلا لغة المصالح ولو على حساب البشرية والقانون, فهذه الهيئات الدولية التي تهدف الضغط على الدول باتجاه تعديل أو تبني أو التخلي عن سياسات معينة, وبالنظر للإمكانيات الضاغطة التي تمتلكها من قبيل إصدار التقارير كآلية للتشهير عبر وسائط الاتصال التقليدية والمتطورة, وممارسة مختلف أشكال الضغط عل الدول للانضمام لاتفاقيات معينة, ومتابعة ومراقبة مدى انضباط الدول واحترامها لالتزاماتها الدولية, أصبحت تحرج الدول بشكل جدي, حيث اضطرت هذه الأخيرة للتعايش معها ولفتح المجال أمامها للقيام بواجباتها, بعد أن كانت تعتبرها العديد من هذه الدول حتى وقت قريب خصما خطيرا يتهدد سيادتها.
و بالنظر إلى تطور وسائل الاتصال الدولية وما خلفه ذلك من تقصير للمسافات بين الشعوب، أضحى للإعلام دور بارز في بلورة رأي عام دولي كقوة ضغط موحدة تجاه قضايا إنسانية مشتركة, قد لا تعكس في مجملها المواقف الرسمية.
أما الشركات العالمية الكبرى والتي كانت حتى وقت قريب محط استنكار وتنديد من قبل الدول النامية, باعتبارها آلية للهيمنة والاستغلال والإمبريالية, أضحت في زمن العولمة تشكل مراكز جذب, حيث أصبحت العديد من الدول النامية تتنافس في منحها تسهيلات مغرية للاستثمار فوق ترابها, وبدأ ينظر إليها باعتبارها تحمل الحلول السحرية لأزماتها ومشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أحيانا.
وهو الأمر الذي عزز الانتشار العالمي للرأسمالية الذي سيؤدي إلى تآكل وضمور قوة واستقلال الدول  وبخاصة مع انتشار الأنماط الفكرية والقيم الغربية عالميا والتي تجاوزت الاقتصاد والسياسة إلى الثقافة والقانون.
وأمام كل هذا تباينت الفوارق الاقتصادية بين شمال يزداد غنى وتطورا, وجنوب فقير يرزح تحت نير النزاعات والأزمات على اختلاف أنواعها وأشكالها.
في هذا الإطار أفرزت الممارسة الدولية الفردية والجماعية تدخلات متعددة الأشكال (عسكرية, سياسية, اقتصادية..) والأبعاد (إنسانية, ديمقراطية, بيئية, أو بذريعة مكافحة الإرهاب أو الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل..) والخلفيات.
ورغم تخوفاتها الجادة على مصير سيادتها ضمن هذه التحولات الدولية المثيرة وجدت العديد من الدول الضعيفة نفسها مجبرة على الانخراط في هذا التنسيق مع الحرص على الموازنة بين أولويات التطور والاندماج في المجتمع الدولي من جهة والمحافظة ولو بشكل محتشم على مقومات سيادتها من ناحية ثانية.
ومن جهة أخرى, وفي سبيل احتواء المخاطر الجديدة برزت مقاربات متعددة منها ما هو جماعي تم في إطار الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى، أو بعض التحالفات أو خضع لمقاربات انفرادية تمت بناء على تكييفات محددة لقواعد القانون الدولي.
فالأمم المتحدة باعتبارها مرجعا لتنسيق أعمال الأمم, قامت بمحاولات لتكييف سلطاتها وسلوكاتها مع هذه المتغيرات الدولية، حيث عملت على تفعيل آليات اشتغالها ووسعت من مجالات تدخلها, وفي هذا السياق قام مجلس الأمن خلال اجتماع القمة للدول الأعضاء بتاريخ 31 يناير من سنة 1992 بتحديد مجموعة من الأولويات الجديدة للهيئة تركزت حول: رفض الإيديولوجيات المتباينة ووضع أساس إيديولوجي قوامه الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب بكافة مظاهره وتقوية دور المجلس والأمين العام الأممي, وتبني إستراتيجية الدبلوماسية الوقائية, التي ترمي إلى منع نشوب منازعات بين الأطراف ومنع تصاعد المنازعات القائمة وتحولها إلى صراعات, ووقف انتشار هذه الصراعات عند وقوعها.
وقد سمحت الظرفية الدولية بعد رحيل الاتحاد السوفييتي بتوسيع مجالات تدخل مجلس الأمن وتفعيل وتطوير آلياته, حيث تمكن من التعامل مع قضايا دولية جديدة, وفي هذا السياق تعززت آلية العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية في إطار إعادة الاعتبار لنظام الأمن الجماعي الذي ظل معطلا منذ استعماله أول مرة بصدد أزمة كوريا في بداية الخمسينيات من القرن المنصرم, كما تم تفعيل وتوسيع عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
ومن جهة أخرى أفرزت التحولات التي لحقت بالمعسكر الشرقي بروز الولايات المتحدة كقطب مهيمن بعد أن استثمرت الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه رحيل الاتحاد السوفييتي إضافة إلى إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية لصالحها, ولقد تم تدشين هذه الزعامة مع اندلاع أزمة الخليج الثانية, قبل أن تتأكد في منازعات وقضايا دولية أخرى, وهو الأمر الذي أتاح لهذه الدولة التدخل في المناطق النائية وضبط بؤر التوتر واحتواء الأنظمة والجماعات المعادية لمصالحها, وهو ما تبين خلال مناسبات دولية متعددة كمشكلة الشرق الأوسط وأزمة البوسنة والهرسك والمشكلة الصومالية وقضية "لوكربي" وأزمة هاييتي والتدخل العسكري في أفغانستان والعدوان الأخير على العراق.. سواء من خلال السبل الترهيبية أو الترغيبة, الانفرادية أو الجماعية عبر استثمار إمكانياتها داخل المؤسسات الدولية السياسية كمجلس الأمن والاقتصادية كصندوق النقد والبنك الدوليين.
هذا بالإضافة إلى تفعيل دور حلف شمال الأطلسي رغم انقضاء الحرب الباردة ليتلاءم مع المعطيات الدولية الجديدة, حيث انتقل من الدفاع ضد تهديدات معروفة تركزت أساسا في مواجهة "الخطر الشيوعي" إلى تهديدات مرتقبة وواسعة, تجاوزت الفضاء الأوربي وشمال الأطلنطي إلى كل المناطق التي قد تهدد فيها سلامة أعضائه, وبخاصة بعد أن حاولت الولايات المتحدة إضفاء طابع من الخلط بين أمنها القومي والدولي.
وإذا كان زوال الاتحاد السوفييتي وانقضاء الحرب الباردة, قد أسهم بشكل كبير في سيادة ارتسام قوي في الأوساط الدولية بإمكانية نفض الغبار عن العديد من مقتضيات القانون الدولي التي عطلت لفترة زمنية تناهز نصف قرن جراء الصراع الإيديولوجي, فإن الوضع الدولي المشحون بالتناقضات والأزمات الذي أعقب ذلك، بدا معدا بشروط تنذر بتراجع العديد من المبادئ التقليدية مثلما هو الشأن بمبدأ عدم التدخل.
التدخل ضمن الممارسة الدولية الجماعية
اختلفت مرتكزات التدخل ومبرراته من فترة الحرب الباردة إلى الفترة التي أعقبت انقضاءها، ففي السابق وبالنظر للتعامل الحذر مع سيادة الدول, نهل التدخل شرعيته في غالب الأحوال من ذرائع وتكييفات الدول التي أقدمت عليه، أي أن التبرير يأتي بعد التدخل, أما في ظل المتغيرات الدولية الراهنة, فإن مصدر شرعية معظم التدخلات كانت تأتي من الأمم المتحدة (حرب الخليج الثانية، الأزمة الصومالية, هاييتي, رواندا, تيمور الشرقية, سيراليون..) أو بناء على تحالفات جماعية (كوسوفو, ليبريا..) أي قبل ممارسة التدخل.
لقد تنامت أشكال التدخل وتباينت مجالاته ودوافعه والجهات التي تقدم عليه, ورغم الصمت الدولي أمام هذه التدخلات التي غالبا ما أصبح ينظر إليها كإفراز طبيعي للتطورات الدولية الجارية, أو تتحكم فيها اعتبارات مصلحيه أو بفعل ضغوطات تمارسها بعض القوى, فإنها غالبا ما تخلف نقاشات واسعة بصدد شرعيتها أو ضرورتها، وفي هذا الصدد فإن التدخلات التي تتم وتفرض أحيانا خرق المبدأ الأساسي من خلال الأمم المتحدة, أصبحت تدخل ضمن هذا السياق أكثر من تلك التي تتم بشكل منفرد باعتبار أن هذه المنظمة هي إطار دولي لحفظ السلم والأمن الدوليين.
ما من شك في أن التطور الدولي أثبت عدم ملائمة مبدأ عدم التدخل بصيغته التقليدية المطلقة للمتغيرات الدولية الجارية، ولذلك جاءت الممارسة الدولية حافلة بالعديد من السلوكات التي تعكس في مجملها تراجعا لهذا المبدأ, وإذا كانت مراجعة هذا الأخير في صيغته الصارمة أضحى أمرا ضروريا في زمن العولمة, فإن تكييف هذا المبدأ مع الواقع الدولي المتغير, أضحت تتجاذبه مصالح وأولويات عالمية من جهة ومصالح انفرادية ضيقة من جهة أخرى.
فعلى صعيد الأمم المتحدة وموازاة مع التطورات الدولية, وبالنظر إلى السلطات المهمة المخولة لمجلس الأمن في تكييف الحالات الموجبة للتدخل, بناء على مقتضيات المادة 39 من الميثاق والتي تسمح له بالتدخل بناء على سلطات تقديرية واسعة تخضع في أغلب الأحيان لمصالح الدول الكبرى , فإن هذا الجهاز تمكن من إصدار مجموعة من القرارات التي تؤسس لنوع جديد من المقاربات التي تمهد لتجاوز المفاهيم التقليدية لمبدأ عدم التدخل, بحيث دشن بداية التسعينيات بإصداره لمجموعة من القرارات التي تجسد في مجملها تعاملا جديدا مع المشاكل والأزمات الدولية في علاقته بمبدأ عدم التدخل.
فبتاريخ 05/04/1991 أصدر المجلس قراره رقم: 688 ضد العراق جاء فيه: "إن المجلس منزعج مما يتعرض له المدنيون العراقيون من قمع في أماكن متعددة في العراق وفي المنطقة التي يسكنها الأكراد أيضا مما أدى إلى نزوح مكثف للاجئين نحو الحدود أو حتى عبورهم الحدود وأدى ذلك إلى حدوث بعض الصدامات الحدودية مما يهدد السلم والأمن الدوليين", كما طالب القرار من العراق وقف هذا القمع فورا وإقامة حوار مفتوح لكفالة احترام حقوق الإنسان والحقوق السياسية للجميع مع السماح بوصول المنظمات الإنسانية الدولية، وقد شكل هذا القرار نقطة تحول ثورية جديدة في مسار المجلس.
وفي 31/03/1992 أصدر المجلس قراره رقم 748 بخصوص ليبيا جاء فيه: "إيمانا من المجلس بأن قمع أي عمل إرهابي دولي… يعد أمرا ضروريا للحفاظ على السلم والأمن الدوليين". وهذا بدوره قرار من نوع جديد أضاف من خلاله المجلس عاملا جديدا لتهديد السلم والأمن الدوليين.
كما أصدر المجلس قراره رقم 794 بتاريخ 03/02/1993 بشأن الأزمة الصومالية, معتبرا فيه: " أن حجم المأساة الإنسانية الناتجة عن النزاع في الصومال… مما يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين". وفي هذا القرار كذلك يلاحظ أن المجلس ولأول مرة منذ إنشاء الأمم المتحدة سنة 1945, يعطي تفويضا رسميا لقوات من دول أعضاء في المنظمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، للتدخل عسكريا في دولة أخرى لم تطلب هذا التدخل، وذلك لإنقاذ مواطنيها من الموت جوعا. ودعا إلى استخدام كل الوسائل لإيجاد بيئة آمنة لعمليات الإغاثة الإنسانية ومنع الصومال من "الانتحار الجماعي".
وأمام الاستياء والتحفظ اللذين أبدتهما بعض الدول وخصوصا النامية منها بعد قيام تحرك دولي بهذا الخصوص تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية, صرح بطرس غالي: " إننا في مواجهة وضعية جديدة غير منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة." وقد كانت مبررات المجلس في هذه الحالة هي غياب حكومة شرعية في الصومال التي انهارت فيها الدولة بسبب تفاقم الصراعات والنزاعات الداخلية الدامية.
كما أصدر المجلس قراره رقم 940 يجيز فيه التدخل العسكري في هاييتي، فاستنادا إلى الفقرة الرابعة من هذا القرار: "فإن مجلس الأمن يجيز للدول الأعضاء إنشاء قوات متعددة الجنسيات تكون تحت قيادة ومراقبة موحدة، لإعطاء الوسائل الممكنة لتسهيل رحيل النظام العسكري وعودة الحكومة الشرعية". وهذه هي المرة الأولى التي يقضي فيها المجلس باستعمال القوة من أجل إعادة نظام منتخب ديمقراطيا، وهي بدورها من المهمات الجديدة التي أصبح يباشرها المجلس بعد اعتباره للوضعية في هاييتي شكلا من أشكال تهديد السلم والأمن الدوليين.
وأصدر المجلس قرارا آخر بخصوص الأزمة السياسية في هاييتي, ويحمل هذا القرار رقم 841 بتاريخ 17 يونيو 1993 جاء فيه: " … لقد لاحظ المجلس بقلق تدهور الأزمة الإنسانية مما أدى إلى النزوح الجماعي للسكان مما يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين".
وبناء على تقرير مقدم للمجلس من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 19 فبراير 1992، أصدر المجلس قراره رقم 745 في 28 فبراير 1992 الذي طلب فيه تشكيل هيئة مؤقتة للأمم المتحدة في الكامبودج وحدد مهمتها في 18 شهرا وخصص لها مليارين من الدولارات للقيام بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في إطار احترام السيادة الكامبودية إلى جانب الإشراف على عملية الانتخابات باتجاه "دمقرطة" البلاد.
وأمام هذا التوسع المطرد في مجالات تدخل المجلس أبدت الكثير من الدول الضعيفة تخوفها وقلقها من أن يتحول الجهاز من آلية مسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين إلى جهاز للاعتداء على الشعوب والدول بناء على خلفيات ضيقة.
وكرد فعل على هذه التخوفات واستجابة للتحديات التي واجهها المجتمع الدولي في العديد من حالات التدخل, طلب الأمين العام الأممي الحالي "كوفي أنان" من أعضاء المنظمة بلورة تصور مشترك بين كافة الدول حول التدخل الإنساني, وذلك في سياق التوفيق بين سيادة الدولة وسيادة الشعب, واستجابة لذلك, قام وزير خارجية كندا بتشكيل "لجنة دولية للتدخل وسيادة الدول" تضم عدة شخصيات (رؤساء دول ورؤساء وزراء سابقين وممثلين عن الأمم المتحدة..) وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرها بتاريخ 18 دجنبر2001 أكدت فيه على ثلاث مبادئ أساسية,
الأول: هو استخدام مفهوم "المسؤولية الدولية للحماية" بدل "التدخل الإنساني" لتجنب ما قد يثيره التعبير الأخير من مخاوف السيطرة والهيمنة,
والثاني: يتعلق بوضع مسؤولية الحماية على المستوى الوطني في يد الدولة الوطنية, وعلى المستوى الدولي تحت سلطة مجلس الأمن,
 أما المبدأ الثالث: فيركز على أن عملية التدخل لأغراض "الحماية الإنسانية" يجب أن تتم بجدية وكفاءة وفاعلية وبناء على سلطة مباشرة مسؤولة. كما أكد التقرير على أن مسؤولية حماية أرواح ورفاهية المواطنين تقع أولا وأخيرا على عاتق الدولة ذات السيادة, وإذا اتضح برغم ذلك أن الدولة المعنية غير قادرة أو غير راغبة في حماية مواطنيها, أو أنها هي نفسها الجاني والمتسبب فيما يتعرض له المواطنون من عنف وأضرار, ففي هذه الحالة يجب أن تنتقل المسؤولية إلى الأسرة الدولية ممثلة في مجلس الأمن, وانتهى التقرير إلى أن التدخل العسكري لأغراض "الحماية الإنسانية" يجب أن ينظر إليه على أنه حالة خاصة واستثنائية لمواجهة ضرر إنساني لا يمكن إصلاحه أصبح وشيك الحدوث, أي أن التدخل العسكري ينبغي ألا يحدث إلا كخيار اضطراري أخير.
وإذا كان التدخل باسم حماية الإنسانية ليس بجديد في الممارسة الدولية المعاصرة, فإن الجديد في هذا الشأن هو كثافة هذه التدخلات بشكل غير مسبوق وانتقاله من مجرد تقديم المساعدات بناء على اتفاقات مسبقة إلى التدخل بصفة مباشرة بناء على قرارات أممية أو خارجها, مما خلف العديد من الانحرافات.
يتطلب تقييم السلوكات التدخلية في هذا الشأن ومحاولة تكييفها قانونا, الوقوف على الوسائل المتخذة والدوافع الحقيقية للتدخل وكذا الجهة القائمة به. إن الدول التي تقدم على التدخل إلى حد استعمال القوة في سبيل ذلك, تبرر مواقفها بالاستناد إلى القانون الدولي انطلاقا من تكييف بنوده, كالتوسع في تفسير مبدأي عدم التدخل أو منع استخدام القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية والاستثناءات الواردة عليهما.
وهو الأمر الذي دفع بالبعض إلى القول:"أن القانون الدولي غدا منظما مخلصا للاعدالة الدولية, بل للفوضى الدولية التي ترتدي قناع النظام" .
من المعروف أن خرق حقوق الإنسان والتعسف في مواجهته كانت تندرج في السابق ضمن الاختصاص الداخلي للدول, غير أنه مع مرور الوقت وتنامي الاهتمامات الدولية بحقوق الإنسان, أصبح للفرد أهمية كبرى ضمن اهتمامات القانون الدولي, وهكذا برزت مفاهيم واصطلاحات تتعلق ب"واجب التدخل" و"ضرورة التدخل" بل و"حق التدخل" لمساعدة شعب على نيل استقلاله أو بطلب من حكومة شرعية أو التدخل لحماية شعب من الإبادة أثناء الصراعات العرقية الدامية كتلك التي عرفتها أوربا الشرقية. ؟ ماذا عن الشعب الفلسطيني أليس له الحق في تقرير مصيره و الدفاع عن حقوقه ؟
لقد اعتبر التدخل الإنساني المعروف بعملية "إعادة الأمل" في الصومال, بمثابة حالة فريدة في الممارسة الدولية, حيث تم توظيف قوات عسكرية من أجل تأمين عمليات تقديم المساعدات الإنسانية, ولعل أهم الأسباب التي تم بها تبرير هذه السابقة هو غياب حكومة مركزية قادرة على عقد اتفاق يتم بموجبه هذا التدخل في ظل الصراعات العرقية, ولقد أشار القرار 794 إلى الطابع الاستثنائي لهذه الحالة, وبغض النظر عن فشل أو نجاح هذه العملية ميدانيا, فإن الملاحظ هو اختلاط الدور الأممي بالأمريكي فيها من خلال هيمنة الثاني على الأول, بعدما تدخلت القوات الأمريكية في مسار الصراع السياسي وتجاوزت بذلك مهامها الإنسانية.
أما في العراق فقد أدت "الممرات الإنسانية" التي تم خلقها "لصالح" أكراد العراق إلى استثنائهم من السيادة العراقية .. لحمايتهم من النظام العراقي باسم الإنسانية, غير أن نفس الشعب الكردي في فصيلته التركية, يقتل رسميا داخل تلك المنطقة المحمية بالذات من طرف الغرب دون أن يرى تجار الإنسانية في ذلك مساسا بالإنسانية" .
وتبدو سياسة الكيل بمكيالين واضحة في هذا الصدد, ذلك أن العديد من الخروقات والاعتداءات على الحقوق والحريات البشرية في مناطق شتى من العالم كفلسطين والعراق تواجه بالصمت, وكأن حقوق الإنسان تعني طائفة بشرية دون أخرى.
وبالإضافة إلى ما يثيره التدخل من إشكالات قانونية تعد في مجملها انحرافا عن القاعدة الأصلية, فهناك مشاكل أخرى يطرحها هذا الإجراء من قبيل التدخل في الدولة باسم الإنسانية ثم التورط في الصراع القائم, وهو ما يفرغ هذا السلوك من محتواه الأخلاقي ليكتسي أبعادا وخلفيات سياسية, أو منح مساعدات إنسانية مشروطة بتنازلات معينة تمس في مجملها سيادة الدول.
وفي سياق التجاذب بين الخصوصية والكونية فإن الدفاع عن حقوق الإنسان في سياق بلورة مفاهيم غربية دوليا يصطدم أحيانا بالخصوصيات المحلية, ونفس الشيء يمكن أي يقال بصدد التدخلات باسم الديموقراطية التي غالبا ما تكتسي بدورها خلفيات سياسية, بحيث يتم التركيز على المؤسسات الرأسمالية لا الفاعيلة المحلية.
ومن جهة أخرى أضحت الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن آلية لتبرير تدخلات العديد من القوى الدولية الكبرى وبسط هيمنتها وتكريس سياساتها دوليا, فبصدد أزمة "لوكربي" تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت من التحكم في مجريات القضية وذلك بعد تحويلها من طابعها القانوني الصرف إلى طابع سياسي, تطلب تدخل المجلس الذي فرض عقوبات زجرية على ليبيا لسنوات عدة، كما أن التدخل العسكري الأمريكي الأخير في أفغانستان تم بموجب قرار صدر عن المجلس تحت رقم 1368 بتاريخ 12 شتنبر 2001, حيث اعتبر فيه أن: "العمليات الإرهابية التي تمت بتاريخ 11 شتنبر, مثل أية عملية للإرهاب الدولي تعد تهديدا للسلم والأمن الدوليين", وبالتالي منح لها الحق في الدفاع الشرعي والجماعي بناء على الفصل 51 من الميثاق.
وإذا كانت مخاطر الإرهاب قد تطورت وأصبحت تكتسي خطورة كبرى, وذلك بالنظر إلى شدة الدمار الذي يحثه, والذي أضحت تداعياته وتجلياته تعادل مخاطر العدوان, فإن المشكل الذي يطرح عند تكييف بنود الميثاق المرتبطة بحق الدفاع الشرعي في هذه النازلة الدولية تصطدم هنا بالطرف الشبح غير النظامي الذي ارتكب هذه العمليات, والوسائل والآليات الجديدة غير العسكرية وغير المعهودة التي تم توظيفها في ذلك, والتي تتجاوز منطوق المادة السابقة.
كما أن المجلس لم يكلف نفسه عناء متابعة العمليات العسكرية, وهو ما جعل الرد يتم بشكل مرتب, وتحول إلى عمل انتقامي وتجاوز في خطورته الدفاع عن النفس بناء على قاعدة التناسب.
التدخل ضمن الممارسات الأمريكية: من استثمار الشرعية إلى تجاوزها تدرجت الإستراتيجية التدخلية الأمريكية عبر ثلاث مراحل: فمن التدخل بناء على فرض عقوبات انفرادية تتنوع بين الطابع السياسي والاقتصادي والعسكري, عبر تكييفات متعددة للقانون الدولي خارج نطاق الأمم المتحدة إبان فترة الحرب الباردة, بسبب الشلل الذي أصاب المجلس جراء تحوله إلى حلبة للصراع بين الشرق والغرب, انتقلت إلى استثمار هذه المنظمة ذاتها لإضفاء الطابع الشرعي على هذه التدخلات بعد انهيار المعسكر الاشتراكي, قبل أن تلجأ أخيرا إلى اختصار الطريق مرة أخرى من خلال اللجوء إلى عمليات عسكرية مباشرة تناقض إرادة الأمم المتحدة ذاتها دشنتها في العراق.
لقد اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة عقود مضت على نهج سبل الزجر والعقوبات بشتى مظاهرها وأنواعها في مواجهة الأنظمة التي اعتبرتها معادية وخارجة عن طاعتها، بعد تصنيفها ضمن قائمة الدول المارقة أو الديكتاتورية أو ضمن محور الشر. وإذا كانت هذه الدولة قد اكتفت في ظل اشتداد الحرب الباردة بفرض عقوبات أحادية على بعض هذه الدول مثلما هو الشأن بالنسبة لكوبا، فإنها عززت هذه الوسيلة وطورتها ووسعت من مجالها بإضافة تقنية العقوبات الدولية الجماعية إليها بعدما أتاح لها انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، توظيف الأمم المتحدة بصفة عامة ومجلس الأمن على وجه الخصوص بشكل واسع لفرض عقوبات مختلفة على هذه الأنظمة في إطار ممارسة المزيد من التضييق عليها وتصفية الحسابات معها، وكذا تشديد الخناق على ما تعتبره آخر الجيوب الراديكالية في العالم، بل واستغلال هذا الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه رحيل الاتحاد السوفييتي لتوجيه ضربات عسكرية تأديبية لهذه الدول مثلما تم مع ليبيا في منتصف الثمانينيات والسودان وأفغانستان في أواخر التسعينيات من القرن المنصرم.
إلى حد إصدار قوانين يتم بموجبها خطف أفراد أجانب موجودين خارج ترابها ومحاكمتهم أمام محاكمها.
ولقد تعززت هذه السياسة وتقوت من جديد بعد أحداث 11 أيلول في سياق ما أصبح يعرف بالحملة الأمريكية / الدولية لمكافحة "الإرهاب" التي كرست أولوية الأمن على حساب الحريات العامة, وذلك بإضافة إستراتيجية الضربات الوقائية إليها, كآلية جديدة للتخلص من كل الأصوات الرافضة لسياساتها, ويهدف هذا الأسلوب الجديد الذي تعتبره الولايات المتحدة شكلا من أشكال الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، إلى توجيه ضربات عسكرية مسبقة إلى كل هدف يعتقد أنه يشكل خطرا آنيا أو مستقبليا على مصالحها، سواء كان دولة أو شخصا أو منظمة أو منشأة أو آلية..., ويبدو من خلال تبني هذا الخيار الجديد الذي سيهمش السبل الدبلوماسية لإدارة الأزمات وتسوية المنازعات الدولية, أن سياسة الولايات المتحدة قد انتقلت من أسلوب الدفاع والردع إلى أسلوب الهجوم وتوجيه ضربات عسكرية إلى كل الدول "المارقة" الساعية لامتلاك أسلحة محظورة، كتدبير كفيل بمواجهة مخاطر جديدة وأعداء/ أشباح جدد بإمكانهم تهديد مصالحها وترابها بشكل جدي أو محتمل بعد استفادتهم من التكنولوجيا الحديثة, فبوش الابن يرى أن الحرب على الإرهاب لا يمكن كسبها من خلال إتباع إستراتيجية دفاعية...بل باتخاذ المبادرة الرامية لإحباط خطط العدو ومواجهة المخاطر قبل بروزها.
وفي هذا السياق يرى المفكر الأمريكي "نعوم تشومسكي" بأن هذه الإستراتيجية تقوم على:"استخدام القوة المسلحة للقضاء على تهديد ملفق أو متخيل بحيث يبدو اصطلاح "وقائي" وكأنه عمل عظيم, إن الحرب الوقائية هي بكل بساطة الجريمة المطلقة التي أدينت في محاكمات نورمبرغ".
وترى الولايات المتحدة من جهتها أن الإرهاب يترعرع في كنف الدول "المارقة", ولذلك فهي تسعى – الولايات المتحدة- إلى تطوير وتأهيل قدراتها العسكرية لتتلاءم مع هذه المخاطر ومع مظاهر هذه العمليات الجديدة, وذلك من خلال رصد ميزانية مالية ضخمة للجانب العسكري واستثمار التكنولوجيا المتطورة في هذا المجال, بهدف تطوير أساليب رصد ومراقبة تحركات الدول الساعية لامتلاك هذه الأسلحة والتي تقر الولايات المتحدة عدم شرعية مساعيها, وتطوير أساليب تحديد المنشآت المستهدفة بعملياتها العسكرية بدقة متناهية لتدميرها بسرعة فائقة, ويمكن ملاحظة أن التصور الأمريكي لهذه الإستراتيجية التي تهدف حماية الأمن القومي من مخاطر محتملة أو على وشك الوقوع، تقتضي إتباع سرعة فائقة في الهجوم لا تتاح معها إمكانية فحص شرعية هذه التدخلات وتكييفها مع القانون الدولي, وذلك تحت ذريعة ضرورات احتواء هذه المخاطر في مهدها وبكون الخصم له خصوصيات استثنائية, ومن تم فاستعمال القوة في هذا الشأن يمكن أن يرتكز على تقدير نوايا الخصم وإمكانياته بغض النظر عن الدلائل الدامغة والحقيقية.
وفي هذا الصدد يصرح بوش الابن:"إن الردع أو الإنذار برد عنيف شامل ضد دول لا معنى له في محاربة شبكات إرهابية شبحية لا تدافع عنها دول, والاحتواء غير ممكن عندما يستطيع دكتاتور معتوه أن يطلق ما لديه من أسلحة دمار شامل أو أن يزود بها حليفه الإرهابي سرا..إننا إذا قعدنا ننتظر الخطر, فإننا نكون قد انتظرنا أكثر من اللازم".
ويؤكد بوش أيضا على أن طبيعة التهديدات الحالية المنتشرة في شكل جماعات إرهابية أو حكومات ديكتاتورية لا أحد يدري ما الذي تصنعه داخل بلادها, يتطلب إتباع عقيدة عسكرية مختلفة تقوم على الإجهاض المبكر، قبل أن يستفحل الخطر.
وهذا المبدأ الجديد أسقط ما كان قد أعلنه الرئيس الأمريكي نفسه أثناء حملته الرئاسية حول خفض الترسانة النووية الأمريكية من جانب واحد، فهو يؤكد على أن خطر انتشار الأسلحة لا يتم عن طريق المعاهدات وإنما عن طريق الهجوم المباغت.
ولذلك يعتقد البعض أن هذه الإستراتيجية الجديدة تحمل في طياتها مخاطر ردود أفعال غير محسوبة، كحدود المجازفة بالرد الثأري أو الانتقامي...كما أنها تتسم بالخطر الكبير على العالم لكونها تلغي فرضية الردع الكلاسيكية التي تقوم على التهديد لا الضرب .
ويمكن القول أن هذه الإستراتيجية تؤسس لمرحلة دولية جديدة سمتها الفوضى التي هي في صالح تكريس الهيمنة الأمريكية دوليا, بحيث بإمكان هذه لإستراتيجية أن تشجع بعض الدول على الاعتداء على دول أخرى بتهمة امتلاك أسلحة محظورة أو السعي لامتلاكها وبالتالي تكريس اللجوء للقوة العسكرية لتسوية الخلافات وهو ما سيؤدي حتما إلى تهميش دور الأمم المتحدة في تدبير النزاعات والأزمات الدولية وتشجيع سياسة التدخل في شؤون الدول الضعيفة دون حدود أو ضوابط.
ولعل التدخل العسكري الأمريكي الأخير في العراق قد تم وفقا لهذه الإستراتيجية الجديدة, حيث افترضت الولايات المتحدة إمكانية إقدام العراق على مهاجمتها يوما ما بأسلحة دمار شامل إما مباشرة أو عبر وكلاء، وهو ما يعطي انطباعا أوليا بأن الولايات المتحدة لم تعد راضية عن إمكانياتها داخل الأمم المتحدة وعن الهامش الذي يتيحه لها استخدام المجلس كآلية لشرعتة تدخلاتها, لتنتقل إلى تصفية حساباتها بنفسها.
مسؤولية الأمم المتحدة في عقلنه التدخل: الضرورة والإكراهات
إذا كان من المفروض أن يستجيب القانون الدولي باستمرار إلى المتغيرات والمستجدات التي يفرزها التطور, فإن ترجمة هذه الحاجيات إلى ضوابط غالبا ما تتحكم فيها اعتبارات وخلفيات مصلحية، على اعتبار أن القانون الدولي يشكل في شموليته آلية لخدمة مصالح القوى الدولية الكبرى المسيطرة والمتحكمة في العلاقات الدولية.
ولعل غياب ضوابط دولية تحمل قدرا من التوافق بين جميع دول العالم بشماله وجنوبه, تؤطر هذه التدخلات التي أصبحت ضرورية في بعض المجالات الجديدة, من شأنه أن يراكم سوابق قد تهدد بانهيار القانون الدولي برمته.
قد يبدو للبعض أن القانون الدولي شهد في العقد الأخير نوعا من التفعيل, من خلال تحريك العقوبات الجماعية التي قادتها الأمم المتحدة بشكل مكثف في مواجهة بعض الدول, فهناك من اعتبر في هذا الخصوص "أن القانون الدولي قد بات لا يقتصر على مجرد النص على قواعد تعد مخالفتها أمرا غير مشروع, بل أصبح مزودا بوسائل يتم إعمالها لإسباغ الفاعلية على هذه القواعد", لكن الملاحظ أن هذا التفعيل الذي لحق بالأمم المتحدة على مستوى التحرك وتنفيذ القرارات من خلال نهج سياسة العقوبات أو متابعة بعض القضايا من خلال سياسة التفتيش, لم يوازيه تطور على مستوى إشراك العديد من الدول التي ظلت على الهامش في بلورة القرارات الدولية في هذا الخصوص, مما جعل هذه الأخيرة, تصب في خدمة مصالح صانعيها أكثر من خدمة السلم والأمن الدوليين كما هو مفروض, وبالتالي فرض احترام القانون في مواجهة الدول الضعيفة وحدها.
وفي هذا الصدد يشير أحد الباحثين إلى أن الأمل كان كبيرا بعد نهاية الحرب الباردة في أن يحدث ما يسمى "عالمية قواعد القانون الدولي" ولكن حل محل العالمية ما يسمى ب"عولمة قواعد القانون الدولي".
وبناء على ذلك وبالنظر إلى التطورات التي لحقت بالعلاقات الدولية, يلاحظ أن وظيفة القانون الدولي لم تعد تقتصر على التنسيق بل صارت له نزعة تدخلية كما أرادتها له القوى الكبرى, بذريعة تكريس الأمن والتضامن الدوليين.
فالتدخل باسم حقوق الإنسان أو الديمقراطية أصبح يثير مخاطر وإشكاليات عديدة, فعلى الرغم من إقرار الفقه بشرعية التدخلات التي تتم بناء على اتفاقات مسبقة بين الدولة أو الدول المتدخلة والدولة التي سيتم التدخل في ترابها أو شؤونها, فإن هناك العديد من الإشكاليات التي يمكن طرحها في هذا الشأن، فكيف يمكن قبول طلب نظام ديكتاتوري لتدخل أجنبي في مواجهة انتفاضة داخلية؟ كما يطرح السؤال أيضا حول شرعية التدخل لأغراض إنسانية بوسائل عسكرية وبخاصة إذا كان من شأن ذلك إحداث كوارث إنسانية أخرى لا تقل خطورة عن تلك القائمة, كما يطرح السؤال أيضا بصدد شرعية تدخلات لأغراض ديمقراطية أو إنسانية خاصة إذا كانت تستهدف بالأساس تعميم قيم معينة ونشرها دوليا دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية للمجتمعات المستهدفة, فحقوق الإنسان ينبغي مقاربتها بشكل يأخذ بعين الاعتبار خصوصية وثقافة كل مجتمع, فيما يلزم التعامل مع الديمقراطية بناء على الفعالية لا المؤسسات الشكلية على سبيل المثال.
لقد أضحى تطوير القانون الدولي والنهوض بمستواه في ارتباطه بالمتغيرات الدولية القائمة في علاقتها بالسيادة أمرا ضروريا, ليعكس التطورات الحالية الحاصلة في العلاقات الدولية, وذلك من خلال الموازنة بين حقوق الفرد من جهة وحقوق الدولة من جهة أخرى، وخلق انسجام بين مختلف الوثائق الدولية, فالميثاق الأممي يحرم صراحة اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية أو التهديد باستخدامها فيما نجد أن الإعلان لعالمي لحقوق الإنسان في المقابل, يؤكد على ضرورة ضمان حماية حقوق الأفراد من جور الدول المستبدة(26), وبين السيادة من جهة والسلم والأمن الدوليين من جهة ثانية، ويضع الحد لهذه التضاربات والممارسات الناتجة عن غموض وقصور الضوابط التقليدية في ارتباطها بمسألة التدخل، وبخاصة وأن عدم احتواء هذه الفلتات والسلوكات من شأنه خدمة الأطراف الدولية الكبرى المتحكمة في مسار العلاقات الدولية التي ستعزز من استغلالها لهذا الفراغ القانوني لتكييف الحالات مع القواعد التقليدية القائمة بشكل منحرف وتعسفي مع سعيها الحثيث إلى عرقلة بلورة ضوابط في هذا الصدد تخدم البشرية جمعاء, أو مراكمة سوابق ستؤسس لمقاربات قانونية تعكس تصوراتها ومصالحها.
فحتى وإن كان هناك فرق شاسع بين المواقف والقانون, فإن الممارسة الدولية وبخاصة سلوك القوى الدولية الكبرى وردود الفعل الدولية تجاهها هو المؤشر الرئيسي لتطور القانون الدولي وتكريس مبادئ ومفاهيم جديدة.
إن الواقع الدولي الحالي يبرز بشكل جلي أن العالم يمر بفترة عصيبة من تطوره, مرحلة تباينت الآراء بصددها بين متحدث عن "نظام دولي جديد" وبين متحدث عن فوضى جديدة أو متحدث عن مرحلة انتقالية .. ويظل الشيء المؤكد هنا هو أن العلاقات الدولية أضحى يتحكم فيها منطق القوة أكثر من مقتضيات القانون الدولي المعتبرة ضابطا مفترضا لهذه العلاقات, وهو ما يدفعنا إلى القول بأن القوى الدولية الكبرى شعرت بعدم قدرة هذه المقتضيات في شكلها ومضمونها الحاليين على الاستجابة لمصالحها, ولذلك فهي تتعامل معها بنوع من الاستهتار والانحراف والتهميش والانتقائية.
ولعل التفعيل الذي تحدث عنه البعض أسهم في مسخ العديد من المبادئ القانونية وأفرغها من محتواها وأسهم بشكل كبير في تراجع العديد من الضوابط الدولية, فمكافحة الإرهاب أضحت ذريعة للإجهاز على حقوق الإنسان وممارسة الشعوب لحقها في مقاومة المحتل, فيما أدى تنامي حماية حقوق الإنسان قبل ذلك إلى تراجع مبدأ عدم التدخل.
إن واقع العلاقات الدولية لا يسمح لمختلف المؤسسات الدولية بتنفيذ قرار من القرارات أو إيجاد حل من الحلول خارج الموافقة الأمريكية, أو على الأقل خارج عدم معارضتها, وهو ما يوحي بأن واقع الممارسة الدولية في ارتباطها بمبدأ عدم التدخل يتجه نحو قلب المعادلة التقليدية أي تحويل الاستثناءات الواردة على المبدأ الأصلي إلى قاعدة عامة.
ونعتقد أن السبيل الأساسي والأول لوقف هذه الانحرافات وعقلنة التدخل في اتجاه تطوير وتفعيل القانون الدولي بشكل يأخذ مصالح المجتمع الدولي برمته, ينبغي أن ينطلق من إصلاح الأمم المتحدة باعتبارها الهيئة العالمية الكفيلة والمؤهلة قانونيا بإدارة الصراعات الدولية الموجبة لأشكال محددة من التدخل.
لقد تنبه البعض إلى أن التطور الذي لحق بالقانون الدولي العام, اقتصر دوره على مجرد النص على المبادئ العامة، دون أن يقترن في حالات كثيرة بتحديد السلوك الواجب الإتباع بشكل محدد، مما يجعل التطور يفقد هدفه، ويعرضه لأن يكون خاضعا لإرادة الدول في هذا الشأن, وهذا الأمر كفيل وحده بإلحاق وصف المحدودية بهذا التطور(29).
إن الميثاق الأممي الذي يحمل في طياته العديد من المفاهيم الغامضة التي تنطوي على أهمية وخطورة في آن واحد كالسلم والأمن الدوليين والعدوان والاختصاص الداخلي.. تمنح للقوى الكبرى فرصة فرض التأويلات المنحرفة والاجتهادات المصلحية، وهو الأمر الذي يفرض تدقيق هذه المفاهيم ونزع الغموض عنها, ثم الحد من إقدام هذه القوى الدولية الكبرى على تجاوز المنظمة وحسم خلافاتها بنفسها ضدا على المنظمة والقانون الدوليين, مع ضرورة منح محكمة العدل الدولية السلطة الكاملة لتأويل وتفسير إمكانية الإقدام على هذه التدخلات من عدمها, وإعمال رقابة ذاتية في مواجهة سلوكات المنظمة الدولية نفسها وبخاصة مجلس الأمن وفي مواجهة سلوكات كافة الدول في هذا الشأن, مع ضرورة إقرار كافة الدول بالولاية الجبرية لهذه المحكمة, والعمل أيضا على ترشيد وعقلنة إعمال مقتضيات الفصل السابع من الميثاق، وتبني تفسير ضيق ومحدد للمادة 51 من الميثاق المرتبطة بممارسة حق الدفاع الشرعي.
ونعتقد أيضا أن فرض احترام القانون الدولي بكل مبادئه يبدأ أيضا من تفعيل هذه الهيئة من خلال منحها سلطة في مواجهة كل أطراف المجتمع الدولي بدون تمييز، ومنحها الإمكانيات المادية والقانونية التي تمكنها من بلورة قراراتها على أرض الواقع, وبالتالي تعزيز قدراتها في مجال الحرص على فرض احترام القانون الدولي, ومن خلال خلق تمثيلية متوازنة داخل مجلس الأمن الذي أصبح مجرد حلبة لتبادل التنازلات والمصالح بين القوى الكبرى, هذه التمثيلية التي ينبغي أن تتواءم وطبيعة الأقطاب الدولية الفاعلة, مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول الجنوب, ثم خلق جيش دولي مستقل عن إرادة الدول, تابع للأمم المتحدة, وكذا بلورة فصل صارم للسلطات داخل هذه الهيئة بالشكل الذي يحد من هيمنة المجلس على باقي الأجهزة وتهميشه لها والترامي على اختصاصاتها. ولعل من شأن ذلك كله أن يحد من الهيمنة الأمريكية على هذه المؤسسة الدولية, ويمنحها سلطة مستقلة في مواجهة كل الدول عل قدم وساق, ويسهم في بلورة تصورات جماعية تؤطر العلاقات الدولية الراهنة وفرض احترام القانون الدولي من قبل جميع الفاعلين الدوليين.

2 commentaires:

شركنا برايك ووجهة نظرك